أطباء مصر بين التنمر والاستهداف    وزيرة التنمية المحلية: انتهاء استعدادات محافظات المرحلة الثانية لانتخابات النواب 2025    وزارة الري: السد الإثيوبي يحبس المياه ثم يصرفها فجأة بكميات كبيرة ويهدد مجرى النيل الأزرق    أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم.. الطماطم ب 10 جنيه    أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025    أسعار الخضروات اليوم الاحد 23-11-2025 في قنا    سعر طن الحديد بسوق مواد البناء اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025 فى المنيا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025    وزير الخارجية ونظيره التركي يبحثان سبل تنفيذ مخرجات اجتماع مجموعة التخطيط المشتركة    روبيو يرد على انتقاد خطة السلام الأمريكية فى أوكرانيا.. اعرف قال إيه؟    10 غارات إسرائيلية على خان يونس.. وتوسع عمليات النسف داخل الخط الأصفر    الاحتلال الإسرائيلى يغلق بوابة عطارة وينصب حاجزا شمال رام الله    كير ستارمر يعلق على قضية أندرو وجيفرى أبستين.. ماذا قال؟    الليلة.. الزمالك يستعد لبداية مشواره فى مجموعات الكونفدرالية أمام زيسكو    مواعيد مباريات اليوم الأحد 23 نوفمبر والقنوات الناقلة    المصري في مهمة صعبة أمام كايزر شيفز في الكونفدرالية    غلق طريق الإسكندرية الصحراوي بسبب الشبورة المائية والأرصاد تحذر    اليوم أولى جلسات محاكمة المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    انطلاق امتحان شهر نوفمبر اليوم فى بعض المدارس.. اعرف التفاصيل    بسبب الشبورة الكثيفة .. اطلاق مبادرة فتح منازل الاهالي للمسافرين العالقين بالطرق السريعة بمطروح    بعد قليل.. نظر محاكمة 10 متهمين بخلية لجان العمل النوعي    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان أيام قرطاج المسرحية بعرض «الملك لير» وتكريم يحيى الفخراني    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الاحد 23112025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    علامات مبكرة لسرطان الكبد قد ترافق فقدان الوزن المفاجئ.. تحذيرات طبية تكشف 3 تغيّرات خطيرة في الجسم    حفيدة جون كينيدي تكشف إصابتها بالسرطان وتنتقد ابن عمها روبرت كينيدي    استطلاع: تراجع رضا الألمان عن أداء حكومتهم إلى أدنى مستوى    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    وزارة الصحة: لا توجد فيروسات مجهولة أو عالية الخطورة في مصر.. والإنفلونزا الأعلى ب 66%    كمال أبو رية: لو عاد بي الزمن لقرأت سيناريو «عزمي وأشجان» بشكل مختلف    وزارة الداخلية المصرية.. حضور رقمي يفرض نفسه ونجاحات ميدانية تتصدر المشهد    بصورة من الأقمار الصناعية، خبير يكشف كيف ردت مصر على إثيوبيا بقرار يعلن لأول مرة؟    قد تشعل المنطقة بالكامل، إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق على إيران ولبنان وغزة    استشهاد 24 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة    طقس اليوم.. توقعات بسقوط أمطار فى هذه المناطق وتحذير عاجل للأرصاد    موعد مباراة الأهلى مع الإسماعيلى فى دورى نايل    برواتب مجزية وتأمينات.. «العمل» تعلن 520 وظيفة متنوعة للشباب    نقيب الموسيقيين يفوض «طارق مرتضى» متحدثاً إعلامياً نيابة ًعنه    تامر عبد المنعم يفاجئ رمضان 2025 بمسلسل جديد يجمعه مع فيفي عبده ويعود للواجهة بثنائية التأليف والبطولة    السيسي يعد بإنجازات جديدة (مدينة إعلام).. ومراقبون: قرار يستدعي الحجر على إهدار الذوق العام    وكيل صحة دمياط: إحالة مسئول غرف الملفات والمتغيبين للتحقيق    الصحة: علاج مريضة ب"15 مايو التخصصي" تعاني من متلازمة نادرة تصيب شخصًا واحدًا من بين كل 36 ألفًا    صوتك أمانة.. انزل وشارك فى انتخابات مجلس النواب تحت إشراف قضائى كامل    : ميريام "2"    صفحة الداخلية منصة عالمية.. كيف حققت ثاني أعلى أداء حكومي بعد البيت الأبيض؟    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء قائد سيارة نقل ذكي على سيدة بالقليوبية    مانيج إنجن: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أمن المعلومات في مصر    جامعة القناة تتألق في بارالمبياد الجامعات المصرية وتحصد 9 ميداليات متنوعة    السعودية.. أمير الشرقية يدشن عددا من مشاريع الطرق الحيوية بالمنطقة    د.حماد عبدالله يكتب: مشكلة "كتاب الرأى" !!    دولة التلاوة.. هنا في مصر يُقرأ القرآن الكريم    محافظة الجيزة تكشف تفاصيل إحلال المركبة الجديدة بديل التوك توك.. فيديو    حمزة عبد الكريم: سعيد بالمشاركة مع الأهلي في بطولة إفريقيا    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    بث مباشر الآن.. مباراة ليفربول ونوتنغهام فورست في الجولة 12 من الدوري الإنجليزي 2026    شاهد الآن.. بث مباشر لمباراة الهلال والفتح في الدوري السعودي روشن 2025-2026    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُخ روسيا الجديد.. من يفكر ل«بوتين»؟
نشر في الوفد يوم 28 - 12 - 2016

أليكساندر ديوجين يضع خريطة العالم بعد انهيار أفكار فرانسيس فوكوياما
يطلقون عليه اسم «راسبوتين» بسبب تأثيره على قرارات الرئيس فلاديمير بوتين
يدعو لعالم متعدد الأقطاب ويؤكد موت الليبرالية واستعادة روسيا لمساحة الاتحاد السوفيتى السابق
يرد الاعتبار لهويات البشر ضد صهرهم فى النموذج الغربى ويطالب بالتصدى ل«لعنة التكنولوجيا»
كانت مؤلفات الفيلسوف الأمريكى اليابانى فرانسيس فوكوياما، خاصة كتابه الشهير «نهاية التاريخ»، هى المؤسس الفكرى لنظام العولمة بعد انهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتى.
الآن وبعد فشل العولمة سياسياً وأخلاقياً واقتصادياً وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وإعلانه «سياسة العزلة» وإعطاء الأولوية للشأن الداخلى الأمريكى بديلاً عن دور «شرطى العالم»، تثار تساؤلات عن شكل النظام العالمى الجديد، وموقع روسيا تحديداً فى هذا النظام، خاصة أنها تقطع خطوات فعلية سياسية وعسكرية على الأرض وتعقد تحالفات مع قوى دولية وإقليمية فيما يبدو محاولة لاستعادة مجدها السابق عبر زحزحة القوى الغربية الأمريكية عن التحكم فى السياسة الدولية كلاعب منفرد ووحيد. فمن الذى يرسم الأفق الفكرى لسياسة روسيا الجديدة، وما أبرز ملامحها؟ من الذى يخطط ل«الكرملين»؟ من الذى يشكل «مخ» فلاديمير بوتين؟
يعتبر إعلان فوز الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، فاصلاً بين زمنين وسياستين، خاصة أنه لا ينتمى إلى «قيادات العولمة العالمية» والذى يتمثل فى رؤساء دول أوروبا الغربية وكندا وعلى رأسهم الولايات المتحدة بالطبع، فيما هو معروف فى الأدبيات السياسية باسم «المثلث الأنجلو ساكسونى أو الأنجلو أمريكان».
لقد كانت هيلارى كلينتون هى مرشحة «فريق العولمة»، أما دونالد ترامب فقد كان مرشح التيار الجديد أو ما يطلق عليه «الشعبوى القومى» فى مقابل «النخبوى العولمى».
المتابعة الدقيقة لمعركة انتخابات الولايات المتحدة، تكشف أن المشهد الروسى كان متلازماً معها، من خلال المساندة الإعلامية الروسية لصالح ترامب، ليس هذا فحسب بل وإشراف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عليها بتوجيهات مباشرة منه، مما دفع العقول المفكرة والمخططة للسياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً، إلى البحث عن قوة الدفع الكامنة وراء الإدارة الروسية، وأبعاد ما توصلت إليه الخطط الروسية وأفكارها تجاه أمريكا، خاصة أن روسيا أطلت من تحت أنقاض الاتحاد السوفيتى القديم، ليس فقط برأسها بل بكامل جسدها وعزيمتها القديمة.
يرى خبراء عديدون أن العقل المدبر والمفكر للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة هو الفيلسوف والخبير الجيوسياسى الروسى أليكساندر ديوجين الذى يطلق البعض عليه لقب «راسبوتين بوتين» نسبة إلى الكاهن راسبوتين الملهم للإمبراطورة الروسية ألكساندرا.
أليكساندر ديوجين هو صاحب «النظرية السياسية الرابعة» أو «الأيديولوجيا الرابعة»، وهى نظرية تؤسس لما بعد الليبرالية، بمعنى أن يتحرر العالم من القطبية الأحادية والقيادة المنفردة للولايات المتحدة ومعسكرها الأنجلو أمريكانى الذى يعتمد على الليبرالية ومبادئها التى تتركز حول التحرر من سلطة العقل والدين والمؤسسات الدينية وحتى من سلطة الدولة والجماعة الأكبر عدداً وحجماً.
وتنادى «الأيديولوجيا الرابعة» التى يدعو لها أليكساندر ديوجين إلى الانتقال نحو عالم جديد متعدد الأقطاب يستند إلى الترتيب الهرمى للعلاقات والشخصيات، كما يرد الاعتبار للدين والنظام والنسق الاجتماعى والعادات والتقاليد وتجعل من تاريخ كل أمة مراجعاً ذات خصوصية، تتكوّن من خلالها «هوية الإنسان» بناء على انتمائه لكل المقومات السابقة، فضلاً عن انتمائه لمنطقة بعينها، على عكس الليبرالية التى يعتبر ديوجين أنها تحرر الإنسان من هويته الخاصة، لتقوم بصهره فى الهوية العالمية ذات المفاهيم والأهداف والأنساق الاستهلاكية والنفعية المشتركة، مما يعنى فى النهاية أنها تحّول الإنسان من مواطن ينتمى إلى جماعة ودولة وثقافة معينة، إلى المواطن «العولمى» الذى ليس له بلد معين أو ثقافة أو حتى لغة معينة، وهو ما خلق فى وجهة نظر ديوجين كوارث الهجرات الواسعة والمكثفة إلى الدول الرائدة لثقافة العولمة والتى تقدم نموذج العالم المثالى، بينما تحتكر أية نماذج مغايرة لمعاييرها الأوروبية الغربية والأمريكية.
ويرى أليكساندر ديوجين أن العالم مر بثلاث مراحل أو أيديولوجيات تأثرت بها الشعوب وأثرت فى مصائرهم ممثلة فى الاشتراكية بعد الثورة البلشفية فى 1917، ثم الفاشية التى قادت أوروبا إلى التهلكة فى الحرب العالمية الثانية 1945، ثم الليبرالية منذ 1991 عقب تفكيك الاتحاد السوفيتى.
ويوضح «ديوجين» أن تحرر الليبرالية من كل السلطات، حيث تجعل كل شىء اختيارياً وقابلاً للتغيير بداية من الاقتصاد والأنظمة السياسية وحتى الجنس البشرى، والذى يصل إلى حد تغيير الجنس كما يحدث الآن فى دعم المجتمعات الليبرالية للتحول الجنسى، هو ما يعزز فكرة التفرد أو الفردية والانسلاخ من مفهوم الجماعة أياً كانت، ومن هنا يتم خلق العدو الذى تحاول الليبرالية الانتصار عليه دائماً.
ويضرب «ديوجين» أمثلة على جرائم المعسكر الليبرالى وآليات تفكيره، بأحداث 11 سبتمبر وتبرير احتلال أفغانستان، وتحرير المجتمعات من أنظمتها غير الليبرالية عبر «تسييلها» مثلما حدث فى العراق وإسقاط نظام صدام حسين، أو فى ليبيا وإسقاط معمر القذافى.
ويقول «ديوجين» إن الليبرالية تعتبر مناصرة الأقليات وتغذية انشقاقها هدفاً لها كما يحدث حالياً فى سوريا واليمن، ولا تتركها للاندماج فى الجماعة أى مجتمعاتها الأوسع كما كان الحال فى الأيديولوجيا الاشتراكية الجماعية أو الفاشية القومية، ومن هنا يعتبر أنه لابد من وجود عدو دائم لليبرالية تكون فى حالة حرب دائمة معه بشرط ألا يكون على مستوى القوة والإمكانات التى تمكنه من هزيمتها، كما يحدث الآن فى حربها ضد الجماعات الإسلامية المسلحة أو حربها ضد الإرهاب.
ويرى أليكساندر ديوجين أن الحرب مستمرة بين النخبة من قيادات العالم الأنجلو أمريكانى التى تتبنى الليبرالية برامجها ضد العدو الآخر المعادى لها وهو يتمثل فى روسيا الآن، بإمكاناتها القارية الأوروبية والآسيوية والعالمية التى يمكن أن تحدث انقساماً فى حلف الناتو الذى يعتبر من قواعد الليبرالية الأمنية لدول الأنجلو أمريكان وبالتحديد يضمن أمن أمريكا، مما يجعل المجموعة الغربية فى حالة عداء ضد روسيا بسبب توجهها إلى المعسكر الآخر، مدفوعة برغبتها فى استمرار الليبرالية وليس انهيارها كما هو مقرر وحتمى.
إلا أن أليكساندر ديوجين يؤكد انهيار النظام الليبرالى حتمياً، حيث عندما يعود الإنسان لحالة العدمية التى يتحرر فيها من المقومات والعوامل التى يكتمل من خلالها تكوينه العقلى والوجدانى والجسمانى، يصبح كالمخلوق المنعدم الذى ليس له فائدة، وذلك على المستوى الفلسفى والفكرى، أما على المستوى العملى والعالمى يرى ديوجين أن الأزمات الاقتصادية التى ألمت بالعالم فى عام 2000 و2008، تعطى أدلة حقيقية على فشل النموذج الليبرالى.
ويشير الفيلسوف الروسى إلى عجز النظام الليبرالى العالمى من خلال ما نشهده عبر الانهيارات السياسية لكيانات الدول العربية بعد الربيع العربى، والكوارث الاجتماعية التى تتمثل فى الهجرات غير الشرعية والنزوح الجماعى الذى يتعدى ملايين البشر إلى دول العالم الليبرالى والفشل فى استيعابهم، بالإضافة إلى انتشار المجاعات وغيرها وعجز المؤسسات الدولية أمثال الأمم المتحدة وكياناتها عن سد هذه الفجوات والمآسى المرعبة، بالإضافة إلى عجز التكنولوجيا التى تعبر حدود القوميات عن تقديم الحلول للإنسان من خلال الذكاء الاصطناعى، حيث يرى أن التكنولوجيا أذلت الإنسان وجعلته أسيراً لها، ومن ثم عليه التحرر منها والعودة للابتكار والتفكير اعتماداً على عقله البشرى.
ويرى ديوجين فى نظريته السياسية وأيدولوجيته العالمية الرابعة أو «ما بعد الليبرالية»، أن روسيا هى الدولة ذات المقومات السياسية والجغرافية والتاريخية التى يمكنها من القيام بدور بديل للقوى الغربية الأمريكية، فعلى سبيل المثال قام بتأييد سيطرة روسيا على جورجيا وبعدها جزيرة القرم، حيث يعتبر أن هذه الدول بما فيها أذربيجان وأوزبكستان وأوكرانيا لم يكن لها وجود فى خريطة العالم، وتم اختلاقها بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وإقامة أنظمة سياسية ومؤسسات لها.
ويرى الفيلسوف المقرب من دوائر الحكم الروسية أن حق روسيا فى هذه الدول نابع من طبيعتها الجغرافية الممتدة كإمبراطورية طيلة تاريخها، ومقوماتها الثقافية التى تستوعب قارتي أوروبا وآسيا مجتمعتين، ومن هنا يطرح فكرة اتحاد «أورو آسيوى» على الرئيس بوتين، مع عدم إهدار أو تذويب الكيانات الآسيوية أمثال الصين والهند أو الأوروبية أمثال دول أوروبا الشرقية مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا وغيرها.
ويقول إن دول أوروبا وآسيا اللتين يمكن ضمهما إلى الاتحاد الأوروآسيوى لهما من الخصوصية والإمكانات بداية من النسق الاجتماعى والقيمى والدينى والقانونى والترتيب الهرمى، الذى يؤهل كلاً منها أن تكون لها قيادة متميزة فى الاتحاد، ومن هنا يتم خلق القيادة أو القطبية المتعددة وليس الأحادية أو الحكومة التى تحكم العالم كما هو الحال الآن والمتمثل فى معسكر دول النخبة الليبرالية «الأنجلوأمريكان».
ويقول ديوجين إن انتصار دونالد ترامب يمثل النقلة الجديدة للعصور الوسطى، التى كانت تحتفظ فيها كل دولة ومنطقة بهويتها، حيث يعتبره ذا طبيعة مختلفة، فهو يجمع بين كل المتناقضات: إنه تلقائى ومفكر وعاطفى وخشن فى نفس الوقت، معتبراً أنه سيحرر العالم من العصرية أو الحداثة التى جلبت للعالم كل المصاعب والمآسى الذى يعيشها الآن.
ولكن فى نفس الوقت يرجع ديوجين نصر ترامب إلى فضل روسيا والرئيس بوتين الذى استقى معظم أفكاره من كتاب ديوجين المعروف باسم «نشأة الجيوسياسية»، وهو ما فعله بوتين عن طريق إشعال فتيل الحركات الانفصالية وبث الانقسامات فى المجتمع الأمريكى بين أصحاب العرقيات والديانات والانتماءات الإثنية المختلفة، وهو ما ظهر جلياً قبل العملية الانتخابية وبعدها والمظاهرات التى اجتاحت البلاد وطالبت بانفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة، بالإضافة إلى شق الصف الأوروبى والأمريكى وتقليب ألمانيا وفرنسا على حليفتهم الأمريكية، وهو ما ظهر أيضاً فى المظاهرات التى قادتها بعض المدن الألمانية ضد اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وألمانيا.
«ديوجين» فى سطور
أليكساندر جيلوفيتش ديوجين، كاتب وفيلسوف وخبير سياسى واقتصادى واجتماعى روسى، ولد فى موسكو فى السابع من يناير عام 1962، ينتمى إلى عائلة من العاملين فى القطاع العسكرى المخابراتى فى عهد الاتحاد السوفيتى السابق.
يعد ديوجين من العلماء المجتهدين فى تعليم أنفسهم مختلف فروع العلوم الاجتماعية، حيث علم نفسه عشر لغات، من أبرزها الإنجليزية والإيطالية والألمانية والفرنسية، والتى كانت بمثابة النواة التى ساعدته فى قراءة التراث الأوروبى من أفكار وأشعار وتاريخ منذ القرون الوسطى وصولاً إلى عصر النهضة الأوروبية.
صاحب فكر محافظ ووطنى ويميل إلى النزعات التوسعية للدولة الروسية، ويؤمن بفكرة الإمبراطورية الروسية لدرجة أنه ساهم فى طرح أفكار حول سياسات روسيا الخارجية، والتى كان لها أثر واضح فى القرار الروسى فى إعادة ضم جورجيا وجزيرة القرم إلى الاتحاد الفيدرالى الروسى، بالإضافة إلى تأييده الكامل لاجتياح الجيش الروسى لأوكرانيا، الذى يؤمن بأنها وباقى دول وسط آسيا التى تكونت بعد تفكيك الاتحاد السوفيتى لم يكن لها وجود، وروسيا هى صاحبة الحق التاريخى فى أراضيها، وهى أفكار يرى البعض أنها تقترب من «الفاشية».
تأخر فى حصوله على مؤهلاته الدراسية بسبب تعرضه للفصل من معهد الطيران فى بداية شبابه، ثم حصل على مؤهل عال فى الاقتصاد والإدارة عام 1999، ثم قام بعمل دراسات عليا فى العلوم الاجتماعية والسياسية حتى تأهل لدراسات ما قبل الدكتوراه.
له أكثر من 30 كتاباً، إلا أن هناك بعض من مؤلفاته تعتبر نقاط انطلاق فى حياته على مستوى روسيا والعالم، من بينها «نشأة الجيوسياسية»، والنظرية السياسية الرابعة، وهو الكتاب الذى أسس فيه لنظرية ما بعد الليبرالية، وهى المرحلة التى لابد أن يعيد فيها العالم استعادة هوياته الوطنية والدينية والاجتماعية والجغرافية والقومية، على عكس الليبرالية التى قامت بإلغاء هذه الهويات والاندماج فى الهوية العولمية، التى تنصهر فيها الهويات الأخرى.
أسس نظريته التى تتجسد فى الاتحاد «اليوروآسيوى» الذى حوّله إلى حركة سياسية وحزب يجمع فيه الشباب من العديد من دول آسيا وأوروبا وحتى تركيا، والتى كان من المقرر لها أن تضم بعض دول الشرق الأوسط أيضاً، وكانت هذه الحركة ملهمة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين حتى الآن، وفكرتها تتلخص فى تجميع دول آسيا وأوروبا الشرقية تحت اللواء والقيادة الروسية، ولكن تتواجد هذه الدول فى الاتحاد بما يحفظ لكل دولة مركزها وقيادتها وخصوصيتها الثقافية والدينية والاجتماعية، وبذلك يصبح الاتحاد متعدد الأقطاب فى قابل ومواجهة أحادية القطبية وانفراد معسكر الأنجلو أمريكان بقيادة وإدارة شئون العالم.
رسخ ديوجين طوال مشواره السياسى الذى انتمى فيه لعدة أحزاب سياسية من أبرزها الحزب الاشتراكى فى الاتحاد الروسى، الذى نشر من خلاله الأفكار القومية والتى اعتبرها وطنية مخلصة، ونادى بإنشاء المؤسسات الإعلامية الوطنية التى تدافع عن المصالح القومية والأمنية لروسيا وليس العكس، كما انضم للحركة أو الجبهة البلشفية، والتى تطورت فيها أدواره حتى بات من الدائرة المقربة للرئيس فلاديمير بوتين فيما بعد، حتى أصبح يبرر لبوتين كل تحركاته وقراراته على النحو الإيجابى دائماً، وكان له بعض الجمل الشهيرة مثل «بوتين هو كل شىء وفى كل مكان، بوتين هو الأبدى ولا ينتهى أبداً».
رغم إيمانه العميق ببوتين، شهدت الأيام والسنوات فترات من الصعود والهبوط فى علاقتهما إلا أن دوجين ظل من أقوى المؤثرين على الظاهرة البوتينية فى إدارة روسيا فى الداخل والخارج.
كان ديوجين حتى النصف الأول من الثمانينات ملحداً، رغم إيمانه بالقيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية، التى يعتبرها أعمدة أساسية فى المجتمع، ثم اعتنق التوجه الأرثوذكسى المسيحى الروسى فيما بعد.
يهتم بالعمل الصحفى ومؤسسات المجتمع المدنى ودورها فى التحولات السياسية فى البلدان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.