القول بأن للإصلاح ضريبة لابد أن يدفعها الشعب حتي تتحسن الأحوال ونسير بالوطن إلي بر الأمان كلام جميل ومقبول ولكن في حالة واحدة فقط وهي أن يتحمل الجميع فاتورة هذا الإصلاح, ولكن أن يدفع صغار الموظفين والفقراء من محدودي الدخل تلك الفاتورة, فهذا هو الظلم بعينه, وللأسف هذه هي الجريمة التي ستنجم عن الموافقة المتسرعة, التي أراها تلوح في الأفق علي قانون الخدمة المدنية الجديد الذي تناقشه لجان مجلس النواب حاليا. خاصة وأن هناك إشارات تؤكد أن نواب الأغلبية يميلون إلي الموافقة, رغم أن أسباب الرفض الأولي للقانون لا تزال موجودة,وأن المشروع يجعل الحكومة تكيل بمكيالين,وتحمل محدودي الدخل النسبة الأكبر من فاتورة الإصلاح, خاصة وأن معظم مواد القانون تسري فقط علي بعض فئات العاملين بأجهزة الإدارة المحلية, والذين يحصلون علي أقل الأجور في الدولة, أما أصحاب المرتبات المرتفعة فلا تسري عليهم. المشروع الجديد يحمل الكثير من الملاحظات, فأغلب مواده لم تتغير, بالرغم مما حدث من تغييرات للأفضل في بعض المواد, في مقابل أن بعض المواد أصبحت أسوأ مما كانت عليه مثل إصرار الحكومة علي المادة المرفوضة بسبب الأمن القومي' بأن يكون متمتعا بالجنسية المصرية أو جنسية إحدي الدول العربية التي تعامل المصريين بالمثل في تولي الوظائف المدنية, فقد أبقت الحكومة في مشروعها الجديد علي نفس المادة دون تغيير, بالإضافة إلي العلاوة التي لا تناسب حجم التضخم وارتفاع الأسعار وهي5% عن الأجر الوظيفي, بالرغم من أن نسبة التضخم حاليا تزيد عن12% وهناك توقعات بارتفاع مضاعف لأسعار السلع بسبب أزمة الدولار وتراجع الجنيه,كما أن القانون لم يحدد موعد إعادة النظر في قيمتها, مما سيؤدي إلي تآكل مرتبات العاملين بنسبة7% سنويا, وهو ظلم بالغ, وبهذا الشكل لن يحصل الموظف علي ميزة, مما سينتج عنه الاضرار بمصلحة المواطن,وخاصة محدود الدخل, ويطلق القانون يد الإدارة في الترقي والجزاء تحت حجة محاربة الروتين والفساد رغم أنه لا يسهل محاربة الفساد لأن محاربته تعني ضرورة وجود محددات موضوعية للترقي وليس إطلاق يد الإدارة في تقرير الكفاءة أو الأداء, وهناك نقطة مهمة وهي أنه لا يجوز ترقية موظف إلا بعد إزالة الجزاء ما يعني أنه في حال حصول الموظف علي إنذار واحد في عمله الوظيفي لن يحصل علي أي ترقية, بالإضافة إلي نصه علي الترقية بالاختيار ل100% من الموظفين وهي نسبة مرتفعة جدا رغم أن الكفاءات في أي قطاع لا تزيد نسبتهم عن25%, ما يعني توقف كافة مرتبات الموظفين عند درجة محددة لن تتغيرعنها. كما أن القانون مازال به عيب أساسي وهو انطباقه علي بعض العاملين دون غيرهم, وهو باب للطعن الدستوري عليه, ولابد أن يكون القانون عام يشمل كل القطاعات, والذي حال عدم حدوثه يكسر الهدف الأساسي من عمل القانون, وهناك أيضا عقوبة الإحالة للمعاش لشاغلي وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية وهي ظالمة جدا ومعناها أن الموظف تم فصله, فكيف يكون موظفا منذ18 سنة وفجأة يحال إلي المعاش, لابد من وجود ضمانات خاصة في حالة اكتمال المدة البينية لصرف المعاش. وإن كان من حق الحكومة التقدم بتعديلات, كان عليها أن تعي وتراعي ارتباط الموضوع بملايين الموظفين, والذين من حقهم طرح التعديلات للحوار لمناقشته بدقة, وضرورة احترام آراء كافة الفئات, لتتمكن الدولة من الوصول إلي قانون قابل للتطبيق لتحقيق التطوير الإداري المرجو.