الأغنية الشعبية هي معدن هذا الشعب الذي أبدع الموال والسيرة الهلالية وحسن ونعيمة,وبمفهومها العلمي والحضاري تشمل أشكالا متعددة بداية من أغاني العديد العدودة أي الأنغام الحزينة إلي أغاني الأفراح. تراثنا وحياتنا وموقف الشعب تجاه الأوضاع السائدة في المجتمع,فإلي جانب كونها بمثابة تاريخ للأمة,فهي أيضا ثمرة جهد فنانين حقيقيين امتلكوا ناصية هذا اللون الطربي,وشحذونا من خلاله إلي التمسك بالقيم والتقاليد,والعمل,والكفاح من أجل لقمة العيش,والأسرة الصالحة,والمجتمع النافع. هذا ما كان في سالف العصر والأوان قبل انتشار السوقية والإسفاف والهبوط والتدني الذي أفسد الذوق العام,وساهمت في انتشار مؤديه بشكل كبير الفضائيات وموجة الأفلام إياها التي استعانت بغرائب وعجائب لينشزون ويصرخون ويلوثون أسماعنا بكلمات هابطة وافهات سخيفة لا يجوز بأي حال من الأحوال أن ننسبهم إلي الطرب الشعبي؟! ان ما نسمعه هذه الأيام ونشاهده يجعلنا نترحم علي عمالقة اللون الشعبي الذين أمتعونا عبر تاريخ طويل بفن سري في وجداننا وحصن جيلنا من الغثاء المنسوب عنوة للغناء. قبل أكثر من عشرين عاما مضت وفي إحدي الليالي الغنائية الرمضانية التي اقامتها نقابة المهن الموسيقية طوال الشهر الكريم علي مسرح سينما الكواكب بحي الدراسة العريق,انتفض أستاذنا الناقد والمؤرخ الموسيقي عبدالحميد توفيق زكي الذي كان مدعوا مثلي,عندما داعب أذنه صوت جميل يقدم أغنية المطرب الكبير محمد قنديل3 سلامات وهب واقفا وهو يصفق ويقول الله الله..صوت هايل ومتمكن..مين ده؟..قلت له مجدي طلعت,وأردف حلمي أمين نقيب الموسيقيين آنذاك والذي كان يتوسطنا جلوسا جاري وابن العباسية..مطرب شعبي يعجبك,تبسم الرجل وطالب النقابة بالاهتمام به. تذكرت هذه الواقعة وأنا أستمع لمجدي طلعت في حوار له علي نجوم اف ام.. ذلك الصوت الشعبي الأصيل وفارس الأغنية الذي يقف بمفرده علي الساحة الآن رافضا كل المغريات التي قدم من أجلها آخرون تنازلات للتواجد علي الساحة لمسايرة الموجة,ومواكبة الهلس,وتقديم الغث من الغناء,ورغم انتظاره مرور سحابة الإسفاف التي طال وقتها غير أنه مازال ينحت في الصخر بحثا عن الكلمة الشعبية الشيك المحترمة واللحن الراقي الجميل,كان ظهوره في وقت كل ما يقدم علي الساحة عبارة عن كلمات وأرتام سريعة وخفيفة,إلا أنه كسر القاعدة والمألوف وتعاون مع مؤلفين بحجم سيد مرسي,سمير الطائر,وبهاء الدين محمد, وعنتر هلال, وأمل الطائر,و فطاحل التلحين سيد مكاوي,عبدالعظيم محمد, ومحمد علي سليمان,وفاروق الشرنوبي,وحسن أبوالسعود,وقدم أعمالا رائعة كلما مر عليها الزمن تزداد قيمتها. لم يعرف مجدي طلعت الشللية أو مجارة الجو,لهذا سطع في الأضواء كثيرون أقل منه صوتا وغناء,وأكثر منه تربيطا وتنطيطا,رفض العمل في الملاهي الليلية وبذخ روادها,وأبي أن يقدم فنه لمن يترنحون ويتمايلون,تم اعتماده مطربا بالإذاعة في وقت كانت فيه أصوات مشهورة الآن تخشي المرور من أمام مبني ماسبيرو وليس الوقوف أمام لجنة الاستماع التي تضم في عضويتها أساطين الموسيقيين, ولكن عندما انتشرت الفضائيات وغنا كل من له نفس يغني تساوت الرءوس!. قال لي موسيقي راحل إن المطرب حكيم عندما نزح من بلدته جاء طالبا من الملحنين أن يغني مثل مجدي طلعت,الذي رفض تقديم أغنية افرض التي عرضها عليه أولا الملحن عصام توفيق,بقي أن أقول ان هذا الفنان الحقيقي باع شقة كان يمتلكها ليصرف علي فنه,وليأتي بأمهر عازفي الفرقة الماسية وبأفضل الموزعين لتسجيل موسيقي أغنياته, واسألوا يحيي الموجي.. يبدو أن شيخ الموسيقيين صلاح عرام كان محقا عندما همس لي قبل سنوات قائلا الجدع ده مجنون غنا وجاء في الزمن الخطأ.