مدينة مثل القاهرة جميلة حتي بفوضاها... هي ماهي.. ولكن بعض الفوضي تحتاج إلي تنظيم وضبط, ومن ذلك المحال التجارية التي تعمل نحو12 ساعة من منتصف النهار حتي مابعد منتصف الليل أحيانا, وفي السبعينيات ظهرت فكرة تحديد موعد لإغلاق المحال التجارية, توفيرا للكهرباء, وضمانا لعدم الزحام, ومع الوقت, ومثل أي قانون أو قرار, نامت الفكرة ثم عاد التفكير فيها, ومع طرحها وجدت مؤيدين من الجمهور, ولكن أصحاب المحال والعاملين فيها أبدوا اعتراضا وقلقا حيث لايبدأ عملهم الا في المساء, نظرا لانشغال المستهلك طوال النهار في أعمال متلاحقة لاينتهي منها إلا في المساء, ثم يبدأ التسوق.. وكشف الاتحاد العام للغرف التجارية عن الإتجاه إلي تحديد مواعيد لفتح وإغلاق المحلات التجارية بحيث تكون من العاشرة صباحا وحتي الثامنة مساء والتاسعة في الصيف, وتحديد يوم الاجازة الأسبوعية الأحد أو الجمعة تبعا لطبيعة النشاط مع تسيير سيارات صغيرة لنقل البضائع بهدف إعادة الشكل الحضاري لشوارع العاصمة. ولكن محمد عبدالرحمن صاحب محل للملابس بوسط البلد يري أنه ليس هناك مايستدعي تطبيق هذا القرار الآن, خاصة أن السوق تعاني من كساد ومعظم المحلات في حاجة إلي فترات كافية لتغطية الالتزامات المفروضة عليها من إيجارات وعمالة وفواتير كهرباء. ويضيف أنه عند تحديد فترة محددة للعمل في المحلات التجارية سيضطر إلي الإستغناء عن نصف العمالة لديه لترشيد النفقات مما يؤدي إلي تفاقم البطالة. ويقول حسن الزغبي صاحب محل ملابس بالعتبة إن حركة التجارة لاتنشط إلا بعد السادسة مساء فكيف يستطيع تغطية كل مصروفاته في ساعتين خاصة أن معظم المحلات تتعدي مصروفاتها اليوميه الألف جنيه وطالب الغرف التجارية بمد وقت الغلق إلي العاشرة مساء ويقول حلمي بائع بأحد محلات الملابس معظم المعارضين لهذه الفكرة هم أصحاب محال الإيجار الجديد الذي يتعدي10 أو15 ألف جنيه شهريا كما أن المترددين علي معظم المحلات يعلمون أنها لاتغلق ابوابها إلا في ساعات الصباح الأولي وردد مقولة اللي مايشتري يتفرج معتبرا أن هذا شعار زبائن اليوم, ويضيف أنه في تحديد المواعيد لن يدخل المحل إلا الذي يريد الشراء فعلا حفاظا علي وقته ويقول رمضان بائع إن هذه الفكرة تم تطبيقها من قبل بقرار في السبعينيات بغرض توفير الكهرباء التي تدعمها الدولة وإلتزم الجميع بالمواعيد, وكانت شرطة المرافق إذا وجدت محلا مفتوحا في غير المواعيد المحددة توقع عليه الغرامات التي كانت تصل إلي الغلق. كما أننا اليوم في حاجة إلي تنظيم حركة التجارة الداخلية والمحافظة علي راحة العمال. في حين يؤكد أحمد عبدالله45 سنه رب لأسرة علي أهمية تطبيق هذا النظام للقضاء علي الزحام وتوفير الكهرباء خاصة وأننا عانينا من الإنقطاع المستمر للكهرباء في الصيف الماضي. ضد حرية المستهلك أما سعيد رمضان موظف فيعتبر هذا النظام تقيبدا لحرية المستهلك, لأنه يفرض عليه وقتا محددا لقضاء حوائجه, وأنه لم يضع في الاعتبار الأشخاص الذين يعملون لفترات متأخرة من الليل فكيف يستطيعون قضاء مستلزماتهم الأسرية, الا بالانقطاع عن العمل في ذلك الوقت. ومابين الرفض والتأييد هناك تساؤلات تطرح نفسها في مقدمتها الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عنها وهل سوف تتضخم مشكلة البطالة... هل تتزايد فترات انقطاع الكهرباء... وكيف يتمكن الشخص الذي يعمل لساعات متأخرة من قضاء حوائجه؟ جانب من الاجابة يأتي علي لسان أكثم أبو العلا وكيل أول وزارة الكهرباء حيث يقول تحديد مواعيد لفتح وإغلاق المحال أمر متعلق بالمجتمع المدني, ولاتوجد سلطة لوزارة الكهرباء في هذا الشأن وأضاف: قضية توفير الطاقة الكهربائية أمر مرتبط بمواعيد الذروة المحددة بعد المغرب بساعتين في الصيف والشتاء, وأي إغلاق قبل هذا الميعاد أو بعده ليس له تأثير علي الطاقة. ويطالب في حالة تحديد مواعيد للغلق بأن تكون في وقت الذروة حتي نستطيع الاستفادة منه في تقليل الأعباء علي مولدات الطاقة. قرار مركزي أما خالد مصطفي المستشار الاعلامي لمحافظة القاهرة ومدير إدارة الاعلام فيقول إن منظومة التجارة الداخلية تحتاج إلي مزيد من التنظيم, مثلها مثل معظم الدول الأوروبية والعربية التي تحدد مواعيد للفتح والغلق, وإن الأمر له فوائد عديدة منها توفير الكهرباء وتقليل التكدس المروري وسط البلد, وتسهيل مهمة تنظيف الميادين العامة كما أن القضية مرتبطة بأكثر من طرف كالتجار الذين تمثلهم غرفة القاهرة التجارية, والمواطنين يمثلهم المجلس الشعبي المحلي, وبمحافظة القاهرة التي تقوم بعملية التنسيق بين جميع الأطراف. وأضاف أنه تمت الموافقة مبدئيا علي تحديد مواعيد لفتح وغلق المحال ولكن لم يتم تحديد المواعيد نهائيا بعد, حيث إنه سيراعي في هذه المواعيد أيام الإجازات والمواسم والأعياد علي أن يسمح خلالها بالفتح لفترة أطول, كما أنه سيكون هناك تفاوت بين المحلات, إذ توجد محال خدمية تستدعي اطالة فترات الفتح مثل المطاعم والكافتيريات والبازارات السياحية, حتي يتسني لها خدمة باقي المواطنين الذين تمتد فترات عملهم إلي مابعد المواعيد الرسمية وقد تمتد الي وقت متأخر من الليل. ويضيف, بخصوص الصيدليات, يتعين السماح لصيدلية واحدة في كل منطقة بالفتح علي مدار الساعة, لتلبي احتياجات المواطنين, وهنا يبرز دور الغرفة التجارية في تحديد نوعية المحلات التي تقدم خدمات مهمة, لا يمكن الاستغناء عنها, حتي يتم الاتفاق علي تنظيم الفتح والغلق لها, وبخصوص الهايبر ماركت وكارفور وماكرو, فإن هذه المولات الكبيرة معظمها محلات مختلفة الأنشطة, وسيتم التعامل معها حسب طبيعة كل نشاط. ويري أن هذا القرار يجب أن يكون مركزيا ويصدر من وزارة التنمية المحلية, حتي لا يختص بمحافظة القاهرة فقط, وذلك لأن المحافظة مرتبطة بمحافظات الجوار مثل الجيزةوالقليوبية, مما يستدعي تطبيق القرار عليالقاهرة الكبري, لضمان عدالة التطبيق, ولتجنب الشكاوي من أصحاب المحلات في المحافظات المجاورة, والمصانع التي تعمل أكثر من وردية فإنه لن تطبق عليها ذات المواعيد, وستكون لها مواعيد خاصة بها. المساواة في الغلق محمود الداعور رئيس شعبة الملابس الجاهزة والمنسوجات بغرفة القاهرة التجارية يقف في طليعة المؤيدين لتحديد مواعيد فتح وغلق المحلات, إذا تساوت جميع المحلات في هذا الأمر. وأوضح أن كثيرا من المحلات تلجأ إلي حيلة البقالة لتتهرب من الأمر مدعية أنها تبيع المواد الغذائية, لذلك يجب تطبيق القرار علي الجميع بإستثناء محل واحد للمواد الغذائية في كل منطقة ويكون الأمر بالتناوب. اقتصاد مواز ويقول يحيي زنانيري نائب رئيس شعبة الملابس والمنسوجات بغرفة القاهرة التجارية أن الأمر ليس في قضية فتح وغلق المحلات, بل هناك ما يسمي بالاقتصاد الموازي الذي يعمل علي ضوء المحلات. وأشار إلي أن مصر بلد سياحي مشهور بليله الساحر وشعبه المتيقظ, لذا يجب أن يكون هناك توفير للخدمات في جميع الأوقات, غير أنه رفض ربط الأمر بزيادة استهلاك الكهرباء, حيث أن الكهرباء التي توفر من غلق المحلات, سوف تستنزف داخل البيوت, كما أن تحديد مواعيد للفتح والغلق من شأنه أن يؤدي إلي حدوث أزمة مرورية طاحنة. تقيد حرية المستهلك ويقول طه حسين محمد رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القليوبية التجارية إن تحديد المواعيد هو تقييد لحرية المستهلك, لأنه يفرض عليه مواعيد محددة للشراء, كما أنه اجراء غير دستوري, وأن أصحاب المحلات يضطرون لاطالة فترات العمل, لعدم وجود إيرادات ولتغطية نفقاتهم في ظل التدهور الاقتصادي مشيرا إلي أن90% من المحال تستخدم اللمبات الموفرة للطاقة, مما ينفي مشروعية توفير الطاقة. أزمة مالية ويقول د. حمدي عبد العظيم الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية إن هناك خطورة لتحديد مواعيد للفتح المبكر, لأن ذلك من شأنه أن يؤثر علي النشاط التجاري, وتقليل الأرباح, ولجوء كثيرين إلي تسريح العمال لتقليل النفقات, كما أن حركة التجارة لا تنشط إلا في الأوقات المتأخرة, وأن فترة الصباح تتميز بالكساد, لذلك نجد معظم المحال لا تفتح أبوابها إلا بعد الثانية عشرة ظهرا, وأن العميل لا يذهب إلي التسوق إلا بعد العودة من العمل وقضاء فترة راحة بالمنزل. ويطالب بتطبيق ما يحدث في دول الخليج, حيث أنه يتم اطفاء الأنوار عن جميع المحلات بعد منتصف الليل مما يضطر جميع العملاء إلي قضاء مستلزماتهم قبل هذا الموعد. البدء في وقت مبكر ويقول د. يوسف إبراهيم أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن الأمر له شقان الأول متعلق بالمحلات الانتاجية والثاني بالخدمية, وأنه في حالة تحديد مواعيد غلق مبكر للمحلات الانتاجية, يشترط أن تبدأ مبكرا, حتي يتوافر الوقت الكافي للإنتاج, كما أن العمل مبكرا, يؤدي إلي زيادة الانتاج, حيث يكون استعداد الجسم أفضل للأداء, وبالتالي يكون ذلك أفضل للاقتصاد القومي ويوفر علي العامل الكثير من النفقات.ويضيف أنه في حالة المحلات الخدمية فإن المواعيد لن تؤثر علي حركة البيع والشراء, بالاضافة إلي توفير الكهرباء, ولكن يجب أن نراعي جميع الفئات, لتوفير الخدمات لهم في جميع الأوقات, حتي لا تنشأ ما تسمي بالسوق السوداء, كما يجب ألا توقف المصانع التي تتجمد بها المواد الخام, حتي لا تتكبد خسائر قد تضر بالاقتصاد القومي. أما ما يتعلق بإمكان حدوث أزمة مرورية فإن الأمر لا يحتاج سوي عملية تنظيم لحركة السير في الوقت الذي تغلق فيه المحلات, كما أن المشكلة تعاني منها طول اليوم. اقتصادنا ويقول د. طارق سليم أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة إن الاقتصاد المصري اقتصاد نام لا يتحمل القوانين المقيدة لحرية التداول, وأنه في فرنسا يتم غلق المحلات التجارية في الساعة السابعة, وفي أمريكا نجد المول المقابل لمبني وزارة الدفاع( البنتاجون) يغلق أبوابه في العاشرة, ولكن كل من الاقتصاد الأوروبي والأمريكي يتحملان مثل هذه القوانين, بالاضافة إلي قوانين العمل الملزمة لجميع الشركات والهيئات بتحديد مواعيد انتهاء العمل. وأوضح أن هناك فئات تعمل حتي وقت متأخر من الليل فكيف تحصل علي خدماتها في هذا التوقيت, بالاضافة إلي وجود نشاطات مثل الصيدليات تعمل علي مدار الساعة, فكيف سيتم التعامل معها؟ ويطالب د. سليم بجعل الأمر اختياريا لفترة محددة, وإذا ثبتت جدوي ذلك يتم تعميمه علي جميع المحلات, وفي حالة الفشل يعود الأمر إلي ما كان عليه دون أن تتزايد الخسائر الاقتصادية.