جامعة الفيوم تحتفل على شرف الطلاب المثاليين سفراء النوايا الحسنة    إيبارشية بني سويف تعلن ترتيبات الصلوات وحضور قداس عيد القيامه المجيد    بتكلفة 3.5 مليون جينه .. افتتاح مسجدين في الواسطى وسمسطا    حماة الوطن: تأسيس اتحاد القبائل العربية وتدشين مدينة السيسي خطوتان للأمام    رئيس الطائفة الإنجيلية يصلي الجمعة العظيمة بالقاهرة الجديدة    أخبار التوك شو.. مفاجأة في أسعار الذهب والدولار.. ورضا عبد العال: لن أخالف ضميري من أجل الأهلي    محافظ بني سويف: توفير الدعم العاجل لأهالينا الذين يتعرضون لمواقف حرجة وطارئة    بريطانيا تفرض عقوبات على مجموعتين وأفراد بإسرائيل    القاهرة الإخبارية: إسرائيل تعتقل 44 صحفيًا في السجن الإداري.. فيديو    مصر تقف أمام المخططات الإسرائيلية الهادفة لتهجير سكان غزة إلى سيناء    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ليفربول يصدم محمد صلاح بهذا القرار.. "تفاصيل"    ثمن الخيانة في الوراق.. العشيق هرب من غرفة النوم إلى سرير المستشفى    أخبار الفن.. أحمد رزق يخضع لعملية جراحية عاجلة.. السرب يقترب من 4 ملايين جنيه فى يومين    بالأسماء.. تعرف على الكتب الأكثر إقبالا بجناح مركز أبو ظبى للغة العربية    اقدر.. مباردة مجتمعية تستقبل زوار معرض أبو ظبي    التضامن تكرم كارولين عزمي بعد تألقها في «حق عرب»    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    المفتي: مشاركتنا لشركاء الوطن في أعيادهم على سبيل السلام والمحبة وحسن الجوار    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    بعد تصدرها التريند.. التصريحات الكاملة ل نهى عابدين ببرنامج مساء دي إم سي    إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    أبرزها "توفير مصل التسمم".. "الصحة" تعلن خطة تأمين احتفالات عيد القيامة وشم النسيم    طوارئ في الجيزة استعدادا لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    المنتدى الاقتصادي يُروج لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    تعاون «مصري- يوناني» النسخة الجديدة مبادرة «إحياء الجذور – نوستوس»    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة خلال أبريل الماضي    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2024.. تفاصيل    انخفاض أسعار الذهب الآن في سوق الصاغة والمحال    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    الأهلي يهنئ الاتحاد بكأس السلة ويؤكد: "علاقتنا أكبر من أي بطولة"    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 3 مايو 2024.. مصادر دخل جديدة ل«الأسد» و«العقرب» ينتظر استرداد أمواله    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تضيع وقتك وصحتك في مصر

أتصور أن الحكومة وهي تفتح ملف توفير الطاقة الكهربائية من خلال الدعوة لإغلاق المحلات مبكرا، لم تكن تعرف أنها بذلك تنبش في قضية أكثر تعقيدا من التناول المباشر للموضوع، وهي طبيعة الشخصية المصرية التي تبدلت «180» درجة، وكأننا نتحدث عن شعب ومجتمع وبلد آخر، فهذا الموظف الذي كان يخرج في الظهيرة بعد نهاية عمله للتسوق أو للتنزه مع أسرته، مكتفيا بساعات الإرسال التليفزيوني المحددة، يعاني الآن ويلات ضغوط الحياة، التي تجبره علي العمل في أكثر من وظيفة لزيادة دخله لمواجهة ارتفاعات الأسعار الجنونية، مع التأكيد علي أنه لا يدرك قيمة العمل أساسا، بل «يزوغ» من وظيفته الصباحية الحكومية «ليكروت» وظيفته الإضافية.. في المقابل لا يبدأ صاحب العمل الحر مثل صاحب المحل يومه من الصباح الباكر، بل من الظهيرة، وبالتالي هناك حوالي ست ساعات يومية تضيع في «اليوم المصري» وفق قواعد العمل الدولية من السادسة صباحا وحتي الساعة 12 ظهرا !
الغريب أن الحكومة لم تشغل نفسها بدراسة كل هذه التغيرات المزعجة صحيا واجتماعيا واقتصاديا، واهتمت بفرض قرارات مثيرة دون الحديث عن تغيير ثقافات ينسبها البعض لفترة الانفتاح الاقتصادي، وآخرون يحملونها للعولمة المتوحشة، ومعسكر ثالث إلي الفوضي التي يحترفها المصريون الآن أكثر من أي شيء آخر، فعندما بحثنا عن دراسة علمية أو إحصائية تفسر هذه الأوضاع المصرية لم نجد شيئا، ورد علينا الخبراء المتخصصون بأنه لا توجد دراسة تهتم بهذا الشأن رغم أننا عندما سألناهم عنها ردوا علينا بما يمكن أن تؤلف كتب فيه، وهذا يأتي دون أن يعلموا أو يدركوا «منظومة الفوضي» - لو صح التعبير - التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة المصرية، فالآن اللبناني والخليجي والتونسي متفوق علي المصري في التوافق مع القواعد الدولية في «دوام اليوم»، لهم أوقات محددة في كل شيء لأن هناك أوقاتا محددة للعمل، وبالتالي يؤثر ذلك بصورة واضحة علي استهلاك الكهرباء والكثافة المرورية، لكن هذا الخواء الواضح للمصالح الحكومية والشوارع التجارية في هذه الأوقات في مثل هذه الدول يضع الأجهزة الأمنية تحت ضغط كبير من المفروض أن تكون مستعدة له، خاصة أن هذا كان يقلق التجار والمواطنين بعد عودة انتشار ظاهرة التحرش بالفتيات في الشوارع التي خفضت إنارتها.
ليس جديدا
ولمن لا يعرف فإن قرار إغلاق المحلات في وقت مبكر ليس جديدا بل نفذ لفترة في بداية الثمانينيات، لكن لم يكتب له النجاح لأنه كان قرارا إداريا، وزادت الآن بل تفاقمت الظواهر التي تفشله مرة أخري لو فكرت الحكومة بشكل جدي فيه، فقبل أن تغلق المحلات يجب أن تجري نقاشا حول الشخصية المصرية التي تغيرت تماما وتحاول أن توفر الصورة الصحيحة «للدوام» مع الوضع في الاعتبار أن التغيرات المناخية التي حولت مصر إلي دولة خليجية من ناحية الحر فقط لا البترول، تجعل من الصعب أن يخرج المصريون في الظهيرة للتسوق.
يوم وليلة
ويؤكد الخبراء أن الطبيعة العملية والمزدحمة والغوغائية للمصري هي السبب في تكدس المرور في كل الأوقات، فلا يمكن أن يكون هناك زحام مروري في الظهيرة وهو المفروض أنه وقت عمل، ففي كل دول العالم أوقات الزحام المروري محددة ومرتبطة بفترات العمل لا «التزويغ» الذي يتسبب في زحام الساعة «12» ظهرا، وبالتالي فمن المنطقي أن تبدأ أوقات التسوق المصري من التاسعة مساء بعد أن ينفض المصري من كل مسئولياته اليومية، لكن الغريب أن الكل يبدأ التسوق في هذا الوقت، ولا فارق بين موظف وعامل حر وربة منزل.
وبالطبع كل هذه الفوضي لن تقاوم بقرار في يوم وليلة بل الأمر يحتاج إلي تغيير ثقافات ، خاصة أن كل الدول العربية التي قلدت النماذج الأمريكية والأسيوية والأوروبية في فترات «الدوام» نجحت كثيرا، وبالتالي يجب إعادة الجدول اليومي للأجندة المصرية الفوضوية، والتي لا تشمل أي وقت لأي شيء، بدءا من العمل إلي الواجبات والترفيه والتسوق، رغم أن المصريين يسهرون حتي الفجر لأنهم يبدأون يومهم من الظهر عكس كل البشر حول العالم، وبالتأكيد هذه الأوضاع لها تأثيرات اقتصادية كبيرة وصحية أكبر واجتماعية أكثر لكن لا توجد أي إحصائيات ترصد ذلك لأنه لم تر أي حكومة تعاقبت علينا أزمة في هذه الأمور الخطيرة!
مصنع لا يتوقف
من جانبه وصف د. إمام حسنين الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الحياة المصرية بأنها مصنع لا يتوقف فتتسلمه الورديات من الصباح إلي المساء، متسائلا: كيف سيصبح المواطن منظما في ظل حكومة غير منظمة تصدر قرارات عشوائية في يوم وليلة، وهذا لا ينطبق علي الحكومة الحالية وإنما علي الحكومات التي تعاقبت علينا، فالمواطن لا يضع جدول أعمال لوقته، وإنما دائما ما يتحايل علي هذا النظام لاختراقه، فهل من المنطقي إذا نزلت الشارع الساعة 12 ظهرا تجده مزدحما بالمارة وكأن هذا الوقت ليس مخصصا للعمل وهذا لا ينطبق علي أيام العمل الرسمية حتي في أوقات العطلات؟!
تكدس دون مبرر
حتي أصحاب الأعمال الحرة تجدهم يبدأون يومهم في فتح محلاتهم التجارية بعد الساعة الواحدة ظهرا إلي منتصف الليل مشيرا إلي أن أبسط الآثار الجانبية لذلك والتي أصبحنا نعاني منها هي «التكدس المروري» دون أي مبرر في كل الأوقات، فهل يعقل أن تتم فقط عمليات البيع والشراء بعد الساعة التاسعة مساء في العاصمة التي يتردد عليها مليون زائر يوميا بما يمثل ضغطا علي الشوارع والمواصلات العامة وأن يتم هجره بقية اليوم، فهناك ربات بيوت لا يعملن فلماذا لا ينزلن في الصباح الباكر لكي يشترين مستلزماتهن وحتي الموظفين لديهم وقت كاف لمدة ساعتين بعد انتهاء عملهم لشراء احتياجاتهم، ولكن للأسف النظام لا يحتاج إلي قرارات وإنما هي ثقافة لا تولد بين يوم وليلة، قائلا: من الصعب اليوم تعديل هذه السلوكيات التي ورثناها من منتصف الثمانينيات حتي إنها أصبحت مسيطرة علي سلوكياتنا وتصرفاتنا اليومية.
سلوكياتنا
وأوضح أن هناك عدة صفات أفرزتها نتائج البحوث الاجتماعية التي تمت خلال السنوات الماضية، والتي أظهرت أن المواطن المصري أصبحت تحكمه عدة سلوكيات نشاهدها يوميا كالانتهازية واللامبالاة والفوضي والبلطجة أحيانا، حيث إنه بسبب احتياجه لعمل إضافي يضطر للسهر ليلا، وبالتالي يعوَّد الآخرين علي التجرؤ والخروج علي القانون أحيانا لفرض سلوكه العشوائي حتي يقلده الآخرون، ومثال علي ذلك لا تجد محلا واحدا فقط يفتح في الساعة التاسعة صباحا أو يغلق الساعة 12 مساء وإنما تجد جميع المحال التجارية تفتح وتغلق في نفس التوقيت وكأنه اتفاق علي فرض سطوتهم علي المنطقة وهكذا حتي تقلدهم بقية المحال التجارية الموجودة داخل أي تجمع سكني أو تجاري، بينما أرجع د. إبراهيم العيسوي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي تضارب جداول العمل في اليوم الواحد إلي الفوضي التي أصبحت جزءا من سلوكياتنا اليومية، والتي تسببت في تراجع معدل نمونا اقتصاديا بل عرقلت التنمية في شتي المجالات، مشيرا إلي أن القوانين فشلت في تعديل سلوك الناس، موضحا أن سوريا والأردن ولبنان تضاهي الدول الأوروبية في تحديد مواعيد معينة للشراء وليس عشوائية، كما يدعي البعض أنه بسبب صعوبة الحياة وقلة الدخل ولكن هناك عدة أسباب أخري وإن كنت لن أضع اللوم علي المواطن فقط بعيدا عن الحكومة، فالتكدس في المصالح الحكومية يضطر الموظف لعدم وجود مكان له في المصلحة التي يعمل بها أن يزوغ لقضاء وقته في المحلات ليس للتسوق أو لتسلية وقته، بل أحيانا يستغل الفترة الصباحية في العمل علي تاكسي، والبعض الآخر يلجأ بعد انتهاء عمله إلي التنقل بين بعض الأعمال الخاصة كالسباكة أو النقاشة وحتي الموظفون لتحسين دخولهم.
وبالتالي فالمسألة لا تتعلق بالثقافة فقط وإنما للتحايل علي الدخول الزهيدة لذلك يضطر المواطن للعمل في أكثر من عمل خلال اليوم الواحد.
وأوضح أن طبيعة الحياة اليومية تغيرت، فالانفتاح خلق أنشطة ووظائف غريبة علي مجتمعنا الشرقي كتوصيل الطلبات للمنازل في منتصف الليل، ففي الستينيات والسبعينيات لم يكن الأكل خارج المنزل متاحا، وحتي محلات الوجبات السريعة كانت غير موجودة، أما الآن فهي كثيرة وتفتح لمنتصف الليل وعادة ما تجد أن من يعملون فيها من الشباب الذين يطبقون ورديتين.
التواصل الاجتماعي
والتليفزيون بعد أن كان وسيلة للتواصل الاجتماعي من خلال الساعات المحددة التي كان يبث فيها أصبح اليوم متاحا نهارا وليلا، مستدركا: دعونا لا ننسي يومنا في الشارع، فعلي الرغم من دور عسكري المرور إلا أنه يتجاهل تطبيق غرامات علي السائر علي قدميه أيضا إذا خالف الإشارة الضوئية فضلا عن أنه من الصعب أن يصل المواطن داخل القاهرة إلي أي مكان في الموعد المحدد علي عكس ما يحدث في الدول الأوروبية التي نسعي للتمثل بها، فأي منطقة معروف الوقت الزمني الذي يستغرقه الوصول إليها إلا أننا اعتدنا علي الفوضي!
«الدوام» الخليجي
ومن جهته أكد محمد عبدالجواد - خبير الإدارة والتنمية البشرية أن دوام العمل اليومي في البلاد العربية رغم أنه دورتان الأولي من الساعة الثامنة صباحا وحتي الساعة الواحدة ظهرا، والثانية من الساعة الخامسة وحتي الساعة الثامنة مساء إلا أنها تتوافق مع نظام العمل، حيث يحصل الموظف علي فترة راحة ووجبة غذائية أثناء الفترتين، وهذا النظام يمكن تطبيقه في مصر التي عادة ما تتميز بدوام واحد لاسيما أن كثيرا من العاملين يرتبطون بأكثر من عمل لزيادة رواتبهم، وهذا ما قد لا يحتاجه العاملون في الدول العربية لتناسب مرتباتهم مع ما يتم أداؤه من عمل.
إحصائية مثيرة
وقال: الدليل علي فشلنا في تخطيط يومنا هو ما أظهرته نتائج الدراسة الإحصائية التي قام بها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة العام الماضي، التي أظهرت أن 27% من الموظفين يتأخرون عن مواعيد العمل الرسمية و21% ينصرفون قبل الميعاد، و29% يتعمدون تعطيل العمل بدون مبرر، و27% يتكاسلون عن أدائه، و20% يلهون مع زملائهم في مكان العمل، بينما 44% تتداخل اختصاصاتهم، و26% يصطحبون معهم أبناءهم حتي لا يعملوا، بينما يتحدث 62% في أمور شخصية بعيدة عن العمل، و48% يقرأون في موضوعات لا تتعلق بالعمل، وهذا دليل كاف علي غياب قيمة العمل، فلم تعد غاية وإنما مجرد وسيلة لكسب المال دون بذل جهد في الحصول عليه. بينما اكتفي د. أحمد زايد - عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة سابقا - بتشخيص اختلاف الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بكونها خروجا عن المنظومة، وهذا ما جعلنا لا نستغل فترات طويلة من اليوم، تضيع بلا ثمن، وهذا ليس وليد اليوم، وإنما ترجع جذوره إلي منتصف الثمانينيات مع ظهور «الانفتاح الاقتصادي» وتعدد أوجه النشاط الاقتصادي ورغم تقليدنا للغرب في كل شيء حتي ضاعت هويتنا، نحن للأسف لا نقلد سلوكياتهم وإنما عاداتهم السيئة التي تختلف عن مجتمعنا الشرقي.
ومن جهته فسر د. سعيد صادق - أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية - ما نعيشه اليوم بكونه فوضي غوغائية، فنضطر للعمل ليلا حتي الفجر لخدمة السياح، فنحن بلد سياحي وسوف تدمر إذا أغلقنا مبكرا، وهذا ليس بدعة، فسويسرا ولندن لا تغلق محلاتها التجارية إلا يوما واحدا، وبقية أيام الأسبوع تفتح أبوابها من 6 صباحا وحتي العاشرة مساء، وقال: ليس لدينا وقت حتي للترفيه عن أنفسنا فانشغالنا طوال الوقت بتوفير لقمة العيش جعلنا نلهث وراء العمل في عدة وظائف بحثا عن المال.
نظرية «ديان»
وأوضح أن مشكلاتنا هي فشلنا في تنظيم أوقات عملنا، ولا أنسي مقولة «موشي ديان» وزير الحرب الإسرائيلي بأنني لا أخاف من العرب عندما يمتلكون أسلحة نووية، وإنما أخاف عندما ينظمون أنفسهم.
أما د. إجلال حلمي - أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس - فرأت أن ما يحدث الآن يعود لغياب التثقيف، وتساءلت: لماذا لا نعود إلي فترة الإجازات المحددة للمحلات التجارية كالحلاق والميكانيكي وأن يصبح السهر مقصورا فقط علي الخميس والجمعة وأيام الإجازات فقط؟ مشيرة إلي أن الحكومة تحتاج إلي أن توعي الشعب بدلا من وضع قوانين جزافية لا تطبق، بل تزيد من ضغوطه في النهاية.
رفض جماعي
حالة رفض جماعية رصدناها لأصحاب المحلات التجارية ب «وسط البلد» و«السيدة زينب» و«العتبة»، وفي الشوارع التجارية بالإسكندرية ومنها المنشية، وتزامنت مع حالات تحرش تعرضت لها بعض الفتيات بعد تخفيض إنارة بعض الشوارع، وسط توقعات بزيادة معدلات الجريمة والسرقة في الفترة القادمة.
هذه التجربة ليست جديدة علي مجتمعنا وإنما سبق أن تم تطبيقها في أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت المحلات التجارية تفتح الساعة العاشرة صباحا حتي الثامنة مساء باستثناء يومي الاثنين والخميس، حيث كانت المحلات تغلق في التاسعة مساء، ولكن لم يستمر هذا النظام وسرعان ما فشل، خاصة أنه إبان غلق المحلات مباشرة في مواعيدها المحددة كانت حركة المرور تصاب بالشلل التام، ويتزايد الزحام، خاصة في أوقات الذروة وخروج الموظفين من أعمالهم، وعادت المطالبة بإغلاق المحلات بعد اجتماع بين وزير النقل ومحافظ القاهرة مؤخرا ورحبا فيه بالفكرة، وطالبا بسن قانون لإجبار الموظفين علي تطبيقه وليس مجرد قرار إداري قد يتم استثناء أي محافظة منه، خاصة أنه لا توجد دولة في أوروبا أو ولاية أمريكية أو حتي دولة عربية بها محلات تجارية مفتوحة طوال ساعات اليوم وحتي الرابعة فجرا إلا أن المعارضين للفكرة طالبوا بضرورة أن يتم الغلق في وقت الظهيرة، ربما يكون من الساعة 2 ظهرا وحتي الخامسة عصرا، ودعوا لدراسة السوق أولا لكي يتم تحديد النوع التجاري الذي لن يسبب ضغطا مروريا، فمحلات الملابس داخل المول التجاري المزود بجراج سيارات لن تؤثر مثلا علي الكثافة المرورية، وعلي العكس تماما نجد محلات الأكل هي الأكثر تأثيرا علي سيولة المرور، حيث قال لنا «وجدي عابدين» مدير عام أحد محلات الجملة والقطاعي بالعتبة وعضو في شعبة البقالة أن هذا القرار عشوائي، لأنه سوف يسبب خسائر فادحة، خاصة أن محلات البقالة تعتمد علي الثلاجات والمبردات لحفظ الدواجن والأسماك واللحوم، وكذلك الأجبان والألبان التي تحتاج إلي درجة عالية من التخزين البارد، فضلا عن درجة رطوبة معينة لذلك إذا تم إغلاق المحلات مبكرا لتوفير الأحمال الكهربائية سيتسبب ذلك في فساد هذه المجمدات التي تعتمد بشكل أساسي علي أجهزة التكييف والتبريد كما أننا نتعرض بشكل يومي لفصل التيار الكهربائي الذي يؤدي إلي فساد الكثير من الأغذية خاصة في فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، مما يجعل المواد الغذائية أكثر عرضة للتلف بسبب سوء التخزين، مضيفا إن عوامل الحرارة والرطوبة والضوء هي من المؤثرات الرئيسية في تاريخ صلاحية المنتج، وبالتالي فإن إغلاق الثلاجات بين فترة وأخري سيتسبب في إفساد هذه المواد الغذائية.
الصاغة والملابس
بينما لم يمانع «صلاح عبدالهادي» سكرتير شعبة المشغولات الذهبية ورئيس شعبة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بالغرفة التجارية في تنفيذ القرار قائلا: فوجئت بأعضاء الغرفة يرفضون هذا القرار برغم أن تعليمات وزارة الداخلية أن نغلق الساعة 10 مساء وهذا بالفعل يطبق، ففي الصاغة معظم المحلات تغلق في الساعة 9 مساء وأحيانا 10 مساء، وكذلك محلات الذهب في وسط البلد، وبالتحديد في عبد الخالق ثروت إلا أن معظم محلات الصاغة الكائنة في ميدان الجامع بمصر الجديدة، عادة ما تتأخر إلي الساعة 12 مساء، وهذا مخالف للتعليمات، لذلك أعتقد أنه إذا تم الإغلاق مبكرا فلن نتأثر كثيرا، وإن كان سيقع عبء أكبر علي الأجهزة الأمنية التي تقوم بتأمين جميع الشوارع التجارية، بل إنها ستكثف تأمينها، خاصة أن المواطنين يساهمون في التأمين الذاتي، أما دور الشرطة التأميني فعادة ما يبدأ بعد الإغلاق، ومعني ذلك أن عملية التأمين ستبدأ مبكرا للغاية في الثامنة مساء بدلا من الساعة الواحدة صباحا، وقال إننا نعيش في حالة كساد اقتصادي، وبالتالي لن يؤثر القرار علينا، لأن حركة البيع والشراء بسيطة للغاية، فعلي الرغم من أننا في موسم إلا أن الحال نايم ومش هتفرق نغلق ساعة أو ساعتين مبكرا..
فيما رفض أصحاب محلات الملابس الفكرة من جذورها، وقال لنا أحمد عطا الله صاحب أحد المحلات التجارية للملابس الجاهزة بوسط البلد ومدينة نصر أن أغلب الناس تبدأ في التردد علي المحلات عادة بعد الساعة 7 مساء بسبب حرارة الجو الشديدة طوال اليوم، فضلا عن انشغالهم بأعمالهم سواء في مصالحهم الحكومية أو الخاصة التي لا تنتهي قبل الساعة 5عصرا، كما أننا لسنا في حاجة إلي أي قرارات جديدة في هذا التوقيت تؤثر علي القوة الشرائية، ويكفي أن السوق يعاني بأكمله من حالة كساد واضحة لدرجة أن معظم المحلات التجارية المجاورة لنا تعمل طوال الأسبوع دون إجازة علي أمل وجود زبائن في محاولة لزيادة المبيعات، كما أن كثيرا من المحلات تقوم بتخفيضات ليس في الموسم أو في أوقات الأوكازيون فقط حتي تجذب الزبون كما أن القانون المنظم للمحلات التجارية نظم عمل المحلات المقلقة للراحة فقط كالورش.
المدن والأرياف
وفي نفس الوقت لا يمكن تطبيق هذا القرار في المدينة وفي الريف علي السواء، إن لكل محافظة لها طبيعة خاصة وثقافة عامة، فكيف يمكن التعميم دون النظر لطبيعة كل محافظة؟
ففي المدن الكبيرة علي سبيل المثال كما في القاهرة نجد أن أغلب العاملين في المحلات موظفون في الصباح ويعملون ليلا في تلك المحلات.
وأضاف إن هذا القرار تم تطبيقه في الثمانينيات بسبب حظر التجول، أما الآن فالوضع الأمني مستقر كما أن الحالة الاقتصادية التي نمر بها لا تحتمل ذلك فيمكن أن نفكر في ميعاد فتح المحلات مبكرا لا إغلاقها بهدف توفير الكهرباء، لأن هذا سيسبب قطع أرزاق العاملين بهذه المحلات، وبالتالي يسبب مزيدا من البطالة.
كلام سطحي
وشاركه الرأي مؤكدا رفضه محمد رشاد صاحب محلات للملابس بالسيدة زينب متسائلا: هل إغلاق المحلات ليلا سيحقق السيولة المرورية ويوفر الطاقة الكهربائية مضيفا: هذا الكلام سطحي وغير منطقي لأن توفير الكهرباء من خلال بند واحد فقط قد يكون بإغلاق أنوار الشوارع صباحا، والتي تمثل 22% من الكهرباء، ويمكن أن نزود تلك الأعمدة بخلايا ضوئية تضاء عند الظلام أتوماتيكيا وبمجرد ظهور الضوء تغلق نفسها، وبالتالي ننقذ أنفسنا من فكرة الطاقة المهدرة، مضيفا إنه يتحمل جميع الضرائب والتأمينات والكهرباء المضاعفة علي المحلات، وبالتالي ليس منطقيا إغلاق المحلات مبكرا، خاصة أننا نتعامل مع الحوامل ونبيع ملابس أطفال، فهل ستتحمل الأم العاملة عناء النزول وقت الذروة لشراء ملابس، فهذا سيزيد من حالة الكساد الواضحة التي أصابت حركة التجارة بالشلل التام، بل وستكبدنا خسائر طائلة لا نستطيع تعويضها.
وانفعل الحاج محمد قاسم تاجر الأحذية الحريمي والرجالي بالمنشية قائلا: «ده وقف حال.. إحنا تجار ومعانا بضاعة تساوي الآلاف كيف سنبيعها هنروح السجن»، قائلا إننا لا نعمل إلا وقت المغرب بعد انتهاء الناس من أشغالهم كما أن الشراء أصبح إحدي وسائل الترفيه.
هدوء نسبي
أما اللواء محمد أبو شادي - رئيس قطاع التجارة الداخلية - بوزارة التجارة والصناعة فقال لنا: هذا القرار يحتاج إلي موافقة جميع الأطراف، خاصة الغرف التجارية واتحاد الصناعات وجهاز حماية المستهلك حتي تتم الموافقة عليه، فنحن لا نرفضه، خاصة أن له مزايا فإنه سيقلل الضغط علي شبكات الكهرباء والطرق، ومن ثم سيحقق هدوءا نسبيا كما أنه سيخفض ساعات العمل حتي يحصل العامل علي قسط كاف من الراحة، لكن من أهم عيوبه أن هناك موظفين كثيرين يعملون صباحا ومساء في دورتين. فسوف يتأثر النمط الاستهلاكي، ومصر دولة سياحية من الدرجة الأولي وتختلف الطقوس فيها باختلاف المدن والمحافظات، فمحافظة أسوان قد تصل فيها درجات الحرارة إلي 52 درجة نهارا وتبدأ بالانخفاض تدريجيا بالليل، ولذلك فأغلب المحلات تغلق نهارا وتفتح ليلا، وبالتالي قد يصعب تطبيق القرار في هذه الحالة، خاصة في المناطق السياحية.
في الوقت، الذي أكد فيه د. أكثم أبو العلا وكيل وزارة الكهرباء والطاقة أن إجمالي ما تستهلكه المحلات التجارية فقط من الكهرباء يصل إلي 8754 مليون كيلووات في الساعة، أي ما يزيد علي 8 مليارات كيلووات في الساعة، وهذا يمثل تقريبا 8% من إجمالي استهلاك الكهرباء في مصر، مؤكدا أن القرار الذي تتم دراسته حاليا يستثني منه الصيدليات والمطاعم والكافي شوب، متوقعا زيادة أجهزة التكييف في مصر بنهاية العام الحالي إلي 2,4 مليون جهاز، وهي أهم مسببات استنزاف الطاقة، وتدرس فيه وزارة الكهرباء رفع أسعار الكهرباء في الساعات كثيفة الاستخدام، خاصة في وقت الذروة، معللة ذلك بأن كل دول العالم تطبق هذا النظام وترفع الأسعار من 3 إلي 5 أضعاف.
التحرش بالبنات
وأثناء تجولنا بمنطقة «وسط البلد»، قالت لنا «مني أحمد» موظفة - إن قرار الإغلاق عشوائي، لأننا عادة ما نتسوق ليلا كما أن عدم إنارة أعمدة الكهرباء بمعظم الشوارع تسبب في أن أحد الشباب حاول التحرش بابنتي أثناء وجودي معها أمام أحد المحلات التجارية، لذلك فالتواجد الأمني ضروري.
بينما قال منصور إبراهيم - مهندس ديكور - إن التسوق في أوقات الظهيرة، وتحديدا في فصل الصيف أمر في غاية الصعوبة كما أن هذا القرار سيجعلني عاجزا عن الشراء لأنني سوف آخذ إجازة من عملي لشراء مستلزمات أولادي لأن عملي أحيانا ينتهي 9 مساء.
وقال «فتحي رفيق» موظف بإحدي الهيئات الحكومية: إذا كان غلق المحلات التجارية هو الحل الذي تراه الحكومة في توفير الكهرباء فلماذا لا تطفأ أعمدة الإنارة نهارا، ويكون القرار بدء نشاط المحلات التجارية بعد الساعة السابعة مساء لأننا كمستهلكين لا يمكن أن نخرج للتسوق قبل هذا التوقيت لظروف العمل اليومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.