في جنازة مهيبة تعالت خلالها صرخات والده واقاربه ودع أهالي عزبة الطوبجي بمنيا القمح والقري المجاورة لها جثمان قتيل ميلانو احمد ممدوح عبدالعزيز الذي لقي مصرعه طعنا بالسكين وتم دفنه في مقابر الاسرة بالعزبة. وعقب دفن جثمانه توافد آلاف المواطنين لتقديم واجب العزاء لاسرته ونعي الفقيد الذي لم يكمل عامه العشرين وهرب من جحيم الفقر منذ4 سنوات حاملا فوق كتفيه وبداخله احلام اسرته وصورة رسمها في خياله للمنزل الذي تربي فيه وهو مبني علي الطراز الحديث بعد ان يهدم الطوب اللبن ويرتفع ببنائه إلي أكثر من طابق بما يجمعه من نقود الغربة.. لكن الرياح الهوجاء دائما ما تأتي بما لاتشتهي السفن ومزقت الطعنة التي اخترقت جسد أحمد الثوب الذي كان ينوي ان يعود به إلي قريته وتكومت احلامه وصورة المستقبل داخل طيات كفنه وعاد في تابوت البس كل من يعرفه ومن لايعرفه وشاح السواد.بدا والد أحمد المزارع البسيط واجما تجمدت ملامحه حزنا علي ابنه الذي كان ينتظر ان يضمه في حضنه فور عودته من الغربة, بينما ظلت الام ربة المنزل تنادي علي فلذة كبدها في حالة هستيرية ثم لاتلبث ان تلطم خديها وتجمع تراب الارض بيديها عندما تدرك ان صوتها عاد إليها خائبا بدون صوت أحمد وكان اشقاؤه الثلاثة الذين تراوحت اعمارهم بين6 و9 سنوات يذرفون دموعا غزيرة ابكت جميع الحضور في مشهد مأساوي كان بطله احمد ممدوح. وقال والده ممدوح هو يجهش باكيا.. ودعت أحمد منذ4 سنوات وقلبي لا يطاوعني ان اتركه يسافر إلي بلاد الغربة, لكنه أخذ بيدي وطلب مني الدعاء له بالتوفيق حتي يوفر لنا جميعا حياة كريمة وقال لي عايزين نهد البيت القديم ده ونبني مكانه كام دور بالمسلح والخرسانة.