أثري الشيخ محمود شلتوت بمؤلفاته المكتبة الإسلامية الحديثة, وسعي باجتهاداته لسد فراغ كبير في الفكر الإسلامي المعاصر وتصدي للإجابة عن الاسئلة التي تشغل بال مسلمي اليوم وهو يواجه الأفكار والاشكاليات والقضايا المحيطة بعالمه. وفي كتابه الإسلام عقيدة وشريعة.. يقرر أن الإسلام( القرآن والسنة) أقر بمشروعية الاجتهاد الفردي والجماعي والذي يفتح لأهل البحث والاستنباط أوسع الأبواب لتخير القانون الذي تنظم به شئون المجتمعات الإسلامية علي اختلاف ظروفها, غير مقيدين فيما يختارون إلا بشيء واحد: وهو عدم المخالفة لأصل من أصول التشريع القطعية مع تحري وجوه المصلحة, وسبل العدل. 5 جمال البنا يقول البنا في كتابه حرية الرأي في الإسلام: إن الإيمان والكفر قضية شخصية وليستا من قضايا النظام العام التي تتصدي لها الدولة, فمن آمن فانه ينفع نفسه ومن كفر فانه يجني عليها والله تعالي غني عن العالمين, ولقد قرر القرآن الكريم عبر آياته أن الرسل وهم حملة الوحي وأولي الناس بقضية الإيمان والكفر ليس لهم من سلطة إلا التبليغ ولا يملكون وراء ذلك شيئا فالرسول ليس حفيظا, ولا وكيلا عن الناس ولكنه بشير ونذير ومذكر ومبلغ وأكدت الآيات أن الهداية من الله وأن الرسول ليس مكلفا بكفالة هذه الهداية لأحد وانه لا يملك أن يهدي من يحب, وأن الاختلاف والتعددية مما أراده الله ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة وذكر الردة مرارا, وتكرارا وبشكل صريح دون أن يفرض عقوبة دنيوية عليها. وأكد مرارا انه هو الذي يفصل يوم القيامة فيما فيه يختلفون. ويتساءل البنا هل ترك القرآن( بعد كل هذا) شيئا لدعاة حرية الفكر والاعتقاد؟..! ويجيب بالنفي مؤكدا أن القرآن وصل إلي الغاية عندما حدد سلطة الرسل وهم أعلي الأفراد مسئولية في مجال العقيدة. بهذا التحديد الدقيق( التذكير لا السيطرة), وعندما صارح الرسول ليس عليك هداهم وأنه ليس إلا بشيرا ونذيرا, مبلغا ومنذرا, ووجهه بأنه لا يملك أن يهدي من يحب. لأن الهداية بيد الله وحده, ووجهه لأن لا يبخع نفسه لمسارعة أحد في الكفر ونبهه( أي الرسول) في استفهام استنكاري أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين؟وما عليك ألا يزكي.. وهكذا كان القرآن حاسما في تقرير حرية الرأي والتعبير لكل البشر دون وصاية من أحد, حتي ولو كان هذا الأحد هو الرسول ذاته.( جمال البنا: حرية الفكر والاعتقاد في الإسلام ص6: ص48 بتصرف). 6 د. محمد سليم العوا.. يعد العوا من أكثر المفكرين المحدثين إسهاما في تيار التجديد والإصلاح الديني المعاصر, وفي كتابه الفقه الإسلامي في طريق التجديد تناول بشجاعة ومسئولية الباحث المدقق القضايا الشائكة أو المسكوت عنها فيما يعرض علي الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر من تحديات.. وأصل لها وخاض فيها بعلم ومعرفة وقدم إجابات شافية واضحة لكل هذه القضايا والإشكاليات.. بداية من أن الاجتهاد ضرورة, وركز علي ضرورة التفرقة بين قواعد الإسلام وتطبيقاتها, وموقف الإسلام من الديمقراطية والحكم والانتخابات وتداول السلطة. ومن القضايا التي عرض لها د. محمد سليم العوا قضية الخلافة, والتي تعد جوهر أفكار دعاة الدولة الدينية والهدف النهائي الذي يسعون إلي تحقيقه من كل حركاتهم وتحركاتهم يقول العوا في كتابه الفقه الإسلامي في طريق التجديد:الذين يجعلون الطريق الوحيد إلي الإصلاح علي أساس الإسلام هو وصول الإسلاميين إلي الحكم مخطئون. لأنهم بذلك يختزلون الدعوة. أي لأنهم يختزلون الدعوة الإسلامية, والفكرة الإسلامية نفسها في نطاق جزء صغير منها هو إقامة الحكومة التي يصدق عليها بالمعايير التي يتبنونها هم انها إسلامية. والحق أن الفكرة الإسلامية فكرة شاملة لجوانب الحياة الإنسانية كلها تنظم صغير الأمور وكبيرها, إما تنظيما مباشرا بنصوص صريحة في أحوال محددة ومعدودة وإما تنظيما غير مباشر وهو الأغلب الأعم بإرسال القيم التي يدور لها تنظيم الناس لحياتهم تنظيما يختلف بالضرورة من عصر إلي عصر ومن مكان إلي مكان, ولكنه لا يناقض القيم الإسلامية الثابتة الملزمة, ولا يخالفها ولا يجاوزها حين يكون لها في الأمر كلمة ليستمد من غيرها مصادر الفكر البشري, أو تجارب التنظيم الإنساني, أو سوابق التشريع الوضعي. ولأن الإسلام شامل علي هذا النحو فإنه يتضمن فيما يتضمن القواعد الحاكمة للنظام السياسي الذي تقوم علي بناء تفاصيله عقول المسلمين, حسبما تقتضيه مصالحهم في كل عصر. والفرق الكبير بين القواعد والتفاصيل. فالقواعد نصوص شديدة العموم والتجريد, صالحة لأن يستنبط منها أهل الاختصاص ما لا يحصي من النظم التفصيلية, التي قد تتباين تباينا لا نهائيا, ما دام كل نظام منها يحقق المصلحة العامة للدولة الإسلامية في الوقت الذي يطبق فيه. ولا يبقي أي نظام تفصيلي ملزما إلا بقدر اختيار الناس له, واقتناعهم بفائدته وشعورهم بجدواه. فإن هو قعد عن ذلك كله أو بعضه كان للناس الحق الكامل في أن يستبدلوا به غيره ليحققوا مصالحهم العاجلة أو الآجلة بالطرق التي يرونها مناسبة لذلك ومؤدية إليه. من هنا كان الإسلام أعني تشريعه النصي لا يشتمل علي نظام محدد المعالم والتفاصيل, ملزم إلي يوم القيامة, للحياة السياسية للدولة. ولم يكن هذا كما ذهب بعض الباحثين في انتقادهم لرأينا تقصيرا من الرسول صلي الله عليه وسلم أو قصورا في الرسالة نفسها تعالي الله عن ذلك ولكن كان إيذانا من المشرع سبحانه, ومن الرسول صلي الله عليه وسلم, بأن الاجتهاد المشروع في الإسلام يشمل هذا الجزء من تنظيم الحياة الإسلامية فيترك الأبواب مشرعة للمسلمين ليختاروا ما يصلح لهم بحسب أحوال كل عصر وظروف كل مكان. ولذلك كان الإلزام الإسلامي, في المجال السياسي, بالقيم السياسية وحدها, دون التفاصيل كلها. فنحن ملزمون بأن نقيم نظام الحكم في الدول الإسلامية في كل عصر علي تحقيق إرادة الأمة عن طريق الشوري. ولكننا لا نجد في النصوص الإسلامية المحكمة نصا يلزمنا بكيفية معينة للشوري, ولا بعدد مخصوص لأهلها, ولا بأوصاف لازمة فيهم, ولا بزمان لولاياتهم.. فكل ذلك, وغيره, متروك للاجتهاد الإسلامي يصنع, من خلاله, المؤهلون له مايرونه محققا لمصالح الناس. ونحن ملزمون بتحقيق العدل بنصوص عديدة في القرآن الكريم تأمرنا بالعدل في القول والفعل, مع العدو والصديق وتنهانا عن الظلم, بدءا من ظلم النفس, وانتهاء بظلم الآخرين, مهما بعدت بيننا وبينهم الوشائج والصلات. ولكننا لا نجد نظاما نصيا محددا لتحقيق هذا العدل. ولا نجد طريقة واحدة منصوصا عليها لإقامته, فذلك كله متروك لا جتهاد الأمة. ومثل ذلك يقال في وجوب كفالة الحريات العامة, وفي المساواة بين الناس, وفي واجب الأمة في مساءلة الحكام ومحاسبتهم, وفي حقها في توليتهم وعزلهم, وفي واجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفي واجب الحكام في إقامة الدين وتحقيق مصالح المحكومين.. فكل هذه المبادئ السياسية أو القيم الملزمة واجبة الإعمال, ولكن النصوص لا تبين كيفية هذا الإعمال وآلياته, ولا جزاء مخالفة هذه القيم, ولا تربط بين تحقيقها الواجب وبين صورة أو صور معينة لتنظيم هذا التحقيق. وكثير من المسلمين عامتهم وعلماؤهم يرون أن الإسلام قد أتي بنظام الخلافة لتنظيم الحكومة الإسلامية. ويرون هذا النظام بصورته التي طبق بها في صدر الإسلام, ولاسيما في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وهو النظام الواجب التطبيق في زمننا هذا وفي كل زمن. ولا شك أن الحياة البشرية لم تعرف, بعد عهود النبوات, عهدا أكثر عدلا وأمنا وخيرا للناس من عهد الخلافة الراشدة. ولكن الخلافة الراشدة نفسها لم تكن سوي تنظيم صنعه الصحابة لرئاسة الدولة. الإسلامية علي نحو يشير إلي اتباع المثل الأعلي الذي ضربه الرسول صلي الله عليه وسلم في رئاسته للدولة الإسلامية ولم يكن هناك نظام محدد التفاصيل يحكم علي الخلفاء حتي الأربعة الراشدين بل كان الاجتهاد هو الطريق الذي سلكوه, وسلكه المؤهلون من المسلمين, لتحديد التفاصيل في عهد كل خليفة, علي قرب هذه العهود بعضها من بعض, وقلة مواضع الاختلاف, وضيق مساحتها, بين عهد وآخر. وإذا كانت هناك قاعدة تستفاد من هذا النظام باعتباره تنظيما لرئاسة الدول, فهي قيامه علي ساقين: أولاهما: هي أن ترشيح من يصلح للخلافة يتم بناء علي شوري المسلمين لا يستبد به واحد ولا حزب ولا جماعة دون الأمة. وثانيتهما: أن التولية نفسها لا تتم إلا ببيعة صحيحة صريحة من الأمة للمرشح الذي ترضاه لولاية أمرها. وقد قام انتخاب الراشدين الأربعة جميعا علي هاتين الساقين, وإن اختلفت الوسائل والأساليب من حالة إلي أخري. وترجمة هذا الأصل إلي لغة العصر السياسية تعني أن الديمقراطية في تنظيمها لاختيار الحكومات والحكام, كما تطبق في العالم الديمقراطي في هذا العصر, هي الوسيلة المثلي لتوليه الحكام وعزلهم. ولم يعرف البشر حتي اليوم نظاما أفضل من نظام الانتخاب الحر المباشر الذي يصوت فيه الجمهور بحرية حقيقية, يشهدها الجميع, لمن يشاء الناس أن يتولي أمرهم. ولا يلزمنا أن تكون البيعة الناتجة عن هذا الانتخاب أبدية, فيجوز بل يجب في رأينا أن تكون لمدة محددة, ومن أحسن ما فعله الأمريكيون في رئاستهم أنها لا يجوز تجديدها بعد المرة الثانية. وكل الذي يقال ويكتب عن أبدية البيعة كان تصويرا لواقع العصور التي كتب فيها الفقه الإسلامي, ولكنه ليس قواعد تشريعية ملزمة للناس كافة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. والقول بذلك يدخل فيما ذمه الإمام القرافي فيما نقلناه عنه من قبل فوصفه بأنه جمود علي المنقولات وجعله ضلالا في الدين و جهلا بسنن الماضين. السنهوري والخلافة: ويمضي العوا مقتبسا مما جاء به الأستاذ السنهوري رحمه الله في كتابه فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ليدعم ما توصل إليه في كتابه السابق الإشارة إليه ويقول: طرح الأستاذ السنهوري سؤالا عما إذا كان من جوهر الخلافة نفسها أن يكون منصب الخليفة لمدي الحياة, أم أنه يجوز تعيين الحاكم لمدة زمنية معينة محددة وأن تنتهي ولايته تلقائيا, عند انتهاء هذه المدة ؟ ويقول الأستاذ الجليل: إن أهمية هذا السؤال تبدو في زاويتين: الأولي: أن القول بجواز تحديد مدة منصب الخليفة تجعل نظام الخلافة يماثل الأنظمة الجمهورية المعاصرة. والثانية: أن الجواب بالإيجاب( أي بجواز تحديد مدة بقاء الحاكم في منصبه) له أهميته في تحديد مدي شرعية النظم الجمهورية من وجهة نظر الفقه الإسلامي مثل الجمهورية التركية,( خصها بالذكر لأنها كانت الجمهورية الوحيدة في البلدان الإسلامية, وكانت سائر البلدان الإسلامية ملكية أو إمارة وراثية, وكان جلها خاضعا للاستعمار العسكري الغربي). ويقول الأستاذ السنهوري: إنه ليس هناك شك في الإجابة, رغم أن مثل هذه الحالة لم تواجه من قبل نظريا أو عمليا في تاريخ الفقه الإسلامي, ورغم أن المفهوم التقليدي للخلافة أن تنصيب الخليفة يكون لمدي الحياة إلا إذا تنحي أو حكم بسقوط ولايته. ولكن حسب رأينا لا يوجد في مبادئ الفقه الإسلامي أي مانع من تحديد مدة الولاية. ويعلق أستاذنا توفيق الشاوي في مراجعته للكتاب علي هذه المسألة بقوله: إن الولاية تكون مدي الحياة فقط إذا لم يتضمن عقد البيعة تحديد المدة ولما كان عقد البيعة حرا فإنه يمكن أن يتضمن قيودا أو شروطا علي سلطة الحاكم. ومن الصواب أن يكون للناخبين من أهل الحل والعقد أن يجعلوا البيعة محددة المدة ليتمكنوا من مزاولة حقهم في الإشراف علي أعمال الحكومة وسياسة الحاكم الذي اختاروه. وهذا كله خاص بالبيعة الحرة وهي وحدها التي تصح شرعا. وإذا كان الأستاذ السنهوري لا يري مانعا من تحديد مدة الحاكم( الخليفة) والأستاذ الدكتور توفيق الشاوي يري أنه من الصواب أن يجعل للبيعة مدة محددة, فإن مبني التحفظ الواضح في كل منهما هو ما تقرره النصوص الفقهية والكلامية التقليدية من أن الخليفة لا يجوز عزله, وبعضها لا يجيز عزله ولو فسق وجار وخرج عن العدالة عند تعيينه!! وليس لهذه النصوص الفقهية والكلامية سند صحيح من الكتاب أو السنة يتصل ببقاء الحاكم أو عزله. والأسانيد المقبولة من حيث الرواية التي يستند بعض الفقاء والمتكلمين إليها تشير إلي ضرورة تجنب الفتنة والفوضي وسفك الدماء. وهذه المعاني وأمثالها توجب علينا( لا تجيز ولا تصوب) أن نجعل للحاكم, في الفقه الإسلامي العصري لنظام الحكم, مدة معينة لا يتجاوزها. فذلك هو الذي يمنع الفوضي والفتنة, وهو الذي يحول بين الحكام وبين الاستبداد والطغيان اللذين تعاني منهما الأمة الإسلامية في شتي أقطارها أضعاف ما تعاني منهما أية أمة أخري. إن المقصد الأسمي لكل بحوث العلماء المتكلمين والفقهاء في مسألة الحكم الإسلامي هو الوصول إلي صيغ مصالح الناس وتمكنهم من القيام بواجب الخلافة في الأرض بما يتضمنه من ضرورة تنميتها وتعميرها والتمتع بخيرات الله التي خلقها لنا: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور(15)[ الملك]. وكل طريق تحقق هذا المقصد يجب سلوكها, وكل اجتهاد يقعد عن تحقيقه في وقت من الأوقات ولو كان قد حققه في أوقات سابقة يجب العدول عنه ولا يجوز تقليده, ولا تصح الدعوة إليه. وليس في النظم البشرية نظام يحول بين الحكام وبين الجور والاستبداد, والاستئثار بالسلطة والثروة, وقمع المخالفين ولو كانوا علي حق أو شبهة حق بالقوة الغاشمة, ليس في النظم البشرية ما يحول دون ذلك كله, إلا تقرير تداول السلطة, بحيث لا ينفرد شخص ولا جماعة ولا حزب ولا طائفة بحكم الناس إلي ما لا نهاية أو إلي أن يقع انقلاب عسكري يأتي بمستبدين جدد, يحكمون بالطرق الظالمة والأساليب الغاشمة نفسها, وتداول السلطة لا سبيل إليه سلميا إلا بتقرير المتبع بين الناس اليوم للانتخاب. وبأن يكون هذا الانتخاب حرا لا شبهة في أن الناس يقبلون عليه ويبدون رأيهم من خلاله, غير هيابين ولا مكرهين. وأن إرادتهم لا تزور بعد إبدائها. وأن الذين يختارونهم بحرية هم الذين يتولون أمورهم إلي أمد معلوم. وقديما قال ابن القيم الجوزية, في كتابه الشهير الطرق الحكمية إن أي طريق أسفر بها الحق والعدل فثم شرع الله ودينه. وهي مقولة صادقة لأن الله الذي تعبدنا بطاعته ممثلة في اتباع القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية, تعبدنا أيضا بأن نحقق مصالح الناس في حياتهم الدنيا بإقامة العدل والدفاع عن الحق وليس في إبقاء الظلمة والفساق والجائرين متسلطين علي رقاب العباد بدعوي أمن الفتنة شيء من ذلك كله. ولهذا فإن الفقه الذي يستجيب لحاجات العصر في مسألة تولية الحكام هو الذي يقول: إنهم يولون لمدة محددة, بانتخاب حر وكل قول بغير ذلك مردود علي صاحبه لأن حال الناس يعوج به ولا يستقيم. ولا بأس علي المسلمين, ولا تثريب, أن يأخذوا في ذلك بالوسائل التي سبقهم إليها غيرهم من الأمم. فإن صلاح حال الناس واستقامته غاية أعظم من أن تحول بيننا وبينها عقلية جامدة أو همة قاعدة. والبأس والتثريب يلحقان المسلمين جميعا إن هم قعدوا عن تحقيق مقتضي قواعد الشريعة وأصولها في جلب المصالح ودرء المفاسد. والذين لا يقبلون من النظم والأفكار والآراء إلا ما يجدونه مكتوبا في كتاب من كتبنا القديمة ويحكمون علي قومهم بالبقاء حيث كانت الدنيا منذ قرون, يتقدم الناس, وهم يتخلفون, ويسير الناس في طريق المدنية وهم واقفون أو قاعدون. والذين يرفضون كل فكرة سبقنا غيرنا إليها مهما كانت موافقة لمقتضي الشرع, ومحققة لمصالح الخلق, يخطئون الصحابة والتابعين الذين قبلوا كل جديد نافع مفيد ولو لم يكن لهم به في زمن الرسول صلي الله عليه وسلم سابقة ولا عهد..