الدولار خلال إجازة شم النسيم.. أسعار العملات في البنك الأهلي والمركزي وموقف السوق السوداء    أسعار اللحوم اليوم الأحد 5 مايو 2024.. كم سعر كيلو اللحمة في مصر    الأرصاد تحذر من انخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار على هذه المناطق (تفاصيل)    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تزيد عن 76 مليون دولار في أبريل    مصر على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة خلال ساعات.. تعرف عليها    روسيا تصدر مذكرة اعتقال للرئيس الأوكراني زيلينسكي    أول تعليق من مدرب سيدات طائرة الزمالك بعد التتويج ببطولة إفريقيا أمام الأهلي    نجم الأهلي السابق يوجه طلبًا إلى كولر قبل مواجهة الترجي    قصواء الخلالي: العرجاني رجل يخدم بلده.. وقرار العفو عنه صدر في عهد مبارك    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» تنشر «مراجعات» فقه الجهاد ل«القرضاوى» (6) .. الجهاد واجب على كل مسلم ومسلمة بالنفس والمال واللسان والقلب

من المتوقع أن يثير هذا الكتاب جدلا واسعا بين التيارات الدينية على مختلف أطيافها وتوجهاتها، حول فكرة الجهاد وفلسفته، لأنه يتقاطع مع القراءات المعاصرة للجهاد، خاصة تلك التى يتبناها تيار الإسلام السياسى، وعلى غرار كتابه الأسبق «فقه الزكاة» جاء هذا الكتاب للدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، بعنوان «فقه الجهاد.. دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته فى ضوء القرآن والسنة»، والذى نشرته مكتبة وهبة فى جزءين، وتنشره «المصرى اليوم».
والكتاب يقدم مراجعات لفلسفة الجهاد ومفاهيمه، التى ظلت ملتبسة أو تم تطويعها على نحو متعسف وربطها عنوة بما هو سياسى على يد الجماعات الإسلامية التى كثيرا ما رفضت أفكار القرضاوى ثم عادت فى مراجعاتها لتتفق معها، وعلى حد تعبير القرضاوى نفسه، فإن هذا الأمر كان من الأسباب الرئيسية التى دفعته للعكوف 7 سنوات لإنجاز الكتاب.
يتحدث الدكتور يوسف القرضاوى فى هذه الحلقة من كتابه «فقه الجهاد» عن مراتب الجهاد فيعرض للفروق بين الجهاد والقتال وأنواع الجهاد ومراتبه فى الهدى النبوى مثل جهاد النفس والشيطان والكفار والمنافقين، كما يطرح السؤال حول علاقة المسلمين بالآخرين هل هى علاقة سلم أم حرب؟
كما يعرض لآثار الفكر الهجومى على العالم، ومنها رفض ميثاق الأمم المتحدة وتحريم الانضمام إليها ومعارضة اتفاقية جنيف بشأن الأسرى، وتبنى المتشددين لانتشار الإسلام ولماذا كانت غزوات الرسول كلها مبادأة بالهجوم؟ وكيف كانت فتوح الراشدين فتوح طلب وتوسع، ودعوى إجماع الفقهاء على أن الجهاد فرض كفاية.
ويعرض القرضاوى أيضاً لأهداف القتال فى الإسلام، وفرية انتشاره بالسيف وتفنيدها، وأدب الجهاد والمجاهدين والدستور الأخلاقى للحرب فى الإسلام وفى الفروق بين الجهاد والقتال.
يقول القرضاوى، إن مشكلتنا فى القضايا العلمية والفكرية الكبرى، هى أننا نقع فيها بين طرفى الإفراط والتفريط، والتى تضيع الحقيقة بينهما، ومن ذلك قضية الجهاد، فهناك فئة تلغى الجهاد وتشيع روح الاستكانة والاستسلام بدعاوى مختلفة منها الدعوة إلى السلام والتسامح، وفى هذا اعتداء بين على ما ورد بشأن الجهاد فى القرآن والحديث، وجهاد الرسول.
 ويسمى القرضاوى هؤلاء بدعاة فلسفة تجفيف المنابع وفى مقابل هؤلاء وعلى النقيض هناك فئة تريد أن تجعل من فكرة الجهاد حرباً على العالم كله من سالم منهم ومن حارب والأصل فى الناس جميعاً أنهم أعداء الإسلام، ويكفى أن يكونوا كفاراً ليكونوا أعداء للمسلمين، ومصادر هؤلاء غير إسلامية وأئمتهم ليسوا من أئمة المسلمين، بل هم من الغرب أو الشرق.
والجهاد غير القتال لغة وشرعاً، ويرى بعض الفقهاء المتأخرين أن القتال أعلى مراتب الجهاد فى حين أن دائرة الجهاد تتسع للقتال وغيره من مراتب الجهاد فحكم الجهاد أنه واجب على كل مسلم ومسلمة بنفسه أو بماله أو بلسانه أو بقلبه وهذا أضعف الإيمان.
 وقد تحدث ابن القيم عن مراتب الجهاد فى الهدى النبوى فهو جهاد فى الله بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان، وفى إحدى السور المكية وهى سورة الفرقان فى الآيتين 51 و52 أمر الله فيهما بجهاد الكفار بالحجة والبيان والقرآن وجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار ويقع جهاد المنافقين والكفار فى أربع مراتب بالقلب واللسان والمال والنفس وجهاد الكفار باليد أما جهاد النفس فيخضع لطبيعة الخلق الذى يقع فى ثلاثة أنواع.
الأول له عقل وليس له غرائز وشهوات وهم الملائكة وهم معصومون من المعصية، ونوع ليس له عقل وإنما تسيره الغرائز وهى الحيوانات، وصنف ثالث له عقل وغرائز وهؤلاء هم البشر فهم صالحون للارتقاء بعقولهم وفضائلهم إلى مرتبة الملائكة، أو أن تهبط بهم غرائزهم إلى درجة الأنعام، ذلك أن الإنسان كما رأينا فى خلق آدم مكون من عنصرين أحدهما أرضى طينى والآخر سماوى روحى ومن هنا كان جهاد النفس حتى تتزكى وقد بين الإمام الغزالى جهاد النفس وكأنها جهاد عدو فى الداخل، وهناك نفس مطمئنة ألا وهى النفس اللوامة التى تراجع نفسها وتقاوم شهواتها.
 وعن مرتبة جهاد الظلم والمنكر فى الداخل أنها من مراتب الإسلام وهو جهاد فى منتهى الأهمية لحماية المجتمع من الضياع والانهيار والتفكك وأن لكل مجتمع مسلم حارسين يحرسانه حارس الإيمان والحارس الاجتماعى والذى يمثل الضمير العام للمجتمع فلا يعيش المسلم لنفسه فقط، بل يحمل هم المجتمع من حوله يقّوم ما اعوج ويصلح ما فسد ويقوم من ظلم.
وهذا يقتضى منه النصيحة فى الدين والدعوة إلى الخير والتواصى بالحق والصبر والمرحمة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومحاربة الطغيان باليد أو اللسان أو القلب وذلك أضعف الإيمان والأخذ على يد الظالم حتى يرتدع عن ظلمه ونصرة المظلوم حتى يأخذ حقه فلا يظلم ولا يكون عوناً لظالم، ولهذا يدين القرآن جنود الطغاة كما يدين الطغاة أنفسهم وذلك أن الجبار المتكبر فى الأرض لا ينفذ ظلمه بنفسه ولكن بواسطة هذه الآلات البشرية التى يستخدمها فى قهر العباد وإفساد البلاد، وسواء كان الظلم من الأغنياء للفقراء أم من الملاك للمستأجرين أم من الرجال للنساء أم من الرؤساء للمرؤسين أم من الكبار للصغار أم من الحكام وأولى الأمر للرعية والشعوب فكله حرام ومنكر يجب أن يقاوم ويجاهد بما يقدر عليه الإنسان.
وقد أوجب الرسول مجاهدة الظلمة والطغاة على كل مسلم بما يقدر عليه، ولقد اهتم الإسلام بهذا الجهاد وحث عليه، بل اعتبره من أفضل الجهاد وقد سأل رجل الرسول صلى الله عليه وسلم: أى الجهاد أفضل؟ فقال كلمة حق عند سلطان جائر.
ويحدد القرضاوى بعضاً من أشكال جهاد الفساد والمنكر فى المجتمع الإسلامى وهو جهاد الردة حيث الردة خطر على مجتمع يستمد قوامه من الإسلام، وهى من أكبر الكبائر ويزيد شر المرء على مجتمعه حينما يرتد عن دينه ويصبح داعية للكفر، وجريمة الردة أشبه بالخيانة العظمى للوطن، ومقاومتها فريضة على المجتمع المسلم فمعظم النار من مستصغر الشرر وأخطر أنواع الردة هى ردة السلطان أو الحاكم الذى يحمى المرتدين ويمنحهم الأوسمة والنياشين فيصبح «حاميها حراميها» للمدارس والجامعات وهذا الصنف من الحكام نراه موالياً للأعداء معادياً لأولياء الله مستهيناً بالعقيدة ويعتبرون التمسك بالدين جريمة وتطرفاً مثل الصلاة فى المساجد للرجال والحجاب للنساء.
 حتى إن المرأة المحجبة لتمنع من التعلم فى المدارس والجامعات ومن التوظيف فى الحكومة ومن العلاج فى المستشفيات ويطاردون العلماء والدعاة ويغلقون الأبواب فى وجه كل دعوة أو حركة تجديد دينية، أما عن الجهاد الفكرى والثقافى المطلوب من أمتنا فيقول القرضاوى إن الفريضة المؤكدة هنا هى مقاومة هذه الردة بأسلحتها الفكر بالفكر والعلم بالعلم.
ويصنف القرضاوى مواقف الناس من جهاد الداخل إلى ثلاث فئات، فئة انسحابية سلبية يكتفون بالفرجة والمشاهدة، متذرعين بأن هذه هى مشيئة الله ويرددون عبارات من قبيل «دع الملك للمالك»، ومنهم من يجالس المرتدين مخالفاً الحديث الذى يقول «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر»
أما الفئة الثانية التى ذكرها القرضاوى فى مقاومة المرتدين فهى فئة الهجوميين من دعاة العنف المسلح بلا حكمة ولا تحقيق شروط الجهاد ودون دراسة لعواقيبه، هل يضر أم ينفع؟
ومن هؤلاء جماعات الجهاد التى ظهرت فى أكثر من بلد إسلامى بدءاً من مصر، ثم الجزائر وأفكارها خليط من السلفية المتشددة وجماعة التكفير وجماعات العمل المسلح وأفكار هؤلاء شبيهة بأفكار الخوارج.
ثم جاءت الفئة الثالثة التى رصدها القرضاوى، وهى الفئة الوسط وهى الفئة البصيرة التى تقاوم الظلم والفساد والتجبر فى الأرض بالطرق السلمية دون أن تشهر سلاحاً أو تثير فتنة فى الأرض، ومن الوسائل السلمية التى تحدث عنها المؤلف المحاضرات وخطب الجمعة والدروس الدينية والمقالات والبرامج العلمية والدعوية ويقول القرضاوى عطفاً على ما تقدم إن من مراتب الجهاد جهاد اللسان والبيان أى الجهاد الدعوى والإعلامى الذى يدعو للدين الصحيح وإبلاغ رسالته وبيان محاسنه وضبط ما يلحق به من أباطيل ولدينا القنوات التليفزيونية والإنترنت والإذاعة والمطابع التى تضخ الصحف والمجلات وكم قال أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»
ومثلما هناك جهاد عسكرى هناك جهاد مدنى كالعمل التطوعى العام اجتماعياً والجهاد العلمى والجهاد الاجتماعى ( فى محيط الأسرة الصغيرة أو الكبيرة) وهناك أيضاً الجهاد الاقتصادى كالسعى للرزق وتنمية الاقتصاد لتحقيق الاستقلال وعدم الاحتياج للآخر فضلاً عن الجهاد التربوى والصحى والبيئى بالحفاظ على نظافة البيئة فالنظافة من الإيمان.
وفى سياق عرضه للجهاد بين الدفاع والهجوم وعن الأصل فى العلاقة بين المسلمين بالآخرين: السلم أم الحرب هل حقيقة الجهاد هجومية أم دفاعية؟ وهذه قضية كبيرة اختلف فيها العلماء قديماً وحديثاً، وقد شاع لدى الكثيرين أن الإسلام يأمر بمقاتلة كل من يخالفه وهذا الخلاف إنما هو حول جهاد الطلب الذى لم يعد له وجود اليوم وموضع الخلاف بين المعتدلين والمتشددين وبين الدفاعيين والمسلمين فى الهجوميين؟ إنما يتحدد فى نقطة واحدة وهى غير المسلمين المسالمين الذين لم يقاتلوا المسلمين فى الدين ولم يخرجوهم من ديارهم وقد كفوا عن المسلمين أيديهم وألسنتهم وألقوا إليهم السلم فهل يقاتل هؤلاء أو لا يقاتلون؟
ويستدل المعتدلون بقائمة طويلة من الآيات القرآنية بأن يسالموا من يسالمهم لكن المتشددين يقولون على كل هذه الآيات إنها منسوخة وهى الآيات رقم 190و256من سورة البقرة والآيات رقم 61 و62 من الأنفال من التوبة والآيات رقم 125 و127 من النحل والثامنة من الممتحنة والرابعة والتسعين من الحجر والخامسة والثلاثين من الأحقاف.
 وأن الذى نسخ هذه الآيات آية أو جزء من سورة التوبة وهو ما أطلق عليه آية السيف ويقول الهجوميون وأن الكفر وحده دون غيره يوجب القتال ومن آثار هذا الفكر على العالم أن كتبهم ترفض ميثاق الأمم المتحدة الذى يقوم على التعايش السلمى بين البشر بل جرموا الانضمام إلى الأمم المتحدة وهذا ذكره صاحب كتاب (أهمية الجهاد)، كما عارض هؤلاء اتفاقية إلغاء الرق وبهذا يحرمون ما أحل الله كما عارض هؤلاء اتفاقية جنيف بشأن معاملة الأسرى.
أما عن آية السيف فقد قال القرضاوى أن من تذرعوا حتى بها لم يعرفوا أى آية هى وإن اتفقوا على أنها من سورة التوبة فهل هى الآية الخامسة أم السادسة والثلاثين أم الواحدة والأربعين أم التاسعة والعشرين غير أن الأكثرين يرجحون أنها الآية الخامسة من سورة التوبة وقد بحث القرضاوى فى هذه القضية من جذورها، حيث قضية النسخ ظنية أم يقينية؟ وأنه إذا سلمنا بمبدأ النسخ فهل تنطبق شروطه على هذه الآية وأن المحدثين فهموا معنى النسخ على نحو خاطىء وقد أقر العلماء بوجود النسخ غير أنه لا إجماع عام على النسخ، حيث لا يوجد دليل قرآنى عليه وفى هذا قدم القرضاوى باباً كبيراً،
ومما يستند إليه الهجوميون الحديث الذى يقول: «بعت بين يدى الساعة بالسيف»، وهو حيث يستند إليه أصحاب الثقافة الملغومة وقال القرضاوى إنه يمكن تشبيه هذا الحديث بآية السيف وفى تخريج الشيخ أحمد شاكر لهذا الحديث أنه حديث ضعيف الإسناد، وقد صححه الشيخ ناصر الدين الألبانى فى أكثر من كتاب له.
كما استند دعاة الحرب على حديث آخر يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» ويطبقونه على نحو يعنى مقاتلة البشر جميعاً وعن هذا الحديث قال الغزالى إنه حديث مظلوم، حيث يعطى معناه للوهلة الأولى حكماً لم يقل به الفقهاء، ويتذرع أولئك الهجوميون أيضاً بالفتوحات الإسلامية فى عهد الخلفاء الراشدين حيث كانت فتوحات توسع ويرى المتدبرون للتاريخ الإسلامى الذين يقرأونه قراءة صحيحة أن هذه الفتوحات كانت امتداداً لما بدأ فى العصر النبوى من صدام مسلح مع الجبابرة الطغاة (الإمبريالية العالمية المستكبرة) ولم يكن هدفها مجرد التوسع وإخضاع الآخرين بل كانت لها أهداف عدة ومنها إزالة الحواجز من طريق الإسلام وأنها كانت حروباً وقائية لحماية الدولة الإسلامية وأنها كانت حروباً تحريرية لشعوب مستضعفة
ويحقق القرضاوى وقفة مهمة أخرى إزاء كتابات بعض المفكرين الإسلاميين المحدثين من المدافعين عن فكرة الجهاد الهجومى الذى يعلنونه على العالم كله، وكان من أولئك من يتحدثون عن الأمر المختلف فيه وكأنه معلوم من الدين بالضرورة ويتهمون كل من يختلف معهم بالسذاجة والبله وبالانهزامية، وأشد الناس فى ذلك المدرسة (الحرفية) فى فهم النصوص، ووصفهم القرضاوى ب (الظاهرية الجدد) وهم يدعون (السلفية) أو (السلفية الجهادية)، ومن هؤلاء الجماعات التى تبنت بدعة الغلو فى التكفير وكفروا الناس بالجملة مثل جماعة التكفير والهجرة، وجماعة الجهاد فى مصر ومن هؤلاء خرج تنظيم القاعدة
ومن هؤلاء الهجوميين المودودى وسيد قطب وهم دعاة كبار لهم وزنهم وقدرهم فى ساحة الدعوة الإسلامية، ولكنهم تأثروا فى نظرتهم إلى الجهاد - وإن لم يريدوا - بفلسفة الشيوعية ونظريتها فى الثورة العالمية التى تريد أن تغير العالم وأن تسوقه سوقا إلى اعتناق مبادئها -، نعم هم أعداء الشيوعية عقيدة وفكرا وعاطفة - وهم دعاة الإظلام عقيدة وشرعا، ولكنهم تأثروا بنظريتها فى التغيير كما تأثروا بما هو شائع فى فكرنا التقليدى بوجوب غزو الكفار كل سنة.
وعن أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف يقول القرضاوى : إن من المنتسبين إلى الإسلام - وبعضهم حصل على الدكتوراه - منهم من يتبنى مقولة إن الإسلام انتشر بالسيف، ويتهم من يشكك فى هذا بأنه من تلاميذ الاستعمار، وهذا يتعارض مع الرأى المنصف للمستشرق توماس أرنولد، وأن كثير من المنصرين أو المبشرين والمستشرقين المتعصبين، قد أشاعوا أن الإسلام انتشر بالسيف، ولولا هذا ما تفتحت له العقول والقلوب ولكنها أكرهت عليه إكراها حيث الاختيار بين الإسلام أو الموت وهذا ما كذبه الإسلام فى تعاليمه ووقائعه التاريخية ويكذبه المنصفون من المؤرخين المستشرقين أنفسهم فتعاليم الإسلام تقول لا إكراه فى الدين ومثلما فى الآية 99 من سورة يونس «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»
وفى الجزء الثانى من كتابه وبدءا من الباب السابع يعرض الدكتور يوسف القرضاوى لجملة من القضايا ذات الصلة بالجهاد والحرب فى الإسلام ومنها الانسحاب، والمصالحة سواء قبل الحرب أو فى أعقابها، وإذا ما دخل البعض فى الإسلام بماذا يثبت إسلامهم، واختلاف الفقهاء فى الفئات التى يؤخذ منها الجزية والقول بأنها لا تؤخذ من أهل الكتاب والمجوس، ولا من عربى وثنى ولا من صبى أو مجنون أو امرأة أو فقير أو شيخ أو أعمى ووجوبها على أهل الذمة ومتى تسقط الجزية، وطريقة جمعها وموعدها ونكبة المسلمين فى الأندلس ماذا يفعل المسلمون عند ضعفهم أو هزيمتهم أمام عدوهم.
 وهل يجوز دفع المسلمين للمال لعدوهم، وتشديد الشافعى فى دفع المال لمصالحة الكفار وفيما يتعلق بما بعد القتال، وماذا يعنى الأمان للمحاربين، وحكم من طلب الأمان ليعرف الإسلام، ومن طلب الأمان بشرط، واختلاف الفقهاء فى حكم الأسارى وفداء الأسير بتقديم خدمة للمجتمع المسلم
والرؤية الإسلامية للاتفاقيات الدولية فى شأن الأسرى، وموقفنا منها وموقف المتشددين من اتفاقية الأسرى وجواز الاسترقاق للمصلحة العليا للأمة، وجواز قتل مجرمى الحرب، وماذا يعنى أن جميع البلاد الإسلامية تعتبر دار إسلام وأن العالم كله دار عهد بالنسبة للمسلمين ماعدا الكيان الصهيونى، وإسرائيل وحدها هى دار الحرب، وما هى حقوق أهل الذمة ؟
وماذا عن القتال داخل الدائرة الإسلامية ؟ خاصة أن التربية على قواعد الإسلام تحمى من الاقتتال ما واجبات أهل الذمة ورد السلام على غير المسلم، وماذا عن حرية التدين وبناء الكنائس فى الإسلام، ومناقشة أدلة القائلين بالمنع، والوصايا النبوية بأقباط مصر خاصة والتزام أهل الزمة بالقانون الإسلامى، ويفرد القرضاوى فصلا كاملا ومهما عن الاقتتال بين الدول الإسلامية، ومن أسباب ،الاقتتال التنازع على الحدود الإقليمية، أو على الحكم، ثم تحدث عن محكمة العدل الإسلامية، والقتال المذهبى الطائفى، وقتال الإمام للبغاة (الخارجين على النظام) ووجوب الطاعة لولى الأمر 0وهل يجوز الصلاة على البغاة بعد قتلهم ؟
وعن القتال ضد الأنظمة الحاكمة أفرد القرضاوى الفصل الثالث كاملا من الباب التاسع، وقدم طروحات مهمة وحيوية تتقاطع مع الراهن من القضايا ذات الصلة بالجهاد، وتياراته المعاصرة فعرض لمبررات العنف الداخلى وتكفير الحكومات القائمة، ومنها حكومات فرضت قسرا على الأمة واستحلال دم المستأمنين من السياح وغيرهم وذلك الخلل الموجود فى فقه جماعات العنف، والخلل فى فقه تغيير المنكر باليد والحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله كما يحقق وقفة مع الحكام المعاصرين ويحدثنا عن المفهوم الشائع اليوم عن الإرهاب
والمذكور منه فى القرآن ومراتب الإرهاب (الدولى والسياسى والمدنى وإرهاب الاستعمار وإرهاب الدولة) وتحت مفهوم الإرهاب السياسى 0هناك إرهاب مشروع وآخر غير مشروع
وما شرعية العمليات الاستشهادية فى فلسطين ويخوض القرضاوى فى مراجعات مهمة أخرى جمعت بين الهمين الدينى والسياسى 0وأجاب على جملة من الأسئلة التى ظلت مجالا دائما للالتباس وخلط الحقائق حتى إن إسرائيل كثيرا ما كانت تلجأ إليها كذرائع سياسية لاستهداف العرب والفلسطينيين خاصة فى حرب هى أقرب لحرب الإبادة، ثم انطلق من هذه الأسئلة ليقول قولا جديدا فيها، وعلى هذا فقد ذكر الأسباب الحقيقية لصراعنا الدائم مع إسرائيل وهذا ما سنعرض له تفصيلا فى الحلقة القادمة والأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.