الدكتور محمد فريد رئيس هيئة الرقابة المالية يلقي كلمة رئيسية في الدورة الخامسة من مؤتمر أخبار اليوم العقاري    شاهد بالصور والفيديو | كشف أخطر وكر تجسس في إيران.. ضبط متفجرات ومسيّرات داخل مبنى استخدمه عملاء الموساد بمدينة ري    رضا عبدالعال: أفشة كان الأنسب للمشاركة مع الأهلي بعد إصابة إمام عاشور وليس زيزو    ضبط 195 مخالفة تموينية متنوعة في الفيوم.. ومصادرة كميات من الدقيق والسماد والزيت مجهول المصدر    تحرير 147 مخالفة متنوعة في حملة مرورية بالغربية    ذكريات تترات الدراما تضيء المسرح الكبير.. ليلة حنين وعشق للدراما المصرية بالأوبرا    فيلم "ريستارت" يحصد 1.6 مليون جنية ضمن إيرادات أمس    رابط الاستعلام عن المقبولين بوظيفة معلم مساعد العلوم وموعد امتحاناتهم    «درس جيد للجميع»| «بيسكوف» يصف رد الفعل الدولي على الهجمات الإسرائيلية    السوداني: حكومة الاحتلال لا تعترف بالقوانين الدولية وترتكب الجرائم منذ السابع من أكتوبر 2023    تموين الأقصر: صرف 37 مليون رغيف و1708 أطنان دقيق مدعم في أسبوعين    انطلاق البرنامج الصيفي بقصر ثقافة أحمد بهاء الدين بأسيوط    طريقة عمل كفتة الفراخ، فى خطوات بسيطة    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان المعهد الفني للتمريض الجديد بمنشأة سلطان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    مصرع طفل أسفل عجلات قطار الصعيد عند مزلقان دماريس بالمنيا    «استئناف المنيا» تؤيد عقوبة الإعدام شنقًا ل قاتل عروس بني مزار    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن موعد امتحانات المتقدمين لشغل 3500 وظيفة معلم مساعد مادة العلوم    الكرملين: روسيا مستعدة للوساطة بين إيران وإسرائيل    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بتكثيف الجهود لتهدئة الصراع بين إيران وإسرائيل    «وحشتنا القاهرة».. إلهام شاهين تعلن عودتها من العراق    وزير الثقافة: لا مساس بحرية الإبداع.. والتوصيات تركز على جودة المحتوى ودعم الإنتاج والتوزيع الدرامي    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    «الصحة»: الدولة تسير في مسار مالي لتحفيز الأطباء وتحسين بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية منذ 11 عامًا    محافظ المنوفية يدشن قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان ضمن احتفالات العيد القومي    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    «هيئة الدواء» تقدم.. نصائح لتقليل الإصابة بمرض النقرس    عميد «علوم سياسية الإسكندرية» يُكرّم الملحقين الدبلوماسيين الجدد من خريجي الكلية (صور)    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    رئيس مجلس النواب يضع مجموعة قواعد لمناقشة مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    محافظ سوهاج يدعو المواطنين للإبلاغ عن وقائع الغش في امتحانات الثانوية العامة بالأدلة    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    أسعار النفط تقفز وسط تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 16-6-2025.. هبوط كبير تجاوز 900 جنيه    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    مدرب بالميراس يتوعد الأهلي قبل مواجهته في مونديال الأندية    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    عمرو أديب: كنت أتمنى فوز الأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية    "بعد لقطة إنتر ميامي".. هل يلقى حسين الشحات نفس مصير محمد شريف مع الأهلي؟    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» تنشر «مراجعات» فقه الجهاد ل«القرضاوى» (5) شروط فرض الكفاية وحكم الجهاد على الأمة والنساء ودول الطوق والجوار

من المتوقع أن يثير هذا الكتاب جدلا واسعا بين التيارات الدينية على مختلف أطيافها وتوجهاتها، حول فكرة الجهاد وفلسفته، لأنه يتقاطع مع القراءات المعاصرة للجهاد، خاصة تلك التى يتبناها تيار الإسلام السياسى، وعلى غرار كتابه الأسبق «فقه الزكاة» جاء هذا الكتاب للدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، بعنوان «فقه الجهاد.. دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته فى ضوء القرآن والسنة»، والذى نشرته مكتبة وهبة فى جزءين، وتنشره «المصرى اليوم».
والكتاب يقدم مراجعات لفلسفة الجهاد ومفاهيمه، التى ظلت ملتبسة أو تم تطويعها على نحو متعسف وربطها عنوة بما هو سياسى على يد الجماعات الإسلامية التى كثيرا ما رفضت أفكار القرضاوى ثم عادت فى مراجعاتها لتتفق معها، وعلى حد تعبير القرضاوى نفسه، فإن هذا الأمر كان من الأسباب الرئيسية التى دفعته للعكوف 7 سنوات لإنجاز الكتاب.
لا يتسع المجال لعرض كل تفصيلات كتاب «فقه الجهاد» للدكتور يوسف القرضاوى فالكتاب موسوعى لم يغادر كبيرة ولا صغيرة متعلقة بشأن الجهاد، ما بين تأصيل وتحديث، إلا وذكرها لكننا سنتوقف انتقائيا أمام بعض الإشارات المهمة. ونستعرض اليوم ما طرحه القرضاوى إزاء تفسير فرض الكفاية وفق ما قاله فقهاء الشافعية خاصة أن منهم مَن فسَّر فرض الكفاية المطلوب من الأمة تفسيرا جيدا، غير التفسير التقليدى، وفَّق به بين القائلين بالجهاد الهجومى، والقائلين بالجهاد الدفاعى.
والعجيب أن الذين قدموا التفسير للجهاد الكفائى بصراحة هم فقهاء الشافعية. ومن المعلوم أن المذهب الشافعى رضى الله عنه، هو أشد المذاهب فى قضية الجهاد، وأكثرها تضييقا ومع هذا حقَّق المتأخرون من فقهائهم هذا الأمر فأحسنوا.
ذكر الإمام الرافعى فى كتابه: «فتح العزيز بشرح الوجيز»، والذى اختصره الإمام النووى وعلَّق عليه فى: «روضة الطالبين»، وذكره أيضا فى: «المنهاج» وأكَّده شُرَّاحه مثل: العلامة ابن حجر الهيتمى فى: «تحفة المحتاج فى شرح المنهاج»، وشمس الدين الرملى فى: «نهاية المحتاج»، والخطيب الشربينى فى: «مغنى المحتاج»، وغيرهم.
وخلاصة ما ذكروه: أن فرض الكفاية فى الجهاد يحصل بتَشحِين الثغور - وهى محالُّ الخوف التى تلى بلاد الأعداء - بمكافئين لهم لو قصدوها، مع إحكام الحصون والخنادق، وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين، المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين، كما يحصل بأن يدخل الإمام أو نائبه دارهم بالجيوش لقتالهم.
قالوا: هذا ما صرَّح به كثيرون، ولا ينافيه كلام غيرهم: لأنه محمول عليه، وصريحه الاكتفاء بالأول وحده «أى تحصين الثغور وشحنها بالجيوش، وإن لم تدخل دار الكفر للقتال»، وعلَّل ذلك بأن الثغور إذا شُحنت كما ذُكر، كان فى ذلك إخماد لشوكتهم، وإظهار لقهرهم بعجزهم عن الظفر بشىء منا، مع قوله هنا: إنه إذا احتيج إلى قتالهم وجب.
ومعنى هذا، أن المطلوب الذى يُؤدَّى به فرض الكفاية: أن يكون للمسلمين جيش قوى مرهوب الجانب، مسلَّح بأحدث الأسلحة، وعلى أعلى مستوى من التدريب، ينشر قوَّاته فى كل الثغور البرية والبحرية، بحيث لا يدع نقطة يخشى منها، دون أن يهيئ لها أسباب الحماية والمَنعَة، حتى يرتدع الأعداء، ولا يفكروا فى الهجوم على المسلمين.
وهذا أمر توافقت عليه كل دول العالم اليوم. فمن مقتضيات سيادة الدول: أن تكون لها قوَّات مسلَّحة قادرة على الدفاع عن حدودها واستقلالها من أى هجوم عليها، أو اعتداء على حرماتها، أو الاستيلاء على أى شبر منها.
بل أقول: إن ما قاله المتأخرون من علماء الشافعية الذين اعتُمِدَت كتبهم ومؤلفاتهم عند أهل المذهب، قد سبقهم به علماء كبار من الحنفية أيضا، ممن تعتبر كتبهم مراجع مهمة فى المذهب. فقد نقلنا قَبلُ قول العلاَّمة الحنفى الكاسانى- الملقَّب بملك العلماء- فى كتابه الشهير «بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع»: «وإذا كان الجهاد فرضا على الكفاية، فلا ينبغى للإمام أن يخلى ثغرا من الثغور من جماعة من الغُزاة، فيهم غَناء وكفاية لقتال العدو، فإن قاموا به يسقط عن الباقين،
وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة، وخِيف عليهم من العدو، فعلى مَن وراءهم من المسلمين- الأقرب فالأقرب- أن ينفروا إليهم، وأن يمدوهم بالسلاح والكُراع والمال، لما ذكرنا أنه فرض على الناس كلِّهم ممَّن هو أهل الجهاد. ولكن الفرض يسقط بحصول الكفاية بالبعض، فما لم يحصل لا يسقط. وفى المذهب المالكى ما يؤيِّد هذا التوجه،
كما وجدنا عند الحنابلة: ما ذكره ابن قدامة من الموانع والأعذار المتعددة، التى تسقط فرض الكفاية.
هذا هو تحقيق معنى «فرض الكفاية» فى الجهاد: أن تملك الأمة قدرة عسكرية مسلَّحة بما يلزمها من كل أسلحة العصر: برية وبحرية وجوية، منافسة لأسلحة الأعداء والمتربصين، إن لم تتفوق عليهم، يقوم عليها رجال مدرَّبون على استعمالها، أُعِدُوا الإعداد المطلوب: بدنيا ونفسيا وثقافيا، وقبل ذلك كلِّه: إيمانيًّا.
وأن تسند ذلك كله: قدرة اقتصادية تكفى الأمة عند الحرب ما تحتاج إليه من مؤن ونفقات وخدمات.وقدرة علمية وتكنولوجية تمدُّ الحرب الحديثة بما يلزمها من أدوات وحاجات تتطوَّر من يوم لآخر، وإنما ينتصر فيها مَن كان أكثر علما وخبرة فى هذه المجالات.
والأصل فى فرض الكفاية: أن الأمة جميعا مخاطَبة به، وإن كان الذى يقوم به بعض منها، إذ لا يمكن أن يكلَّف الجميع به.
ولكن الذى يقوم بهذا ويعدُّ العدَّة اللازمة لإرهاب عدو الله وعدو الأمة، هم أولو الأمر الذين تولَّوا مسؤولية الولاية على الناس. فإذا قاموا بواجبهم فى الإعداد على الوجه المنشود، فقد برئت الأمة كلها من الإثم والحرج. وإن لم يقوموا بما ينبغى، وبقيت الديار مكشوفة الساح، فاقدة السلاح، مهيضة الجناح، فقد أثمت الأمة كلها: حكاما ومحكومين، رعاة ورعية.
وذلك لأن فرض الكفاية تحمل الأمةُ كلُّها مسؤولية تحقيقه وتنفيذه، لأن فروض الكفاية فى الواقع، إنما تعنى الفروض الواجبة على الأمة بالتضامن، بخلاف فروض العين، فهى الفروض الواجبة على الأفراد بصفتهم الشخصية، وهم المسؤولون عنها أمام الله تعالى، وأمام الناس.
ومَن تأمل ما ذكره الفقهاء من فروض الكفاية: وجدها كلها تصبُّ فى اتجاه واحد هو: كل ما يحفظ على الأمة هُويَّتها، وشخصيتها الدينية والثقافية والحضارية، ويحفظ عليها مقوماتها المادية والمعنوية، ومنها الجهاد دفاعا عن كِيانها وحُرُماتها.
ويحدد القرضاوى الظروف والأسباب التى يكون فيها الجهاد فرض عين ومنها:
إذا هجم العدو على بلد من بلاد المسلمين، أو خِيف هجومه، وبدت بوادره وهذه الحالة تُسمَّى «النفير العام»، وهو: أن يُحتاج إلى جميع المسلمين عند دخول الكفار واحتلالهم أرضا إسلامية، أو تهديدهم لها- وتوقع خطرهم عليها- فلا يكتفى ببعض المسلمين من أهل هذا البلد عن بعض آخر. بل يهبُّون جميعا لمقاومة الغزو، بحسب الإمكان، كل بما يقدر عليه. ولا يجوز لقادر التخلُّف عن المشاركة فى المقاومة.
هذا الجهاد- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- دفع عن الدين والحُرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار، للزيادة فى الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو، كغزوة تبوك ونحوها. ومن هنا قال الفقهاء فى هذا النوع من الجهاد: إن المرأة تخرج فيه، ولو بغير إذن زوجها، والابن ولو بغير إذن أبيه وأمه.
وإنما قُدِّم الجهاد- إذا كان فرض عين- على طاعة الأبوين، وطاعة الزوج، مع أن هذه الطاعة وتلك فرض عين أيضا، لأن مصلحة الجهاد أعمُّ وأشمل، إذ هى لحفظ الدين والدفاع عن حُرُمات المسلمين، فمصلحته عامة، وهى مقدَّمة على غيرها من المصالح الخاصة.
وإذا كان العدوان الكافر أكبر من طاقة البلد المعتدَى عليه، ففرض على جيرانه الأَدنَين وأقرب البلاد إليهم أن يشاركوهم بكل ما يقدرون عليه، فقد تعيَّن الجهاد عليهم، ثم على سائر بلاد المسلمين- الأقرب فالأقرب- أن يمدُّوهم بكل ما يحتاجون إليه من الرجال والسلاح والمال، حتى يقهروا العدو، ويطردوا الغزاة، ويُعلوا كلمة الإسلام.
ولعل من أدق العبارات وأوضحها فى بيان كيفية افتراض الجهاد عينا: ما جاء فى «الذخيرة» من كتب الفقه الحنفى، وتناقله المؤلفون من بعده، ونقله العلاَّمة ابن عابدين فى حاشيته، قال: «إن الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على مَن يقرُب من العدو، فأما مَن وراءهم ببُعد عن العدو، فهو فرض كفاية عليهم، حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز مَن كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو، أو لم يعجزوا عنها، ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا، فإنه يفترض على مَن يليهم فرض عين، كالصلاة والصوم، لا يسعهم تركه. «يعنى الأقرب فالأقرب» إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا على هذا التدريج.
ويشير القرضاوى إلى ما ذكره ابن تيمية الذى قال: «فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين، فإنه يصير دفعه واجبا، على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم.
ومن الأسباب التى يكون فيها الجهاد فرض عين استنفار الإمام لفرد أو طائفة معينة، فيتعيَّن عليهم الجهاد، ولا يحلُّ لهم التخلُّف إلا بعذر، لأن الله تعالى أمر بطاعة أولى الأمر، وهذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم عندما عزم على لقاء الروم فى غزوة تبوك، فأعلن عن مقصده صراحة لا تورية- كما كان يفعل فى سائر الغزوات- لأنه سيواجه جيش أكبر قوة عسكرية فى الأرض: جيش دولة الروم البيزنطية، ولا سيما بعد انتصارها على دولة الفرس. وقد استنفر الرسول الكريم المسلمين جميعا من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب، فلم يعُد
يحلُّ التخلُّف لأحد منهم إلا مَن عذره الله ورسوله.
ويقول محقق الحنفية الكمال بن الهُمَام: «يصير الجهاد من فروض الأعيان، سواء أكان المستنفِر عدلا أو فاسقا، فيجب على جميع أهل تلك البلدة النَّفرة، وكذا مَن يقرب منهم إن لم يكن بأهلها كفاية، وكذا مَن يقرب فمَن يقرب، إن لم يكن بمَن يقرب كفاية، أو تكاسلوا، أو عَصَوْا، وهكذا إلى أن يجب على أهل الإسلام شرقا وغربا». وإذا استنفر ولى الأمر فردا معيَّنا، ليقوم بمهمة عسكرية، وجبت طاعته، كما تجب على الجماعة، إذ العلة واحدة.
ومن الظروف الأخرى التى يكون فيها الجهاد فرض عين: حاجة الجيش المسلم إلى خبرة شخص معين لا يسدُّ غيره مسدَّه، كأن يكون ذا خبرة خاصة لا توجد لدى الجماعة المحاربة، فى التدريب أو «التكتيك»، أو الأسلحة والذخيرة، أو مقاومة الدبابات، أو الطائرات، أو صناعة المتفجرات، أو بناء التحصينات، أو غير ذلك من الشؤون الحربية، ولا يوجد عدد كافٍ يغنى عنه.
وكذلك إذا كان يعرف مواقع العدو وعوراته، وجغرافية أرضه، ونحو ذلك ممَّا يلزم للجيش المسلم، فيجب عليه أن يقدِّم نفسه للاستفادة من جهده وخبرته، ومن الظروف الأخرى أن يحضر المعركة بالفعل، فلا يجوز له أن يرجع إذا التقى الجمعان، ولو كان الجهاد فرض كفاية فى الأصل. فإن رجوعه حينئذ يفتُّ فى عضد سائر الجيش، ويُدخل الوَهْن فى صفوف المسلمين، ويجرِّئ عليهم عدوهم.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات». قيل: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التى حرَّم الله إلا بالحق، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّى يوم الزحف»، لهذا أجمع المسلمون على أن الفرار من الزحف من كبائر الذنوب.
لكن الشرع استثنى بعض صُور يجوز فيها الفرار من مواجهة العدو، ولو عند التقاء الصفين.
وشرط تحريم الفرار- عند جمهور الفقهاء- ألاَّ يكون عدد الكفار أكثر من مِثْلَى عدد المسلمين، فإن كانوا أكثر من مِثليهم كأن يكون المسلمون ألفا والأعداء أكثر من ألفين: جاز للمسلمين أن يفرُّوا بأنفسهم، إذا وجدوا فى ذلك مصلحة لهم، وإنقاذا للمقاتلين المسلمين، أما إذا كان العدو مِثلَى المسلمين أو دون ذلك، فيجب الثبات ولو ظنَّ المسلمون أنهم يهلكون.
ومن شروط فرضية الجهاد:
1- الاستطاعة البدنية.
2- القدرة على استعمال السلاح والقتال به.
3- القدرة على الوصول إلى البلد المعتدَى عليه، بأن يملك رَكوبة توصِّله إلى البلد، أو ثمن التذكرة بالبر أو البحر أو الجو، أو وجد فى المسلمين مَن يتكفَّل بإيصاله إلى ميدان القتال، وهو ما يجب على الأمة- بالتضامن- أن توفِّره لكل مقاتل.
4- ألاّ يوجد مانع معتبر يحول بينه والنهوض للدفاع، كأن يكون مسجونا، أو لا يستغنى عنه المسلمون فى محل إقامته، لمثل علاج مرضاهم، أو حفظ أمنهم الداخلى، أو إمامتهم فى صلواتهم وتعليمهم دينهم، أو تسيير مطاحنهم ومخابزهم، وغير ذلك ممَّا يلزم للمحافظة على كِيان الأمة، ودوام إمداد المقاتلين بالغذاء والكساء والدواء والسلاح، ويؤمِّنهم على مَن وراءهم. ويعبِّر المعاصرون عن ذلك بتأمين الجبهة الداخلية وتقويتها.
وهنا يعلق القرضاوى قائلا: وممَّا يؤسف له أشد الأسف أن كثيرا من أبناء المسلمين يتحرَّقون شوقا إلى الجهاد لتحرير المسجد الأقصى، ومساندة إخوانهم فى أرض الإسراء والمعراج، ولكن «دول الطوق»، كما يسمُّونها، أو دول المواجهة «الأردن ولبنان وسوريا ومصر»، كلها تمنع دخول أى مجاهد إلى أرض فلسطين، وقد تطلق قوَّاتها الرصاص إذا حاول التسلُّل للدخول، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ويتحقق أداء فرض العين فى الجهاد، وفق ما ورد لدى الفقهاء من جميع المذاهب حيث قالوا: إن البلد الذى يهاجمه الغُزاة من الكفار المعادين، أو يحتلونه بالفعل: يفرض على أهله جميعا- فرضية عينية- أن يقاوموا وينفروا كافة لطرد الغزاة، وردِّهم على أعقابهم مدحورين.
وهذا هو الذى قال فيه الفقهاء: تخرج المرأة للاشتراك فى المقاومة، دون إذن زوجها، والابن بغير إذن أبيه، والخادم بغير إذن مخدومه، لأن حق الجماعة العام مقدَّم على حقوق الأفراد الخاصة. ولو هلكت الجماعة- لا قدر الله- لهلك الأفراد، ولم يبقَ لهم حقوق خاصة ولا عامة. وهذا النوع من تحقيق القيام بفرض العين المطلوب: واضح بيِّن لا ريب فيه.
وعن دور المرأة فى الجهاد فإن المرأة من الرجل، والرجل من المرأة {بَعْضُكُمْ مِن بَعْضٍ}.ولقد ذكر لنا القرآن سورة من سوره المدنيَّة، سُمِّيت سورة «الممتحنة» أىْ المرأة الممتحَنة، وهى تتحدَّث عن جملة من النساء اللائى آمنَّ بالإسلام، ولم يُسلِم أزواجهنَّ، فاضطُّررن أن يهاجرن بدينهنَّ، وأن يخرجن من بلدهنَّ وأهلهنَّ، من مكة إلى المدينة مهاجرات فى سبيل الله، قاصدات الوصول إلى الرسول، وإلى الجماعة المؤمنة، ونزل فيهن قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10].
فهكذا رأينا هؤلاء النسوة يقطعن هذه المسافة الشاسعة بين مكة والمدينة، بوسائل المواصلات المعروفة فى ذلك الوقت، وليس معهنَّ رجال يحرسونهنَّ، فقد فررن من أزواجهنَّ ومحارمهنَّ المشركين. وهذه الهجرة- ولا شك- ضرب من الجهاد لا يقدر عليه إلا القليلون من الرجال، فما بالك بالنساء؟!
وفى السنة النبوية قرأنا الحديث الشريف الذى يقول: «إنما النساء شقائق الرجال». ومما يؤكِّد مكانة المرأة فى القرآن كذلك: سورة «المجادلة» التى افتتحت بقول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]، فهذه المرأة التى آمنت بحقِّها، وجادلت النبى الكريم فى أمرها مع زوجها، قد سمع الله جدالها من فوق سبع سموات، وأنزل الله فيها قرآنا يُتلَى أبد الدهر.
ولكن من المؤكد: أن بعض أعمال الجهاد التى تحتاج إلى جهد بدنى شاق؛ لا يصلح فى العادة للمرأة العادية، ولا تصلح له. فإن الله تعالى بعدله وحكمته قد منح المرأة من النعومة والرِّقة ما يجعلها غير صالحة لكثير من الأعمال المجهدة التى يقوم بها الرجال. لأن الله سبحانه وتعالى قد أعدَّ المرأة لتكون أُما، من الناحية البدنية، ومن الناحية العصبية والوجدانية، فجهَّزها بجهاز عاطفى قوى متميز، لتتحمل متاعب الحمل والوضع والإرضاع والحضانة، وكل هذا يجعل المرأة بعيدة عن اللياقة الكاملة للعمل الجهادى البدنى، بما فيه من مكابدة للمشقَّة، وممارسة للعنف، ولو فى ردِّ عنف الآخرين.
وهذا ما جعل القتال عند الأمم كافة، وطوال التاريخ من نصيب الرجال فى الأساس، وإن كان هذا لا يمنع المرأة أن تشارك الرجال فى بعض الأعمال المُساعِدة فى الحرب، المُلائمة لقدرات المرأة وخبرتها فى الحياة. وهذا ما جرى عليه العمل فى عهد النبوة، فساهمت بعض أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة، فى معاونة المقاتلين المسلمين فى بعض الغزوات، ببعض الخدمات المناسبة التى كان لها أثرها فى خدمة المعركة.
ترجم الإمام البخارى فى كتاب الجهاد من صحيحه: «باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال»، وذكر فيه حديث أنس رضى الله عنه، قال: لمَّا كان يومُ أحد انهزم الناس عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيتُ عائشة بنت أبى بكر وأم سُلَيم «أُمَّه» وإنهما لمشمرتان، أرى خَدَم سوقهما «أى الخلاخيل فى سيقانهما» تنقزان القِرَب– وقال غيره: تنقلان القِرَب– على متونهما «أى ظهورهما»، ثم يفرغانها فى أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها فى أفواه القوم.
وروى مسلم عن ابن عباس: كان يغزو بهنَّ، فيداوين الجرحى.. وعلَّق العلاَّمة ابن المنيِّر على هذا الحديث فى البخارى، فقال: «بوَّب على (قتالهن) وليس هو فى الحديث، فإما أن يريد أن إعانتهنَّ على الغزو غزو، وإما أن يريد: أنهن ما ثبتن لسقى الجرحى، ونحو ذلك، إلا وهنَّ بصدد أن يدافعن عن أنفسهنَّ، وهو الغالب» وقد ذكر ابن سعد فى «طبقاته» فى ترجمة أم عُمَارة الأنصارية، عن عمر قال: لقد سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفتُّ يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دونى».
وقد ذكر ذلك كُتَّاب السيرة النبوية، وهذا دليل جلى على أن جهاد المرأة فى أُحد لم يكتفِ بخدمة الجيش، بل قاتلت بالفعل مع الرجال، كما صنعت أم عُمَارة رضى الله عنها، قال الحافظ فى الفتح: «وقد وقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس: أن أم سُلَيم اتخذت خنجرا يوم حنين، قالت: اتخذتُه، إن دنا منى أحد من المشركين بقرتُ به بطنه كما ورد أن صفية بنت عبد المطلب – عمة النبى صلى الله عليه وسلم – قتلت يهوديا فى غزوة الخندق، جَبُن عنه حسان بن ثابت. ضربته بعمود فى رأسه، فقتلته، قالوا: وهى أول امرأة قتلت رجلا من المشركين».
وذكر ابن إسحاق فى قصة سعد بن معاذ، رضى الله عنه، لما أصيب فى غزوة الخندق، فقال رسول الله: «اجعلوه فى خيمة رُفَيدة، التى فى المسجد، حتى أعوده من قريب». وكانت امرأة تداوى الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة مَن كانت به ضيعة من المسلمين. وروى نحو ذلك البخارى فى الأدب المفرد عن محمود بن لَبِيد. و«رُفيدة» هذه أنصارية أو أَسْلَمية كما قال ابن حجر فى «الإصابة».
ويعتبر الباحثون فى «مهنة التمريض» رُفيدة أول ممرِّضة فى الإسلام. وخيمتها هذه أول مستشفى ميدانى لعلاج جرحى الحرب وتمريضهم. وكانت رُفيدة ممرِّضة متطوِّعة وتقوم بعملها احتسابًا.
وذكر البخارى فى هذا السياق: «باب غزو المرأة فى البحر» أورد فيه حديث أنس فى قصة أم حَرَام بنت مِلْحان. قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنة مِلحان، فاتَّكأ عندها، ثم ضحك، فقالت: لم تضحك، يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتى يركبون البحر الأخضر فى سبيل الله، مَثَلُهم مَثَل الملوك على الأَسِرَّة!».
فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلنى منهم فقال: «اللهم اجعلها منهم». ثم عاد فضحك، فقالت له مثل– أو ممَّ– ذلك، فقال لها مثل ذلك، فقالت: ادعُ الله أن يجعلنى منهم. فقال: «أنت من الأولين، ولستِ من الآخرين». قال أنس: فتزوجت عُبادة بن الصامت، فركبت البحر مع بنت قَرَظَة «زوج معاوية»، فلما قَفَلَت «رجعت من الغزو»، ركبت دابتها فوَقَصَت بها، فسقطت عنها، فماتت فانظر إلى طموح النساء المسلمات فى ذلك العهد إلى أن يشاركن الرجال فى معالى الأمور، وإن كان فيها من المشقَّة ما فيها وفى حديث عائشة أم المؤمنين، رضى الله عنها، قالت: استأذنت النبى صلى الله عليه وسلم فى الجهاد، فقال: «جهادكنَّ الحج».
وساق من طريق آخر عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم، سألنه نساؤه عن الجهاد، فقال: «نِعم الجهاد: الحج. وروى مسلم، عن أم عطية الأنصارية، قالت: غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات: أخلفهم فى رحالهم: فأصنع لهم الطعام، وأداوى الجرحى، وأقوم على المرضى.
كما سجَّل لنا تاريخ الإسلام: أن المرأة المسلمة شاركت فى «الفتوحات الإسلامية» بنصيب، فرأينا أكثر من صحابية تشارك فى حرب الروم خاصَّة مثل «موقعة اليرموك»، وهى إحدى المعارك الحاسمة فى التاريخ.
روى سعيد بن منصور فى سننه، عن عبد الله بن قُرْط الأزدى، قال: غزوتُ الروم مع خالد بن الوليد، فرأيتُ نساء خالد، ونساء أصحابه، مشمِّرات يحملن الماء للمهاجرين، يرتجزن، أى ينشدن الشعر من بحر الرَّجَز، وهو بحر سهل خفيف. وإذا كانت نساء خالد، ونساء أصحابه معه، قد شمَّرن عن سوقهنَّ يحملن قِرَب الماء لسقاية العطشى من الصحابة، خصوصا المهاجرين، فقد رأينا من الصحابيات مَن باشرت القتال مع جنود الروم وقتلت منهم!
فيروى سعيد بن منصور فى سننه أيضا، كما يروى الطبرانى فى معجمه الكبير: أن أسماء بنت يزيد الأنصارية، شهدت «اليرموك» مع الناس، فقتلت «سبعة»، وفى رواية الطبرانى «تسعة» بعمود فسطاط ظلتها.
فانظر كيف انتقلت رضى الله عنها– كما انتقل أخواتها من الصحابيات– من المدينة إلى الشام، لتشهد المعركة، وتشارك فيها بأكثر من مجرَّد إسعاف الجرحى، وسقى العطشى، بل بالقتال حين احتاج الأمر إلى القتال، ونراها تستخدم فى ذلك ما يمكنها حتى عمود خيمتها! ولابد أن هؤلاء الجنود من الأعداء حاولوا أن يحوموا حول الحريم، فكانت لهم بالمرصاد، وجندلتهم واحدًا بعد الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.