برلماني : كلمة الرئيس باحتفالية عيد تحرير سيناء كشفت تضحيات الوطن لاستردادها    مساعد التعليم : 8236 مشروعا لمواجهة الكثافة الطلابية ب127 ألف فصل    المؤتمر : الحوار الوطني يحقق طموحات الجمهورية الجديدة    سعر البيض الأحمر والدواجن اليوم في البورصة للمستهلك بعد الارتفاع المتتالي    برلماني: انقطاع الكهرباء يمتد لثلاث ساعات في القرى    بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة في الدقهلية    تنفيذ 15 حالة إزالة في مدينة العريش    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    بايدن يعلن استعداده مناظرة ترامب    شولتس يدعو لزيادة دعم أوكرانيا في مجال الدفاع الجوي    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    عاشور والشحات وتاو| شاهد غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    أسوان .. عاصفة ترابية شديدة بمناطق مختلفة |شاهد    كان بيستحمى بعد درس القمح.. مصرع شاب غرقًا في المنوفية    بالإنفوجراف والفيديو.. رصد أنشطة التضامن الاجتماعي في أسبوع    بعد صورتها المثيرة للجدل.. بدرية طلبة تنفي دعوتها للشاب حسن في زفاف ابنتها    دون سابق إنذار.. أنباء عن سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    شركة GSK تطرح لقاح شينجريكس للوقاية من الحزام الناري    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    بيراميدز يهزم الزمالك برباعية ويتوج بدوري الجمهورية    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    محافظ المنوفية: 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال أبريل لتنمية المواهب الإبداعية    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    أسبوع الآلام.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بختام الصوم الكبير 2024    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    سكاي: سن محمد صلاح قد يكون عائقًا أمام انتقاله للدوري السعودي    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» تنشر «مراجعات» فقه الجهاد ل «القرضاوى»: (1) 3 فئات فى الأمة يعتنقون 3 مفاهيم مختلفة ل«الجهاد»: الأولى ترفضه.. والثانية تعلن الحرب على العالم.. والثالثة «وسطية»

من المتوقع أن يثير هذا الكتاب جدلا واسعا بين التيارات الدينية على مختلف أطيافها وتوجهاتها، حول فكرة الجهاد وفلسفته، لأنه يتقاطع مع القراءات المعاصرة للجهاد، خاصة تلك التى يتبناها تيار الإسلام السياسى، وعلى غرار كتابه الأسبق «فقه الزكاة» جاء هذا الكتاب للدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، بعنوان «فقه الجهاد.. دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته فى ضوء القرآن والسنة»، والذى نشرته مكتبة وهبة فى جزأين، وتنشره «المصرى اليوم» ابتداء من اليوم.
والكتاب يقدم مراجعات لفلسفة الجهاد ومفاهيمه، التى ظلت ملتبسة أو تم تطويعها على نحو متعسف وربطها عنوة بما هو سياسى على يد الجماعات الإسلامية التى كثيرا ما رفضت أفكار القرضاوى ثم عادت فى مراجعاتها لتتفق معها، وعلى حد تعبير القرضاوى نفسه، فإن هذا الأمر كان من الأسباب الرئيسية التى دفعته للعكوف 7 سنوات لإنجاز الكتاب.
الكتاب فى عشرة أبواب، يعرض لحقيقة الجهاد ومفهومه، وأنواعه ومراتبه وأهدافه ومنزلته ويستهله القرضاوى، بعنوان «من دستور الأمة الإلهى» (القرآن الكريم) باثنتى عشرة آية قرآنية مما ورد فيها ذكر الجهاد أو توصيف له، ومن هذه الآيات» «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة:190،191 ] ومن السورة ذاتها وفى الآية رقم 256 «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِِّ»
ومن ( سورة النساء الآية رقم 75) «وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» وهى الآية التى جعلت إنقاذ المستضعفين من براثن الجبارين من أهداف القتال فى الإسلام، ومن السورة ذاتها (الآية رقم 90) قال تعالى:»فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً» ويقول تعالى فى الآية الستين من سورة الأنفال «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» ومن سورة الأنفال أيضا الآية الواحدة والستين «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»
وفى الآية الرابعة من سورة التوبة قال عز وجل: «إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» وفى الآية السابعة من السورة ذاتها قال تعالى: «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» وفى الآية السادسة والثلاثين قال تعالى:»وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً» أى تجمعوا على قتالهم، كما يتجمعون على قتالكم. فهو معاملة بالمثل.
وتحت عنوان «من مشكاة النبوة»، أورد القرضاوى عددا من الأحاديث الشريفة التى تعرضت لفكرة الجهاد ومنهجها وفلسفتها ومن هذه الأحاديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنَّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنَّة تحت ظلال السيوف».
متفق عليه عن عبدالله بن أبى أوفى، ومن قوله صلى الله عليه وسلم «دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم» رواه أبو داود عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة قتيلا فى غزوة، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل». فبعث رجلاً فقال: «قل لخالد: لا يقتلن امرأة ولا عسيفا». رواه أحمد وأبو داود عن رباح بن الربيع وعنه أنه قال «اغزوا باسم الله، وفى سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، لا تغلُّوا، ولا تغدِروا، ولا تمثلِّوا، ولا تقتلوا وليدًا» رواه مسلم عن بريدة.
وعن مسلم عن جابر بن سمرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة»، رواه مسلم عن جابر بن سمرة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكَر، والرجل يقاتل ليُرى مكانُه، أيهم فى سبيل الله؟ فقال: «مَن قاتل لتكون كلمة الله هى العليا، فهو فى سبيل الله». متفق عليه عن أبى موسى. وقال جَرير: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم فى حَجَّة الوداع: استنصت لى الناس، فقال: «لا ترجعوا بعدى كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض»، متفق عليه عن جَرير بن عبدالله البَجَل.
ووفق ما ورد فى موطأ الإمام مالك ومن هَدْى الراشدين أورد القرضاوى دستور الجهاد كما حدده أبوبكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب، فعن يحيى بن سعيد: أن أبابكر رضى الله عنه بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشى مع يزيد بن أبى سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبى بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال أبوبكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب، إنى أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله، ثم قال له: إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له (يعنى الرهبان).. وإنى موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرا هرمًا، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تَغلل، ولا تجبُن.
وعن عبدالله بن عامر: أنه قدم على أبى بكر الصديق رضى الله عنه برأس البطريق، فأنكر ذلك، فقال: يا خليفة رسول الله، إنهم يفعلون ذلك بنا! قال: فاستنانٌ بفارس والروم؟ لا يحمل إلىَّ رأس! فإنه يكفى الكتاب والخبر، رواه سعيد بن منصور فى سننه، وابن أبى شيبة فى مصنفه، والنسائى فى الكبرى. وعن زيد بن أبى وهب قال: كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، واتقوا الله فى الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب. رواه سعيد بن منصور، وابن أبى شيبة.
وعن الأطر التى تحدد دواعى الجهاد وقياساته الفقهية فإننا نقف عليها بجلاء فى مستهل هذا الكتاب ومنها ما قاله ابن رشد الجد فى «المقدمات والممهدات» حيث قال: «إذا حُميت أطراف البلاد، وسُدَّت الثغور: سقط فرض الجهاد عن جماعة المسلمين، وبقى نافلة، إلا أن ينزل العدو ببعض بلاد المسلمين، فيجب على الجميع إعانتهم، بطاعة الإمام فى النفير إليهم» وفى فتاوى ابن الصلاح و «فى السياسة الشرعية» لابن تيمية: «إن الأصل هو إبقاء الكفار وتقريرهم، لأن الله تعالى ما أراد إفناء الخلق، ولا خلقهم ليُقتلوا، وإنما أُبيح قتلهم لعارض ضرر وُجد منهم، إلا أن ذلك ليس جزاء لهم على كفرهم، فإن دار الدنيا ليست دار جزاء، بل الجزاء فى الآخرة» ولدى ابن تيمية،
أيضا وفى السياسة الشرعية. مجموع الفتاوى «إن الله تعالى أباح من قتل النفوس: ما يُحتاج إليه فى صلاح الخلق، كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:217]، أى أن القتل وإن كان فيه شرٌّ وفساد، ففى فتنة الكفار (اضطهادهم للمؤمنين) من الشرِّ والفساد ما هو أكبر منه. فمَن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرَّة كفره إلا على نفسه» وفى قاعدة فى قتال الكفار (ص121) لدى ابن تيمية أيضا: «قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ} [البقرة:256]، هذا نصٌّ عامٌّ: أنا لا نُكره أحدًا على الدين، فلو كان الكافر يُقتل حتى يُسلم، لكان هذا أعظم الإكراه على الدين».
وفى كتابه «فى هداية الحيارى» يستشهد ابن القيم بالمواقف النبوية فى الشأن الجهادى فيقول: «مَن تأمَّل سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، تبيَّن له : أنه لم يُكره أحدًا على دينه قط، وأنه إنما قاتل مَن قاتله. وأما مَن هادنه، فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته، لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يفى لهم بعهدهم ما استقاموا له، كما قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة:7]، ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرَّهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدأوه بالقتال قاتلهم.. وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين، لم يبدأهم بقتال، حتى بدأوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم فى ديارهم، وقبل ذلك كانوا هم يغزونه».
وفى وجوب الجهاد نجد الخطيب الشربينى، فى «مغنى المحتاج فى شرح المنهاج» يقول إنه وجوب الوسائل لا المقاصد، إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية، وما سواها من الشهادة. وأما قتل الكفار فليس بمقصود، حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل (أى بالحجَّة والإقناع) بغير جهاد: كان أولى من الجهاد» كانت هذه منطلقات أولية حددها الدكتور القرضاوى وهى منطلقات عززتها شروح تمهيدية فى مقدمة كتابه العمدة هذا فيذكر المواقف النظرية من الجهاد قائلا: «لقد كتب كثيرون عن الجهاد، وقُدِّمت فيه عدة أُطروحات للدراسات العليا فى عدد من الجامعات الإسلامية والمدنية: وكتب كثير من الباحثين فى الموضوع، وعُنيت به جماعات وحركات إسلامية: علما وعملا ودعوة وتطبيقا، وبعضهم سمَّى نفسه بهذا الاسم مباشرة مثل: جماعات (الجهاد) فى أكثر من بلد عربى وإسلامى، ولكن مشكلتنا فى هذه القضايا الكبرى: أن الحقيقة تضيع فيها بين طرفى الغلو والجفاء، أو الإفراط والتفريط، أو (الطغيان والإخسار) وفق تعبير القرآن، الذى قال: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} لقد رأينا فى الجهاد ثلاثة مواقف، أو ثلاث فئات.
الفئة الأولى تريد إماتة الجهاد، وتريد أن تُهيل عليه التراب، وأن تسقطه من حياة الأمة، وأن تجعل أكبر همِّها ومبلغ علمها: أن تربِّى الأمة -كما تقول- على القِيَم الروحية، والفضائل السلوكية، وتعتبر هذا هو (الجهاد الأكبر): جهاد النفس والشيطان.
ومن الغريب أن يتفق فى هذا الاتجاه: دعاةُ التصوف السلبى الموروث من عهود التراجع والتخلف، (على خلاف دعاة التصوف السنى الإيجابى الذين ساهموا فى الجهاد بنصيب وافر، مثل: الأمير عبدالقادر فى الجزائر، وعمر المختار فى ليبيا والسنوسيين...)، ودعاةُ العلمانية الدخيلة، المتغرِّبون، يشاركهم عملاء الاستعمار الغربى والشرقى، من اليمين واليسار، الذين يريدون أن يجرِّدوا الأمة من أسلحتها، لتبقى عارية مكشوفة أمام أعدائها، فهاجموا فكرة الجهاد، وحركة الجهاد، قديما وحديثا، واتهموا الجهاد الإسلامى بالعدوانية ويرحب بهؤلاء وأولئك جميعا: الاستعمار قديمه وحديثه، ويغذِّيهم بما يقوِّى عضدهم، ويمدُّهم بكلِّ ما يعينهم على تحقيق أهدافهم،
ولقد صنع الاستعمار البريطانى نِحلة فى الهند: (القاديانية) كان أشهر ما دعت إليه هو (إلغاء الجهاد)، لإخلاء الطريق للاستعمار، ليفرض سلطانه على المسلمين دون مقاومة ومن المؤسف حقا: أن يوجد من علماء الشرع ودعاته: مَن يريد أن يَدين كلَّ أنواع الجهاد المعاصر: صالحها وطالحها، مستقيمها ومنحرفها، معتدلها ومتجاوزها، فى حين يبرِّر لطواغيت الحكام كل ما تقترفه أيديهم من تعطيل للشريعة، وإفساد للأخلاق، وارتكاب للمظالم، فكم من دماء سُفكت، وكم من أعراض هُتكت، وكم من حرمات انتُهكت، وكم من حقوق ضُيعت،
وكم من كرامات أُهدرت، وكم من ألوف اختُطفوا من منازلهم، ثم ذُهب بهم إلى حيث لا يُدرَى أهم أحياء أم أموات؟ وكم من أناس قُتلوا فى سجونهم بأيدى سجَّانيهم، خُفية أو جهرة! وكم... وكم... وهذا كلُّه حلال مبرَّر. أما المؤثَّم والمجرَّم والمحرَّم، فهو ما تقوم به الشعوب المقهورة، والجماعات المهضومة من تنفيس دفاعى، قد يتجاوز بعضهم فيه، ولكن ربما كان لهم من العذر ما ليس لظالميهم من المعادين لدينهم، الماكرين بمِلتهم، من الذين طغَوا فى البلاد، فأكثروا فيها الفساد.
أما الفئة الثانية فهى الفئة التى تعلن الحرب على العالم كله وفى مقابل هذه الفئة: فئة فهمت الجهاد على أنه (قتال العالم كله): مَن حارب المسلمين أو وقف فى سبيل دعوتهم، أو فتن المسلمين فى دينهم... ومَن ألقى إلى المسلمين السلم، ومدَّ يد المسالمة والمصالحة للمسلمين، فلم يَشهَر فى وجوههم سيفا، ولم يظاهر عليهم عدوا فكل الكفار عند هذه الفئة سواء فى وجوب مقاتلتهم إذا كان المسلمون قادرين، فالكفر وحده سببٌ كافٍ لقتال غير المسلمين وكل ما ورد من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، تدعو إلى مسالمة مَن سالمنا أو البر والإقساط إلى مَن لم يقاتلنا فى الدين، ولم يخرجنا من ديارنا، أو يظاهر على إخراجنا، ونحو ذلك: فكلها كانت آيات مرحلية، انتهى مفعولها،
وأمست موجودة فى المصحف خطًّا، معدومة معنًى، فقد نسختها كلها -وهى نحو مائة وأربعين آية أو مئتا آية أو أكثر- آيةٌ واحدةٌ سمَّوها (آية السيف) والعجب كل العجب أن آية السيف هذه قد اختلفوا فى تعيينها هؤلاء لا يرتضون ميثاق الأمم المتحدة، لأنه يمنع الأمة من الجهاد، ويفرض عليها احترام الحدود الإقليمية للدول ذات السيادة، ويوجب حلَّ النزاعات الإقليمية بالوسائل السِّلمية كما يرفض هؤلاء الاتفاقية الدولية للتعامل مع الأسرى، إذ يرون أن لهم حق قتل الأسرى بلا قيد ولا شرط، وهذه الاتفاقيات تمنع قتل الأسرى، كما يرفضون اتفاق العالم كله على (إلغاء الرق)، ويرون فى هذا تحريم ما أحلَّ الله، وإبطال ما شرع الله.
ويرى هؤلاء: أن الإسلام إنما انتشر فى العالم بالسيف والجهاد، وأن الذين يزعمون أن الإسلام انتشر بالدعوة والحُجَّة والإقناع وأخلاق المسلمين، لا بالسيف والسنان، مثل: المؤرخ البريطانى (توماس أرنولد) فى كتابه (الدعوة إلى الإسلام)، هؤلاء مضلِّلون، يريدون أن يبعدوا المسلمين عن الجهاد، والذين يمدحون مثل هذا المستشرق من المسلمين، إنما هم جهلة بحقيقة الإسلام، وبضاعتهم مُزجاة فى علومه، وهم تلاميذ للاستشراق الخبيث وقد كان لهذا الفكر آثار سيئة، فى أنفس مَن آمن به من الشباب المخلصين فى نيتهم، فحملوا السلاح على قومهم وأهليهم، وقاتلوهم وقتلوا منهم، فقد أدخلوهم فى زُمرة الكفار الذين يجب قتالهم، لأنهم ارتدُّوا عن الإسلام، وباتوا يوزعون تهمة الكفر على كل مَن يخالفهم من الناس، حتى من علماء الدين!
ولم يبالوا بمَن قتلوا من البُرآء فى سبيل ذلك، حتى ألصقوا بالإسلام تهمة العنف وزاد على ذلك بعضهم، فقتلوا مَن ليس لهم بهم عَلاقة، ولا لهم معهم مشكلة، مثل: السياح وركاب الطائرات والرهائن وأمثالهم، ليرهبوا غيرهم بقتلهم، أو باختطافهم واحتجازهم، وبذلك ألصقوا بالإسلام تهمة أخرى -إلى جانب تهمة العنف- وهى تهمة (الإرهاب).
أما الفئة الثالثة فتلك التى وصفها القرضاوى بفئة التوسط والاعتدال أو (الأمة الوسط)، التى هداها الله إلى الموقف الوسط، وأتاها العلم والحكمة، ورزقها البصيرة فى فقه الشرع، وفقه الواقع، فلم تقع فى تفريط الفئة الأولى التى تريد للأمة أن يبقى حقها بلا قوة، ومصحفها بلا سيف، وأن تبقى دارها بلا حُرَّاس، وحرماتها بلا حُماة.
كما لم تقع فى إفراط الفئة الثانية وغلوِّها، التى تريد أن تقاتل المسالمين، وتشنَّ الغارة على الناس أجمعين، وتعلن الحرب على الأحمر والأسود، والشرق والغرب، بدعوى أنها تسوق الناس إلى الله، وتقودهم بالسلاسل إلى الجنة، وتأخذ بأيديهم قسرا إلى الصراط المستقيم، وتزيل الحواجز المادية التى تضعها السلطات الطاغية أمامهم، فلا يُتاح لهم تبليغهم كلمة الله، ودعوة رسوله، ليسمعوها عالية صريحة، خالية من كل شَوب وهذا كان صحيحا فى الزمن الماضى، حين كان كسرى وقيصر وأمثالهم من الطواغيت، يقفون عقبة فى سبيل شعوبهم وأممهم، فلا يمكن إيصال الدعوة إليهم إلا بالانتصار عليهم، وإزاحتهم بالقوة من طريق الدعوة، وهذا ما فعله الصحابة ومَن اتَّبعهم بإحسان أما اليوم فلم نعُد فى حاجة إلى ذلك، وقد أتاحت لنا وسائل العصر أن نبلِّغ العالم كله دعوتنا، وأن نُسمعهم كلمتنا، دون أن يستطيع حاكم منعنا من ذلك.
فعندنا القنوات الفضائية التى تملأ الآفاق، والإذاعات الموجَّهة التى تنقل موجاتها إلى أقصى العالم، وشبكة الإنترنت التى تدخل كل بيت دون إذن من أحد، والرسائل والنشرات المكتوبة بلغات العالم، كل هذه الأدوات والآليات هى أسلحتنا القوية والمؤثرة فى جهاد العصر، وهى تحتاج إلى جيوش جرَّارة من الدعاة والمعلِّمين والإعلاميين المدرَبين الأكفاء الأقوياء الأمناء القادرين على مخاطبة العالم وأُممه بلغاته المختلفة، وبلسان عصره، وبأساليب عصره، ليبيِّنوا لهم، ويُفهموهم ويؤثروا فى عقولهم وعواطفهم، وهذا - للأسف الشديد - ما لا نملك عشر معشاره، بل ولا واحدا على الألف من المطلوب فى هذا الميدان الخطير
ويذكرنا القرضاوى بما قاله يوم افتتاح موقع «إسلام أون لاين» واصفا هذا الموقع العالمى الذى يصل الدين الصحيح إلى العالم من خلاله حيث قال: «إن هذا هو جهاد العصر، فمَن كانت له نية فى الانضمام إلى ركب المجاهدين، أو رغبة فى نيل فضل الجهاد فى سبيل الله، بالنفس أو بالمال، أو بالجهد، فهذا هو جهاد اليوم، وهو جهاد كبير، وجهاد طويل» ويبدو أن سخونة هذا الكتاب تتواتر تصاعديا فيحقق القرضاوى وقفات خاطفة ومتأملة مع نماذج جهادية من جماعات لاتجاهات إلى تيارات جمعت بين القدم والحداثة فيذكر فيما يتعلق بجماعة الجهاد، (التى حسبها على الفئة الثانية) وعرض لرؤيته الفقهية فيما يتعلق بمراجعاتها، فقال: «إنها قاتلت وقتلت وأصابها ما أصابها من أحكام بالإعدام أو السجن ثم طفقت تراجع نفسها وتنقد ذاتها وتستمع إلى غيرها وتعود إلى خط الاعتدال والوسط بعيدا عن الوكس والشطط وتتراجع عن كثير مما كانت تؤمن به وتصر عليه،
وهو ما قامت به الجماعة الإسلامية فى مصر وهى شقيقة جماعة الجهاد، فقد أصدرت عدة كتب سمتها (سلسلة تصحيح المفاهيم) أعلنت فيها تخليها عن كثير من مفاهيمها القديمة فى شجاعة أدبية تحسد عليها وقد صدر منها اثنا عشر كتابا ومما فاجأنى أننى وجدتهم ينقلون من كتبى صفحات كاملة متتالية، وقد كانت من قبل المحرمات التى يرفضون قراءتها ويحذرون منها أتباعهم، وهذا التغيير إنما يدل على أن العقول المغلقة قد عرفت التفتح والنفوس المتعصبة قد عرفت التسامح وأن الفرد المسلم لم يعد أسيرا لرأى واحد ولشيخ واحد وهذا تطور محمود ولهذه الاعتبارات وجدت أنه من الواجب على أن أنهض للكتابة فى هذا الموضوع وكم خطر فى بالى منذ أنجزت كتابى فقه الزكاة أن أكتب شيئا مشابها فى فقه الجهاد.. وعن الدوافع الضاغطة التى حملت القرضاوى على إنجاز هذا الكتاب يقول:
«أوجب الإسراع فى هذا البحث أمران أولهما ما يتعرض له الإسلام وأمته من غارة شعواء تريد اقتلاعه من جذوره وأعلنت عليه حربا لا هوادة فيها شنتها عليه قوى الصليبية الماكرة والصهيونية الفاجرة والوثنية الكافرة تقودها أعتى قوة فى الأرض اليوم متسترة بدعوى محاربة الإرهاب وترى فى السفاحين الإسرائيليين رجال سلام فيما ترى المقاومة الفلسطينية المشروعة عملا إرهابيا.
أما الأمر الثانى فهو غلو بعض الشباب المتحمسين فى قضية الجهاد من الذين انخرطوا فى المقاومة الأفغانية الباسلة للغزو السوفيتى الشيوعى فى حرب شريفة وعادلة وكانت أمريكا تشجعهم وتؤيدهم فلما انتصر الأفغان بدأت أمريكا والأنظمة العربية تقلب لهؤلاء الشباب ظهر المجن وأصبح مجاهدو الأمس مجرمى اليوم، مما حدا بهؤلاء الشباب بأن يحاربوا العنف بالعنف ويتخذوا من الغلو طريقا ويؤمنوا بالعنف كما آمن به الخوارج وقد تكون نيات هؤلاء الشباب سليمة فكلهم متدينون ولكن الغلو إذا دخل أى شىء أفسده فنشأ تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية كما نشأ قبلهما جماعات الجهاد وأصبح لها فكر تروجه وفكر تسوق له وأصبح لهم تلاميذ ومعجبون يريدون إعلان الحرب على العالمين فكان لابد من الإسراع فى الرد عليهم وتفنيد شبهاتهم.
يقول القرضاوى: «لقد تحدث الكثيرون عن الجهاد فأساءوا فهمه، ولم يعرفوا حقيقته وأبعاده ولا أهدافه ومراميه، وضاعت الحقيقة فى زحام القيل والقال وأساء الكثيرون إلى الأمة، وإلى الإسلام، والمشكلة فى الكثير من قضايانا العلمية، أن بعضا من علمائنا ودعاتنا يتبنون أحد الآراء فى المسألة ويعتبرونه هو الإسلام ويجعلون دفاعهم عنه دفاعا عن الإسلام ذاته ويعدون المختلفين معهم كأنهم خصوم الإسلام فيما أن ما يعتنقونه من أفكار وقناعات ماهى إلا وجهات نظر لا يجوز أن يتحول البحث فيها إلى معركة يكون القتال فيها مبررا وهذا ما رأيته فى تناول المفكرين الكبيرين أبو الأعلى المودودى وسيد قطب لقضية الجهاد وقد تحمسا للقضية تحمس المحامين الكبار للدفاع فى القضايا الشهيرة.
لقد اعتمد منهج القرضاوى فى هذا الكتاب على جملة من الركائز وهى القرآن والسنة الصحيحة والفقه والمقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان والقوانين فضلا عن ربط هذا كله بالواقع المعاصر والتزامه بمنهج الوسطية والاعتدال، وحدد القرضاوى المستفيدين من هذه الدراسة وهم الشرعيون والحقوقيون والإسلاميون (الجماعات الإسلامية المختلفة التى تعمل لنصرة الأمة وواجبات ودستور جيش الجهاد الإسلامى - من جماعات الإسلام السياسى) والمؤرخون الإسلاميون والمفكرون والمستشرقون والحواريون (المهتمون بحوار الأديان والثقافات) والسياسيون وصناع القرار فى العالم والعسكريون (لكى يكونوا رأيا صحيحا عن فكرة الجهاد) وجمهور المثقفين (الذين يمثلون القاعدة العريضة من الشعوب والأمم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.