تداول 39 ألف طن و800 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    اعتماد تعديل بالمخطط التفصيلي ل4 قرى بمحافظة كفر الشيخ    مصر تدين إعلان إسرائيل بناء وحدات إستيطانية جديدة بالضفة الغربية    تشيلسى يمنح عائلة جوتا وشقيقه 15 مليون دولار    النصر السعودي يقترب من التعاقد مع نجم بايرن ميونيخ ب30 مليون يورو    درجات الحرارة 42 بالقاهرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    تطورات الحالة الصحية للفنانة الكويتية حياة الفهد.. جلطة وممنوع عنها الزيارة    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    «الغرف التجارية» تكشف خطة الحكومة لتخفيض الأسعار على المواطن    إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة 18 و19 الجاري    حالات إخلاء الوحدات السكنية طبقًا لقانون الايجار القديم.. ما هي؟    علي الغمراوي يبحث مع سفير ناميبيا التعاون في قطاع الدواء    محافظ الغربية يبحث دعم العملية التعليمية وتطوير المعاهد بالمحافظة    وزير الري: تنظيم 396 نشاطا تدريبيا بمشاركة 11051 متدربًا    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    وزيرة التنمية المحلية تعتمد حركة محلية محدودة تتضمن 12 سكرتير عام وسكرتير مساعد فى 10 محافظات    موعد مباراة ليفربول القادمة والقنوات الناقلة    منتخب السلة يواجه السنغال في ثاني مبارياته ببطولة الأفروباسكت    انطلاق منافسات نصف نهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    «تنسيق الجامعات 2025».. ننشر شروط تقليل الاغتراب للمرحلتين الأولى والثانية    3 طلاب وسائق.. تفاصيل مطاردة فتاتين على طريق الواحات بالجيزة    قيمتها 1.5 مليون جنيه.. ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية    بالأسماء.. مصرع سيدة وإصابة 20 في انقلاب سيارة بطريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي    القبض على مسجل خطر وزوجته بباب الشعرية    ضبط عددا من متجري المخدرات والأسلحة النارية في حملات بالمحافظات    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    تسليم عقود تقنين أراضى الدولة بدمياط    ماركوس عريان يكشف تفاصيل تنفيذ الإعلان الدعائي ل"درويش"    غدا.. انطلاق «مهرجان القلعة» بحفل ل«وسط البلد»    مركز الهناجر يحتفي بالنيل في عيده بمعرض دولي للكاريكاتير .. صور    «من الدهشة إلى الفن» |المعرض العام فى دورته ال 45.. نظرة إلى نقاد القطاع العام    «100 يوم صحة» تقدم 45.5 مليون خدمة مجانية خلال 29 يومًا.. صور    لتعويض غياب ميندي.. الأهلي السعودي يتحرك للتعاقد مع حارس جديد    «تعليم مطروح» تعلن الانتهاء من تجهيزات امتحان الدور الثاني للثانوية العامة    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي اليوم الخميس 14 أغسطس 2025    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    غدا.. المركز القومي للسينما يعرض أربعة أفلام في احتفاله بوفاء النيل    أمين عام حزب الله يشكر إيران على دعمها للبنان ومقاومته ضد إسرائيل    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    شرطة لندن: أكثر من 140 شخصا أبلغوا عن جرائم في قضية محمد الفايد    تبلغ ذروتها اليوم.. 8 نصائح مهمة من الصحة لتفادي مضاعفات الموجة الحارة    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تنفي إزالة مكبرات الصوت على الحدود وتنتقد آمال سيول باستئناف الحوار    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    طريقة عمل مكرونة بالبشاميل، لسفرة غداء مميزة    الأحزاب السياسية تواصل استعداداتها لانتخابات «النواب» خلال أسابيع    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    الصين تفتتح أول مستشفى بالذكاء الاصطناعي.. هل سينتهي دور الأطباء؟ (جمال شعبان يجيب)    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    بالقليوبية| سقوط المعلمة «صباح» في فخ «الآيس»    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    الاختبار الأخير قبل مونديال الشباب.. موعد المواجهة الثانية بين مصر والمغرب    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخلاق الحداثة وأمل النهضة
نشر في الأهرام المسائي يوم 03 - 07 - 2010

والنهضة التي أعنيها ليست تلك الشائعة في مناخنا السياسي والثقافي العام‏,‏ فهي ليست إمكانية النصرة علي الأعداء‏,‏ رغم أهمية الانتصار في حياة الأمم‏,‏ ولا هي تقدم الأحوال الاقتصادية للبلاد‏
وتحسن الأوضاع المعيشية للعباد رغم ضرورة أن تجتهد الحكومات ومؤسسات الدولة في ضمان ذلك‏.‏النهضة التي أتحدث عنها هي الارتقاء الشامل للمجتمع أفرادا وجماعات في سلم الانسانية حتي نتمثل اسمي معانيها‏,‏ وهي حالة تجعل من الانتصار علي الظلم والعدوان حقيقة وفعلا مستمرا‏,‏ وتجعل من تحسن المعيشة حالة قائمة ودائمة للجميع دون تمييز بين قادر وضعيف‏.‏ وقد فعلنا ذلك في مرحلة ما من تاريخنا‏,‏ وأظننا نستطيع النهوض مرة ثانية‏.‏ النهضة لا يمكن أن تنطلق إلا عبر مجموعة من القيم الأخلاقية الحديثة التي بدونها وبدون أن يتبناها المجتمع كله لن تتحقق أي نهضة‏.‏ خرج من بيننا فريق يريد القطيعة المعرفية مع الماضي حتي نلحق بالحاضر والمستقبل‏.‏ ولمثل هذه النهضة أخلاق‏,‏ لكنها ليست فقط الأخلاق التقليدية التي تقرها كل الأديان والأعراف‏,‏ والتي يعرفها الجميع‏.‏ فالنسق الأخلاقي التقليدي يشكل في كل المجتمعات اساس الأخلاق‏,‏ وبدونه لايمكن للإنسان أن يكون إنسانا‏.‏ والأخلاق في هذا المنظور التقليدي يتعلم منها الإنسان أن هناك شرا قبيحا عليه ألا يفعله‏,‏ فهو خطأ وخطيئة‏,‏ وهناك خير عليه أن يفعله وهو بر وتقوي‏.‏ وإخلال الإنسان بهذا النسق الأخلاقي يعرضه للعقاب الإلهي إلا أن يتوب‏,‏ كما يعرضه‏-‏ للعقاب الدنيوي جزاء ما فعل‏.‏ ولكن‏,‏ أن يكون الإنسان ورعا وتقيا وعف اللسان وغاضا للبصر ومبتعدا عن كل رذيلة شخصية‏,‏ كل هذا لا يجعله بالضرورة طرفا فاعلا في النهضة الوطنية والاجتماعية كما فسرناها‏,‏ فللنهضة متطلبات أخري تقع في مجال الأخلاق عامة‏,‏ والنهضة لا يمكن أن تنطلق إلا عبر مجموعة من القيم الأخلاقية الحديثة التي بدونها وبدون أن يتبناها المجتمع كله لن تتحقق أي نهضة‏.‏ وعندي أن أوضح إفادة في هذه القضية تأتينا من احدي مناطق العالم الثالث الأكثر تدينا في عالمنا المعاصر‏,‏ ففي بلدان قارة أمريكا اللاتينية جرت منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين أولي المحاولات الجادة والجريئة لنقد التصور الديني التقليدي للاخلاق‏.‏ وفي مطلع السبعينيات كتب أهم مفكري هذه الحركة‏'‏ جوستاف جوتيريز‏'‏ كتابا شهيرا بعنوان‏'‏ لاهوت التحرير التاريخ والسياسة والخلاص‏'.‏ كانت نقطة إنطلاق جوتيريز هي إعادة التعريف الأخلاقي للخطيئة‏,‏ فهو يري أن التركيز علي الخطايا التقليدية الشخصية‏,‏ والتركيز علي التقوي والورع الشخصي يعمينا عن أن هناك خطايا موضوعية يتواطأ فيها الكثيرون وينتج عنها شرور عامة تعصف بالأفراد والجماعات‏,‏ انها مجموع الخطايا التي توجه للمجال العام‏,‏ وهي خطايا ليست لها عقوبات إلهية معروفة كما أن فائض التدين ناهيك عن تواطؤ المؤسسات يعصفان بما يمكن أن يتوفر للقضاء عليها بالعقاب الأرضي‏.‏ فالفساد وشراء الذمم والاستئثار بالسلطة وإساءة استخدامها وطلب الوساطة وسرقة المال العام والتواطؤ ضد الفقراء والمعدمين وتلويث البيئة‏,‏ هذه كلها بعض من فيض من الخطايا الموضوعية التي يغيب فيها التوصيف الديني أو يميع وكل هذه المواقف اللا أخلاقية بحاجة إلي نسق أخلاقي جديد يتبناه الجميع‏.‏ لقد استطاع مفكرو لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية عبر سنوات من الكفاح ليس فقط ضد الفساد المجتمعي ولكن أيضا ضد تعسف الكنيسة الكاثوليكية‏,‏ استطاعوا أن يقدموا نموذجا جديدا للأخلاق الحديثة التي تقف علي أرضية إنسانية‏,‏ تتمثل الديني والحداثي في آن واحد فكانت النتيجة ما نراه الآن من تقدم ونهضة واضحة في كل أرجاء أمريكا اللاتينية‏.‏
ولأنني قارنت تجربة أمريكا اللاتينية بواقعنا في العالم العربي تجد عجبا‏,‏ فالقضية مطروحة لدينا منذ أكثر من مائة وخمسين عاما لكننا تذبذبنا بين الحداثة والتقليد‏,‏ بين الأصالة والمعاصرة‏.‏ خرج من بيننا فريق يريد القطيعة المعرفية مع الماضي حتي نلحق بالحاضر والمستقبل‏,‏ وخرج منا فريق يريد القطيعة المعرفية مع الإنسانية بكاملها والإكتفاء بما يعرفه من الدين وما تركه السلف‏,‏ بعضنا استغني عن التراكم التاريخي المحلي والبعض الآخر استغني عن التراكم التاريخي للإنسانية‏.‏ كانت النتيجة القاسية أننا لم نطور معرفتنا عن أنفسنا كما ينبغي‏,‏ كما أننا لم نناقش ونحاكم أنساقنا الأخلاقية بجرأة وجدية ومن ثم تمددت الظواهر الدينية والطقوسية في فضائنا الثقافي والأخلاقي وتآكلت مظاهر الحداثة الأخلاقية في ثقافتنا وتراجعت الدولة المدنية‏.‏ وعندي أن المهمة الآن تقع علي عاتق الطليعة المثقفة لهذه الأمة إذ عليها أن أن تستعيد الحداثة المناسبة لتطورنا التاريخي‏,‏ فبدون أخلاق الحداثة ليست ثمة نهضة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.