وزير قطاع الأعمال العام ومحافظ الإسكندرية يبدأن جولة تفقدية بمنطقة المعمورة بلقاء عدد من نواب البرلمان    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق "بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها"    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    دول الخليج تجدد دعمها الثابت لفلسطين وتدعو لتحرك عاجل بمجلس الأمن    عباس شراقي: زلزال روسيا الأعنف منذ 2011.. وفعالية الاستعدادات أنقذت الأرواح    الزمالك يتلقى ضربة قوية بشأن صفقته الجديدة قبل بداية الدوري    ضبط أحد الأشخاص بتهمة فك شفرات القنوات المشفرة بالعمرانية    الأرصاد: انخفاض تدريجي في الحرارة اليوم الخميس 31 يوليو واضطراب بالملاحة البحرية    عمرو دياب يتصدر التريند بعد طرح كليب "خطفوني" ويشعل الصيف بمشاركة ابنته جانا    سوريا.. 47 شاحنة مساعدات تتجه من دمشق إلى السويداء    إذاعة الجيش الإسرائيلى: انتحار جندى بعد خدمته فى صفوف قوات الاحتياط    قناة السويس تحقق قفزات تاريخية.. تحوّل أخضر وتوسيع الإنتاج المحلي لتعزيز الاقتصاد المصري    أسعار الفضة اليوم الخميس 31 يوليو 2025.. بكم السبيكة وزن كيلو جرام؟    «الصحة»: المرور على 1032 منشأة صحية وتدريب 22 ألف متدرب لتعزيز سلامة المرضى    جهود أمنية مكثفة لكشف غموض وفاة سيدة بطلقات نارية داخل منزلها بقنا    إصابة شخصين في مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بين عائلتين بالفيوم    تهريب ومخالفات وأحكام.. جهود أمن المنافذ 24 ساعة    قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي.. (تفاصيل)    أشرف زكي من جنازة لطفي لبيب: فقدنا نجم كان مدرسة في الصبر    محلل فلسطينى: من يشكك فى الدور المصرى فضحته مشاهد دخول شاحنات المساعدات إلى غزة    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    ئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يعلن اكتمال الاستعدادات لانطلاق انتخابات مجلس الشيوخ    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    البابا تواضروس أمام ممثلي 44 دولة: مصر الدولة الوحيدة التي لديها عِلم باسمها    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    عروض فنية متنوعة الليلة على المسرح الروماني بمهرجان ليالينا في العلمين    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    رئيس قطاع المبيعات ب SN Automotive: نخطط لإنشاء 25 نقطة بيع ومراكز خدمة ما بعد البيع    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    خالد جلال يرثي أخاه: رحل الناصح والراقي والمخلص ذو الهيبة.. والأب الذي لا يعوض    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    رينو الفرنسية للسيارات تسجل خسارة صافية بلغت 11.2 مليار يورو في النصف الأول من 2025    الصيدلة 90 ألف جنيه.. ننشر مصروفات جامعة دمنهور الأهلية والبرامج المتاحة    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    مليون خدمة طبية خلال أسبوعين خلال حملة 100 يوم صحة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    «مش هنسيب فلوسنا».. رسائل نارية من والد زيزو لمجلس الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏.‏ إبراهيم العيسوي‏:‏ خمائر النهضة موجودة في مصر لكنها لاتستثمر‏!‏

الحوار مع الدكتور إبراهيم العيسوي محير بالفعل‏,‏ ويبدو كمحاولة الإمساك بكرة النار‏,‏ تحرق الأنامل لكنها تلهب الوعي وتشحذ الذهن‏,‏ لتجد نفسك أمام حقائق جاثمة في حياتنا‏,‏ كأنها تسعي إليك للمرة الأولي‏. .‏ سألته عن الاقتصاد فأبحر في السياسة‏,‏ وحدثته في السياسة فعاد الي الاقتصاد‏,‏ فالاقتصاد غاية السياسة‏,‏ ومشكلاته لا تحل إلا بقرار سياسي‏,‏ فلا عزل بينهما‏.‏ حدثته عن توجهاته ودراساته المستقبلية فجنح إلي الماضي‏,‏ جاعلا الحاضر نصب عينيه والمستقبل مبتغاه‏,‏ مستخلصا الدروس والعبر التي تفيد مصر في الخروج من التخلف والتبعية‏,‏ والانطلاق علي طريق التنمية الشاملة والعادلة والمستديمة‏.‏
أطلق عليه الراحل الكبير الدكتور إسماعيل صبري عبدالله لقب الجنرال لتمكنه العلمي المثير ودأبه البحثي الذي لاينقطع
ليس غريبا إذن أن يمتد الحوار لأكثر من ثلاث ساعات في نهار رمضان مع الدكتور إبراهيم العيسوي الحاصل علي الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة اكسفورد العريقة عام‏.1969‏ والمستشار بالمعهد القومي للتخطيط‏,‏ والباحث الرئيسي لمشروع مصر‏2020‏ بمنتدي العالم الثالث‏,‏ والقيادي البارز بحزب التجمع المعارض‏,‏ قبل أن يطلب هو تجميد عضويته احتجاجا علي سياسات رئيس الحزب‏,‏ وقبل ذلك له أكثر من ثلاثين كتابا في كل فروع الاقتصاد والسياسة والمعرفة والمستقبليات‏.‏
‏‏ أنت قيادي بارز في حزب التجمع المعارض‏,‏ قمت أخيرا بتجميد عضويتك في الحزب احتجاجا علي ما اعتبرته مهادنة من الحزب للحكومة ألا يعد ذلك هروبا من المسئولية‏,‏ بدلا من التعاطي الإيجابي معها؟
الممارسات العملية لقادة الحزب تتجاهل أنه يعاني أزمة حقيقية‏,‏ منذ وقت طويل سواء في داخله أم في علاقاته ومواقفه من بعض القوي السياسية الأخري‏,‏ وعدم التصدي لهذه الأزمة جعلها تتفاقم وتزيد الضعف الداخلي للحزب‏,‏ وتراجع مكانته في الساحة السياسية‏,‏ وبات يبدو قانعا بالدور الهامشي الذي انتهي اليه‏,‏ في علاقة غير سوية بالحزب الحاكم‏,‏بها نوع من المهادنة‏,‏ وكافأ الحزب الوطني حزب التجمع بأن سمح له بانتزاع مقعد في البرلمان بدمياط‏,‏ وهذا ما جعل شعوري بالغربة في الحزب يتعمق‏,‏ وأملي في اصلاح أحواله في الظروف الراهنة يتلاشي‏,‏ وهو مادفعني‏-‏ بعد صبر طويل لاتخاذ قرار تجميد عضويتي في الحزب‏.‏
‏‏ عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين طرح سؤالا في دراسة‏:‏ هل يمكن العيش معا متفقين ولكن مختلفين ؟ برأيك لماذا اصبحنا عاجزين عن استيعاب ثقافة الاختلاف‏,‏ واستبدلناها بالعنف الفكري والسياسي‏,‏ وهي عيوب عميقة في بنية الاحزاب ؟
نعم نحن نفتقد هذه الثقافة علي كافة المستويات في مجتمعنا‏,‏ لقد تربت الأجيال علي القهر‏,‏ والمعارضة عندنا تحتاج لتصحيح الأوضاع داخلها‏,‏ وتحويلها الي قوة فاعلة‏,‏ بحيث تصل إلي نقطة يحدث فيها تحالف حقيقي كقوة ضاغطة وتؤدي دورها لمصلحة التغيير الديمقراطي‏,‏ وطالبت مرارا بتوحيد صفوف المعارضة‏,‏ أو مقاطعة الانتخابات المقبلة ما لم تتم الاستجابة لشروط ضمان نزاهة الانتخابات‏.‏ لكن المؤسف في الحركات السياسية المصرية هو الميل إلي التشرذم وكثرة الخلافات المبنية علي اشياء شخصية لا موضوعية‏.‏
لكن مقاطعة الانتخابات في ظل تحول ديمقراطي ناشئ فعل سلبي‏,‏ ويرسخ القول بأن المعارضة تكتفي بالضجيج والحديث عن انسداد سياسي؟
الواقع أن الحكومة متترسة بالاغلبية الكاسحة في البرلمان وتعرقل التغيير‏,‏ أما المعارضة فرفعت سقف مطالبها في البداية‏,‏ ثم سارعت إلي تحجيمها‏,‏ و لا أدري لماذا‏,‏ وكمعارض أجد أن النظام السياسي المصري حكما ومعارضة في أزمة مزدوجة‏,‏ وأزمة المعارضة أفدح لأنها عاجزة عن الخروج من الحالة المرضية المستفحلة الي ما وصلت إليها‏.‏
‏‏ هل الحل عندك حدوث مظاهر ملموسة للمعارضة في الشارع ؟‏!‏
أنا ضد أن يخرج عشرة أو مائة متظاهر أو أكثر‏,‏ فليس لهذا تأثير‏.‏ ما أنادي به بوضوح هو ضرورة تحالف القوي الفاعلة علي الساحة‏,‏ لتصحيح الخلل في النظام السياسي‏,‏ فالاحزاب والقوي الفاعلة أسيرة عقلية الدكاكين الصغيرة‏,‏ كل رئيس حزب يريد دكانا ويكون هو رئيسه‏,‏ وهات يا خلافات‏,‏ بينما المطلوب أن تتحول القوي السياسية إلي عقلية السوبر ماركت أو الهايبر ماركت أو حتي الجمعيات التعاونية التي تكرس فكرة العمل الجماعي والأنشطة المشتركة‏,‏ لأن هذه التي يتردد صداها في جنبات المجتمع‏.‏
‏‏ مثل ماذا؟
دعني أضرب لك مثلا دالا بالفعل‏,‏ نحن نبحث باستمرار عن حل لمشكلاتنا الاقتصادية‏,‏ لكن أهم مفاتيح الحل يظل بأيدينا دون أن نقربه‏,‏ ويتمثل في تغيير المناخ والبيئة الاقتصادية‏,‏ وهذا معناه في أبرز جوانبه تصحيح النظام السياسي بما يتيح مبادلة حرة بين القوي المختلفة وتكافؤ الفرص بينها في عرض رؤاها وخططها علي الشعب‏.‏ إن الديمقراطية أساس الاقتصاد وشرط للتنمية بالمعني الواسع‏,‏ متضافرة بالطبع مع الشفافية والنزاهة وتداول السلطة واحترام حقوق الانسان‏...‏هذه الآليات عطلت كثيرا‏,‏ ولابد من الثقة في الشعب ورغبته في التغيير السلمي‏.‏
‏‏ في كتابك الاقتصاد المصري في ثلاثين عاما ألا تري أنك تحاملت علي حكومات الحزب الوطني‏,‏ خاصة إصلاحاتها الاقتصادية التي أشادت بها تقارير المنظمات الدولية ؟
التقارير الدولية ترصد الإيجابي والسلبي‏,‏ لكن الحكومة تبرز الإيجابي ومايتفق مع أهوائها فقط‏,‏ وبالطبع لم يخل سجل الحكومة من إنجازات‏,‏ بعد كل هذا الإنفاق الضخم‏,‏ لكنها أنفقت إنفاقا هائلا وكبيرا و العائد كان هزيلا متواضعا حيث ارتفعت معدلات الأعمار وتراجعت الوفيات ونسبة الأمية‏,‏ وهي انجازات محدودة بالقياس الي التكلفة المرتفعة علي المجتمع‏,‏ ناهيك عن حدوث انهيارات في أجزاء أخري‏,‏ فبموازاة المصانع الجديدة في مدينتي العاشر واكتوبر وغيرهما عانت القاعدة الصناعية الكبري التي أنشأتها مصر منذ الستينيات كالغزل والنسيج والصناعات الغذائية والاستراتيجية‏,‏ لكنها لم تكن بالمصادفة‏,‏ بل تعمدت الحكومة ولا أقصد الحكومة الحالية‏-‏ منع دفق الاستثمارات عن القطاع العام‏,‏ استجابة لضغوط خارجية أحيانا ولسوء التقدير أحيانا أخري‏.‏
‏‏ هل نفهم من ذلك تأييدا لتعامل الحكومة الحالية مع القطاع العام‏,‏ ومجمل منظومة الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها‏,‏ وأوصلت معدل النمو إلي‏7%‏ قبيل الأزمة المالية العالمية؟‏!‏
‏‏ أود أن أحيي الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار‏,‏ علي قيامه بضخ استثمارات جديدة في أوصال القطاع العام ومحاولة تحسين الإدارة‏,‏ بعدما ثبت أن دفعه للانهيار والتخريد كان خطأ جسيما‏,‏ إذ المحصلة الصافية أنه لا تنمية بدون صناعة‏,‏ لاسيما الصناعة التحويلية‏,‏ لأنها محرك التنمية وقاطرتها‏,‏ ولو نظرت إلي مساهمة الصناعة التحويلية في الدخل القومي لوجدت أنها نحو‏16‏ 17%‏ وهذه هي النسبة نفسها التي كانت قائمة في مصر منذ أكثر من‏40‏ عاما‏,‏ أي أنك أنشأت جديدا وتركت القديم يتهاوي‏,‏ نتيجة انسحاب الدولة أو تقليل وجودها إلي الحد الأدني‏,‏ خاصة في القطاعات الاكثر تشغيلا للعمالة وانتاج السلع الرئيسية‏,‏ فحضور الدولة ومبادرتها ضرورية وبالذات في القطاعات ذات المخاطر‏,‏ وليس المقصود هنا إقصاء القطاع الخاص‏,‏ ولكنه بطبيعته غير مقتحم ويفضل الربح السريع‏,‏ حتي لو من أنشطة طفيلية ولا يملك مشروعا تنمويا‏,‏ إنما يسير في ركاب الشركات المتعدية الجنسية التي تهتم بمصلحتها أولا‏,‏ وقد أتت الأيام بما يثبت قصور دعوة أصحاب الفكر الليبرالي إلي تنحية التخطيط القومي الشامل‏,‏ وأنه علي الدولة فقط أن تراقب وتنظم‏,‏ لا أن تشتغل بالانتاج أو الاستثمار الإنتاجي‏,‏ وأن السوق تصحح نفسها عند الخلل‏,‏ ولو كان هذا صحيحا فمن أين إذن تأتي الأزمات العاصفة بالأسواق والبلاد والعباد‏,‏ كما جري في الأزمة العالمية الحالية‏.‏
‏‏ كنتاج لتفاعلات عديدة يتخلق في مصر الآن قطاع خاص واع وقادر أنشأ صناعات واعدة‏..‏ اليس كذلك؟
إنها استثناءات والغالبية تجميع لمكونات مستوردة‏,‏ ومشكلة مصر الحقيقية هي غياب تعميق الصناعة‏,‏ وهذا لن يتأتي إلا بتوجيه البحث العلمي في بلادنا إلي الصناعة‏,‏ والعكس‏.‏
‏‏ الاقتصادي المعروف جياكومو لوتشياني قال‏:‏ إن الدولة متي كانت في وضع يمكنها من شراء الإجماع عن طريق توزيع السلع والخدمات لقاء شيء قليل أو لا شيء‏,‏ فهي لا تكون بحاجة إلي شرعية ديمقراطية‏,‏ فلماذا ندعو الدولة لدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة‏,‏ ثم نشكو استبدادها وتحكمها في رقاب الناس؟‏!‏
نحن بحاجة ماسة إلي الدولة التنموية التي تضع خططا علي آماد مختلفة لإحداث التنمية‏,‏ وليس فقط رفع معدل النمو‏,‏ إنما مكافحة الفقر وإرساء العدالة الاجتماعية وكفالة الحقوق والحريات واستدامة التنمية‏,‏ وقد أثبت انهيار الكتلة الشرقية الشيوعية خطأ تصور إمكان المقايضة بين الحقوق السياسية‏,‏ والحقوق الاقتصادية والاجتماعية‏,‏ ومن زاوية أخري كانت النمور الآسيوية أكثر بؤسا وتخلفا منا‏,‏ لكن بالتعليم والتخطيط التكنولوجي وتقليل التبعية للخارج‏,‏ استطاعت أن تكون ما هي عليه‏,‏ بل إن كوبا المحاصرة الفقيرة صارت اليوم من رواد التكنولوجيا الحيوية‏,‏ لوجود بحث علمي وتكنولوجي نشيط بها‏.‏
‏‏ وهل ابتعدت الحكومة كثيرا عن تلك الرؤي في استجابتها لمتطلبات التنمية‏,‏ لاسيما في ضوء مشروع مصر‏2020‏ الذي أشرفت علي أبحاثه؟
حتي نستوضح الأمر علي حقيقته الصافية نعود إلي تقارير الحكومة المصرية ذاتها‏,‏ مثل تقرير لجنة الشفافية والنزاهة التابعة لوزارة التنمية الإدارية‏,‏ بعنوان الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم في اكتوبر‏2009,‏ وغيره‏,‏ وهي ترصد حالة من عدم الرضا الواضح عن أداء الحكومة وتفضح انحيازها للاغنياء وأصحاب الأعمال‏,‏ بينما تقبع هموم الفقراء في ذيل أولوياتها‏,‏ وهذا انعكاس لضعف المردود التنموي‏.‏
‏‏ ربما لو تتبعنا بند الدعم وحده في موازنة الدولة لرجح العكس؟
‏‏الدعم فكرة حسنة النية‏,‏ لكنه طبق بطريقة غير دقيقة‏,‏ حتي صار كارثة‏,‏ لأنه لم يراع منذ البداية متغيرات الظروف الاقتصادية‏,‏ وعلينا أن ندرك مدي التدهور الشديد في التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر والبطالة‏,‏ وهذه ليست حقائق جديدة‏,‏ فهي موجودة في كل التقارير الداخلية والخارجية التي تتناول الحالة المصرية‏,‏ وآخرها تقرير التنمية البشرية الحادي عشر الصادر‏,‏ منذ أسابيع‏,‏عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الشباب في مصر بناة المستقبل الذي رسم صورة قاتمة عن أوضاع الشباب والبطالة وتردي التعليم‏.‏
‏‏ بموازاة هذا التقرير أجري الحزب الوطني استطلاعا للرأي بين شرائح من المواطنين‏,‏ أظهر تحسنا عاما في الخدمات والأحوال المعيشية ورضا المواطنين عن أداء الحكومة الحالية؟
أنت تحاول أن تصنع تنمية في مجتمع يعاني حالة انفلات استهلاكي‏,‏ والنظام يكرس هذا الانفلات باستفزاز ويشجع عليه‏,‏ إعلانات في التليفزيون عن السلع والقروض الاستهلاكية كأنها طوفان لا عاصم منه‏,‏ مع التوسع الكاسح في المولات والكافيهات والجري وراء السلع الاجنبية الترفيهية‏,‏ علي أيدي الطبقات العليا وربما المتوسطة بينما الفقراء يتفرجون‏,‏ ومثل هذه الأنشطة تبدد ثروة البلد وتتنافي مع متطلبات التنمية‏,‏ بل إن ما يعرف بترشيد الإنفاق الحكومي هو مجرد شعار بلا مضمون‏,‏ لأن الحكومة تسابق في مضمار الإسراف في غير الأولويات المقررة‏,‏ التنمية يعوزها الانضباط الاستهلاكي والادخار والتقشف في الانفاق علي المستوي الفردي والجماعي‏,‏ خاصة لدي الاثرياء‏..‏
‏‏ لكن هذه الأنشطة ربما تكون محفزة لغيرها كالبناء والسياحة والتشغيل‏..‏
هل يعقل في بلد كمصر أن يكون هناك فائض في القصور والمنتجعات والفيللات وملاعب الجولف‏,‏ وعجز فادح في إسكان الشباب والفقراء‏,‏ أيضا لدينا وفرة في العيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية‏,‏ وقصور مريع في تأدية الخدمات الصحية الحكومية أو التأمين الصحي الذي لايستفيد منه نحو‏82%‏ من مشتركيه‏,‏ لتدني خدماته‏,‏ و برنامج العلاج علي نفقة الدولة الذي تكشفت وقائع الفساد فيه وأغلبها علي أيدي نواب من الوطني‏.‏ أما أخطر ما أعنيه فهو الخلل في النظام الضريبي القائم بعد إصلاحات عام‏2005,‏ لأنه أفرط في محاباة الأغنياء‏,‏ وصار أقصي معدل لها‏20%‏ بينما في دول كثيرة متقدمة وليبرالية قد تصل إلي‏60%‏ أو أكثر‏,‏ الضريبة عندنا تصاعدية شكلا‏,‏ لكنها موحدة من حيث الواقع‏,‏ وهناك قطاعات من الشركات الدولية معفاة من الضرائب باتفاقيات‏,‏ وهذا يفتقد العدالة‏,‏ ويضر بتجميع الموارد التي نحن في أمس الحاجة إليها‏,‏ وقد يري أحدهم أن هذا تشجيع للاستثمار‏,‏ وذاك غير صحيح‏,‏ لأن المهم هو صناعة قوانين تطبق‏,‏ ومناخ استثماري شفاف وجيد‏,‏ وإلا فلماذا يستثمر المستثمرون بغزارة‏-‏ في دول تتراوح فيها الضريبة من‏40%‏ إلي‏60%.‏
‏‏ لكنك حذرت الحكومة من التوسع في الانفاق علي البني التحتية في حزمة التنشيط الاقتصادي لتلافي آثار الأزمة العالمية؟‏!‏
أري أن ما أنفقته الحكومة في تلك الحزمة غير كاف‏,‏ وما أرجوه هو إعادة تحديد أولويات الإنفاق‏,‏ بحيث يوجه النصيب الأوفر إلي القطاعات الإنتاجية والتشغيلية وذات العائد مما ستكون له نتائج ملموسة للغاية في تخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية علي الاقتصاد والناس‏.‏
‏‏ شهدت البورصة المصرية طفرة هائلة في السنوات الأخيرة‏,‏ حتي باتت ضمن أفضل الأسواق الناشئة في العالم‏,‏ لكنها أخذت تعاني أخيرا‏,‏ فما الذي جري؟‏!‏
الميزة المفترضة في البورصة أنها تمكن من تغيير ملكية الأصول الاقتصادية دون المساس بالأصل ذاته وتجميع المدخرات وإتاحتها للمستثمرين‏,‏ ولها وظيفتان الأولي ثانوية‏,‏ وهي أن تكون سوقا لتبادل الأسهم‏,‏ وهذه لا تشكل إضافة فعلية للاقتصاد في جانبه الإنتاجي‏,‏ أما الثانية فهي سوق الإصدار‏,‏ وهي تعد إضافة حقيقية‏,‏ لأنها تتيح تمويل مشروعات جديدة في نواح عديدة‏,‏ ومن أسف أن هذه السوق غير مفعلة في مصر‏,‏ كما أن أغلب الشركات عائلية وتطلب معاملتها كشركات مغلقة علي أصحابها‏,,‏ وهناك عوامل أثرت في البورصة المصرية‏,‏ منها أن المضاربة ليست مستنيرة أحيانا‏,‏ شركة أعمالها جيدة تهبط‏,‏ وشركة أداؤها سييء يروج سهمها بالشائعات‏,‏ بالاضافة إلي أننا نهرول وراء الأجانب في البيع والشراء‏,‏ والمفروض أن نفعل العكس‏,‏ ولا نغفل مخاطر الأموال الساخنة خصوصا وقت الأزمات‏,‏ وهنا مكمن الخطر ويحتاج كل ذلك إلي وضع قيود وفرض ضرائب علي التعاملات للحد من الاضطرابات الشديدة‏.‏
‏‏ المستقبليات ميدانك الأثير‏,‏ فإلي أي مدي تصدق توقعات الخبير الاقتصادي البارز جيم أونيل رئيس قسم البحوث الاقتصادية الدولية بجولدمان ساكس بأن مصر ضمن‏11‏ دولة ناشئة أخري ستلعب الدور الأبرز في النمو العالمي المقبل؟
علينا أولا أن نفحص الشروط والعوامل المحفزة التي توسمها جيم أونيل في مصر‏,‏ وهل هي موجودة أم لا‏,‏ أو ربما هي موجودة لكنها غير مستغلة‏,‏ وهل البيئة السياسية تهيئ لهذا التحول أم لا في البيئة الاقتصادية التي تحتاج دوما عونا سياسيا‏.‏
‏‏ إذن أنت لا تشارك أونيل ما الرأي؟
هناك مفاتيح للتنمية لا مفتاح واحد‏,‏ حزمة متكاملة لا عنصر وحيد‏,‏ والحقيقة أن خمائر التقدم موجودة في مصر‏,‏ لكنها لا تستثمر بشكل ملائم‏,‏ ولا تندرج في مشروع قومي للنهضة‏,‏ لتشتت الموارد‏...‏ تنقصنا منظومة متكاملة في جميع الميادين‏,‏ في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات والتعليم والصحة والاعلام‏,‏ وقبل ذلك الثقة في الذات والاعتماد عليها أولا وإلا فلن نتقدم قيد أنملة‏,‏ بحشد الموارد الذاتية والمدخرات المحلية صوب قطاعات بعينها في البداية‏,‏ تكون رافعة في معركة التنمية‏,‏ وتأمين السلع الاساسية والاستراتيجية بنسبة كبيرة‏,‏ وليس الاكتفاء الذاتي بالضرورة‏,‏ اليابان تفعل هذا مع الأرز‏,‏ والصين والسعودية مع القمح‏,‏ ينبغي أن ينغمس المصريون في هذا الهدف المنشود‏,‏ فالمعونات والمنح الأجنبية لا يمكن أن تبني وطنا أو تنجز نهضة‏..!‏
‏‏ وكيف يولد نوع من التوافق علي هذا الهدف بين جموع المصريين الغفيرة‏,‏ وهم يسمعون جعجعة ولا يرون طحينا‏,‏ والأحاديث لا تنتهي عن الخروج من عنق الزجاجة؟‏!‏
‏‏ لن تستمر التنمية في مصر أو أي قطر عربي إلا برفع معدل الادخار المحلي إلي‏30‏ أو‏35%‏ من الدخل القومي‏,‏ الصين تجاوزت‏50%,‏ والسبيل إلي ذلك عبر تطبيق سياسات تحد من اختياراتك كفرد من الانفاق الترفي أو البذخ الاستهلاكي والمنشآت الترفيهية‏,‏ بحيث تندفع الموارد الي القطاع الانتاجي الذي هو الأساس المتين لقطاعات خدمية وغير خدمية قوية أيضا‏,‏ إنه القاطرة‏,‏ ولا نملك خيارا في ذلك‏,‏ فهناك تحديات من كل صوب‏,‏ تحديات قائمة وأخري مستجدة‏,‏ فإلي أي مدي سيدمر الصعود الصيني وغيرها من الدول الاقليمية والبعيدة‏-‏ الصناعة الم صرية‏,‏ لأننا لا نقوم بحماية صناعتنا بذكاء‏,‏ أي بشكل متدرج حتي تقف علي قدميها ثم نفتح أبواب المنافسة‏,‏ ولأ اقصد الحماية الغبية الدائمة التي تؤدي إلي التخلف‏.‏
‏‏ استوقفتني دراسة حديثة تري أن مصر يمكنها أن تزود العالم بالطاقة إذا زرعت‏1%‏ من صحاريها بالخلايا الشمسية‏,‏ فضلا عن البرنامج النووي‏,‏ ألا يعني ذلك أن المدهش أو غير المتوقع يحدث دائما؟‏!‏
‏‏ أوافقك الرأي تماما‏,‏ وكان مفترضا أن تتجه مصر منذ زمن إلي الطاقة الشمسية‏,‏ وتمتلكها معرفيا وتكنولوجيا‏,‏ ولدينا خبراء في هذا‏,‏ لكن المحزن أن غياب الطلب علي البحث العلمي داخليا يدفعهم الي الخارج الذي يتلقف خبراتهم‏,‏ لنظل نحن تابعين للدول المتقدمة في المعارف والعلوم والتكنولوجيا‏,‏ وهذا أخطر ما نواجهه‏,‏ أي التبعية التكنولوجية‏,‏ وبالنسبة للبرنامج النووي فهو مطلوب بشدة علي أن يكون قاعدة لنهضة علمية وتقنية ومن ثم اقتصادية في المجتمع‏,‏لكن إذا كنا عاجزين عن إدارة متحف وتأمينه من السرقة‏,‏ فكيف سندير برنامجا نوويا معقدا‏,‏ هذا يعيدنا إلي جذور الأشياء‏,‏ ومنها أنه لا يوجد وزير أيا كان يستحق أن يبقي‏25‏ عاما في منصبه حتي لوكان اينشتاين‏.‏
‏‏ هل تصلح آليات الستينيات لمطلع الألفية الجديدة؟
الدور الخارجي لأي دولة لا يتجزأ ولاينفصل عن معركة التنمية‏,‏ انظر الي تركيا أوإيران في منطقتنا‏,‏ وبالنسبة للتكامل الانمائي العربي والاقليمي ومع دول الجنوب‏,‏ فهو ركيزة أساسية وأسواق مهمة‏,‏ وقد أخفق تحرير التجارة البينية العربية‏,‏ لكن مدخلي هو تنمية الانتاج المشترك مع عدد من الدول العربية الراغبة‏,‏ أي توزيع مراكز الانتاج بينها حسب الميزة النسبية لكل منها‏,‏ وهو النهج ذاته الذي يمكن تطبيقه مع دول حوض النيل‏,‏ وساعتها ستزول المشكلة علي المياه‏,‏بعيدا عن التلويح بالمعونات لأنه نهج خاطئ تأباه كرامة الشعوب‏.‏ التعاون في صناعات وكيانات ومشروعات تعدينية وزراعية و بحثية وتقنية مشتركة هو البديل الأوثق والأوفق والأكثر مقبولية‏.‏
‏‏ وصف آلان جرينسبان الرئيس السابق لبنك الاحتياط الامريكي‏,‏ العالم عقب الأزمة العالمية‏,‏ بأنه عصر الاضطراب‏,‏ فكيف تري مصر وسط هذا العالم الشائك‏,‏ ولو طلبت منك كراسة شروط لمستقبلها‏..‏ فما أهم بنودها؟
باختصار مخل‏,‏ ما تحتاجه مصر هو فلسفة جديدة للتنمية‏,‏ تستبدل السياسات الليبرالية المطبقة منذ‏36‏ عاما دون أن تحقق غايتها المنشودة‏,‏ وهي الخروج من التخلف والتبعية والانطلاق علي درب التنمية الشاملة والعادلة والمستديمة‏,‏ ولن يحدث هذا إلا بترسيخ تحول ديمقراطي حقيقي‏,‏ في إطار تحول اجتماعي سياسي‏,‏ والاعتماد علي الذات‏-‏ دون انعزال أو انكفاء ورفع معدلات الادخار والاستثمار في القطاع الانتاجي‏,‏ وتفعيل مفهوم الدولة التنموية والتخطيط القومي‏,‏ وإعطاء أولوية متقدمة للتعليم والبحث العلمي والتصنيع والتنمية الريفية وضمان الأمن الغذائي‏,‏ ومكافحة الفقر وتقليص الفوارق بين الطبقات‏,‏ وضبط العلاقات الاقتصادية الخارجية من منطلق حماية المصالح الوطنية‏,‏ وتعزيز سيادة الوطن واستقلاله‏,‏ وهذا وجه آخر لتحرير الإرادة الوطنية‏,‏ وإذكاء التكامل الانمائي عربيا وإقليميا ودوليا‏,‏ مع تركيز علي دول الجنوب‏,‏وهذا كله مرهون بالثقة في ذاتنا وقدرتنا علي إنجاز ما نصبو اليه‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.