قبيل سقوط الرئيس محمد مرسي بنحو ثلاثة شهور, جمعني حديث مطول وشائق مع صديقي الأستاذ محمد جمعة الباحث المرموق بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والأستاذ طارق مجاهد مدير مكتبة المركز, وعندما جاء دوري في الحديث قلت لهما نصا وحرفا, ولا أزيد اليوم, وهما شهود أحياء أطال الله في أعمارهما ومتعهما بالصحة والعافية, أنه في2013/6/30 سوف يرحل مرسي, وأن جماعته هي التي ستسقطه, ثم عددت ما رأيته وقتها أسبابا أو قضايا جوهرية لم تستطع جماعة الاخوان التعاطي معها, أو بمعني أدق أن الجماعة لا تملك القدرة ولا الكفاءة السياسية ولا حتي الإنسانية لبناء شراكة وطنية ولتقاسم السلطة مع القوي السياسية الأخري بل إنها ستسعي للقفز فوق الحقائق وإرادة الجماهير الغاضبة عبر اتهامها للملايين بالانقلاب علي ديموقراطية الصناديق, وأسهبت في شرح تصوري للمشهد السياسي المصري علي النحو التالي: جماعة الإخوان تظن أو تعتقد أن اعتلاء عرش مصر يعني حقها في( أخونة) أجهزة الدولة, وبالتالي الهيمنة تدريجيا علي المجتمع وتطبيق مفاهيمها البالية والمتخلفة علي مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية من خلال الإرهاب المنظم. وهو العمل الوحيد الذي أثبتت الأحداث والوقائع الأخيرة أن تنظيم الإخوان يتقنه أينما حل بلاؤه. ليس ذلك فحسب, وإنما هناك أسباب أخري منها: استمرار عقد الاتفاقيات مع الولاياتالمتحدة, وإبقاء معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل, ورعاية اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل, وقطع العلاقات نهائيا مع سوريا والدعوة الخرقاء للجهاد ضد الجيش العربي السوري, كما عملوا علي تكميم الأفواه في الداخل وقمع الحريات, والتهديدات المستمرة بالسجن والمحاكمة للمعارضين من أمثال باسم يوسف وأحمد دومة وحسن مصطفي وآخرين. أما أهالينا الطيبون في قري مصر ونجوعها, فقد كانوا أكثر فراسة وأذكي عقلا من كثيرين يطلون علينا عبر شاشات الفضائيات, فقد اكتشفوا مبكرا حقيقة الإخوان خلال سنة واحدة فقط من حكمهم, سنة من الفشل والأوهام والادعاءات المزيفة, احتكروا الدين الإسلامي الحنيف ووظفوه من أجل إقصاء كل القوي الأخري التي اعتبروها خصما لهم! لقد صعد الإخوان المسلمون الوضع وجعلوه أقرب إلي الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية. وبصراحة فلقد انزلقت هذه الجماعة الفاشية إلي مستوي متدن من خطاب الكراهية والتحقير لخصومها بشكل لا يليق مطلقا برسالة الإسلام السامية. مع ذلك ماتزال حفنة صغيرة من الصحفيين والكتاب الموتورين الذين باعوا ضمائرهم مقابل بضعة دولارات وتسخدمهم قنوات الجزيرة واليرموك والحوار, في التحريض العلني علي سفك الدماء والانتقام من الحكومة المؤقتة ونعتها بأسوأ الكلمات, بل وصل الأمر ذروته حين انزلق بعض قادتهم إلي استخدام لغة طائفية وخطاب عنصري مذموم حول الخلاف السياسي إلي خلاف حول المذهب والعقيدة والدين. والحقيقة أن عاما واحدا من حكم الإخوان كان كافيا لتفاقم الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية, نحو مزيد من التأزم, واللجوء إلي الاستدانة الخارجية والارتهان, خلافا لمبادئ الشريعة التي تدعيها الحركة, وشعاراتهم خلال فترة تواجدهم في المعارضة بوصفها حلول تهدئة مؤقتة ومشروطة أيضا. كما لم يعمل الإخوان علي تنفيذ وعودهم حول إسقاط اتفاقية كامب ديفيد أو تعديلها بالحد الأدني, لما تتضمن من انتقاص للسيادة المصرية, لا بل واصلوا تطوير علاقاتهم مع إسرائيل, كذلك مع الدول الغربية وأمريكا, وبالتالي تقزيم دور مصر عربيا ودوليا إلي درجة التبعية. وبالطبع فإنه في ظل هذا المناخ الفاسد لم يكن غريبا أن يسقط مرسي وجماعته ويسقط معهم أتباعهم سياسيا وأخلاقيا. فالإخوان المسلمون المتعطشون للسلطة منذ بداية نشأة هذا التنظيم عام1928, انتهجوا سياسة القتل والاغتيالات والتحريض علي العنف واستغلوا الحراك الشعبي ضد نظام حسني مبارك ليتسلقوا إلي السلطة حيث فشلوا في تحقيق مطالب الثورة ولم يستطيعوا التخلص من سياسة من ليس معنا يجب محاربته وقتله. المهم أن الإخوان الذين نزلوا إلي الشوارع, يدعون شرعية فقدت شرعيتها في ميادين الملايين في الثلاثين من يونيو, أخطأوا عندما اختزلوا مصر كلها بحزبهم, واختصروا كل المصريين بجماعتهم, وتمادوا في خطأهم أكثر وأكثر عندما اعتبروا الكرسي هو المبتغي, ودونه رقاب ودماء, ولكن خطأهم الأكبر تجلي بإمعانهم في تبرير صرف الأموال القذرة التي قبضوها من أمريكا عبر خيانة الدولة وتحويلها إلي ساحة حرب لا متناهية. وبشكل تدريجي تحول اعتصام رابعة العدوية إلي دولة داخل دولة, وظهرت الأسلحة التي خزنت بكثافة في الشهور الماضية, وانتشرت الميليشيات التي دربت مسبقا تعلن التمرد, وكثر الهرج والمرج, وعاثوا في الأرض فسادا وترهيبا بقتل المعارضين للرئيس المخلوع مرسي ورميهم من فوق أسطح العمارات, والتمثيل بجثثهم, والتحرش بالمتظاهرات, ومضايقة المتظاهرين بالسلاح الأبيض, وحتي إطلاق النيران عليهم, والدخول في مناوشات مع القوات المسلحة, واستخدام الأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون وآر بي جي في مهاجمة مطار العريش ومواقع الجيش والشرطة في سيناء وأعدام الجنود في رفح, ومناداة كل قياداتهم بإعلان الجهاد باسم الجماعة علي القوات المسلحة وكافة أبناء الشعب. والمدهش أنهم حتي الآن, لم يقتنعوا أن الشعب المصري قال كلمته التي أكدت عدم صلاحيتهم للحكم وأن زمن حكم الإخوان قد ولي بعد الفشل الذريع في تحقيق إرادة الجماهير في25 يناير, وذلك في العيش الكريم والحفاظ علي هيبة الدولة وعدم الرضوخ للاملاءات الخارجية التي تتربص شرا بالمصريين حيث باتت مصر في زمن الإخوان رهينة بيد المرشد الذي يأتمر بأوامر التنظيم الإخواني الدولي الذي تموله قطر وترعاه تركيا. الخلاصة أن الكرسي ضاع مع مرسي ولله الحمد والشكر.