حذرت ندوة منعقدة الآن بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط من مخاطر ضخمة لسد النهضة الأثيوبي علي وجود مصر وليس فقط علي أمنها القومي فحسب، فيما دعت لضرورة وضع خطة تحرك عاجلة لمواجهة هذه الأزمة. كما دعت الندوة، الرئيس محمد مرسي إلى عقد حوار وطني شامل وحشد لجميع القوي الوطنية باعتبارها قضية تمس مستقبل مصر ولا تمس فصيلًا أو حزبًا واحدًا. وكانت الندوة إلي أدار فعالياتها رئيس المركز الدكتور محمد مجاهد الزيات، قد شهدت مناقشات ساخنة تباينت خلالها الآراء بين دعوات إلي الحوار والتفاوض، وأخري للضغط واستخدام مصر لكل الأوراق التي لديها. وعرض الدكتور سيد فليفل العميد السابق لمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، لما وصفها بالرؤية الإستراتيجية للعلاقات مع أثيوبيا دعا من خلالها إلي أهمية أن تجيد مصر قراءة الموقف جيدا، وحث علي وجود دور للأزهر الشريف والكنيسة المصرية، معتبرا أن مصر لديها من القوي الناعمة ومصادر القوي الكثيرة. وقال أن جولة لشيخ ألزهر أو بابا الكنيسة يمكن أن تنهي الكثير من الأزمات. وقال إن السد بشكله الحالي يهدد وجود الدولة المصرية ككل ولا يقتصر علي أمنها القومي فقط، داعيا الي ضرورة التفاوض مع أثيوبيا وليس المواجهة، شريطة أن تتوفر لمصر مواصفاته كاملة وأن تشارك في عملية تشييده ثم أن تنخفض كميات المياه التي سيقوم بتخزينها الي 30 مليار متر مكعب وليس 74 مليار كما هو مخطط له حيث إن إتمامه بهذه المواصفات، يؤثر علي وجوده ويضر بحقوق مصر بالمياه ويهدد ببوار ملايين الأفدنة وتشريد ملايين العاملين بها، بالإضافة إلي أن انهياره وعمره بهذه المواصفات سيكون قصيرا"سيجعل منسوب المياه يغطي الخرطوم بنحو 28 متر،بسبب تراكم كميات ضخمة من الطمي لن يحتملها السد. ولفت د. فليفل الي أن مصلحة مصر في التفاوض مع أثيوبيا والدخول في صفقة، وأن يكون هذا السد بداية لتعاون كبير بين البلدين، وهو أمر من المؤكد أن يحقق مصلحة أثيوبيا أيضا، مشيرا إلي أن لدي مصر الكثير من الأوراق التي يمكنها الاستفادة منها وادارة هذه الأزمة وليست بهذا الضعف الذي قد يعتقده البعض. وقال إن إثيوبيا لم تكن لتقدم علي هذه الخطوة دون مباركة ورضاء أمريكي بل وضوء أخضر من الولاياتالمتحدة، مشددا علي أنه ما لم تتصد مصر لهذا الأمر بقوة تسمع صوتها لكل من يقف وراء هذا المشروع دون صدام أو مواجهة وتؤكد في ذات الوقت "خاصة للولايات المتحدة" أنها من القوة التي تستطيع أن تدافع بها عن مصالحها "لأن هؤلاء الناس لا يحترمون إلا الأقوياء" دون إضرار بمصالح الولاياتالمتحدة بالمنطقة. وحمل هانئ رسلان رئيس وحدة دراسات السودان ومياه النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بشدة علي وزير الري محمد بهاء الدين وحمله المسئولية من خلال مواقفه المهتزة وتصريحاته المتناقضة التي أدلي بها في الآونة الأخيرة خاصة في أديس أبابا وتهوينه من شأن السد. كما حمل النظام المسئولية الأولي في الوقت الذي اعتبر أن الأزمة تعد فرصة كبيرة أمام الرئيس للاستفادة منها وإحداث اصطفاف وطني وقومي وراءه واقترح عليه دعوة كل القوي الوطنية الي حوار شامل باعتبار القضية تمس مستقبل مصر ووجودها وليس حزبا أو فصيلًا واحدًا. وانتقد رسلان الداعين إلى الالتحاق باتفاقية عنتيبي محذرا من عواقب هذه الخطوة علي حقوق مصر التاريخية وتساءل عما ستجنيه مصر من ورائها وما الذي تضمنه من تغير في موقف أثيوبيا،الذي شدد علي أنه موقف يستهدف خنق مصر منذ عقود طويلة بصرف النظر عن النظام القائم هنا أو هناك؟. ولفت إلي أن الأمر لن يقتصر علي سد النهضة وحده، مشيرا إلي أنه واحد من مجموعة سدود تهدف الي أن تصبح بوابات واحدا تلو الآخر بحيث تحتجز المياه عن مصر وتعمل علي خنقها، محذرا من تحول القضية في وقت لاحق إلي حديث عن نقل وبيع المياه. وقال في هذا الصدد إن إسرائيل موجودة هناك مستدلا بالإعلان عن توقيعها اتفاقية لتوزيع الطاقة الناتجة عن السد، مما يؤكد دورها الذي كان خافيا وراء هذا المشروع، وتابع قوله بإن إنشاء اللجنة الثلاثية التي اضطلعت ببحث المشروع لم تكن سوي جزءا من خطة التمويه والتغطية علي عملية البناء التي شرعت بها أثيوبيا بدليل تأكيد رئيس وزرائها السابق "ملاس زيناوي" أن أحدا لن يثني بلاده عن المضي بهذا المشروع أيا كان الأمر". ولفت في هذا الصدد لتعمد تأخير تشكيل اللجنة ثم تأخر بدء مهمتها، ثم التلكؤ المتعمد من جانب أديس أبابا والمراوغة وعدم تزويدها بالوثائق والمستندات التي اعتمدت عليها، ثم تعمد تأخر إعداد تقريرها والانتهاء من مهمتها ..إلخ.. مما يؤكد أن النوايا لم تكن سليمة وأنها مبيته للإضرار بمركز ومكانة مصر بل ووجودها كله. وشدد رسلان علي قدرة مصر لردع تحدي الموقف الأثيوبي، مشددا علي أن الأمر يحتاج إلي اصطفاف وطني من كل القوي، محذرا من استهانة القائمين علي الأمر بهذه الأزمة، والانشغال بالصراعات الداخلية. وحذر رسلان من عواقب انضمام مصر إلي اتفاقية عنتيبي، مؤكدا أن استمرار مقاطعتها يدعم موقفها القانوني أمام مؤسسات التمويل الدولية ويضعف فرصة أثيوبيا في الحصول علي التمويل الذي تحتاج إليه لاستكمال السد. واستنكر الاستهانة الأثيوبية المتعمدة في التعامل مع رئيس مصر خلال زيارتيه إلي أديس أبابا مرة حين وضع في مقعد لا يتناسب مع مكانة مصر والثانية حين استقبلته وزيرة التعدين،ثم حين قاطعه رئيس الوزراء الأثيوبي وأنهي كلمته. وتعرض الدكتور أيمن شبانة الأستاذ المساعد بمعهد الدراسات الأفريقية بالقاهرة، للوضع الداخلي في أثيوبيا وتركيبتها الديمجرافية ومدي معاناتها من الفقر الشديد، مشيرا إلي أن 80% من سكانها خارج نطاق التغطية الكهربائية. ورأي شبانة أن مواقف أثيوبيا المعلنة ومحددات سياستها الخارجية شيء وممارساتها شيء آخر، مشيرا إلي التناقض الشديد بينهما، كما لفت إلي تنوع التحركات الأثيوبية والسعي ‘لي أن يكون لها دورا رئيسيا علي المسرح الإقليمي. ونوه في هذا الصدد لقدرتها علي بناء علاقات طيبة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وحتي مع قوي أخري مثل دول آسيوية "الصين" وحتي توسيع علاقاتها مع إيران وإشعارها بوجود تقارب في التوجهات السياسية بما في ذلك تجاه القضية الفلسطينية مما أدي إلي تعاون كبير أثمر مضاعفة حجم التبادل التجاري. وقال دكتور شبانة إن توقيت الشروع في إقامة وتنفيذ السد، يعني سوء نية من جانب إثيوبيا، خاصة في ظل ثورات الربيع العربي التي تبدي انزعاجها منها ومن خطر انتقالها إليها.