تقدم «بوابة الأهرام» في حلقة اليوم من «نساء حول النبي» سيرة مختصرة للسيدة فاطمة بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والملقبة ب«أم أبيها». تقول عنها الواعظة بالأزهر الشريف، إلهام فاروق شبانة، وُلدت السيدة فاطمة وفتحت عينها على الصلوات والتسبيحات التي تنبعث من فم أبيها وأمها، وهذا كان له الأثر في تكوين شخصيتها الفريدة. ففي جنة أبويها تنعّمت بالحنان، والحب، والعطف، وتعلمت ما لم تتعلمه فتاة في مكة، كيف لا ! وقد اتخذت أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى لها، والقدوة الحسنة في جميع تصرفاتها؛ فكانت لا تعرف إلا الإيمان، اتصفت بالحشمة والحياء والوقار، وكانت ساكنة النفس، صافية السريرة. صبرت على إيذاء المشركين لها ولأبيها ولأمها، فما أقسى على المرأة من أن ترى أباها يُهان أمامها فما بالكم بامرأة أباها يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاتم الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين؛ فمن أقسى ما رأته السيدة فاطمة ما فعله سفيه مكة عقبة بن أبي معيط عندما ألقى الأذي على رأس أبيها وهو ساجد يصلي فى ساحة الكعبة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً إلى أن جاءت ابنته فأزالت عنه القذر. كذلك من أقسى ما رأته السيدة فاطمة ذلك الحصار الشديد الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم فى شعب أبى طالب، وأقاموا على ذلك ثلاث سنوات، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعًا إلا واشتروه، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود، فعاشت السيدة فاطمة تلك المحنة، إلى أن أثّر الجوع في صحتها تأثيرًا بالغًا ولكن ما زادها كل ذلك إلا قوة وصلابة. وما إن خرجت من محنة الحصار حتى أصيبت بمصاب أشد، حين ماتت أمها خديجة، لكنها صبرت أيضًا واحتسبتها عند الله؛ لتفوز بثواب الصابرين. وفي السنة الثانية من الهجرة خطب سيدنا على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة فاطمة، ثم تزوجا، وانتقلت بنت سيد الأولين والآخرين إلى بيت الزوجية، ذلك البيت الذي لم يُفرَش بالسُرر المرفوعة، والأكواب الموضوعة، ولا النمارق المصفوفة، وإنما كان في غاية البساطة والتواضع فدخلت السيدة فاطمة وليس لها فراش غير جلد كبش تنام عليه هي وزوجها، ووسادة حشوها الليف، وسقاء، وجرتين، ورحى للطحن، وكانت خادمة نفسها، وما ضرها كل ذلك؛ بل عاشت في سعادة وهناء. فهي بنت رسول الله وأحب أهل بيته إلى قلبه التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: (فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي).(البخاري) ولكن حياتها لم تكن مرفهة، بل كانت أقرب للخشونة والفقر فجرت بالرحى حتى أثرت فى يدها، واستقت بالقربة بنحرها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها. وعندما طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم خادما ليساعدها ويعينها على الخدمة، قال لها: (لا أعطيكِ خادما وأترك أهل الصفة جياعًا) ثم قال لها ولزوجها: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم، فلم يدع الزوجان الكريمان هذه الكلمات حتى تُوفيا. هذه حياة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة مليئة بالرضا والصبر والسعادة، فلم تتضرر يومًا، ولم تشتك من قلة ذات؛ بل استعانت بالذكر والدعاء فيا لها من سيرة طيبة وقدوة حسنة للزوجة الصالحة الصابرة. ولم ينته بعد حديثنا عنها ، فلنا لقاء آخر نستكمل فيه السيرة العطرة لأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأم زينب بطلة كربلاء.