أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    هل هناك خطة للانتهاء من تخفيف أحمال الكهرباء.. الحكومة توضح    الغرف التجارية تكشف مصير أسعار الدواجن والبيض الفترة المقبلة    قصف مدفعي إسرائيلي تزامنًا مع إطلاق نار كثيف في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    ملك الأردن يحذر من خطورة دخول المنطقة في دوامات عنف جديدة    ضرب وشتيمة.. مشاجرة عنيفة داخل برلمان أوروبي بسبب مشروع قانون    لحظات مرعبة.. تعرض كاهن للطعن على يد مجهول بكنيسة في سيدني |فيديو    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    عاصفة خماسينية.. بيان مهم بشأن الطقس غدا الأربعاء: «أحكموا غلق النوافذ»    مراجعات الثانوية العامة 2024.. راجع مادة التاريخ للصف الثالث الثانوي    فيلم السرب يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد طرح البرومو    ننشر حصاد مديرية الصحة بالمنوفية خلال عيد الفطر | صور    الاتحاد المصري لطلاب صيدلة الإسكندرية يطلقون حملة للتبرع بالدم    رضا عبد العال يكشف مفاجأة مثيرة بعد خسارة الأهلي في القمة    الهلال ضد العين في دوري أبطال آسيا.. الموعد والقنوات الناقلة    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    أحمد كريمة: من يتعاطى مسكرا ويرتكب جريمة يعاقب كغير السكران (فيديو)    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    عيار 21 الآن يسجل أعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء في الصاغة بعد الارتفاع الجديد    وزير الخارجية الصيني: إيران قادرة على تجنيب المنطقة مزيدا من الاضطراب    خالد الصاوي: بختار أعمالى بعناية من خلال التعاون مع مخرجين وكتاب مميزين    كيلو اللحمة البلدي سيصل 350 جنيها.. ومتوقع تراجعها قيل عيد الأضحى| تفاصيل    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    19 أبريل.. تامر حسني يحيي حفلاً غنائيًا في القاهرة الجديدة    جمارك مطار القاهرة تحرر 55 محضر تهرب جمركي خلال شهر مارس 2024    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    بايدن يؤكد سعي واشنطن لتحقيق صفقة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها (فيديو)    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    إسكان البرلمان عن قانون التصالح الجديد: آليات مُبسطة وتسهيلات مالية لمعالجة مخالفات البناء    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    هيئة الدواء المصرية توجه نصائح مهمة لانقاص الوزن.. تعرف عليها    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مع اقتراب عيد الأضحى.. الإفتاء توضح شروط الأضحية والعيوب الواجب تجنبها    الاستعلام عن صحة 4 أشخاص أصيبوا في انقلاب أتوبيس بأوسيم    طرح برومو فيلم السرب تمهيدا لعرضه قريبا    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    خبير تعليمي: عقد مراجعات نهائية للطلاب يعمل على استعادة المدرسة لدورها التربوي    رئيس مجلس إدارة «الأخبار»: ملف التعيينات مطروح مع «الوطنية للصحافة»    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    خطوات إضافة تابع في حساب المواطن 1445    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    برج الجوزاء.. حظك اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024: انتبه لنفقاتك    ضبط شاب تعدى على شخص بسلاح أبيض فى بنى عبيد بالدقهلية    الإعدام لمتهم بقتل شخص بمركز أخميم فى سوهاج بسبب خلافات بينهما    اليوم.. فتح باب التقديم للمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024 / 2025    تكريم 600 من حفظة القرآن الكريم بقرية تزمنت الشرقية فى بنى سويف    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    اليوم.. جلسة النطق بالحكم على المتهمين بقتل سائق توك توك فى الدقهلية    بعد نحو عام من الصراع.. مؤتمر باريس يجمع 2 مليار يورو للسودان    نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تعرف على جهود مستشفيات المنوفية في عيد الفطر    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نساء حول الرسول..◄ 4- فاطمة الزهراء «أم الحسنين»
نشر في فيتو يوم 14 - 08 - 2016

ومازال الحديث مستمرا عن «نساء حول الرسول» صلى الله عليه وسلم... وهذه هي الحلقة الرابعة التي نتحدث فيها عن بنات النبي الطيبات الطاهرات، رضي الله عنهن جميعا...
بنات النبي
فاطمة الزهراء رضى الله عنها
مولدها ونشأتها
هي فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن هاشم - سيد المرسلين وخاتم النبيين سيد ولد آدم - عليه صلوات الله وسلامه وصغرى بناته وهي أيضا ابنة خديجة أول النساء إيمانا بالإسلام وهي زوج على بن أبي طالب، أول من أسلم من الصبيان فما سجد لصنم، وما انحنى لوثن وهو المجاهد مع النبي منذ صغره، وهو خليفة المسلمين الرابع، وهي أم الحسنين سيدا شباب أهل الجنة.
ولقد شاء الله أن يقترن مولد فاطمة في يوم الجمعة الموافق للعشرين من جمادى الآخرة في السنة الخامسة قبل البعثة بقليل بالحادث العظيم الذي ارتضت فيه قريش (محمدا) حكما لما اشتد الخلاف بينهم حول وضع الحجر الأسود بعد تجديد بناء الكعبة، وكيف استطاع عليه الصلاة والسلام برجاحة عقله أن يحل المشكلة وينقذ قريش مما كان يتهددها من حرب ودمار وإسالة دماء وعداوة بين الأهل والعشيرة.
حمل الأب الحاني ابنته المباركة يهدهدها ويلاطفها، وكانت فرحة خديجة كبيرة ببشاشته، وهو يتلقى الأنثى الرابعة في أولاده، ولم يظهر عليه غضب ولا ألم لأنه لم يرزق ذكرا وكانت فرحة خديجة أكبر حين وجدت ملامح ابنتها تشبه ملامح أبيها، وقد استبشر الرسول بمولدها فهي النسمة الطاهرة التي سيجعل الله نسله منها.
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت أحدا من خلق الله أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة.
وقد كان تسميتها فاطمة بإلهام من الله تعالى فقد روى الديلمي عن أبى هريرة رضي الله عنه عن على أنه عليه السلام قال: "إنما سميت فاطمة؛ لأن الله فطمها وحجبها من النار ". والفطم هو القطع والمنع.

ترعرعت فاطمة في بيت النبوة الرحيم، والتوجيه النبوي الرشيد، وبذلك نشأة على العفة وعزة النفس وحسن الخلق، متخذتا أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى لها والقدوة الحسنة في جميع تصرفاتها. وما كادت الزهراء أن تبلغ الخامسة حتى بدأ التحول الكبير في حياة أبيها بنزول الوحي عليه، وقد تفتحت مداركها على أبيها ويعاني من صد قريش وتعنت سادتها، وشاهدت العديد من مكائد الكفار واعتدائهم على الرسول الكريم، وكان أقسى ما رأته فاطمة عندما ألقى سفيه مكة عقبة بن أبي معيط الأذى على رأس أبيها وهو ساجد يصلي في ساحة الكعبة ويبقى الرسول صلى الله عليه وسلم ساجدا إلى أن تتقدم فاطمة وتلقي عنه القذر.
وكان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبى طالب، وأقاموا على ذلك ثلاثة سنوات، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا واشتروه، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود، وكان لا يصل إليهم شيئا إلا مستخفيا، ومن كان يريد أن يصل قريبا له من قريش كان يصله سرا.
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة فبقيت طوال حياتها تعاني من ضعف البنية، ولكنه زادها إيمانا ونضجا. وما كادت الزهراء الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة - رضي الله عنها - فامتلأت نفسها حزنا وألما، ووجدت نفسها أمام مسؤوليات ضخمه نحو أبيها النبي الكريم، وهو يمر بظروف قاسية خاصة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها وعمه أبى طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث في صبر، ووقفت إلى جانب أبيها لتقدم له العوض عن امها الغاليه واكرم الزوجات ولذلك كانت تكنى بأم أبيها.

ثم جاءت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب بعد أن لم يبق له في مكة مكان وعلى أثره هاجر على رضي الله عنه وكان قد تمهل ثلاثة أيام في مكة ريثما أدى عن النبي الودائع التي كانت عنده للناس وبقيت فاطمة وأختها أم كلثوم حتى جاء رسول من أبيها {صلى الله عليه وسلم} فصحبهما إلى يثرب، ولم تمر هجرتهما بسلام فما كادتا تودعان مكة حتى طاردهما اللئام من مشركي قريش ونخس أحد سفهاء مكة يدعى "الحويرث بن نقيذ" بعيرهما فرمى بهما إلى الأرض، وكانت فاطمة يومئذ ضعيفة نحيله الجسم، وتركهما يسيران بقية الطريق إلى أن وصلا إلى المدينة، وقد اشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم على من آذى ابنتيه، فأهدر دمه.
زواج السيدة فاطمة الزهراء وحياتها في بيتها:
بعد أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة - رضي الله عنها - تقدم كبار الصحابة لخطبة الزهراء، بعد أن كانوا يحجمون عن ذلك سابقا لوجودها مع أبيها صلى الله عليه وسلم وخدمتها إياه. فقد تقدم لخطبة الزهراء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهم - ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر في لطف ورفق، وتحدث الأنصار إلى على بن أبي طالب - رضي الله عنه - وشجعوه على التقدم لخطبة فاطمة، واخذوا يذكرونه بمكانته في الإسلام وعند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى تشجع وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبا، وعندما حضر مجلس النبي غلبه الحياء فلم يذكر حاجته، وأدرك رسول الله ما ينتاب على من حرج فبادره بقوله: ما حاجة ابن أبي طالب؟
أجاب علي: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحبا وأهلا..

وكانت هذه الكلمات بردا وسلاما على قلب على فقد فهم منها، وكذلك فهم أصحابه أن رسول الله يرحب به زوجا لابنته. وكانت تلك مقدمة الخطبة، عرف على أن رسول الله يرحب به زوجا لأبنته فاطمة، فلما كان بعد أيام ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب فاطمة... وكان مهرها رضي الله عنها درعا أهداها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى على في غزوة بدر، وقد دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما".
لم تكن حياة فاطمة في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة، بل كانت أقرب للخشونة والفقر، وقد كفاها زوجها الخدمة خارجا وسقاية الحاج وأسنده لأمة، وكان على رضي الله عنه يساعدها في شؤون المنزل. قال على رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونجلس عليه بالنهار، ومالي ولها خادم غيرها، ولما زوجها رسول الله بي بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين، فجرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها. ولما علم على - كرم الله وجهه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه خدم قال لفاطمة: لو أتيت أباك فسألتيه خادما، فأتته فقال النبي ما جاء بك يا بنيه؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فأتاها رسول الله من الغد فقال: ما كانت حاجتك؟فسكتت فقال علي: والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وهذه فاطمة قد طحنت حتى مجلت يداها وقد أتى الله بسبي فأخدمنا.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا والله، لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيع وأنفق عليهم بالثمن " فرجعا إلى منزلها، فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف عنهما عناءهما وقال لهما برفق وحنان: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى: فقال: "كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان الله دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثة وثلاثين، وتحمدان ثلاثة وثلاثين، وتكبران أربعا وثلاثين ".
وخيمت السعادة على بيت فاطمة الزهراء عندما وضعت طفلها الأول في السنة الثالثة من الهجرة ففرح به النبي فرحا كبيرا فتلا الآذان على مسمعه، ثم حنكه بنفسه وسماه الحسن، فصنع عقيقة في يوم سابعة، وحلق شعره وتصدق بزنة شعره فضة. وكان الحسن أشبه خلق الله برسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وما أن بلغ الحسن من العمر عاما حتى ولد بعده الحسين في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، وتفتح قلب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لسبطيه (الحسن والحسين) ، فغمرهما بكل ما امتلأ به قلبه من حب وحنان وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما " وتتابع الثمر المبارك فولدت الزهراء في العام الخامس للهجرة طفلة اسماها جدها صلى الله عليه وسلم (زينب). وبعد عامين من مولد زينب وضعت طفلة أخرى اختار لها الرسول اسم (أم كلثوم).

وبذلك آثر الله فاطمة بالنعمة الكبرى، فحصر في ولدها ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم، وحفظ بها أفضل سلالات البشرية. وقد بلغ من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها - أنه لا يخرج من المدينة حتى يكون آخر عهده بها رؤية فاطمة، فإذا عاد من سفره بدأ بالمسجد فيصلي ركعتين، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنما فاطمة بضعة فمن أغضبها فقد أغضبني". ولم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراها تلبس الحلي وأمرها ببيعها والتصدق بثمنها؛ وما ذلك إلا لأنها بضعة منه وأنه يريدها مثلا أعلى في الزهد والصبر والتقشف كما كان هو صلى الله عليه وسلم، ولتتبوأ بجدارة منزلة سيدة نساء العالمين يوم القيامة.
ولقد هم على كرم الله وجهه بالزواج من بنت أبى جهل - لعنه الله، على السيدة فاطمة رضي الله عنها، وفي حسبانه أنه يجوز على بنات النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز على سائر النساء فيما أحله الشرع للمسلمين من تعدد الزوجات، وعندما بلغ رسول الله ذلك خرج إلى المسجد مغضبا حتى بلغ المنبر فخطب الناس فقال: "إن بني هشام بن مغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يريد على بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما، لكن و الله لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله أبدا. فترك على الخطبة. وهذا دليل على حبه صلى الله عليه وسلم لبناته في بيئة وأدت بناتها.
وقد مرت السيدة فاطمة رضي الله عنها بأحداث كثيرة ومتشابكة وقاسية وذلك منذ نعومة أظفارها حيث شهدت وفاة أمها، ومن ثم أختها رقية، وتلتها في السنة الثامنة للهجرة أختها زينب، وفي السنة التاسعة أختها أم كلثوم.
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

ولما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وأرسى قواعد الإسلام وأدى الأمانة ونصح الأمة وأكمل الله الدين. حان وقت الرحيل عن الدنيا الفانية، وأخذت طلائع التوديع للحياة تظهر على ملامح الرسول صلى الله عليه وسلم وتتضح من خلال عباراته وأفعاله. فقد اعتكف في رمضان في السنة العاشرة عشرين يوما، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام، وكان يدارسه جبريل عليه السلام مرتين وما قاله لمعاذ رضي الله عنه "يا معاذ انك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا.
وما قاله في خطبة الوداع: "أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. وشهادة الناس له أنه بلغ وأدى ونصح..".. وكان بداية مرضه صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11هجرية - وكان يوم الاثنين - وقد صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريض أحد عشر يوما وجميع أيام المرض كانت ثلاثة عشر يوما.
وما أن سمعت فاطمة بذلك حتى هرعت لتوها لتطمئن عليه، وهو عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فلما رآها هش للقائها وقال: "مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم اسر لها شيئا فضحكت. قالت - عائشة - قلت ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء، قلت: أي شيء أسر إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت الزهراء رضي الله عنها: ما كنت لأفشي سره! فلما قبض سألتها فقالت: قال: أن جبريل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة وأنه أتاني العام فعارضني مرتين، ولا أظن إلا أجلي قد حضر، فاتقي واصبري، فانه نعم السلف أنا لك. قالت فبكيت بكائي الذي رأيت: فلما رأى جزعي سارني الثانية، فقال: "يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟وانك أول أهلي لحاقا بي؟ فضحكت.

ورأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله من الكرب الشديد الذي يتغشاه، فقالت: وأكرب أباه.فقال صلى الله عليه وسلم لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم يا فاطمة.
ولما حضرت النبي الوفاة، بكت فاطمة حتى سمع النبي صوتها فقال صلى الله عليه وسلم "لا تبكي يا بنية، قولي إذا مت: انا لله وأنا إليه راجعون، فإن لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة "، قالت فاطمة: ومنك يا رسول الله؟قال: ومني.
ولما مات الرسول صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: يا أبتاه أجاب ربا، يا أبتاه في جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. فلما دفن الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟ وبكت الزهراء أم أبيها، وبكى المسلمون جميعا نبيهم ورسولهم محمد صلى الله عليه وسلم وذكروا قول الله تعالى: "إنك ميت وإنهم ميتون".
حادثة الإرث:
ولما كان اليوم الذي توفي فيه رسول صلى الله عليه وسلم بويع لأبي بكر رضي الله عنه في ذلك اليوم، فلما كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر رضي الله عنه ومعها على كرم الله وجهه، فقالت: ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي، فقال: أمن الرثة أومن العقد؟ قالت: فدك - قرية كان للنبي صلى الله عليه وسلم نصفها - وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما يرثك بناتك إذا مت.
فقال أبوبكر رضي الله عنه: أبوك و الله خير مني، وأنت والله خير من بناتي، وقد قال رسول الله: لا نورث، ما تركنا صدقة (يعني هذه الأموال القائمة)، فيعلمن أن أباك أعطاكها، فو الله لئن قلت نعم لأقبلن قولك، قالت: قد أخبرتك ما عندي. وقال لفاطمة وعلي والعباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركناه صدقة"..
وفي رواية أخرى عن عروة ابن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبى بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة رسول الله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث ما تركناه فهو صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله - ليس لهم أن يزيدوا على المأكل.. وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
فتشهد على ثم قال: إنا عرفناك يا أبا بكر فقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي وأوسع منه. والحكمة من ذلك أن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا؛ لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا دنيا وورثوها لورثتهم، ثم إن من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، ومنهم عائشة بنت أبي بكر وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي، ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته.
وطابت نفس فاطمة رضي الله عنه بما كان من قضاء أبي بكر رضي الله عنه، وأن الأنبياء لا يورثون مالا وعاشت زاهدة راضية حتى وافاها الأجل، فكانت أول اللاحقين بأبيها من أهل بيته كما بشرها بذلك، فطابت بالبشرى وعلمت أن الآخرة خير من الأولى وأبقى.
وفاة فاطمة رضي الله عنها:
أوصت الزهراء رضي الله عنها على بن أبي طالب بثلاث وصايا في حديث دار بينهما قبل وفاتها. وقالت الزهراء يا ابن عم، أنه قد نعيت إلى نفسي، وإنني لا أرى حالي إلا لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. فقال كرم الله وجهه: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت. فقالت رضي الله عنها: يا ابن العم ما عهدتني كاذبة ولا خائفة، ولا خالفتك منذ عاشرتني.
فقال رضي الله عنه: معاذ الله! أنت أعلم بالله تعالى، وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفا من الله تعالى، وقد عز على مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لابد منه، و الله لقد جددت على مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل فقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أوصت الزهراء رضي الله عنها عليا كرم الله وجهه بثلاث:
أولا: أن يتزوج بأمامة بنت العاص بن الربيع، وبنت أختها زينب رضي الله عنها.وفي اختيارها لأمامة رضي الله عنها قالت: أنها تكون لولدي مثلي في حنوتي ورؤومتي. وأمامه هي التي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحملها في الصلاة.
ثانيا: أن يتخذ لها نعشا وصفته له، وكانت التي أشارت عليها بهذا النعش أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وذلك لشدة حياءها رضي الله عنها فقد استقبحت أن تحمل على الآلة الخشبية ويطرح عيها الثوب فيصفها، ووصفه أن يأتى بسرير ثم بجرائد تشد على قوائمه، ثم يغطى بثوب.
ثالثا: أن تدفن ليلا بالبقيع.
لم يطل مرض الزهراء رضي الله عنها الذي توفيت فيه، ولم يطل مقامها في الدنيا كثيرا بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت الروايات في تحديد تاريخ وفاتها، فقيل في الثالث من جمادى الآخرة سنة عشرة للهجرة وقيل توفيت لعشر بقين من جمادى الآخرة، أما الأرجح فإنها توفيت ليلة الثلاثاء يوم الاثنين من شهر رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وتوفيت وهي بنت تسع وعشرين سنة. وقيل كانت قبل وفاتها فرحة مسرورة لعلمها باللحاق بأبيها الذي بشرها أن تكون أول أهل بيته لحاقا به وقيل لبثت الزهراء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر وفي رواية أخرى ستة اشهر. وقد نفذ على كرم الله وجهه وصيتها، فحملها في نعش كما وصفته له ودفنت بالبقيع ليلا، وهي أول من حملت في نعش وأول من لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم من أهله.
حملت فاطمة بين دموع العيون وأحزان القلوب، وصلى عليها على كرم الله وجهه ونزل في قبرها، فضم ثرى الطيبة الطاهرة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كما ضم جثمان أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخواتها الثلاث: زينب، ورقية وأم كلثوم رضي الله عنهن.
لقد ضربت لنا الزهراء نموذجا فريدا ومثلا أعلى في حياتها، فقد كانت مثال الزوجة الصالحة الصابرة وكانت مثلا في حسن علاقتها مع جارتها وقريباتها، وكانت قدوة في رسالة الأمومة حتى كان من ذريتها ما كان. فرحم الله الزهراء ريحانة سيد ولد آدم وزوجة سيد الفرسان، وأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأم زينب بطلة كربلاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.