د. أحمد فؤاد أنور يجب فهم ورصد الأفكار و المخططات الإسرائيلية الملهمة للجانب الاثيوبى خلال التفاوض المتعثر لسنوات بشأن سد النهضة مما يلحق الضرر والأذى المادى والمعنوى بمصر وبالسودان. فعلى غرار التحركات الإسرائيلية الرامية لفرض الأمر الواقع اعتبرت أديس أبابا أن الملء الأول دون اتفاق مع دولتى المصب ينهى ما سمته مرحلة الاستخدام غير العادل لمياه النيل. وهو إجراء لا يتماشى مع القانون الدولي، ولا مع الاتفاقيات الثنائية المبرمة، وبالطبع لا يتسق مع التعهدات الشفهية الصريحة المتكررة من رأس الدولة الاثيوبية فى أكثر من عهد ومناسبة، وتشير كل الدلائل والأرقام، إلى أنه لا يتعلق بحاجة للماء أو لإنتاج كهرباء تكفى لإنارة إثيوبيا، لذا يجدر بنا الربط بين هذا النهج الاستفزازى وبين خطوات إسرائيلية معلنة من متخصصين ومسئولين بارزين. مع ملاحظة أن أطماع إسرائيل فى مياه النيل ترجع لفترة مبكرة للغاية حتى قبل قيام إسرائيل ذاتها حين خطط مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل عام 1903 ل نقل مياه النيل إلى سيناء لإقامة مستعمرة لليهود فيها، قبل أن ترفض مصر بقوة المقترح بالكامل لم يكن من قبيل المصادفة تأكيد نيتانياهو فى زيارته إثيوبيا -فى يوليو 2016- ومن داخل مقر البرلمان الإثيوبى عدة مفاهيم محاولا دغدغة مشاعر الإثيوبيين بمقولات فضفاضة ووعود بتحقيق الرفاهة اعتمادا على العقول و التكنولوجيا الإسرائيلية ولعل أبرز وأخطر ما قاله وفق تقدير كاتب هذه السطور: وستتمكن إثيوبيا من توجيه المياه إلى أى مكان تريده دون فقد. وهو ما يعنى بوضوح أن لإثيوبيا حقوقا مهدرة، ستعمل إسرائيل على إعادتها فى مقابل توجيه المياه لأى مكان ترغب فيه إثيوبيا.. وهو بالطبع ما يتعارض مع طبيعة النهر الدولي! الأنف الإسرائيلية المدسوسة فى منابع نهر النيل لا تهدف فقط للتمهيد لتحقيق خطوات فعلية نحو الأطماع فى مياه النهر الأطول فى العالم، بل ترمى كذلك لتحقيق مكاسب أمام الفلسطينيين بإلهاء الرأى العام العالمى والإقليمى والمحلى فى ملف بعيد تمام البعد عن الملف الأساسى وهو قضية الاحتلال و الصراع العربى الإسرائيلي ، بالإضافة لامتلاك ورقة ضغط تمكنها من المناورة والمساومة عند الحاجة إلى ذلك، وهو ما يمكن التدليل عليه من خلال دراسة يفجنى كلاوفر المتخصص فى السياسة الدولية والصراعات الإثنية بجامعة تل أبيب جاء فيها أن سد النهضة يعزز مواقف إسرائيل فى مواجهة الفلسطينيين. المزاعم الإثيوبية بخصوص ماء النيل من غير المستبعد أنها ترتكز على أصل قديم سعى نيتانياهو لبث الروح فيه بعد إعادة تغليفها، على الرغم من أن صاحب تلك الأفكار هو غريمه السياسى شيمون بيريز (رئيس الوزراء ورئيس الدولة الراحل) والذى سبق أن أصدر فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى كتاب الشرق الأوسط الجديد- إطار ومسارات لعصر السلام، وتحديدا الفصل الثامن والتاسع من الكتاب،حيث ذكر أن المياه ليست ملك دولة، بل ملك المنطقة كلها ومحيطها الإقليمي! ولا يجب, والحديث لا يزال لبيريز- الانتظار فى مجال المياه لإتمام وتوافر الإطار الإقليمي، حيث يكفى سلسلة من الخطوات يتم البدء بها الآن من خلال ترتيبات واتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف. تتشابه السياسة الإثيوبية مع الإسرائيلية في: الترويج لنفسها داخل دوائر جائزة نوبل واقناعها بتجاهل الحروب الطويلة على أكثر من جبهة، وما صاحبها من تجاوزات، وكذلك سياسة تبادل الأدوار واستكمال ما تم إنجازه، والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية. بالاضافة للتشابه أيضا فى سياسة الغموض الإسرائيلية فعلى غرار نفى وتأكيد إثيوبيا رسميا عدة مرات للأمر ذاته، سبق أن اتبعت تل ابيب لعقود السياسة نفسها فيما يتعلق بالملف النووى وحجم التطبيع فى الدول العربية والإسلامية، واتبعت الغموض والتزمت الصمت بشأن هجمات صاروخية وجوية منسوبة لها ضد سوريا، كررت إثيوبيا مواقف إسرائيلية تتعلق بالأطماع والرغبة فى التوسع فقد نشرت نهاية عام 2019 وزارة الخارجية الإثيوبية خريطة محت فيها حدود الصومال وضمتها لأراضيها. ولا يمكن للمراقب أن يغفل التشابه بين السياسة الإسرائيلية والإثيوبية من حيث: اتباع نهج عدم الالتزام بالقانون الدولى والاتفاقيات وتعمد الدخول فى جولات تفاوض طويلة حول ما تم التفاوض والاتفاق عليه سابقا. أما عن نقاط الضعف فى مقولة سعى تل أبيب المخلص للتعاون مع إفريقيا بتجرد فيمكن الرد عليه إعلاميا ودبلوماسيا وشعبيا بتوضيح أن نيتانياهو وبقية الرسميين فى إسرائيل تجاهلوا عن عمد عند حديثهم مع الإثيوبيين بشكل خاص، والأفارقة بشكل عام ما يلي: - النيل فى التوراة اسمه نهر مصر، أى أن الحق التاريخى ثابت وراسخ وهو ما تتجاهله تل أبيب وأديس أبابا وتحاول الالتفاف حوله بخطاب مراوغ. - الحركة الصهيونية خططت وعملت لفترة على احتلال اوغندا ومن ثم التمدد لأراضى دول إفريقية أخرى. - لإسرائيل تاريخ طويل من التعاون مع نظام بريتوريا العنصرى ضد الأفارقة. - إسرائيل غزت إفريقيا فى 1973 (الثغرة) لولا تكبدها خسائر فادحة وحصار قوات الاحتلال والتشبث بكامل الأرض المحررة فى سيناء. - تعهدت إسرائيل على لسان وزير خارجيتها سلفان شالوم عام 2004 ثم كررت الوعد مرارا بإتمام هجرة نحو 9000 إثيوبى يهودى لإسرائيل وأن يتم ذلك بحد أقصى عام 2007. وهو ما لم يحدث حتى اليوم، بل ولم يزر نيتانياهو معسكرهم القريب من مقر إقامته فى إثيوبيا عام 2016. إذا عدنا لنقطة البداية فإن العدالة التى تزعم أديس أبابا أنها تنشدها وسبق أن طالب بها بيريز بالتصريح ونيتانياهو بالتلميح أصلها إسرائيلى وتجافى القانون الدولي، وكما واجهنا المفاوض الإسرائيلى فى طابا وقبلها فى كامب ديفيد، وبعدها فى مفاوضات الغاز، وملفات أخرى عديدة، لدينا القدرة على مواجهة المفاوض الإثيوبى وداعميه.. نشجع التنمية، ولا نسمح بتهديد حقنا فى الحياة. * نقلًا عن صحيفة الأهرام