كتاب لأحمد البرديسى - تقديم سيد حسين صدر للزميل أحمد البرديسى، الصحفى بجريدة الجمهورية كتاب جديد يحمل عنوان "سد النهضة.. كيف تفكر أثيوبيا؟! مؤامرة فى منابع النيل"، وقدمه الزميل سيد حسين، رئيس تحرير كتاب الجمهورية. بداية يطرح الكتاب السؤال الكبير والذى يطرح نفسه.. فى أوائل القرن الحادى والعشرين، نهر النيل بين مصر وأثيوبيا، إلى أين؟! وكيف يمكننا أن نرسم للمستقبل وجهًا جديدًا مشرقًا؟ والأمل أن يبقى النيل بين مصر وأثيوبيا شريانًا للسلام كما كان دائمًا شريان الحياة، والوجود والسلام فى مصر القديمة، وكما تقول الحكمة الدبلوماسية: لامجال للصراع والنزاع بين الدول التى تشترك فى أرض أو نهر أو بحر بل يتطلب الأمر حسن الجوار، وعدم المساس بالمصالح أو الإضرار بها تعيش مصر فى هذه الأيام تحت حصار المخاطر، والتهديدات من كل جانب وكل اتجاه، فمازالت تداعيات وموجات الثورة منذ يناير 2011 تعوق حركة مصر نحو التنمية، وربما قولنا إن مصر تراوح مكانها ما بين الديمقراطية بتطلعاتها، وبين الأمن القومي وما يواجهه من تحديات ومخاطر في الداخل والخارج، وربما كانت أثيوبيا تتوغل علينا بمشروعاتها فى أعالى النيل، بما جعل الصحف الإسرائيلية الكبرى تقول: إن مصر دولة حكم عليها القدر بإهدار حقوقها فى مياه النيل، من الواضح أن إسرائيل تعبث بأصابعها فى أمن مصر المائى، وهى ليست بعيدة عن التواطؤ مع أثيوبيا، ولاشك أن الولاياتالمتحدة تقدم الدعم للأبحاث والخطط والمشروعات لدعم أطماع أثيوبيا القديمة فى مياه النيل؛ بل أن صحف أديس أبابا تتحدث عن مخططات قديمة لأثيوبيا؛ لتحويل مجرى مياه النيل إلى البحر الأحمر بدلًا من الاتجاه شمالًا نحو مصر، وقد فكر ملوك وأباطرة أثيوبيا القدامى فى ذلك القرن التاسع عشر؛ حين وصلت جيوش الخديوى إسماعيل إلى ميناء مصوع وأسمره داخل أثيوبيا، وعلى البحر الأحمر ويبدو أن الادعاءات فى أثيوبيا عالية جدًّا مثل: مرتفعات هضبة الحبشة؛ حيث يقولون أيضًا إن دول المنابع رفضت الاعتراف بالمعاهدات الاستعمارية فور حصولها على الاستقلال، مع أن مصر هى التى وقفت إلى جانب دول أفريقيا شرقًا وغربًا؛ حتى نالت استقلالها، لكن أثيوبيا لم تتردد حاليًا فى إثارة الخلافات بين مصر وأشقائها الأفارقة من دول حوض النيل؛ لأن أثيوبيا لديها خطط، وربما مخططات أو حتى مؤامرات للانفراد بالهيمنة على مياه النيل. معسكر الرفض تقوده أثيوبيا: وترفض أثيوبيا الاعتراف باتفاقية 1929 باعتبارها اتفاقية دولية يحميها القانون الدولى، وبناء على ذلك تعلن رفضها لاتفاقية اقتسام مياه النيل، وتؤكد على أنه لا يوجد ما يمكن من خلاله إجبارها على السماح لمياه النيل بالتدفق بحرية من أراضيها حتى دول المصب فى السودان ومصر وتتجه دول منابع النيل بقيادة أثيوبيا إلى رفض الاعتراف بحقوق مصر الجغرافية والتاريخية فى مياه النيل، واعتبارها خيالًا من أساطير الماضى، وتدعى أثيوبيا، أن سد النهضة يستهدف توليد الكهرباء فقط، وإنها لن تستخدم خزانات المياه الموجودة خلفه فى الزراعة والرى، رغم أن السعة التخزينية المعلنة له تزيد على 62 مليار متر مكعب من المياه السنوية، وهناك تقديرات جديدة تشير إلى قدرة السد على تخزين ما يزيد على 120 مليار متر مكعب من المياه والحقيقة أنه لا يمكن لمصر التوقيع على اتفاقية تقوم على مبادئ ترفضها من الأساس؛ لأن ذلك يهدم حقوق مصر فى مياه النهر، كما أن الاتفاقية تنص على عدم الإضرار الجسيم بحقوق الآخرين، مع أنها تستهدف فى الأساس الإضرار بحقوق مصر. إن قضية مياه النيل وحقوق مصر أكبر وأخطر من أن تتركها لخبراء المياه وحدهم؛ بل هى فى حاجة إلى تشكيل لجنة قومية عليا تضم بجانب خبراء الرى الدبلوماسية والسياسة والقانون الدولى. سدود أعالى النيل أفكار أمريكية: من الواضح أن أثيوبيا تسير وفق مخطط دقيق، غريب على الفكر الأفريقى الحديث، فقد بدأت الفكرة الأولى فى مشروعات المياه بأعالى النيل بمبادرة أمريكية، حين ردت أمريكا على سياسات عبد الناصر الرامية إلى إنشاء السد العالى فى أسوان بتمويل سوفيتى، بتقديم منحة مالية كبيرة لأثيوبيا لدراسة ما يمكن إقامته من مشروعات مائية فى منابع النيل؛ بهدف إحباط مشروع عبد الناصر لبناء السد العالى، وقدمت إدارة الرئيس الأمريكى إيزنهاور لإثيوبيا الأموال والخبراء الأمريكيين لدراسة ما يمكن إقامته من مشروعات فى أعالى النيل؛ للتأثير على حصة مصر من المياه، وعلى مدى سنوات طويلة فى الخمسينيات والستينيات، أنجز الخبراء الأمريكيون دراستهم المطولة ووضعوها فى أكثر من 70 مجلدًا ضخمًا، وقد حصلت أثيوبيا على منحة مساعدات أمريكية بعد قيام الرئيس عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس عام 1956، وخلال فترة طويلة وحتى 1964، وضع الخبراء الأمريكيون الدراسات اللازمة لإقامة 4 سدود كبرى كانت كافية لتخزين 51 مليار متر مكعب من المياه، ولكن فشل التنفيذ؛ بسبب نقص التمويل تدعي أثيوبيا أو بالأحرى تتصور أن مصر سوف تضطر فى النهاية إلى توقيع الاتفاقية الإطارية بالتعاون بين دول حوض النيل التى تدعو إلى ما يطلقون عليه الاقتسام والتوزيع العادل لمياه النيل؛ لأن مصر لن يكون أمامها أى بديل آخر، وعليه تبالغ أثيوبيا فى التعنت، وتقول إن هذه الاتفاقية، سوف يتم تنفيذها بمشاركة مصر أو بدونها. ويبدو أن أثيوبيا بادرت بالبدء فى بناء سد النهضة دون القيام بالدراسات الجادة المطلوبة لمعرفة التأثيرات السلبية لهذا السد، ومن المؤكد أن تؤدى بحيرة المياه الهائلة خلف السد إلى ضياع مساحات واسعة وهائلة من الغابات، وبكل ما ينطوى عليه ذلك من تأثير خطير، وقد تضطر إلى ترحيل عشرات الآلاف من قبائل وسكان المنطقة. وتتنكر أثيوبيا للقانون الدولى، بأنه يعترف بحقوق مصر فى المياه، وتشير إلى أن منظمة اليونيسكو تقول إنه لا يوجد قانون دولى ينظم إدارة مصادر المياه، واتفاقيات المياه، وحتى لو وجد القانون، فإنه لا توجد منظمة دولية للإشراف على تنفيذه، وحين ينعدم القانون - كما يقولون فى أديس أبابا - ينعدم الحق فى المياه، ويكون صعبًا الاعتراف بحق مصر القانونى فى مياه النيل، وتسعى أثيوبيا حاليًا وبوضوح إلى إقامة ما يشبه التحالف بين دول حوض النيل بقيادتها وبدعم أمريكى وإسرائيلى غير معلن، وإن كان هذا التحالف أعلن عن نفسه فى الاتفاقية الإطارية بالتعاون بين دول حوض النيل. حسابات الحرب: ويقيمون حساباتهم فى أديس أبابا على أساس أن مصر لا يمكن أن تكسب سوى القليل جدًّا بالحرب، لكنها قد تخسر الكثير جدًّا إذا حدثت حرب خاصًة أن مثل هذه الحروب لا يمكن أن يخسرها طرف، وقد تتحول لحرب طويلة ومُرْهِقة وباهظة التكاليف، وفى النهاية لا تتمكن مصر من تحقيق السيطرة الكاملة على مياه النيل دون قيامها باحتلال مرتفعات الحبشة التى تنبع منها مياه النيل. وحسب التقديرات الأثيوبية أو بالأحرى حسب الأطماع فى حصة مصر من المياه، فإنهم يقولون إن مصر لا تحتاج لأكثر من 37 مليار متر مكعب، ويتهمون مصر بأنها قامت بالتوسع الزراعى فى الصحراء، وينتقدون الرى بالغمر. أسفار وأكاذيب: وإن كان مما لاشك فيه أن إسرائيل هى التى تذكى أثيوبيا، فيما تقوم بإعداده، فقد وردت النبوءات الخاصة بجفاف مياه النيل فى ثلاثة مواضع من التوراة، وبالتحديد فى سفر إسحاق وفى سفر حزقيال وفى سفر زكريا.. وكلها أسفار مليئة بالأكاذيب، وتبدو الصورة واضحة فى تل أبيب، وهم يعترفون بأن معاهدة السلام مع مصر لا تعنى الاستبعاد المطلق لخطر الحرب، حتى ولو كانت إسرائيل عاشت فى سلام تام مع مصر على مدى 35 عامًا حتى الآن. ويؤكد الخبراء السياسيون فى تل أبيب، أن إسرائيل وحدها مهما تكن لا تستطيع الوقوف فى وجه قوى سكانية وسياسية كبرى مثل: مصر، ولابد من الوقوف والتحقيق فى ادعاءات أخبار تل أبيب، وسوف تسقط نبوءاتهم السوداء عليهم وباءً ووبالًا، وتبقى الحقيقة فى قضايا مياه النيل. إنه لا يمكن حسم النزاعات لصالح طرف على حساب طرف، ولابد دائمًا كما يقول خبراء المياه حول العالم، أن يتم البحث عن حلول يكسب بها الجميع ويفوز بها الجميع، ولابد من التوصل إلى مرحلة تتصالح فيها المصالح بين مصر وأثيوبيا، وكل دول حوض النيل، لكن حصة مصر التاريخية فى مياه النيل تبقى حقًّا من المستحيل أن تتنازل عنه مصر. واستجابة لهذا التحدى؛ لإفشال مؤامرات أمريكا والعدو الصهيونى الداعم والمستفيد من إضعاف مصر، وتهديدها فى حقها المائى التاريخى، ندعوك - عزيزى القارئ - أن تقرا هذا الكتاب القيم بمعلوماته الموثقة الراصدة لتلك المؤامرات، والكاشفة؛ حتى تكون واعيًا وتعرف من الذى يتآمر على مصر، وإن تخفَّى فى ثياب الصديق والحبيب.