قيادي بمستقبل وطن: ذكرى تحرير سيناء ستظل خالدة    عضو بالشيوخ: مصر قدمت ملحمة وطنية كبيرة في سبيل استقلال الوطن    لاشين: الدولة دحرت الإرهاب من سيناء بفضل تضحيات رجال الجيش والشرطة    إيمان زكي تتولى منصب مقررة فرع المجلس القومي للمرأة بالفيوم    برلماني: افتتاح مستشفى دار السلام العام بسوهاج يُحدث طفرة في الخدمة العلاجية    الأمم المتحدة تطلق مبادرة «وعد المناخ 2025» لمساعدة الدول على مجابهة التحديات المناخية    مصرف قطر المركزي يصدر تعليمات شركات التأمين الرقمي    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    المرصد الأورومتوسطي: اكتشاف مقابر جماعية داخل مستشفيين بغزة إحدى جرائم الحرب الإسرائيلية    بكين ترفض الاتهامات الأمريكية بشأن تبادلاتها التجارية مع موسكو    الرئيس العراقي يؤكد أهمية تعزيز العلاقات مع أذربيجان في جميع المجالات    بيب جوارديولا: هالاند يغيب عن مواجهة برايتون في الدوري الإنجليزي    تشكيل إنبي للقاء طلائع الجيش في الدوري    بعنوان «تحيا مصر».. المتحدث العسكري ينشر أغنية البطولة العربية العسكرية للفروسية    سان جيرمان يخطط لضم أوسمين    شنقه بشال حول رقبته.. أقوال الطب الشرعي في قضية مقتل طبيب التجمع الخامس    «التعليم» توجه بمحاربة الغش استعدادًا لامتحانات النقل.. طالب واحد في المقعد    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    هاني شاكر نجم احتفالية الأوبرا بعيد الربيع    هنا الزاهد تروج لفيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بردود أفعال الجمهور    الإسكندرية للفيلم القصير يكشف عن أسماء اعضاء لجان للمسابقة العربية والطلبة والنقاد    نصيحة الفلك لمواليد 24 إبريل 2024 من برج الثور    نقيب الممثلين: الصحافة مهنة عظيمة.. وتجاوزات من مجهولين أثناء تغطية الجنازات لحصد المشاهدات على السوشيال ميديا    عميد «الدعوة الإسلامية»: العبادة تكون بالقلب واللسان والجوارح    الكشف على 117 مريضا ضمن قافلة مجانية في المنوفية    «الأطفال والحوامل وكبار السن الأكثر عرضة».. 3 نصائح لتجنب الإصابة بضربة شمس    «الرعاية الصحية في الإسماعيلية»: تدريب أطقم التمريض على مكافحة العدوى والطوارئ    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    ثقافة وسينما وموسيقى.. نشاط مكثف ل الأوبرا نهاية ابريل (تفاصيل)    المرصد الأورومتوسطي: اكتشاف مقابر جماعية داخل مستشفيين بغزة إحدى جرائم الحرب الإسرائيلية    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    وكالة الفضاء المأهول الصينية تحدد يوم غد موعدا لاطلاق سفينة الفضاء المأهولة شنتشو-18    الترويج للاستثمار في مجالات التحول الأخضر والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    مع بدء الاستعداد لتقديم تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على أهميته وفقا للقانون    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    أسوشيتيد برس: احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تستهدف وقف العلاقات المالية للكليات الأمريكية مع إسرائيل    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    للوقاية من الإصابة ب "تشمع الكبد"- اتبع هذه النصائح    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    توريد 11180 طن قمح لشون وصوامع القليوبية    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    أبومسلم: وسام أبو علي الأفضل لقيادة هجوم الأهلي أمام مازيمبي    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    بالتزامن مع حملة المقاطعة «خليه يعفن».. تعرف على أسعار السمك في الأسواق 24 أبريل 2024    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سد النهضة تخطيط إثيوبى غربى بتحريض صهيوني
نشر في الشعب يوم 05 - 06 - 2013

العهد البائد تعامل مع إفريقيا باستعلاء ومع السودان من منظور أمنى
إثيوبيا ادعت بناء سد النهضة لتوليد الكهرباء وهم يتآمرون مع الكيان الصهيونى لتخزين المياه والإضرار بحصة مصر والسودان
الكيان الصهيونى يهدف إلى حصار مصر والضغط لتوصيل مياه النيل إلى فلسطين المحتلة
85% من حصة مصر والسودان تأتى من الهضبة الإثيوبية!
التخطيط لإنشاء السدود الإثيوبية بدأ بعد حرب السويس 1956
تحت عنوان «المشروع العربى الإسلامى فى مواجهة المشروع الصهيونى»، أشرنا فى مقال سابق إلى أن قضية المياه تشغل مساحة مهمة من فكر زعماء العصابة الصهيونية؛ فدولتهم المزعومة تمتد من مياه النيل إلى مياه الفرات، وتشمل بداخلها مياه نهر الأردن ونهر الليطانى.
وفى إطار اتفاقيات «كامب ديفيد» واتفاقية الاستسلام مع الكيان الصهيونى بمباركة أمريكية، حاول الرئيس السادات توصيل مياه النيل إلى هذا الكيان المغتصب على أرض فلسطين المحتلة، لكن حزب العمل والقوى الوطنية وجريدة «الشعب» تصدت لهذه المؤامرة حتى فشلت، وكان الدكتور محمد حلمى مراد والدكتور الشافعى بشير فارسَىْ هذه المعركة.
ولأن المشروع الصهيونى يمتد ليشمل هذه المساحة الكبيرة من النيل إلى الفرات، كان لا بد من مشروعات مكملة تمهد الأرض لتحقيق الحلم اليهودى -الرؤية الاستراتيجية- ومن هنا فقد اعتمدت الولايات المتحدة مشروع «برنارد لويس» لتفتيت العالمين العربى والإسلامى من باكستان إلى المغرب. ومخطط سد النهضة يأتى خطوة فى هذا المخطط الصهيونى الأمريكى.
الأمن القومى المصرى ونظام مبارك
الأمن القومى إمكانات وإرادة. وإمكانات مصر التاريخية والجغرافية والثقافية والحضارية ومواردها البشرية؛ أهلتها دائما لأداء دور إقليمى فاعل، لكن..!!
ولكن إذا كان لدى مصر الإمكانات فإن مشكلتها فى الأساس كانت فى الإرادة؛ مشكلتها كانت فى إرادة أهل الحكم فى النظام البائس البائد.
ويمتد مجال الأمن القومى المصرى باتجاه الشمال الشرقى إلى فلسطين السليبة، ويصل إلى دول الجوار الإسلامى الخليج وإيران وتركيا، ويمتد مجال الأمن القومى الحيوى المرتبط بالمياه جنوبا إلى السودان ويصل إلى منابع حوض نهر النيل؛ فماذا فعلنا فى الاتجاهين؟ الإجابة: صفر كبير يضارع فى ضخامته صفر المونديال.
أما الشمال فلقد تناولناه فى مقالات سابقة. وكانت المقاومة الفلسطينية الباسلة، إضافة إلى حزب الله، هى حجر العثرة للصهاينة وصمام الأمام لنا إلى حين، وعندما فشل الصهاينة فى زعزعة أمننا القومى فى الشمال تحركوا من الجنوب. وهذه هى قضيتنا اليوم التى تتناول أمننا القومى الحيوى؛ فماذا حدث فى عهد الرئيس البائد؟
تردت العلاقات المصرية السودانية المصرية بدرجة كبيرة بعد ثورة الإنقاذ، رغم أن مصر الرسمية كانت أول من اعترف بثورة الإنقاذ. ولقد انعكس ذلك بالسلب على الأوضاع فى السودان؛ مما أدى إلى انفصال الجنوب -فى غيبة مصر- بما هدد أمنها الحيوى المائى، حتى إن قناة جونجلى التى كان من المستهدف الانتهاء منها فى ثمانينيات القرن الماضى، لم تنته حتى الآن، وهو ما حرم مصر من أربعة مليارات متر مكعب من المياه سنويا، بما يقارب 150 مليار متر مكعب طوال هذه المدة، فى وقت نحن فيه فى أمس الحاجة لكل نقطة مياه بعد أن هددنا الخطر وأصبحنا دون خط الفقر المائى. ويصر نظام جنوب السودان على رفض استكمال المشروع نكاية فى مصر وبتحريض من الحلف الصهيونى الأمريكى، ناهيك عن الوضع الأخطر بتمكن هذا الحلف من الجنوب السودانى وتهديد أمن مصر مباشرة.
ولم يكتف الحلف الصهيونى الأمريكى بذلك، بل امتدت يده القذرة إلى غرب السودان فى دارفور ليثير القلاقل حتى يتمكن من إنهاء مهمته فى جنوب السودان فى هدوء.
وغابت مصر عن إفريقيا عامة، وعن دول حوض نهر النيل والقرن الإفريقى خاصة؛ ما مكّن الكيان الصهيونى وحليفه الأمريكى من أن يعيثا فيها فسادا فى تهديد واضح للأمن القومى المصرى والأمن القومى العربى بالتبعية، حتى إن القوات الإثيوبية غزت الصومال العربية، فأبدى نظام مبارك البائد تفهمه المبررات التى دفعت إثيوبيا إلى هذا، فى تخل واضح لمصر عن أمنها القومى العربى والإفريقى!.
ناهيكم عما يهدد أمن مصر الحيوى المائى من مطالبة دول حوض النيل بإعادة توزيع حصص مياه النيل على حساب مصر والسودان.
لقد انسحب نظام مبارك من إفريقيا بعد أن تعامل مع إفريقيا باستعلاء، ومع السودان من منظور أمنى، فتركت مصر فراغا هائلا ملأه الكيان الصهيونى فهدد أمننا القومى من الشمال والجنوب.
الكيان الصهيونى ودول حوض النيل
اليد الصهيونية تسللت إلى إفريقيا وإلى دول حوض النيل بعد اتفاقية الاستسلام مع الكيان الصهيونى والاعتراف به دولة من دول المنطقة عام 1979؛ حينما قررت الدول الإفريقية ألا تكون ملكية أكثر من الملك؛ فبعد أن كانت لا تعترف بالكيان الصهيونى أو قاطعة لعلاقتها به، أعادت العلاقات أو اعترفت به، خاصة فى ظل الإغراءات التى يقدمها الصهاينة فى مثل هذه الحالات. والتعاون الصهيونى مع إثيوبيا فى مجال المياه وبعض السدود الخاصة بتوليد الكهرباء، بدأ منذ بداية الثمانينيات فى عهد وزير الرى وقتها المهندس عصام راضى الذى وقف فى مجلس الشعب وأنكر وجود نية أو تعاون بين إثيوبيا والكيان الصهيونى لتنفيذ هذه السدود، لكن العمل والدراسات والتخطيط كان يجرى فى إثيوبيا فى الخفاء مواكبة للمسكنات التى كانت تستخدمه الحكومات المصرية المتتابعة ووزراء الرى على عهد الرئيس المخلوع.
ولقد أشار الأستاذ عبد البارى عطوان رئيس تحرير جريدة «القدس العربى» اللندنية فى مقال أخير له إلى أن «أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلى الذى هدد بقصف السدّ العالى وإغراق مصر بمياهه، أجرى جولة فى خمس دول إفريقية فى عام 2011 على رأس وفد إسرائيلى يضم أكثر من 100 شخص معظمهم من رجال المال والأعمال والخبرات الهندسية المتخصصة ببناء السدود، وعرض خدمات إسرائيل فى بناء السدود وتمويلها لتحويل مياه النيل. وكان من أبرز الثمار المسمومة لهذا التحريض اتفاقية عنتيبى التى وقعتها هذه الدول الخمس (إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، والكونغو) وقد تعهدت بروندى لمصر بعدم توقيعها، لكنها كسرت هذا التعهد أخيرا». ويضيف عطوان: «لم نفاجأ بهذه الطعنة، مثلما لم نفاجأ بتوقيع شركات إسرائيلية اتفاقا لتولى توزيع إنتاج الطاقة العائد من السدّ الجديد».
لا ألجأ إلى التفسير التآمرى للأحداث ما دانت تتم فى العلن ودون إخفاء، أى أن المخطط الصهيونى الأمريكى واضح ومدروس، لكننا لا نواجه هذه المخططات، إضافة إلى الخلل فى ترتيب الأولويات طوال العقود السابقة.
لقد ادعت إثيوبيا بناء سد النهضة لتوليد الكهرباء، وهم يتآمرون مع الكيان الصهيونى لتخزين المياه والإضرار بحصة مصر والسودان. إن الكيان الصهيونى لا يهدف إلا إلى تحقيق مصالحه بحصار مصر والضغط لتوصيل مياه النيل إلى فلسطين المحتلة.
ملامح عامة لحوض نهر النيل
نهر النيل من أطول أنهار العالم؛ إذ يبلغ طوله 6 آلاف و650 كيلومترا، وتبلغ مساحة الحوض 3.4 ملايين كيلومتر مربع يغطى 11 دولة إفريقية (تنزانيا - رواندا - بروندى - الكونغو الديمقراطية - أوغندا - كينيا - أثيوبيا - أريتريا - جنوب السودان - السودان - مصر)، وتسقط على حوض النهر ما يقرب من 1700 مليار متر مكعب لا يصل منها إلى دول المصب -مصر والسودان- إلا 84 مليار متر مكعب بنسبة 5% ونسبة مماثلة تقريبا تستفيد منها باقى دول الحوض وتفقد بقية المياه فى المستنقعات والبخر.
ومن حكمة الله سبحانه أن دول منابع الأنهار لها طبوغرافية وعرة (حادة من جبال ومرتفعات) فى حين أن دول المصب تكون أكثر انبساطا. ودول المنبع حباها الله بالأمطار الغزيرة فى حين أن دول المصب لديها مجرى أكثر استقرارا.
وينبع نهر النيل من مصدرين رئيسيين: (الهضبة الإثيوبية وهضبة البحيرات الاستوائية). والهضبة الإثيوبية تشارك بنحو 70 مليار متر مكعب بنسبة 85% من إيراد بحيرة ناصر عبر ثلاثة أنهار: (النيل الأزرق 50 مليارا 60% - السوباط 11 مليارا 12.5%- وعطبرة 11 مليار متر مكعب 12.5%).
الجوانب الفنية لسد النهضة
فى دراسة له بعنوان «سد النهضة الإثيوبى الكبير وتأثيره فى مصر»، أشار الدكتور عباس محمد شراقى إلى أنه بعد حرب السويس 1956 وافقت الحكومة الأمريكية عام 1957 على الطلب الإثيوبى لعمل دراسة شاملة لحوض النيل الأزرق بعد إعلان مصر عن نيتها لبناء السد العالى. وكلفت الحكومة الأمريكية مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى فى ذلك الوقت لدراسة إنشاء سدود ومشاريع تنمية على النيل الأزرق بإثيوبيا، ردا على محاولة مصر والسودان تحقيق أمنهما المائى. وانتهت هذه البعثة من إعداد خطة متكاملة لتطوير حوض النيل الأزرق نُشرت عام 1964، وتتضمن 33 منشأ مائيا على النيل الأزرق وروافده ومشروعات زراعات مروية فى مساحة نصف مليون هكتار تبلغ احتياجاتها المائية نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا. وتضمنت المنشآت المائية المقترحة 4 سدود كبرى على النيل الأزرق؛ هى: سد كارادوبى، وسد بيكوأبو، وسد مندايا، وسد بوردر (الحدود) بقدرة تخزين تصل إلى 80.8 مليار متر مكعب.
كانت إثيوبيا تعكف سرا على تحديث وتطوير هذه الدراسات انتظارا للوقت المناسب للتنفيذ؛ ففى عام 1998 انتهت إثيوبيا من إعادة وتحديث دراسة تلك المشروعات عبر مكتب استشارى فرنسى «بيكوم»، ثم تلت ذلك عدة دراسات لمكاتب استشارية هولندية انتهت إلى مضاعفة سعة السدود الأربعة الكبرى المقترحة على النيل الأزرق لتصل إلى نحو 150 مليار متر مكعب، أى ما يقرب من ثلاثة أمثال التصرف السنوى للنيل الأزرق.
خطط المكتب الأمريكى لسد «الحدود» -النهضة فيما بعد- أن يكون على مسافة 40 كيلومترا من الحدود السودانية بسعة تخزينية 11.1 مليار متر مكعب وبارتفاع 84.5 مترا وتم تغيير اسم السد من الحدود إلى سد «إكس» بسعة تخزينية 16.5 مليار متر مكعب وإسناده إلى شركة إيطالية بالأمر المباشر، ثم تغير مرة ثالثة إلى سد الألفية ثم أخيرا إلى سد «النهضة»، لكن بأبعاد مضاعفة؛ إذ تضاعف الارتفاع إلى 145 مترا وبسعة تخزينية 73 مليار متر مكعب -سبعة أضعاف السعة الأولى المستهدفة- وينتج 5250 ميجاوات من الكهرباء فى حين أن الكهرباء المستهدفة من سد الحدود لم تكن تتجاوز 1400 ميجاوات.
وفى مقال للدكتور محمد نصر علام وزير الرى الأسبق بعنوان «السدود الإثيوبية مخطط قديم فى طرح جديد»، يشير إلى أن تصميمات هذا السد تمت فى سرية تامة دون علم كل من مصر والسودان، بل دون علم مبادرة حوض النيل.
لماذا هذه السرية المريبة فى التصميم والإعداد لهذا السد؟ ولماذا هذا الاستغلال السيئ لظروف مصر الداخلية للإعلان ووضع حجر أساس السد عقب قيام الثورة المصرية وأثناء انشغالنا بتنظيم أمورنا الداخلية؟! وأين احترام الاتفاقيات القديمة القائمة وقواعد القانون الدولى بشأن الإخطار المسبق عن المشروعات ذات التأثير المحتمل فى الدول الشاطئية فى الأنهار الدولية، خاصة مشاريع السدود؟! وهل هذه سياسة إثيوبية جديدة لفرض الأمر الواقع على دولة بهامة وقامة مصر على الرغم من ظروفها الداخلية الصعبة المؤقتة؟!
ويؤكد الدكتور عباس محمد شراقى أن الدراسات الإثيوبية الحديثة لسد النهضة غير معلنة، وأنها لن تعلنها إلا بعد توقيع مصر على الاتفاقية الإطارية (عنتيبى). وتصل تكلفة مشروع سد النهضة إلى 4.8 مليارات دولار؛ فكيف تقدر دولة تعد من أفقر 10 دول على مستوى العالم على هذه التكلفة؟!
ويؤكد هذه الهواجس شكوى اللجنة الفنية المُشكَّلة من مصر والسودان مع إثيوبيا من غياب المعلومات وعدم تزويدهم بالوثائق اللازمة.
أضرار سد النهضة على دول المصب
بالقطع سيعود سد النهضة على إثيوبيا بفوائد جمة، لكن هذا مع الأسف بالمخالفة للقانون والاتفاقات الدولية لما يسببه من أضرار لدول المصب:
1) التأثير فى حصة مصر والسودان من مياه النيل بما قد يسبب نقصا قد يصل إلى 12 مليار متر مكعب سنويا لكل منهما أثناء سنوات الملء. وقد يستمر هذا النقص إذا استهدف المشروع رى مساحات كبيرة من الأراضى ولم يقتصر على توليد الكهرباء.
2) انخفاض منسوب المياه ببحيرة ناصر بالتبعية وانخفاض الضاغط المائى بارتفاع قد يصل إلى 20 مترا وبما يخفض الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالى إلى نحو 500 ميجاوات بدلا من 800 ميجاوات حاليا (لاحظوا أن سد النهضة سيولد من ستة إلى سبعة أضعاف هذه الطاقة).
3) قصر عمر السد الذى لن يتجاوز عشرات الأعوام نتيجة الإطماء الشديد وما يتبعه، وتراجع كفاءة السد تدريجيا وبما يتطلب هدمه والتأثير السلبى لذلك فى دول المصب.
4) زيادة احتمالات تعرض السد للانهيار نتيجة للطبيعة الجيولوجية لمنطقة الإنشاء واحتمالات حدوث الزلازل ونتيجة سرعة اندفاع المياه فى هذه المنطقة وما قد يتبع ذلك من غرق مساحات كبيرة من السودان وإضرار مصر.
5) التوتر السياسى الناتج من بناء السد دون التنسيق مع دول المصب.
الحقوق التاريخية لدول المصب
اتفاقيات تحدد العلاقة بإثيوبيا
هناك وثائق واتفاقيات تنظم حصص دول حوض النهر من المياه منذ نهايات القرن التاسع عشر؛ منها 5 اتفاقيات تنظم العلاقة بين مصر وإثيوبيا التى يَرد من هضبتها 85% من مجموع نصيب مصر من مياه النيل هى:
- بروتوكول روما الموقع فى 15 أبريل 1891 بين كل من بريطانيا وإيطاليا التى كانت تحتل إريتريا فى ذلك الوقت، وتعهد إيطاليا بعدم إقامة منشآت لأغراض الرى على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر فى تصرفات النيل.
- اتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، التى تعهد فيها ملك إثيوبيا بعدم إقامة أو السماح بإقامة أى منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدما.
- اتفاقية لندن الموقعة فى 13 ديسمبر 1906 بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، التى تنص على أن تعمل هذه الدول معا على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر.
- اتفاقية روما: وهى مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى 1925، وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أى إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى.
- إطار التعاون الذى وُقّع فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993 بين كل من الرئيس المصرى ورئيس الوزراء الإثيوبى. وكان لهذا الإطار دور كبير فى تحسين العلاقات المصرية الإثيوبية. وتضمن هذا الإطار التعاون بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل فى النقاط التالية:
* عدم قيام أى من الدولتين بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضررا بمصالح الدولة الأخرى.
* ضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها.
* احترام القوانين الدولية.
* التشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد حجم تدفق المياه وتقلل الفواقد.
اتفاقيات تضمن حقوق دولتى المصب: مصر والسودان
ومنها اتفاقية 1929. وقد أبرمتها الحكومة البريطانية -بصفتها الاستعمارية فى ذلك الوقت- نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، مع الحكومة المصرية. وتتضمن الاتفاقية :
- إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل وحق مصر فى الاعتراض (الفيتو) فى حالة إنشاء مشروعات جديدة على النهر وروافده.
- تنظم الاتفاقية العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الاستوائية وبين مصر والسودان، وموافقة مصر على زيادة الكميات التى يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية.
- ألا تقام أى أعمال رى أو توليد قوى أو أى إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية.
- أن تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لإجراء الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل فى السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية.
اتفاقية 1959
وُقعت بالقاهرة فى نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 لضبط مياه النيل الواصلة إلى كل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك، وهى الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر، وإقامة خزانات فى أسوان. وتضم الاتفاقية عددا من البنود من أهمها:
- موافقة الدولتين على إنشاء مصر السد العالى وإنشاء السودان خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصته.
- توزيع الفائدة المائية من السد العالى البالغة 22 مليار متر مكعب سنويا، على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب، وتحصل مصر على 7.5 مليارات متر مكعب ليصل إجمالى حصة كل دولة سنويا إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
- اتفاق السودان مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة فى بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه، ونهر السوباط وفروعه، وحوض النيل الأبيض، على أن تُوزع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.
- إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان.
اتفاقيات أخرى خاصة بباقى دول الحوض
- اتفاقية لندن الموقعة فى مايو 1906 بين بريطانيا والكونغو. وهى تعديل لاتفاقية كان قد سبق أن وقعت بين الطرفين فى 12 مايو 1894، وتتعهد فيها حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بقيام أى إشغالات على نهر السمليكى أو نهر أسانجو أو بجوارهما يكون من شأنها خفض حجم المياه التى تتدفق فى بحيرة ألبرت ما لم يتم الاتفاق مع حكومة السودان.
- اتفاقية لندن الموقعة فى 23 نوفمبر 1934 بين كل من بريطانيا نيابة عن تنجانيقا (تنزانيا حاليا) وبلجيكا نيابة عن رواندا وأوروندى (رواندا وبوروندى حاليا)، وتتعلق باستخدام كلتا الدولتين نهر كاجيرا.
- اتفاقية 1953 الموقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء خزان أوين عند مخرج بحيرة فيكتوريا.
اتفاقية المؤامرة «عنتيبى»
وقبل أن نتطرق إلى اتفاقية عنتيبى، نذكّر بإطار التعاون السابق الإشارة إليه الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993 بين مصر وإثيوبيا.
اتفاقية عنتيبى من أحدث الاتفاقيات التى وقعتها دول حوض النيل؛ إذ وقعت بوروندى يوم الثلاثاء 1/3/2011 على الاتفاقية التى أبرمت فى أوغندا فى العام السابق ولاقت رفضا من دولتى المصب مصر والسودان. وبتوقيع حكومة بوروندى تصبح الدولة السادسة من دول المنبع -بعد كينيا وأوغندا وإثيوبيا وتنزانيا ورواندا- التى توافق على هذه الاتفاقية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية لا تصبح سارية إلا بعد تصويت برلمانات هذه الدول عليها، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
واتفاقية عنتيبى تنص على تشكيل مفوضية دائمة لإدارة مياه نهر النيل بهدف ضمان الاستخدام العادل لموارد المياه من جانب الدول الأطراف فيها.
وتسمح الاتفاقية الجديدة عنتيبى لبلدان المنبع بإقامة مشاريع للرى والطاقة الكهربائية دون الحصول على موافقة مسبقة من مصر.
والحمد لله أن أيا من مصر أو السودان لم توقع على هذه الاتفاقية، وإلا كانت ناسخة للاتفاقيات السابقة وللحقوق التى ضمنتها هذه الاتفاقيات لدول المصب مصر والسودان.
القانون الدولى واتفاقيات الأمم المتحدة حول الانتفاع العادل بالأنهار الدولية
يشير أستاذنا الكبير السفير إبراهيم يسرى إلى أن منظمة الأمم الإفريقية قامت على أساس ألا يتم الاعتراض على الاتفاقات التى تمت فى عهد الاستعمار بما لا يضر بالحقوق المكتسبة للدول.
ويضمن القانون الدولى واتفاقيات الأنهار الدولية ما يلى:
- حقوق والتزامات متبادلة بين دول الحوض.
- حسن الجوار.
- المسئولية الدولية بالاستخدام الآمن للنهر الدولى.
- احترام الاتفاقات ذات الصلة.
- اتخاذ دول المجرى المائى كل التدابير اللازمة للحيلولة دون ضرر دول المجرى المائى الأخرى.
- إذا وقع ضرر تعمل الدولة التى سببت الضرر على إزالته أو تخفيضه ومناقشة مسألة التعويض.
إن مصر الثورة -ثورة 25 يناير- يجب أن تتوحد للملمة ما انفرط وتحاول شعبيا ورسميا مداواة ما سببه نظام مبارك البائس البائد، لا أعاده الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.