تمثل تصريحات وزير الموارد المائية فى دولة جنوب السودان، بأن بلاده فى طريقها إلى التوقيع على اتفاقية «عنتيبى»، تهديداً جديداً لمصر بعد توقيع «6» دول على اتفاقية تقسيم مياه النيل، مما يؤدى إلى انخفاض حصة مصر السنوية، التى قررتها اتفاقية 1959، وهى «55.5» مليار متر مكعب. وبانضمام جنوب السودان للدول الست الموقعة، سوف يتأثر موقف مصر فى عمليات التفاوض، خاصة أن هذه الدول تعتزم طرح الاتفاقية على برلماناتها لدخولها حيز التنفيذ. ومما يزيد الموقف ضبابية بشأن جنوب السودان، هو تصريح «رياك مشار» نائب رئيس جنوب السودان بأن بلاده ستلعب دور الوساطة للتوفيق بين دول المنبع والمصب. فهل توقع جنوب السودان على الاتفاقية لزيادة الضغوط على مصر خاصة فى ضوء العلاقة بين إسرائيل والجنوب التى تمتد لعقود، وهل الاتفاقية تمنح الدول الموقعة عليها حرية التصرف فى الكميات المخصصة لها من المياه، ببيعها الى دول أخرى خارج دول حوض النيل؟.. أسئلة يجيب عنها هذا التحقيق. أكد د.هانى رسلان رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن موقف جنوب السودان من الاتفاقية وتصريحاته بأنه فى طريقه الى التوقيع على الاتفاقية يزيد من تعقيد الموقف، وصعوبة موقف مصر التفاوضى، خاصة أن جنوب السودان يعتبر الدولة السابعة التى توقع على الاتفاقية، في الوقت الذى تتحدث فيه الأخبار عن أن شمال السودان لا يعترض على الاتفاقية بالصورة التى تعترض عليها مصر لوجود مصالح له فى التوقيع وبناء سد النهضة الإثيوبى. تصاعدت الأحاديث خلال الفترة الماضية حول ملف الأمن المائي، ومع مشاكل الجفاف والتصحر وقلة الموارد المائية، أصبح أمن مصر القومي مهددا خاصة بعد تصاعد أزمة حوض النيل والصراع الدائر الآن بين دول المنبع ودول المصب، وهذا ما جعل العديد من الخبراء والمهتمين يرون أن الصراع القادم سوف يكون علي قطرة الماء وأن فشل الرئاسة والحكومة في إدارة الأزمات يدعو للقلق ويبعث علي عدم الطمأنة في ظل التهاون الشديد من القيادة السياسية في تقديم الرؤية والحلول في الوقت الذي يعتزم فيه البرلمان الأثيوبي مناقشة اتفاقية «عنتيبي» التي وضعتها 6 من دول المنبع. الخبير المائي الدكتور ضياء الدين القوصي، يؤكد أن قضية مياه النيل هي قضية أمن قومي لمصر، منتقداً الأسلوب والطريقة التي يتم اتباعها والسير فيها بشأن ما يحدث في دول المنبع، خاصة قضية سد النهضة الأثيوبي الذي تم إنشاؤه بارتفاع 1500 متر أو بخزان تبلغ مساحته 128 كيلو مترا مربعا، ويستوعب 78 مليار متر مكعب من المياه، منتقداً طريقة الحوار حول هذا السد العملاق وانشغال الجانب المصري بطريقة ملء الخزان بدلا من مناقشة الآثار السلبية علي حصة مصر من المياه التي أصبحت لا تكفي لسد حاجتنا. وأكد الخبير المائي أن مصر بحاجة إلي كمية إضافية من المياه تزيد علي الكمية المخصصة لها بمرة ونصف المرة، وأن مصر تحصل علي 55٫5 مليار متر مكعب من مياه النيل وبحسبة بسيطة فان مصر بحاجة إلي 138٫5 مليار متر مكعب من المياه، وأن الكمية التي تم تخصيصها لمصر منذ 200 عام بموجب اتفاقية تم توقيعها عام 1959 وكان تعداد مصر وقتها 2٫5 مليون نسمة، في حين أن تعداد مصر أصبح يزيد علي 90 مليون نسمة ومازالت نفس الكمية كما هي لم تتغير. وأوضح الخبير المائي أنه بموجب هذه الاتفاقية التي تم توقيعها عام 1959 بين دول المنبع ودول المصب حصلت مصر والسودان علي 84 مليار متر مكعب تم تخصيص 55٫5 مليار متر مكعب لمصر و18٫5 متر مكعب للسودان و10 مليارات متر مكعب يتم صبها في بحيرة ناصر. نقاط الخلاف أشار الدكتور القوصي إلي أن هناك 3 نقاط خلاف بين دول المنبع ودول المصب بشأن اتفاقية «عنتيبي» والتي تم التوقيع عليها من قبل 6 دول من دول المنبع وهي أثيوبيا وروندا وتنزانيا وأوغاند وكينيا وبروندي والتي تم الاتفاق عليها في مدينة عنتيبي الأوغندية. وهذه الاتفاقية تلغي الحصص التاريخية لدول المصب المتمثلة في مصر والسودان، ويشير الباب الرابع من الاتفاقية إلي الانتفاع المنصف والمعقول وأن الفقرة الأولي تشير إلي أن دول مبادرة حوض النيل تنتفع انتفاعا منصفا ومعقولا من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل، علي وجه الخصوص الموارد المائية التي يمكن تطويرها بواسطة دول الحوض. كما تشير الفقرة الثانية إلي ضمان الاستخدام المنصف والمعقول لموارد المنظومة المالية لنهر النيل ودول المبادرة تأخذ في اعتبارها الظروف المتعلقة بالموارد بما فيها محدوديتها. وتعد إلغاء الحصص التاريخية لدول المصب طبقا لاتفاقية «عنتيبي» أولي نقاط الخلاف. وتكمن نقطة الخلاف الثانية فيما يسمونه «الإخطار المسبق» وهو ما تطالب به دول المصب من ضرورة التشاور فيما بينها وبين دول المنبع قبل إقامة أي مشروعات تؤثر علي حصصها في مياه النيل. في حين أن دول المنبع تريد أن تتصرف بمنطق أنهم أحرار في اتخاذ ما يرونه من قرارات في المياه التي تجري في أراضيهم حسب رغبتها وحاجاتها. وتأتي نقطة الخلاف الثالثة في طريقة اتخاذ القرارات داخل دول حوض النيل فدول المصب «مصر والسودان» تطالب بأن يكون التصويت بالإجماع في حين تطالب دول المنبع بأن يكون التصويت واتخاذ القرار بالأكثرية علي العكس، ما تطالب به دول المصب والتي تريد أن يكون التصويت بالإجماع أو منحها حق «الفيتو» لمنع تمرير قرارات تضر بمصالحها. التوافق ويري الخبراء أن التوافق هو السبيل الأوحد للوصول إي صيغ مناسبة لتحقيق الأهداف المنشودة، وفي حالة الفشل في الوصول إلي اتفاق عن طريق الحوار يتم اللجوء إلي الوساطة ويثمن الخبراء دور الكونغو إحدي دول المنطقة والتي تقوم بدور مشرف في الوساطة بين دول المصب والمنبع، كما يمكن اللجوء للدول التي تقوم ببناء مشروعات في دول المنبع خاصة بناء السدود واستصلاح الأراضي مثل إيطاليا والصين والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية. وتأتي مرحلة التحكيم كمرحلة ثالثة وهي أن يختار كل طرف حكما ثم يتفق الطرفان علي حكم مشترك ويتم الاتفاق علي قبول نتائج التحكيم. وهناك محكمة العدل الدولية التي يمكن اللجوء إليها علي اعتبار أن ما تقوم به دول المنبع يهدد الأمن القومي لدول المصب. وفي النهاية يمكن اللجوء إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن علي أساس أن هناك تهديداً للأمن القومي والسلم وحدوث صراعات دولية تهدد السلم العالمي بسبب «حجب مياه باعتبارها شريان الحياة لدول قد يؤدي هذا المنع إلي هلاكها وتصحرها. وأكد الخبير المائي الدكتور ضياء القوصي أن نصيب الفرد في مصر كان 20 ألف متر مكعب من المياه حين تم توقيع الاتفاقية عام 59 في حين وصل إلي 600 متر مكعب الآن بعد زيادة عدد السكان إلي 90 مليون نسمة. الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أوضح أن الأزمة مع أثيوبيا ليست متعلقة بخلافات فنية علي مياه النيل وإنما في جوهرها أزمة سياسية واستراتيجية بهدف الضغط علي مصر عبر قضايا لها تأثير خطير علي مواردها وبهدف حصول أثيوبيا علي منافع وميزات باعتبارها وكيلاً لأمريكا في منطقة القرن الأفريقي. وحذر رسلان من خطورة إقامة أي مشروعات في الحوض الشرقي لمياه النيل وأن أي مشروعات في منطقة الحوض الشرقي تؤثر بنسبة 90٪ علي حصة مصر المقررة في المياه وأن وجود أثيوبيا في هذا الحوض وإقامتها لسد النهضة له مخاطر مباشرة علي مصر، في حين أن وجود 5 دول من الدول الست التي وقعت علي الاتفاقية في الحوض الجنوبي فإن إقامة أي مشروعات في دول هذا الحوض يكون تأثيره 10٪ علي مصر. وأشار إلي أن أثيوبيا استغلت انشغال مصر بالثورة وقامت في إبريل 2011 أي بعد الثورة بما يقرب من ثلاثة أشهر بالبدء في بناء سد النهضة الأثيوبي علي النيل الأزرق ومن المقرر أن يتم الانتهاء من إنشائه عام 2015. وانتقد رسلان الدور المصري والموقف المتخاذل من القيادة المصرية خاصة رئيس الوزراء الذي كان وزيرا للري ويعلم الكثير عن تفاصيل الملف ومدي خطورة إقامة السد الأثيوبي في الحوض الشرقي علي النيل الأزرق. وعن اللجنة الثلاثية المشكلة لتقييم سد النهضة الأثيوبي والمشكلة من عشرة أعضاء من خبراء مصريين وسودانيين وخبراء دوليين أوضح رسلان أن هذه اللجنة مشكلة منذ عامين ولم يصدر عنها أي تقرير بالإضافة إلي أن أثيوبيا أعلنت أنها غير ملتزمة بأي تقرير يصدر عن هذه اللجنة والتي أصبح عملها لا فائدة منه ولا قيمة له. د. إجلال رأفت: رئيس الوزراء لا يصلح لحل الأزمة مع دول نهر النيل الدكتورة إجلال رأفت أستاذ الدراسات الأفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة انتقدت طريق تعامل مصر مع دول حوض النيل خاصة أثيوبيا، ووصفتها بأنها غير واقعية. وطالبت الحكومة والجانب المصري أن يعي أن هذه الدول مستقلة ولها سيادتها وعلي مصر أن تغير من طريقة تعاملها مع هذه الدول، لأن مصر بحاجة إلي هذه الدول، وعليها أن تتعاون معها، وبالتالي لا يمكن فرض أمور بالقوة عليها لأن الزمان والظروف تغيرت كثيرا، ولم تعد في صالح مصر . وعن اتفاقية عنتيبي أشارت د. إجلال إلي أن هذه الاتفاقية بها بنود جيدة وأن بعض القيود التي لا تلقي قبولاً لدي مصر عليها أن تتفاوض حولها عن طريق مفاوضين جيدين لديهم خبرة في التفاوض والحوار. وعن المشكلة بين أثيوبيا ومصر أوضحت أن عدم الثقة بين البلدين يحول دون التفاهم حول نقاط الخلاف خاصة حول سد النهضة. وقالت د. إجلال رأفت إن أحد أعضاء اللجنة الثلاثية المشكلة لدراسة آثار سد النهضة علي مصر أخبرها أن أثيوبيا ترفض إمدادها بأي معلومات أو خرائط بشأن هذا السد حتي يمكن دراسة آثاره علي مصر علي كمية المياه التي تحصل عليها. وفجرت الدكتور إجلال مفاجأة من العيار الثقيل بإعلانها أن مصر تقف بمفردها في مواجهة كل دول حوض النيل وأن جنوب السودان وحسب ما يتوافر من معلومات مقدمة علي التوقيع علي اتفاقية عنتيبي، كما أن شمال السودان والتي غير مقتنعة بالوقوف مع مصر خاصة أن شمال السودان له مصلحة في إقامة سد النهضة، وبالتالي ستجد مصر نفسها بمفردها في مواجهة 10 دول أفريقية. وعن دور رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل وقدرته علي التفاوض بشأن ملف دول حوض النيل، قالت إن رئيس وزراء مصر بدرجة مدير مكتب وهذا هو عمله الأصلي في وزارة الري أثناء فترة تولي الدكتور محمود أبوزيد مسئولية الوزارة وأن طريقة عمله الآن لا تختلف كثيراً وهذا سبب فشل هذه الوزارة التي تفتقد وجود شخصيات مؤثرة لها احترامها الدولي لتولي مهام الوزارة. وحذرت د. إجلال من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بعد موافقة برلمانات هذه الدول عليها، وعلي مصر أن تتفاوض بعيدا عن اللجوء للحلول القانونية التي تستغرق الوقت والجهد والمال وأن هذه الدول لها حججها ومبرراتها في مواجهة الدفوع المصرية، وبالتالي فإن مسألة التحكيم واللجوء إلي الحلول القانونية ليست هي الطريق الآمن أو المضمون في مثل هذه الأمور ، لذلك يجب الجلوس علي مائدة الحوار والتفاوض وأن نعيد الثقة المفقودة بيننا وبين عدد من هذه الدول خاصة أثيوبيا التي لها وزن وثقل في المجتمع الغربي وتحصل علي الدعم اللازم من هذه الدول لوجود مصالح مشتركة بينهم.