إذا كان من حق إثيوبيا، تنفيذ مشروعات التنمية، وتوليد الكهرباء، والتوسع الزراعي، أو غيرها من المشروعات التى يمكن أن تؤدى إلى انتعاشها اقتصادياً. فليس من حقها على الإطلاق المساس بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، والتي تحميها الاتفاقيات والقوانين الدولية، والمعاهدات المشتركة لدول الحوض، والتي تمنع قيام أي دولة من دول الحوض بتنفيذ اية مشروعات دون الاتفاق مع بقية الأطراف ، منعاً للإضرار بها، إلا أن اثيوبيا مازالت تصر على تنفيذ مشروع سد النهضة ، وترفض التفاوض حول أي مقترحات قدمتها مصر لتجنب الآثار الكارثية التي يمكن أن تلحق بحصة مصر من مياه النيل. نحن الآن أمام خطر حقيقى، فما أن أعلنت إثيوبيا عن تحويل مجرى النيل الأزرق تمهيداً للشروع فى بناء سد النهضة كواحد من 4 سدود، ستؤثر - وفقاً لتأكيدات الخبراء - على حصة مصر من مياه النيل، حتى أعلنت دول أخرى كأوغندا وإريتريا عن نيتها إنشاء سدود هى الأخرى للاستفادة منها فى توليد الطاقة الكهربائية، والتوسع الزراعي، مما يزيد من المخاطر التى يتعرض لها الأمن المائى المصري. ويبقى السؤال: ما هى الحلول الممكنة والمتاحة للتعامل مع أزمة سد النهضة، وغيرها من السدود، بما يلبى طموحات دول الحوض فى التنمية، وبما لايضر بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل؟. طرحنا السؤال على الخبراء والمختصين .. وإليكم التفاصيل استكمال قناة جونجلى.. تنمية حوض بحر الغزال .. إنشاء سد بحيرة كيوجا تطوير منطقة بحر الجبل و النعام فى أوغندا والسودان الجنوبى لإنقاذ 17 مليار متر مياه سنويا بالرغم من التحديات التي تواجه مصر بسبب مشروع سد النهضة، فإن ثمة عدة بدائل محلية من بينها إيجاد صيغة للتعاون الوثيق مع السودان الجنوبي، والسودان، وبدء حوار استراتيجي بين الدولتين لضمان تحقيق مصالح السوادن ومصر في حصتهما المائية، ومن شأن الارتباط الوثيق بالسودان، تسهيل تنفيذ ما يسمى بمشروعات أعالي النيل. بشكل عام، فإن حوض بحر الغزال يستقبل نحو 540 مليار متر مكعب سنوياً ، ولا يصلنا منها أى كميات، ومن شأن التعاون المشترك بين السودان ومصر الاتفاق على تنفيذ العديد من المشروعات، من بينها مشروع سد بحيرة كيوجا، والذى يعتمد على تعميق نيل فيكتوريا داخل بحيرة كيوجا بهدف تجفيف المستنقعات، وتقليل الفاقد من المياه الخارجه من بحيرة فيكتوريا بنحو 20 مليار متر مكعب سنوياً، ويقتضى ذلك التعاون بين مصر وأوغندا، وجنوب السودان، والسودان، كما يمكن تطوير منطقة بحر الجبل، وبحر النعام فى أوغندا والسودان الجنوبى بما يؤدى إلى إنقاذ نحو 17 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وكذلك تسهيل حركة المياه فى منطقة بحر الغزال بالسودان الجنوبى بما يوفر لمصر نحو 15 مليار متر مكعب سنوياً من مياه المستنقعات فى منطقة السد بالتعاون مع السودان، واستكمال قناة جونجلي، وتنفيذ مشروع الباروأكوبوا بحوض نهر السوباط بالتعاون مع أثيوبيا وجنوب السودان، والسودان، ومصر لتوفير نحو 6 مليارات متر مكعب من المياه، وترشيد استخدام المياه فى مصر ، وتطوير نظم الرى والصرف. ومن ثم، فإن تنفيذ هذه المشروعات سيؤدى إلى زيادة الموارد المائية، واقتسام المنافع بين دول حوض النيل الجنوبى خاصة أوغندا، والسودان الجنوبي، والسوادن، ومصر، وهى بدائل منطقية يجب البدء فوراً فى التشاور نحو تنفيذها. إجراءات تصعيدية تعاظمت مطالب الشعب المصرى باتخاذ إجراءات تصعيدية ضد أثيوبيا لموقفها المتعنت فى قضية سد النهضة، الذى يهدد حياة المصريين فى أهم مواردهم من المياه وهو مياه نهر النيل، وجاءت الرغبة فى التصعيد الشعبى المصرى بكل فئاته- والكلام للدكتور مغاورى شحاته دياب خبير المياه العالمي- بعد أن استنزفت مصركل فرص التفاوض منذ عام 1891 مروراً بالأعوام 1902، و1906، و1929، والتى اكدت جميعها أن لمصر حقوقاً مشروعة فى حصتها المائية، والتى كانت مقدرة بنحو 48 مليار متر مكعب سنوياً حتى عام 1959، حيث أكدت اتفاقية مصر والسودان بخصوص ما تم حجزه من مياه نهر النيل ( والتى كانت تذهب هدراً) بإنشاء السد العالى لتحصل مصر على 7٫5 مليار متر مكعب إضافية سنوياً لتصبح حصتها نحو 55,5 مليارمتر مكعب. وقد تأكد ذلك فى اتفاقية عام 1993والتى وقعها رئيس مصر الأسبق حسنى مبارك مع رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميليس زيناوي، والتى أكدت على التزام إثيوبيا بعدم القيام بأى إنشاءات تهدد وصول حصة مصر المائية. وفى سياق مختلف، كان لدى أثيوبيا الرغبة الكامنة فى التخلص من هذه الالتزامات التاريخية ، وغيرت موقفها الرافض دائماً للمشاركة ، واتخاذ موقف المراقب أو الملاحظ أو المتحفظ إلى المشاركة فى الحوار وقيادته فى فعاليات مبادرة دول حوض نهر النيل، ودفعت بنفسها، وحرضت دول المنابع على المطالبة بوضع إطار قانونى للمبادرة، حتى وصلت إلى مرحلة اتفاق عنتيبى الذى تم توقيعه عام 2010، وسعت إثيوبيا مع باقى دول المنابع ليكون ناسخاً لما سبقه من اتفاقيات بخصوص مياه النهر، وللأسف تم ذلك فى ظل عدم تنبه مصر إلى هذه المصيدة القانونية. ولم تكتف أثيوبيا بذلك، بل قامت – على حد قول الدكتور مغاورى شحاته دياب - بالتنفيذ الفعلى لاتفاق عنتيبى من طرف واحد، بالبدء فى إنشاء سلسلة سدود على حوض نهر النيل الأزرق ونهر عطبرة فينشا، وتانا بليز، على نهر الأزرق، وتاكيزى على نهر العطبرة، ولم تبد مصر أى اعتراضات على ذلك، مما دفع أثيوبيا لإنشاء مزيد من السدود ، وفى تطور لموقفها أعلنت إنشاء 4 سدود وهى ( الحدود- كاروبي- مندايا- باكوايو) على حوض النيل الأزرق وهو الأهم فى منظومة المياه فى نهر النيل ( 50 مليار متر مكعب سنوياً ) ، وبدأت أثيوبيا – فعلا- فى إنشاء سد الحدود، والذى قدرت سعته التخزينية بنحو 11 مليار متر مكعب سنوياً، ووضعت حجر الأساس فى 2 إبريل 2011 ، أى بعد ثورة يناير بشهرين تقريباً فى استغلال واضح لظروف مصر بعد الثورة. تأكد الإضرار العمدى الذى تمارسه أثيوبيا، بتعديل أديس أبابا مواصفات سد الحدود لتصبح سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب سنوياً. وبدأ العمل دون تنسيق مسبق للآثار المترتبة على إنشائه مع دول المصب، وعدم الانصياع لتقرير اللجنة الثلاثية الذى يوضح بدائية التصميمات الهندسية، وعدم وجود دراسات عن السد الركامي، وبدائية النماذج الحسابية للتنبؤ ، وتدنى معامل الأمان للسد، وحاجته لمعالجات جيو تقنية قبل البدء فى الإنشاء، ولإهمال الدراسات البيئية فى المقترح الأثيوبى بخصوص السد، والعلم التام لدى اثيوبيا بحجم الأخطار التى سوف تتعرض لها مصر جراء إنشاء السد بهذه المواصفات، ونقص مواردها المائية، وتهديد حياة شعبها، والإصرار على الاستمرار فى بناء السد رغم العيوب الفنية الواجب تداركها، ورفض اثيوبيا لكل مقترحات بناء الثقة مع مصر خلال جولات التفاوض، ورفض الجانب الأثيوبى مشاركة مصر فى تمويل وإدارة السد، ورفضت أديس أبابا كافة البدائل المقترحة بإنشاء سدود صغيرة نسبياً لتوليد الكهرباء وبطاقة تعادل الطاقة المقترحة من سد النهضة، وعدم الاتفاق على نظم التشغيل والملء بما لا يؤثر على حصة مصر المائية ، وهى أدلة دامغة على تعنت أثيوبيا وإصرارها على تعريض حياة المصريين للخطر المباشر، بدءاً من عمليات التخزين فى سبتمبر المقبل كما يعلن الأثيوبيون. ** والسؤال الحائر أمام هذا الوضع الحرج : ما هى البدائل التى يمكن أن تسهم فى تخفيف حدة الآثار السلبية لإقامة سد النهضة؟ - د. مغاورى دياب: يرى البعض ضرورة التصعيد الدولى فى مواجهة أثيوبيا من خلال التحكيم الدولى ، ويتطلب ذلك موافقة أثيوبيا ، وبالطبع لن توافق أثيوبيا على ذلك، لرفضها التدخل فى هذا الشأن الذى تعتبره شأنا أثيوبيا خالصا فى إنشاء سد على أراضيها متغافلة حقوق دول المصب فى عدم إلحاق أضرار بها، أما تدويل القضية واللجوء إلى الأممالمتحدة ( الجمعية العامة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية ) فهذه اقتراحات ممكنة، ويجب أن تبدأ فوراً حيث تكمن قوة أوراقنا فى تقرير اللجنة الثلاثية الفنية الدولية أكثر من أية أوراق أخرى. كما يجب على مصر التحرك لمواجهة اتفاق عنتيبى الذى وافقت عليه 6 دول حتى الآن. وتجدر الإشارة إلى أن المعاهدات الموقعة بين بريطانيا وإيطاليا ومصر واثيوبيا والسودان فى مراحل مختلفة وبشروط واضحة لضمان حق مصر مازالت سارية بحكم القانون الدولي، وإذا كانت مصر قد تأخرت فى اللجوء إلى المنظمات الدولية، فإن الظروف الحالية لا يجب أن تكون سبباً فى المزيد من التأخير، وعلينا أن نضع فى الاعتبار أن الجانب الأثيوبى يماطل لكسب الوقت، وفرض الأمر الواقع، وعندها سيكون الأمر كارثياً بكل المقاييس.