أثار اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، جدلًا واسعًا لاسيما في الوسط المصري الذي يرى أن مثل هذه الاجتماعات تهدد الأمن القومي المصري، خاصة فيما يتعلق بالأمن المائي في ظل توتر العلاقات مع إثيوبيا على خلفية إنشائها سد النهضة وعدم مراعاة أضراره على مصر. لا يخفى على أحد أن الزيارات المتتالية لمسؤولين كبار بالخارجية الإسرائيلية إلى أديس أبابا، المعلن عنها في إطار توطيد العلاقات العسكرية والسياسية، فمنذ عام 2003 بدأت العلاقة بين الجانبين تأخذ منحنى آخر، بعدما زار رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي إسرائيل في 2003، وزار وزير الخارجية الإسرائيلي حينذاك سيلفان شالوم إثيوبيا 2004. ظل هدف الساسة الإسرائيليين من هذا التقارب الذي كان يحمل رسائل عدة منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1989، بحسب تقارير وخبراء في هذا الملف، تقوية التوازن الديمغرافي لليهود في فلسطين، وتعزيز الاستراتيجية الخفية لإسرائيل في القارة السمراء، والتلاعب بورقة النزاع الإثيوبي الإريتري وتطويعها لمصلحة تل أبيب، وتحقيق علاقات مميزة على الأصعدة كافة مع الأفارقة، لكن كان الأهم في تلك الأهداف هي مياه النيل وتطويق الأمة العربية خاصة مصر. اللقاء الذي جمع الجانبين الإسرائيلي والإثيوبي في الأيام القليلة الماضية، يُجيب عن أسئلة عدة كانت تدور في أذهان الصحفيين والمحللين بعد تبادل زيارات زيناوي وشالوم، حول ماذا تريد إسرائيل من إثيوبيا؟ وماذا تريد أديس أبابا من تل أبيب؟ فبينما كان أغلب ما يدور في أذهان الكثير هو توقعات وأسئلة مستقبلية عن هذه العلاقات، أصبحت الآن واقعًا، فعلى هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي اتفق نتنياهو وديسالين صراحة على تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، لتتخطى حد الأسلحة المتطورة، والطائرات بدون طيار التي تقوم إثيوبيا بشرائها من إسرائيل، وكذلك السماح للطرف الإسرائيلي بمزيد من الاستثمارات داخل إثيوبيا. أديس ابابا أعلنتها صراحة خلال السنوات الماضية أنها لا تعير اهتمامًا للتخوفات والتحفظات المصرية والعربية من تلك العلاقة، لاسيما أنها تسفر عن عوائد اقتصادية كبيرة، إذ توسعت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بصورة غير مسبوقة، ومثال ذلك الزيارة التي قام بها «بيتسوم أرجا» مدير هيئة الاستثمارات الإثيوبية لتل أبيب العام قبل الماضي، وتم من خلالها تدشين منتدى قطاع الأعمال الإسرائيلى الإثيوبى، وخلال تلك الفترة ارتفع حجم التبادل التجاري. الأخطر من ذلك دعوة إثيوبيا للإسرائيليين بتمويل سد النهضة لاكتماله، مبرزة العوائد المادية التي ستنعم بها الشركات والمستثمرين الممولين للسد، ففي 2013 نشرت السفارة الإثيوبية بإسرائيل ملفًّا عن سد النهضة باللغة العبرية مؤكدة أنه عند انتهاء بنائه سيكون أكبر مولد للطاقة الهيدروليكية في إفريقيا، وشرحت السفارة مميزات السد بحسب الرؤية الإثيوبية. اللقاء الأخير بين الجانبين وبخلاف ما دار فيه عن العلاقات الاقتصادية والاستثمارات التي ترتفع سنويًّا، كانت العلاقات العسكرية والسياسة حاضرة بقوة، مما يطرح سؤالًا آخر: لماذا تسلح تل أبيب أديس أبابا وتتعاون معها عسكريًّا بهذه الصورة المتطورة؟ تحاول إسرائيل تطوير هذه العلاقة العسكرية منذ عام 1966، عندما أصبح لتل أبيب تواجد عسكري في إثيوبيا بشكل دائم، يتكون من 100 ضابط وقائد عسكري، واعترف بذلك رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق شلومو جازيت، بقوله: إن إسرائيل تعاونت في مجال التسلح مع عدد كبير من الدول الإفريقية، على رأسها إثيوبيا، كما أن الكيان الصهيوني أبرم عدة اتفاقيات عسكرية وأمنية مع إثيوبيا، على رأسها اتفاقية عام 1998، التي منحت إسرائيل تسهيلات عسكرية واستخباراتية في الأراضي الإثيوبية، وتم التأكيد على هذه الاتفاقية في اتفاق استراتيجي آخر عام 1999. لم يعد خافيًا أن الأسباب التي أدت إلى هذا التغلغل الإسرائيلي هو الغياب المصري عن المشهد الإفريقي عامة والإثيوبي بصفة خاصة، بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك في أديس أبابا سنة 1995، تقول الدكتور هبة البشبيشي، خبيرة الشؤون الإفريقية والإسرائيلية في معهد الدراسات الإفريقية: غياب الدور المصري في إثيوبيا كان فرصة سانحة للظهور الإسرائيلي، تحت مسمى «التعاون»، لكنه في حقيقة الأمر استثمار وتوغل إسرائيلي داخل القارة الإفريقية عن طريق بوابة إثيوبيا، مؤكدة أن الدافع الحقيقي وراء التعاون بين أديس أبابا وتل أبيب، هو إدراك هذا الكيان بالأهمية الاستراتيجية لإثيوبيا، خاصة على المستوى الشعبي.