في ظل ما تشهده مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان من عمليات «مد وتأجيل» في الفترة الأخيرة، يطرح الخبراء الكثير من البدائل حال فشل هذه المفاوضات، فبينما يرى البعض أن تدويل القضية والدخول في نزاع قانوني مع إثيوبيا هو الحل الوحيد لحماية أمن مصر المائي، طرح آخرون فكرة الحل العسكري لإنهاء هذه الأزمة. مؤخرًا وقعت مصر والسودان وإثيوبيا بالعاصمة السودانية على «وثيقة الخرطوم»، والتي انتهى فيها وزراء الخارجية والري بالدول الثلاث إلى تحديد آليات العمل خلال المرحلة المقبلة لحل الخلافات. إلا أن محللين وخبراء أكدوا أن الاستمرار في المفاوضات لا يمثل ضمانًا لمصر على أمنها المائي، على اعتبار أن ما تم الاتفاق عليه في وثيقة الخرطوم هدنة، بعد الانتهاء منها ستعود مرة أخرى الدول الثلاثة إلى الخلافات المتعقلة بالسعة التخزينية والمدة الزمنية لملء خزان السد. ووسط الحديث عن هذه الخلافات وطرح الخيار العسكري لمصر، رصد "البديل" الدول المتعاونة مع إثيوبيا اقتصاديًّا وعسكريًّا، حيث تعتبر أديس أبابا مسرحًا للعديد من القوى الدولية الفاعلة عالميًّا وإقليميًّا، لا سيما وأنها اعتمدت في سياستها على جذب هذه القوى في مجالها ومحيطها؛ لتقوية نفوذها في القارة الإفريقية، وهي دول تتفاوت علاقاتها مع مصر بين العداء والتحالف. أمريكا على المستوى الدولي تسعى الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى مد نفوذها في القارة الإفريقية، لا سيما في منطقة القرن الإفريقي، في إطار تأمين الهيمنة علي إمدادت النفط والموارد الاستراتيجية، والسيطرة على طرق التجارة العالمية، والقضاء على بؤر التهديد الآنية والمستقبلية لمصالحها، بما يقتضيه ذلك من إعادة ترتيب الأوضاع في القرن الإفريقي والشرق الأوسط على النحو الذي يضمن ويعظم مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين وعملائها الإقليميين. وفي الوقت الذي شهد بعض المتغيرات الإقليمية، أهمها حالة الفوضى المتنامية في الصومال، وتزايد الطموح الإريتري في القيام بدور إقليمي منافس، والتطورات الدراماتيكية في السودان، وانفصال الجنوب في يناير 2011، وتصاعد الصراع في دارفور منذ عام 2003، وتصاعد المشكلة المائية في حوض نهر النيل، حرصت إثيوبيا بحسب الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الإفريقية، على إبراز دورها كقوة إقليمية قادرة علي خدمة المصالح الأمريكية – الغربية في القرن الإفريقي والشرق الأوسط، لا سيما المصالح الخاصة بمحور واشنطن – تل أبيب، مع العمل في الوقت ذاته على استثمار المنافسة بين أقطاب النظام الدولي في خدمة المصالح الوطنية الإثيوبية. وأضاف شبانة في دراسة سابقة له "سبق لإثيوبيا أن أدت هذا الدور بنجاح أكثر من مرة، فاستفادت في عهد هيلا سيلاسي من المساعدات الأمريكية السخية، التي قدمتها واشنطن بهدف موازنة النفوذ السوفيتي في القرن الإفريقي والشرق الأوسط، ثم ارتبطت في عهد مانجستو (1974-1991) بالاتحاد السوفييتي، الذي وجد فيها آنذاك بيئة خصبة لنشر الفكر الماركسي، مقارنة بالصومال ذات النزعة الدينية القومية، ثم عادت لتغير وجهتها شطر واشنطن، مع وصول نظام الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا بقيادة ميليس زيناوي إلى سدة الحكم عام 1991″. ويبلغ حجم المساعدات الأمريكية المقررة لإثيوبيا هذا العام ما يزيد على 482 مليون دولار، معظمها في مجال الصحة. أما مجال الأمن والسلام فيبلغ حجم مساعداته 4,2 مليون دولار. وبلغ حجم التجارة بين البلدين 872 مليون دولار عام 2013.ويسير الميزان التجاري لصالح الولاياتالمتحدة التي تصدر لإثيوبيا الطائرات والقمح وآلات المصانع، إضافة إلى الخضراوات. وتستورد الولاياتالمتحدة من إثيوبيا الأعشاب الطبيعية والبن الإثيوبي، وفقًا لبيانات الحكومة الأمريكية. تركيا تعد تركيا أيضًا على رأس اللاعبين الدوليين في إثيوبيا، حيث تقول تركيا إن أكثر استثماراتها في إثيوبيا، متفوقة بذلك على الصين والهند، ووصل حجم تلك الاستثمارات إلى 3 مليارات دولار أمريكى عبر 350 شركة، أتاحت نحو 50 ألف فرصة عمل، وفق وكالة الاستثمارات الإثيوبية الحكومية، بينما تقول البيانات الدولية إن السعودية هي الأكثر استثمارًا في إثيوبيا. وبلغ حجم التبادل التجاري بين أنقرةوأديس أبابا أكثر من 420 مليون دولار أمريكى 2013، حيث تستورد إثيوبيا الآلات والمعادن والمنتجات البلاستيكية والأدوية ومنتجات المصانع، وتقوم بتصدير الحبوب الزيتية والفواكه والخضراوات والحبوب والنسيج. كما أن خط السكك الحديدية الذي يتم بناؤه من مدينة «أواش» إلى مدينة «ولديا» (شمال شرق) تنفذه الشركة التركية يابى ميركيزى، وسوف يوجد أكثر من 10 آلاف فرصة عمل. وخلال زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إثيوبيا، العام الماضى، بدأ التفاوض حول إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، مع تعهد تركى بزيادة التمويل والقروض المقدمة لإثيوبيا؛ لتسريع وتيرة المشروعات التنموية. وبخلاف ذلك شهدت الفترة الأخيرة تعاونًا عسكريًّا متطورًا بين البلدين، حيث وقع الجانبان على اتفاقية للتعاون العسكري، والتي صدق عليها البرلمان الإثيوبي منذ عدة أشهر. إسرائيل بحسب الدكتور أيمن شبانة تتبنى إثيوبيا سياسة معلنة، وهي التوازن بين العرب وإسرائيل، بعيدًا عن تقلبات العلاقات بين الجانبين، وضرورة احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، عبر تسوية سلمية تفاوضية للصراع، بيد أن الموقف الإثيوبي الفعلي يغلب عليه الانحياز لإسرائيل، ويبدو ذلك واضحًا بالنظر إلى السلوك التصويتي لإثيوبيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة إزاء قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي. وتنظر إثيوبيا إلى علاقاتها مع إسرائيل باعتبارها "علاقات تاريخية"، وأنه باستثناء الفترة التي قطعت فيها العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، فهي ترى العلاقات مع إسرائيل "قوية وصحية جدًّا"، خاصة بعدما تمت تسوية المشكلات التي كانت تعرقل مسيرة هذه العلاقات، وفي مقدمتها قضية "تهجير يهود الفلاشا"، بالإضافة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في نوفمبر 1993. وأصبحت إثيوبيا أكثر اعتمادًا على إسرائيل في الآونة الأخيرة في مجال الاستثمار الزراعي، والمشروعات المائية، والتجارة الخارجية، التي نمت أخيرًا بين الدولتين بشكل غير مسبوق، ووظفت إسرائيل عدة وسائل سياسية واقتصادية وزراعية وثقافية وعسكرية؛ لتمكينعلاقاتها مع إثيوبيا، إذ تقوم إسرائيل بإرسال مبعوثين وخبراء في جميع المجالات، وعلى رأسها "المجال الأمني والعسكري"؛ من أجل الإعداد والتدريب وتنفيذ صفقات أسلحة. وفي معلومات صدرت عن النشرة العسكرية البريطانية عام 1998 جاء أن "هناك علاقات استخباراتية وثيقة ما بين اسرائيل وإثيوبيا، وأن الموساد الإسرائيلي يعمل بشكل مكثف في أديس أبابا، ويدير كادرًا كبيرًا لجمع المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب قيامه بنشاطات في جزيرة "دهلك" الإريترية، والتي مكنته من إدارة مراكز مراقبة وجمع للمعلومات عن اليمن والسعودية والسودان". وتطورت العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية الإثيوبية، حتى إن وزير الزراعة الإثيوبي "تفرا دبرو" أعلن أن 250 شركة إسرائيلية تقدمت بطلبات للحصول على رخص تجارية؛ للعمل في مجالات مختلفة داخل إثيوبيا في مارس الماضي. وبحسب وكالة الأناضول فإن حوالي 50 رجل أعمال إسرائيليًّا بدؤوا يستثمرون منذ العام الماضي في قطاعات مختلفة، ناهيك عن حضور 60 مسثتمرًا إسرائيليًّا اجتماعًا مع وزير الزراعة الإثيوبي؛ لبحث سبل التعاون في مجالات مختلفة. السعودية جاءت السعودية أيضًا كأبرز اللاعبين في إثيوبيا، خاصة من خلال شركات رجل الأعمال السعودي الشيخ محمد العامودى، التي تعد الشريك الرئيسي لإدارة الإنشاءات في مشروع السد مع شركة «سالينى» الإيطالية، من خلال مصنعين للأسمنت يتم توريد معظم إنتاجهما إلى أعمال سد النهضة، بتكلفة استثمارية بلغت 800 مليون دولار، بحسب ما ورد في تقارير صحفية نُشرت مؤخرًا. وتعتمد إثيوبيا في استثماراتها في قطاع الأسمنت على الخليج والصين بشكل أساسي، وفقًا لموقع «جلوبال سيمنت»، فإضافة إلى استثمارات العامودى، تم التعاقد مع شركة قطرية لاستثمار 550 مليون دولار في إنتاج الأسمنت دون الإعلان عن تفاصيل الخطة المقدمة إلى الحكومة الإثيوبية. تمتلك السعودية استثمارات في إثيوبيا تقدر بنحو 5.5 مليار دولار، فضلًا عن أراضٍ زراعية هائلة بين مرتفعة ومنخفضة، وموارد مائية هائلة، حسب تقرير «دليل الاستثمار في إثيوبيا» الصادر عن الحكومة الإثيوبية، وعقدت المملكة العربية السعودية نحو 16 اتفاقية، زرعت بموجبها 1.713.357 هكتار، خمس اتفاقيات منها في إثيوبيا وحدها. إيران وينطبق الأمر ذاته على إيران، التي تنظر إليها إثيوبيا كدولة ذات علاقات قديمة معها، وكشريك اقتصادي محتمل، كما ترى إثيوبيا أن إيران لا تمثل خطرًا بالنسبة لأمنها القومي، باستثناء بعض المشكلات التي يمكن أن تنجم عن الدعم الإيراني لبعض الجماعات الإسلامية. تطورت العلاقات بين الطرفين في الوقت الراهن، وانعكس ذلك في توافق سياساتهما في كثير من القضايا الدولية، خاصة قضية البرنامج النووي الإيراني، حيث أعلنت إثيوبيا في مناسبات عديدة تأييدها لحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية، كما نما حجم التجارة الثنائية بينهما من 19 مليون دولار عام 2004 إلي 35 مليون دولار عام 2007، فضلًا عن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين، ومنها لقاء وزير الخارجية الإيراني بالمسؤولين الإثيوبيين، لدي زيارته أديس أبابا لحضور القمة الثانية عشرة للاتحاد الفريقي في يناير 2009. وكانت إثيوبيا على رأس الدول التي اعترفت ب "انتصار الثورة الإسلامية" في إيران، وخلال الحرب الإيرانية العراقية أيدت أديس أبابا موقف طهران من منطلق المطالبة ب "حق الشعب الإيراني في الدفاع عن نفسه وعن حدوده"، وهو ما تسرده وثائق تاريخية وصحف إيرانية؛ باعتباره رمزًا للعلاقات الوطيدة بين البلدين. الصين تعد الصين هي إحدي الدول الحاضرة بقوة في القارة الإفريقية، وذلك من خلال توقيعها عدة اتفاقيات مع إثيوبيا لبناء سد النهضة والاتفاق على الاستثمار في مجالي الطاقة والزراعة، وكان آخر تلك الاتفاقيات ما تم في الشهور القليلة الماضية بعد توقيع اتفاقية بين البلدين للاستثمار في الطاقة. حيث وقع الوزراء ورجال الأعمال الصينيون المرافقون لرئيس الوزراء الصيني خلال زيارته لإثيوبيا ست عشرة اتفاقية مع نظرائهم الإثيوبيين، شملت اتفاقيات تمويل وقروض ومساعدات اقتصادية؛ لتشييد طرق ومناطق صناعية. وخلال زيارته لإثيوبيا شارك رئيس الوزراء الصينى في افتتاح أول طريق سريع بطول 80 كيلو مترًا يربط العاصمة أديس أبابا بالطريق الذى يمر بجنوب البلاد، ويمتد إلى ميناء جيبوتي، وتم تشييده بقرض من بنك الصادرات والواردات الصينى. وتعمل الآن فى إثيوبيا أكثر من 500 شركة صينية بإجمالي استثمارات تفوق 1,5 بليون دولار، تقوم شركة هاواويللتكنولوجيا الصينية، وهي ثاني أكبر شركة لتصنيع أجهزة الاتصالات في العالم، بالتضامن مع شركة "زد تي آي" باستحداث أسرع شبكة اتصالات من الجيل الرابع فى العاصمة الإثيوبية وخدمات اتصالات الجيل الثالث على نطاق البلاد.