د. حاتم عبدالمنعم أحمد نشأت المجمعات الاستهلاكية فى ظل النظام الاشتراكى كوسيلة مهمة، أو وسيط بين المنتج والمستهلك، وحققت نجاحات كبيرة للجانبين وللدولة أيضًا؛ حيث وفرت الاستقرار فى الأسعار العادلة لجميع الأطراف فى جميع الاحتياجات الضرورية للأسرة من خضار إلى فاكهة إلى اللحوم والدواجن والسكر والزيت وخلاف. كما استفاد الفلاح من بيع منتجه بسعر عادل، هذا يرجع لحجمها الكبير وانتشارها عبر جميع المحافظات؛ حيث مكنها من توفير كثير من النفقات سواء فى النقل وهامش الربح البسيط، أو لأنها بمثابة تاجر جملة كبير، وهى بذلك حمت المنتج والمستهلك من استغلال الوسطاء، ورحمت المجتمع من مشكلات الاحتكار، وكان العيب الوحيد لهذه المجمعات فى هذه الفترة، ضعف جودة المنتج فى بعض الأحيان؛ لعدم وجود منافسة من القطاع الخاص بسبب احتكار هذه المجمعات لكثير من السلع، وبعد ذلك جاءت مرحلة الانفتاح وإلغاء التسعيرة الجبرية للمنتجات المختلفة، وبدأ القطاع الخاص فى دخول السوق، ومنافسة المجمعات الاستهلاكية. وشهدت بدايات هذه الفترة المرحلة المثلى للمجتمع وللجميع تقريبا؛ حيث إن دخول القطاع الخاص بجانب تواجد الحكومة من خلال المجمعات أدى للتنافس بينمها وتوافر جميع المنتجات بجودة عالية وأسعار مناسبة لجميع فئات المجتمع؛ حيث ظلت المجمعات الاستهلاكية هى المكان المفضل للطبقة الوسطى والطبقات الأقل فى حين ذهبت الطبقة العليا للقطاع الخاص؛ حيث جودة أعلى وسعر مناسب كان عادة لا يرتفع عن المجمعات إلا بنحو 25% فقط؛ ولكن للأسف لم تستمر هذه المرحلة طويلا؛ حيث سحبت الدولة دعمها تدريجيًا عن المجمعات وأخذ دورها فى التراجع والانحسار التدريجى أو رفع الحكومة يدها عن السوق لمصحة القطاع الخاص والذى يتحكم فيه للأسف بعض المحتكرين خاصة فى العقدين الأخيرين. واضطرت الدولة فى كثير من الأحيان لعرض بعض الاحتياجات مثل البطاطس من خلال أجهزة حكومية أخرى غير مسئولة عن تقديم هذه الخدمات، وهذا جهد تشكر عليه ومفروض أن يكون دور المجمعات الاستهلاكية لأنها مؤهلة بإمكاناتها وخبراتها لهذا الدور، بل هى وظيفتها الأساسية التى أنشئت من أجلها؛ حيث إن الوضع الحالى للسوق فى مصر يمثل مشكلة اجتماعية خطيرة، واستمرارها له تداعيات خطيرة على أمن المجتمع واستقراره، وعلى الجميع تدارك الموقف وتعديله لصالح الجميع؛ حيث يعانى الفلاح والشعب معا، وذكر أحد كتاب الأهرام منذ نحو شهرين فى مقاله، أنه اضطر لبيع محصول أرضه من الرومان بنصف جنيه للكيلو جرام للتاجر فى حين يباع للشعب بعشرة جنيهات للكيلو أى عشرين ضعف الشراء، وهنا أليس من الأفضل أن تقوم وزارة التموين بشراء مثل هذا المحصول من الفلاح مباشرة بنحو جنيهين أى بسعر أعلى 400% يستفيد منها الفلاح ثم تبيعه من خلال المجمعات الاستهلاكية للشعب بنحو ثلاثة جنيهات، وهذا يعنى انخفاض السعر للشعب بنحو 300% وهنا يكسب الجميع فضلا عن توفير فرص عمل فى المجمعات الاستهلاكية لأن استمرار ارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرة الشعب يمثل تهديدا للمجتمع بأكمله والمستفيد الوحيد التاجر الكبير، خاصة أن السوق الآن تعانى احتكار قلة تمتص قوت المنتج والمستهلك معا، ولذلك يبدوا غريبا ما يتردد من أخبار متناقضة عن بيع المجمعات الاستهلاكية للقطاع الخاص ثم نفى البيع الكامل، والقول بطرح بعض المنافذ فقط للتطوير أقوال متضاربة فى وقت يبدو أن هذه المجمعات هى الوسيلة الأساسية لتدخل الدولة للحد من الاحتكار وضبط الأسعار وحماية المواطن والفلاح واستقرار المجتمع، خاصة أن التجربة أثبتت أننا لا نملك للآن وسائل فعالة لمواجهة الاحتكارات القائمة ليس فى مجال الغذاء فقط، بل تقريبا فى كافة السلع، فعلى سبيل المثال أسعار السيارات وكافة الأجهزة الكهربائية تباع فى مصر بنحو ضعف ثمنها فى الدول العربية المجاورة، وذلك لتكتل التجار ولغياب الحكومة أو المنتج المصرى، وهنا قمة المأساة لشعب مرتباته وأجوره ومعاشه بالأسعار المحلية فى حين يدفع فى طعامه وأجهزته أكثر من السعر العالمى نتيجة الاحتكار، ولمصلحة قلة تتاجر فى احتياجات الشعب، ومن هنا أهمية تواجد الحكومة بجوار القطاع الخاص لضبط الأسعار، والسوق بوجه عام، حتى لا تتفاقم الضغوط على الشعب بلا مبرر، وعلينا الرجوع لتجارب الدول الرأسمالية؛ حيث نجد سيطرة الحكومة على كل الاحتياجات الأساسية للشعب لأنها أمن قومى، فمثلا رغيف الفينو العائلى فى فرنسا مسعر منذ نحو عشرين عاما بأن لا يتجاوز سعره يورو واحدًا والتعليم فى ألمانيا مجانى بجميع مراحله وموحد، فليس هناك تعليم خاص. وفى إنجلترا العلاج والدواء مجانى للجميع، وفى اليابان يجلس ابن الوزير بجانب ابن عامل النظافة فى المدرسة، وحيث الوجبة المدرسية إجبارية ومجانية للجميع وليس هناك كنتين وممنوع استقدام طعام من المنزل، ونصيب الدولة من الدخل القومى نحو 45% مقابل 55% للقطاع الخاص فى معظم الدول الرأسمالية مثل فرنسا وإسرائيل وألمانيا، هذا فضلا عن تشريعات ونظم صارمة لمنع الاحتكار. فى حين أن نظام مبارك أوصل نصيب الحكومة فى مصر إلى 20% فقط من الدخل القومى، ولذلك المطلوب الآن تدعيم دور الدولة وتوسعته لإحداث التوازن فى الأسعار والسوق، وبوجه خاص من خلال المجمعات الاستهلاكية لحماية الشعب والمجتمع، ودعم الاستقرار والتمنية بوجه عام.