«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 100 عام من التجربة في مصر:
التعاونيات .. الحل
نشر في الجمهورية يوم 01 - 10 - 2016

في لحظة من تاريخ البشرية شعر المصلحون الاقتصاديون أن العالم الأوروبي في حاجة لنظام اقتصادي أفضل فبحثوا عن طريق ثالث يتجنب عيوب النظام الشيوعي الذي يقضي علي طموح الفرد والرأسمالي المتوحش الذي يجعله وسيلة لتربح فئة قليلة فهداهم تفكيرهم عام 1810 إلي فكرة الاقتصاد التعاوني الذي هو بناء مشترك يختص فيه كل فرد بعمل معين للابقاء علي حياة واحتياجات الجماعة.. وكانت النتائج رائعة أثمرت عن نظام مصرفي تعاوني عالمي استفادت منه ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا وبلغاريا..
وفي مصر وفي محاولة لكسر احتكار المستعمر البريطاني دعا الزعيم الوطني محمد فريد لتطبيق التعاونيات عام 1908 فتكونت أول جمعية تعاونية في "شبرا النملة" وظلت الفكرة قائمة علي استحياء حتي كانت ثورة يوليو عام 1952 التي ولدت منها أكبر حركة تعاونية في العالم العربي اعتمد عليها جمال عبدالناصر في بناء نهضة الستينات وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمصريين وقد حفظ ذلك النظام التعاوني سلامة الجبهة الداخلية في الأوقات الصعبة ووفر احتياجات المصريين وأعطي الدولة مرونة في اعادة البناء بعد نكسة 1967 واعداد الوطن للمعركة في 1973 حتي كان الانفتاح الاقتصادي وظهور المشروع الخاص ومعه طبقة كبيرة من رجال الأعمال الذين اعتمدوا في بناء ثرواتهم علي الاحتكار وتسرب الفساد للحركة التعاونية والقائمين عليها فعرف المصريون لأول مرة نقص السلع الأساسية واشتعال الأسعار ومع الخصخصة دكت آخر حصون الطبقة الوسطي وأملها في منتج مصري يوفر الأمان الاقتصادي فسقطت معظم تلك الطبقة في براثن الفقر وكلما أمعن المحتكرون في نهمهم للربح زاد فقر المصريين حتي خرجوا في ثورتي يناير ويونيو يطالبون بالعدالة الاجتماعية.. ومع حكم الرئيس السيسي عاد الاهتمام بالطبقات الفقيرة عبر عدد من البرامج الا ان التركة مازالت ثقيلة والطريق مازال طويلا ويحتاج لأفكار كثيرة خارج الصندوق يلجم الأسعار وتعيد التوازن لطبقات المجتمع التي مازالت تفصلها هوة كبيرة تهدد الاستقرار وتزيد من حجم التحديات.
الخبراء أجمعوا علي أن التعاونيات هي الحل.. وحدها قادرة علي جمع المصريين في نسيج واحد يقدمون ما لديهم للمساهمة في حل مشاكلهم الغذائية والسكنية والانتاجية بشرط ان يتخلص ما بقي من النظام التعاوني من فساد الماضي ويعاد هيكلة الاتحاد التعاوني وتطوير قانونه حتي لا نعيد التجربة القديمة والتي فجرت النظام التعاوني من داخله وقلصت منافذه من 13.5 ألف جمعية الي ثلاثة آلاف فقط.. وهو ما أكده اللواء محمد علي مصيلحي وزير التموين مشيرا إلي أنه سيعتمد علي التعاونيات ويدعمها لتصبح مصر وطنا للمنتجين.
المصريون رحبوا بالتجربة تداعبهم أحلام الماضي حيث كانت مصر مصنع انتاج كبير ومجتمعاتهم الاستهلاكية توفر لهم احتياجاتهم بتسعيرة جبرية موحدة.
أما مصرنا الجديدة فهي قادرة علي تكرار التجربة وقد أثبت الشعب المصري ذلك حين مول حفر قناة السويس الجديدة ب 48 مليار جنيه في سبعة أيام.
وعلماء الاقتصاد والنفس والاجتماع ومعهم خبراء الأمن أكدوا ان التعاونيات هي المخرج ليسترد المصريون ثفتهم في أنفسهم وتجمعهم بوتقة واحدة ويشعرون بالانتماء لوطنهم فتقل الظواهر السلبية في المجتمع ومعها معدلات الجريمة.
ما يريده المصريون من الحركة التعاونية يعني ألا تتدخل الحكومة كما هو حادث الآن كتاجر وتصف ما تفعله بالنشاط التعاوني كما هو الحال في مشروع الاسكان التي تنفذها الوزارة والتي تحمل فيها المواطن نصيب الوزارة والشركة المنفذة والبنك من الأرباح فوصل سعر الشقة إلي 200 ألف جنيه مفروضة ان يدفعها الشاب في أول حياته.
المصريون يريدون نظاما تعاونيا يمولونه ويحققون احتياجاتهم بعيدا عن التربح والاحتكار.
عمرها 200 سنة في أوروبا.. ومازالت مستمرة
في مصر.. نادي بها محمد فريد
إيناس إبراهيم - هبة عباس
بدأ ظهور الحركة التعاونية في بداية القرن التاسع عشر في ثلاث دول بريطانيا. وفرنسا. وألمانيا وبعض الدول من شرق أوروبا التي عرفت النظام الاشتراكي وهي روسيا وبلغاريا وأربع بلدان عربية من أفريقيا وآسيا هي مصر والسودان وسوريا والعراق ويعتبر روبرت أوين الإنجليزي وشارل فوريه الفرنسي من أهم المفكرين الذين دعوا للحركة التعاونية الحديثة ففي 1810 قام أوين وشركاؤه بشراء مصانع غزل وبدأ في إنشاء متاجر البيع بالتجزئة مخفضة الأسعار وتوزيع الأرباح علي عماله وقام بإجراء بعض الإصلاحات فرفع الأجور وقلص أوقات العمل وقام ببناء بيوت للعمال ومدارس للاطفال الصغار وبالرغم من مرور مصنعه بأزمة أدت إلي توقف الإنتاج مدة أربعة أشهر فقد ظل يدفع لعماله أجورهم كاملة ومع ذلك ازدادت الأرباح بشكل كبير.
وفي فرنسا نادي شارل فورييه رجل الاقتصاد والفيلسوف بالاتحاد في الإنتاج بطريق المشاركة وكان يأمل في تغيير العالم وتحويله إلي نظام اقتصادي أفضل. وتصور مستعمرة تدار علي شكل هيئة تعاونية بحيث يعيش أفرادها في بناء مشترك يختص كل منهم بعمل معين للإبقاء علي حياة الجماعة. وبعد وفاته عمد الكثيرون إلي تطبيق نظريته وأسسوا عددا من المؤسسات التعاونية لنشر التعاونيات الإنتاجية في فرنسا خصوصا في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية وصيد الأسماك وتصنيعها وتوليد وتوزيع الطاقة البديلة كما طبق نظريته بعض الأمريكيين في الولايات المتحدة.
في نفس الوقت تميزت ألمانيا في الحركة التعاونية العالمية بتأسيس الاتحادات الائتمانية في منتصف القرن التاسع عشر حيث انتقلت إليها الافكار التعاونية من انجلترا وفرنسا علي يد فيكتور هوبير وازدهرت فيها حركة تعاونية للتسليف والتوفير التعاوني الزراعي لاقراض الاعضاء قروضاً إنتاجية زراعية مشروطة ومراقبة وكانت النتائج إيجابية جداً علي المزارعين. وتطورت التعاونيات في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية فظهر النظام المصرفي التعاوني لتشكل التعاونيات المصرفية حوالي 75% من البنوك العاملة في ألمانيا وتضم أكثر من عشرة ملايين عضو تعاوني وجملة أصولها حوالي 390.5 مليون مارك هذا بالإضافة للتعاونيات الزراعية والتي تضم 6511 تعاونية عدد أعضائها 4.6 مليون عضو وقيمة تداول ما مقداره 94 مليار مارك عام .1999
أما في مصر فقد نشأت الحركة التعاونية منذ نوفمبر 1908 علي يد الرائد التعاوني عمر لطفي الذي قام بافتتاح أول شركة تعاونية زراعية أنشئت تحت إشرافه في قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية تلتها في نفس العام 10 شركات تعاونية أخري. وكانت البداية عندما لاحظ لطفي اشتداد الأزمة المالية سنة 1907 وما كان يتكبده الفلاح من ظلم المرابين والمضاربين فأخذ يبحث عن طوق نجاة للشعب من هذه الأزمات مستقبلا فذهب بناء علي توجيه من الزعيم الوطني محمد فريد لدراسة التعاون الزراعي في إيطاليا سنة 1908 ورأي أن تقتدي الحكومة المصرية بما فعلته ألمانيا وإيطاليا بإنشاء نقابات زراعية في كل بلدة تساعد الفلاحين بدلا من المرابين والمضاربين فلم توافق الحكومة علي اقتراحه فلجأ بعدها إلي إنشاء النقابات الزراعية والتي كان عملها هو الاقراض والتسويق التعاوني للحاصلات المصرية. وقام بالدعوة لإنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية وأطلق عليها شركة التعاون المنزلي وأنشئت بالفعل هذه الجمعيات بالقاهرة ثم باقي المدن الكبري في مصر وكان يطوف بجميع أنحاء مصر لينشر دعوته بتأسيس النقابات والتعاونيات كما يعد عمر لطفي المؤسس الأول نقابة عمالية في مصر وهي نقابة عمال الصنائع اليدوية.
ويتركز تاريخ الحركة التعاونية المصرية أساساً في النشاط الزراعي دون دخول حقيقي وفاعل في قطاعات إنتاجية أخري. ففي عام 1923 صدر أول قانون تعاوني مصري وهو القانون رقم 27 لسنة 1923 وقد تكونت شركات تعاونية في ظل هذا القانون بلغ عددها 135 جمعية في عام 1925 ونظراً لما تكشف من عيوب هذا القانون تم إصدار القانون رقم 23 لسنة 1927 الذي شمل أنواعاً مختلفة من المنشآت التعاونية سميت جمعيات تعاونية كما نص هذا القانون علي إنشاء اتحادات تعاونية لنشر التعليم التعاوني. وزاد عدد الجمعيات التعاونية المسجلة في ظل هذا القانون فبلغت 297 جمعية في عام 1930 كما نظمت عمليات تمويل الجمعيات التعاونية فبعد أن كانت تأخذ قروضها من اعتماد السلف الصناعية في بنك مصر فتحت الحكومة في بنك مصر اعتماداً خاصاً لقروض الجمعيات التعاونية بلغت قيمته 350 ألف جنيه. وفي عام 1931 انشئ بنك التسليف الزراعي الذي عهدت إليه الحكومة بإقراض الجمعيات التعاونية الزراعية والفلاحين. ولم تضع له الحكومة حداً أعلي للقروض وازدهرت التعاونيات خاصة بعد الحرب العالمية الثانية إلا أن الحال تغير بعد 1952 عندما قامت الدولة وقتها بتأميم هذه الجمعيات ومنها الجمعية التعاونية للبترول وصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 ونصت مواد القانون علي وجوب إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية في الأرض التي استولي عليها ووزعت علي صغار الفلاحين وقد نجحت تعاونيات الإصلاح الزراعي في مد أعضائها بالقروض والسلف بضمان المحصول دون التقيد بضمان الأرض.
وقد شهدت حركة التعاونيات في مصر حالات من الازدهار وأخري من الاندثار فكانت بداية انهيار التعاونيات الزراعية مع صدور القانون رقم 117 لسنة 1976 بإنشاء البنك الرئيسي للتنمية والائتمان وبنوك القري وكذا القرار الجمهوري رقم 824 لسنة 1976 بحل الاتحاد التعاوني المركزي والقرار الجمهوري رقم 825 لسنة 1976 بإلغاء الهيئة العامة للتعاون الزراعي باعتبارها الجهة الإدارية المختصة وقانون التعاون الزراعي رقم 122 لسنة 1980 والمعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1981 وفي المجمل تدهورت حركة التعاونيات في مصر عموما حين سعت الدولة لضم الجمعيات التعاونية وجعلها تحت إشرافها ودمجها في الخطة الاقتصادية للدولة واعتبرتها جزءاً من السياسة المركزية التي اتبعتها الحكومة آنذاك في المجالات المختلفة ومن هنا بدأ الخلط والتشوش عند الناس عن طبيعة الجمعيات وأصبحت ما هي إلا منافذ لبيع السلع المدعمة ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي اتجهت الدولة إلي الخصخصة وبدأت تهمل هذه الجمعيات أكثر لتشهد حالة من الجمود وعدم الاهتمام ويبلغ عدد التعاونيات في مصر حوالي 18 ألف جمعية تعاونية تنتظم في خمس اتحادات تعاونية نوعية من القاعدة إلي القمة مروراً باتحادات إقليمية وجمعيات عامة تتحد في الاتحاد العام للتعاونيات علي مستوي الجمهورية التابع لرئيس الوزراء.
عددها انخفض من 5.13 ألف إلي ثلاثة آلاف فقط!
المجمعات الاستهلاكية آخر الحصون
رشا سعيد
لا تزال المجمعات الاستهلاكية ومنافذ وزارة التموين المتنقلة صمام أمان الغلابة من الممارسات الاحتكارية لكبار التجار الذين يتلاعبون بالأسعار ويشعلون الأزمات فلا يجدون ملجأ للهروب من جشع التجار سوي هذه المجمعات التي كانت في الماضي سنداً وعوناً كأداة تعاونية تعيد ضبط الأسواق وتفرض تسعيرة جبرية تلزم التجار مما يوفر السلع بأسعار مناسبة للجميع علاوة علي الجودة العالية لاتباع الطرق الصحيجة في التخزين.
يذكر ان هذه المنافذ والجمعيات التعاونية للاتحاد التعاوني ساهمت في الماضي في انضباط الأسعار ولكن نتيجة لوجود فساد في هذا الاتحاد تم تصفية عدد منها حتي وصلت ل 3000 جمعية من اجمالي 13500 جمعية تعاونية مما يتطلب تغيير قانون التعاون واصدار آخر يحمي المستهلك ويحاسب المسئولين.
يري موسي مصطفي مدرس ان المجمعات الاستهلاكية تتدخل في السوق بالوقت المناسب لاعادة ضبطه بتوفير السلع الأساسية وبأسعار مخفضة وهذا ما جعل زوجته تحرص علي شراء احتياجاتهم منها وبعد ارتفاع الأسعار في الأسواق المختلفة ظلت الأسعار ثابتة في بعض السلع الأساسية مثل الأرز الذي لا يزال سعر 5.4 جنيه بينما سعره بالأسواق تعدي 12 جنيها وكذلك الزيت فسعره مناسب ولا يتعدي 9جنيهات بينما في الأسواق تعدي 16 جنيها وكذلك السكر لا يتعدي 5 جنيهات.
يؤكد فتح الله عبدالعزيز ان السلع بالمجمعات تناسب جميع الأسر المصرية ولا ترهق الميزانية خاصة اللحوم البلدية والمبردة وكذلك التي تتوافر بمشروعات الشباب مثل جمعيتي والسيارات المتنقلة المنتشرة بجميع المناطق حيث تطرح بأسعار أقل بكثير من سعر السوق مطالبا بانتشار هذه المنافذ بالقري والأماكن النائية.
لحوم طازجة
محمد لطفي سلامة جزار بمجمع التوفيقية يؤكد ان اللحوم الطازجة يتم طرحها يومياً بكميات كافية حيث تصل إلي 200 كيلو في اليوم ويتم توزيعها في المناسبات والأعياد لتصل الحصة اليوم إلي 500 كيلو مشيراً إلي الاقبال الشديد من قبل المواطنين نظرا لجودتها وسعرها المناسب خاصة بعد موجة الغلاء التي شهدتها الأسواق.
يوضح محمد إبراهيم مسئول عن منتجات الألبان بماركت الألفي ان هناك اقبالا من المستهلكين من جميع طبقات المجتمع علي شراء منتجات الألبان نظراً لجودتها وأسعارها التي تناسب الجميع ويزيد الاقبال خاصة في المناسبات وفترة دخول المدارس لتدبير احتياجاتهم اليومية.
تخفضيات مناسبة
حسن رجب مدير فرع فاميلي ماركت بوسط البلد يؤكد ان المجمعات لاتزال صمام امام للمواطنين خاصة محدودي الدخل فهي كجهة استهلاكية توفر السلع بأسعار تنتافسية تجذب المستهلكين كما انها تحميهم من احتكار التجار والتلاعب في الأسعار حيث نجد السكر يتوافر ب 5 جنيهات للكيلو الواحد والشاي يتراوح من 5.1 حتي 11 جنيها والزيت يبدأ سعر الكيلو من 75.8 ويصل ل 11 جنيها لافتا إلي طرح لحوم بلدية ب 60 جنيها مما يزيد من اقبال المستهلكين علي الشراء علاوة علي توفير احتياجاتهم من الخضراوات والفاكهة ومنتجات الألبان بأسعار تقل عن الأسواق.
محمود العسقلاني رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء يري ان وزارة التموين تطرح سلعا مخفضة بالمجمعات الاستهلاكية كاداة ضغط علي السوق لخفض الأسعار كما انها توفر السلع الغذائية بأسعار لا تقبل المنافسة علاوة علي اللحوم البلدية التي يصل سعر الكيلو منها ل 60 جنيها وهو سعر مخفض بكثير عن نظيره بالأسواق المصرية مناشداً الأسر المصرية بتغيير ثقافتهم الشرائية بالاقبال علي المجمعات التي توفر سلعا ذات جودة عالية وسعر منخفض عن سلاسل الأسواق التجارية التي توفر عروضا علي السلع التي صلاحيتها أوشكت علي الانتهاء.
يوضح خيري عبدالعظيم مدير عام شركة الأهرام للجمعات ان فروع الشركة منتشرة في جميع انحاء الجمهورية ويصل عددها بالقاهرة فقط إلي 57 فرعا مطورا و150 فرعا منتشرة بباقي الأحياء وجميع السلع متوافرة وأسعارها مناسبة لا تقبل المنافسة ونمر علي المجمعات يومياً للمراقبة والاستماع لشكاوي المواطنين واقتراحاتهم.
تعاونيات ..2016 بلا دعم
الحكومة حولت بنك الإتمان لبنك تجاري
غادة عبدالرافع - رشا أحمد
أجمع الخبراء علي تقلص دور التعاونيات الآن ليقتصر علي المجمعات الاستهلاكية بينما يعشش الفساد في تعاونيات الإسكان حيث يحصل دائما علي الوحدات العاملون وذوي المحسوبية مطالبين الرئيس السيسي بخلق جيل من التعاونيات يعمل بشكل مباشر بين المنتج والمستهلك أو الخدمة ومؤديها. تقول د. سلوي شاكر عضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك:
التعاونيات تقتصر الآن علي المنافذ الاستهلاكية التي تتميز بالنزول بمستوي الأسعار بما يتناسب مع جميع شرائح المجتمع خاصة محدودي الدخل وهم المستهدفون من عمل التعاونيات فقد شكلت هذه المجمعات وسيلة ضغط علي التجار راغبي احتكار السوق وتمكنت من المنافسة بقوة وحازت علي ثقة المواطنين بصورة كبيرة ونجحت في إحداث حالة من التوازن ولكن العقبة الرئيسية أمام عمل التعاونيات تكمن في إمكانية الوصول علي قطاع كبير بالقري والنجوع وفي المقابل وكنوع من طرح الحلول يتم عمل مشروعات موازية تؤدي نفس الدور مثل "جمعيتي" بالأضافة إلي الجمعيات الفئوية والتي تعد منفذاً لكافة الفئات المستهدفة منها وتؤكد سلوي شكري علي دور التموين ومنح الدعم السلعي ونقاط الخبز التي كان لها بالغ الأثر في اختفاء طوابير العيش التي طالما عانينا منها ومن أجل تطوير عمل التعاونيات لا يجب إغفال الدور الرقابي علي عملها ونشر الوعي لدي المواطنين وتعلم سياسة المقاطعة وعدم الالتفات إلي الشائعات التي يطلقها البعض بغرض تدمير الروح المعنوية للشعب المصري.
يؤكد د. سعد مسعد شحاتة أستاذ الاقتصاد وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي أن التعاونيات من العوامل المؤثرة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والمجتمعية والمساهمة في محاربة الفقر والطريق إلي السيطرة علي الاسعار والتعاونيات أثبتت نجاحا في شتي المجالات خاصة تعاونيات البناء والإسكان التي تقوم بعمل مجموعات متوازية من المشاريع السكنية الكبري التي تستهدف العشوائيات ومحدودي الدخل والإسكان الاجتماعي بالإضافة إلي المجمعات الاستهلاكية التي تحارب الغلاء والممارسات الاحتكارية للتجار ودخلت في منافسة شرسة مع السوق بتوزيع السلع الاستهلاكية بأسعار مخفضة وحملت علي عاتقها عدم إرهاق أصحاب الدخول المحدودة والطبقة المتوسطة ومن الانجازات الأخري "نقاط الخبز" وصرف السلع البديلة عبر المنافذ الاستهلاكية وتجار التموين كما تم القضاء علي أزمات البوتجاز المستمرة وعلي الدولة حماية قطاع التعاونيات والعمل علي تطويره للوصول إلي تحقيق العدالة الاجتماعية.
ويشير سعد إلي دور جهاز الخدمة الوطنية والقوات المسلحة والاهتمام بالمجتمع المدني جنباً إلي جنب مع الحرب ضد الإرهاب الداخلي من خلال المجمعات المتنقلة ودوره في التشييد والبناء ومد شبكات الطرق والكباري بجميع المحافظات.
ويضيف فؤاد عيسي استاذ الاقتصاد ووكيل أول وزارة الصناعة والتجارة سابقا أن الجمعيات التي تتكون في المؤسسات وفي جهات العمل المختلفة لها دور فعال في تقديم خدمة ملموسة لأعضائها خاصة في ظل تقلص دور الدولة فهي إحدي ركائز المجتمع المدني أما تلك التعاونيات المقامة حاليا مثل المجتمعات ومصر الخير فمثل تلك التعاونيات لها دور مكمل لا ينكر في الدول ذات الاقتصاد الضعيف إلا أن دورها أيضا بسيط غير رئيسي ولا تستطيع الوصول للكافة فهي غير ظاهرة إلا في القاهرة أما القري والنجوع والمناطق النائية الاكثر فقراً فلا يوجد بها مثل تلك التعاونيات كما أشار إلي أن جمعية مصر الخير تستطيع أن تقوم بدور فعال وعظيم في حالة قيام رجال الأعمال بتحديد مبلغ شهري للجمعية لضمان استمرارية المورد وكذلك العديد من الجمعيات التي تقام علي التبرعات كالكفالة والكرامة أما عدم استمرارية المورد يهدد استمرارية الخدمة ومن ثم لا يتم الاعتماد عليه أما تحقيق العدالة الاجتماعية فهو دور الدولة يتم من خلال القوانين والتشريعات والرقابة.
فيما يقول ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل الديمقراطي ان التعاونيات هي توفير سلعة مدعومة أو بدون هامش ربح وهو مايتعارض مع شروط صندوق النقد الدولي وما يتم حاليا من سياسة تحرير السلع من الدعم أما ما هو موجود حاليا فهو نوع من التدخل الحكومي لتوفير سلع بهامش ربح وإن كان منخفضا إلا ان السعر لا يختلف كثيراً عن سعر السوق فالتعاونيات في حالة ركود منذ حرب 73 بعد أن كانت في أوج نشاطها وقمة مجدها في الحكم الناصري وذلك لأن الاعتماد حين ذاك كان علي التعاونيات وبعد صندوق النقد الدولي فقد اتجه السوق للقطاع الخاص وأكبر دليل هو اتجاه حكومة الشريف إلي تحويل بنك الائتمان الزراعي إلي بنك تجاري مما يقضي علي احلام كثير من الفلاحين وهو أهم ملمح من ملامح التعاونيات وبالتالي لابد من تعديل جذري في سياسة الحكومة الحالية فالقطاع التعاوني من أهم القطاعات في مصر والذي لابد أن يأخذ فرصته مثله مثل القطاع الخاص وإذا نظرنا إلي ما هو موجود حاليا من بقايا التعاونيات فسنجد أنها لا تقوم بدورها الكامل فالتعاونيات في الخمسينيات والستينيات كانت مدعومة أما الآن فقد تم رفع الدعم عن السلع الاساسية كالكهرباء والمياه والغاز والتي تعتبر من أساسيات الحياة وتفصيلا فالبرغم من وجود تعاونيات الإسكان فإنها تبيع السلع والحدات السكنية بسعر التكلفة بالاضافة إلي هامش ربح كما انها لا تعفي المستحق من فوائد البنك والتي تعد عبئاً إضافيا ولم تستطع النزول بسعر الوحدة لتناسب صغار الموظفين وإن كان هذا القطاع لا يزال يحمل ملامح التعاونيات أما في مجال الغذاء فقد كانت المجمعات تقوم بدور أكثر من رائع في ظل رقابة الحكومة أما الآن ومع اختفاء الرقابة واتجاه المجمعات إلي تحقيق هامش ربح فقد اختفي دور المجمعات فسعر السلعة لا يختلف كثيراً عن القطاع الخاص إلا في اللحوم وبالرغم من ذلك فإن القطاع يحقق هامش ربح.
يؤكد د. رشاد عبده الخبير الاقتصادي الدولي أن التعاونيات يمكن أن يكون لها دور هام وتنموي خاصة في خفض الاسعار وحماية محدودي الدخل وإحداث حالة التوازن لكننا نفتقد القوانين والتشريعات التي تفعل دورها وإعادة هيكلتها خاصة بعد أن أصبح القطاع الخاص والعام هما ركيزة التنمية في المجتمع وفي ظل حرية الاقتصاد والنظام الحالي تراجع نظام التعاونيات بعض الشيء وعلي الدولة السعي للاستفادة من هذا القطاع والعمل علي محاور التنمية الثلاثة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستفادة من التجارب القديمة ووضع المعايير والضوابط اللازمة لذلك وبالاخص في المجال التعاوني الزراعي لما له من دور تنافسي كبير فالتعاونيات لها قدرة علي خلق فرص عمل وتحقيق التنمية بمزيد من الانصاف ورفع المعاناة عن كاهل المواطن.
ويشير عبده إلي الدور والجهد الذي تقوم به القوات المسلحة لخدمة المجتمع خاصة من خلال توزيع السلع وضبط السوق مطالبا الدولة بإعادة إحياء شركات القطاع العام التي أصبحت تمثل عبئاً إضافيا عليها مثل القومية للاسمنت والنقل والهندسة والمحلة وكفر الدوار.
في نفس السياق تقوم د. سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك أنه علي الرغم من أن للتعاونيات دوراً أساسياً في عملية التنمية إلا أنها عانت علي مدار سنوات من الإهمال مما أفقدها دورها وقدرتها علي مواكبة العصر والتطور ودفع قاطرة التنمية من الاهمال مما أفقدها دورها وقدرتها علي مواكبة العصر والتطور
جمال عبدالناصر.. بني بها نهضة الستينيات
وانفتاح السادات.. هزمها
محمود أبوقمر
يمكن تعريف الجمعية التعاونية علي أنها جمعية مستقلة من الناس الذين يتعاونون طوعاً من أجل المنفعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمتبادلة ويشمل التعاون منظمات المجتمع غير الربحية والشركات التي يملكها ويديرها الاشخاص الذين يستخدمون خدماتها "التعاونية الاستهلاكية" أو من قبل الناس الذين يعملون هناك "تعاونيات عامل" أو من قبل الناس الذين يعيشون هناك "تعاونيات الإسكان".
ومن الجدير بالذكر أن التعاونيات تعد آلية فعالة تلجأ إليها الأنظمة الحاكمة في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية كخطوة هامة في سبيل تحقيق التنمية هذا ما أكده الدكتور رضا عيسي الباحث الاقتصادي مشيراً لاعتماد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر علي التعاونيات بشكل أساسي واستفادته منها بالشكل الأمثل بما يحقق التعاون مع الدولة في توفير منافذ لتوصيل المنتجات والخدمات للمواطنين بتنظيم شعبي يستطيع منافسة رءوس الأموال ويحد من هيمنتها علي الاسواق محققا بذلك أهدافا أخري لا تقل أهمية عن توصيل المنتجات للمواطنين تتمثل في ضمان تصريف إنتاج شركات القطاع العام التي امتلكتها الدولة وبالتالي الحفاظ علي تلك الكيانات في حالة عمل وإنتاج مستمر لدعم الاقتصاد الوطني إلي جانب ضمان تحقيق منافسة جادة وحقيقية تمارسها الدولة عن طريق منافذها المنتشرة بجميع ربوع البلاد والمتمثلة في المجمعات التعاونية الاستهلاكية والجمعيات الزراعية وما إلي ذلك الأمر الذي يعود بالنفع المباشر علي المواطن سواء بصفته مستهلكاً نهائيا من خلال المجمعات أو بصفته شريكا في الإنتاج في حالة الجمعيات الزراعية.
مشيراً لارتداد السادات عن تلك التوجهات سواء عمداً أو بدون قصد من خلال قوانين التعاون الاستهلاكي والبناء والإسكان التي سنها والتي لم تراع توحيد المنظومة القانونية للتعاونيات الأمر الذي جعلها تتشعب وتتمزق وتمتلئ بالثغرات ولا تحقق الحماية للتعاونيات إلي جانب اتجاه السادات الصريح لانتهاج سياسات سميت بالانفتاح الاقتصادي تنفيذاً لتوجيهات أمريكا والبنك الدولي دونما استفادة من مزايا وجدوي اقتصادية وفي ظل غياب أي رقابة حقيقية من الدولة أو حتي سياسات حماية كافية فتحول الاقتصاد المصري بسهولة من منتج إلي مستهلك وبدأ عصر الانفتاح بفتح الأبواب علي مصراعيها لرجال المال والأعمال الذين سيطروا علي الثروة تحت دعوي تشجيع الاستثمار وتمهيد الطريق للاقتصاد الحر والتحول من الاشتراكية للرأسمالية وانقطعت الصلة الودية بين الدولة وبين الطبقات الفقيرة بكل تنويعاتها ومن ثم أصبح رجال المال والأعمال هم أصحاب الحظوة ومحل الحفاوة وصارت ألقاب العمال والفلاحين صفات انتخابية يستخدمها الرأسماليون للوصول إلي مقاعد مجلسي الشعب والشوري لتسهيل مصالحهم وتأمين مكتسباتهم أما العامل أو الفلاح الحقيقي فقد تم إقصاؤه تماما من اللعبة السياسية أو الاقتصادية.
ثم جاء نظام مبارك عقب اغتيال السادات ليرث تركة مثقلة بالأعباء ساهم فيها المقاطعة العربية بسبب الصلح الساداتي مع إسرائيل ولم يكن من الأخير سوي السير علي نفس خطي السادات في الاعتماد علي أصحاب رأس المال وكبار المستثمرين وتذليل العقبات أمامهم وتفصيل القوانين بما يحقق مصالحهم إلي جانب البدء في تنفيذ برنامج الخصخصة الذي قضي علي ما تبقي من شركات القطاع العام ليتم بيع كل ذلك لكبار المستثمرين سواء المصريين أو الاجانب ليظهر مفهوم رأسمالية المحاسيب.
وأضاف عيسي أن الدولة - في تلك الفترة - مارست تمييزاً دستورياً واضحاً ضد التعاونيات بحظر النشاط الاقتصادي أو التجاري علي الدولة بدعوي تشجيع القطاع الخاص وبالرغم من ذلك عانت المشروعات الخاصة الصغيرة من التهميش والبيروقراطية ونال كبار المستثمرين فقط كل الدعم الأمر الذي شجعهم علي الاتجاه نحو الممارسات الاحتكارية والتلاعب بالاقتصاد بما يحقق لهم الربح السريع دونما النظر للتنمية أو الأبعاد الاجتماعية ومن أهم صور ذلك التمييز منع التعاونيات من مزاولة أنشطة الشركات المساهمة وعلي رأسها البنوك في حين أن أكبر بنك تعاوني في العالم يعمل في فرنسا التي تعتمد علي الاقتصاد الحر بينما يعمل نفس البنك داخل مصر من خلال شركة مساهمة كما حظرت الدولة علي التعاونيات مزاولة النشاط الإعلامي بالرغم من سماحها بذلك لأصحاب رءوس الأموال مع خطورة ذلك علي تشكيل وتوجيه الرأي العام.
وينفي عيسي تعارض التعاوينات مع توصيات البنك الدولي مشيراً لعدم وجود دولة التزمت بتنفيذ روشتة صندوق النقد بالكامل وحققت التنمية المنشودة مشيراً إلي أن تلك التوصيات لا ترقي لكونها إملاءات ملزمة فالتوصيات في الغالب تكون عامة ومجردة بعيدة عن التفاصيل فعلي سبيل المثال يطلب البنك من الدول المقترضة تقليص عجز الموازنة دون أن يفرض علي تلك الدول وسائل لذلك الغرض ويترك لها اختيار البدائل بما يتناسب مع إمكانيات وظروف كل دولة.
بينما أرجع الدكتور تامر العسكري أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة كفر الشيخ نشأة التعاونيات بمصر لعمر لطفي والذي أطلق المؤرخون عليه لقب الرائد التعاوني حيث أنشأ أول شركة تعاونية زراعية بقرية شبرا النملة بالغربية في العام 1908 بهدف تحقيق نهضة اقتصادية بالاعتماد علي جهود المصريين والخروج من تبعية المستعمر الانجليزي ويذكر أن الحركة التعاونية التي أسسها لطفي قد بدأت زراعية الصبغة حيث كان الاقتصاد المصري يعتمد علي الزراعة آنذاك كمصدر رئيسي للإنتاج وتكونت الحركة لمناهضة المرابين الأجانب ثم بدأت الجمعيات في الانتشار بجميع مناحي الحياة الاقتصادية حين بدأت الدولة عام 1923 في تبني ذلك الاتجاه والجدير بالذكر أن علاقة الدولة بالتعاونيات بدأت في التبلور في عهد عبدالناصر عقب تأميمه لجمعية الجملة والجمعية التعاونية للبترول عام 1961 ليتم توزيع السلع المدعومة علي المواطنين من خلال تلك الجمعية الأمر الذي أحدث خلطاً لدي الكثيرين معتقدين بالخطأ أن التعاونيات تتبع الدولة أو تعد هيئات حكومية.
مؤكداً بدء التعاونيات في الانهيار مع اتجاه السادات نحو الاقتصاد الحر والانفتاح الاقتصادي وإقرار القانون رقم 117 لسنة 1976 بإنشاء البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي والبنوك القروية التي بدأت تقديم قروض للفلاحين بفوائد تجارية عاني معها المزارعون حتي عصرنا الحالي أعقب ذلك القرار الجمهوري رقم 824 لسنة 1976 بحل الاتحاد التعاوني المركزي لينتهي توزيع السلع المدعمة من خلال الجمعيات التعاونية ثم تقلص عدد السلع المدعومة لانهاء الدولة تمويلها حتي توقف نشاط أغلب المنافذ التعاونية إلي أن أقدم مبارك علي تنفيذ برنامج الخصخصة في بداية التسعينيات وتم بيع الجمعيات لشركات خاصة.
مشيراً للخسارة الفادحة التي تحملها المواطن والمجتمع نتيجة انهيار التعاونيات التي كانت تراعي العدالة الاجتماعية في المقام الأول حيث تلتزم الجمعيات بموجب القانون بتخصيص نسبة 10% من أرباحها لتمويل مشروعات تنموية في مناطق عملها.
خبراء الأمن والنفس والاجتماع:
ضد الاحتكار .. تدعم الطبقة الوسطي وتخفض الجريمة
هناء محمد
التعاونيات بما تحققه من أمن اقتصادي وتوازن بين طبقات المجتمع قادرة علي إعادة الطبقة المتوسطة لسابق عهدها في تحجيم رجال الأعمال ورفع الطبقات الفقيرة إليها بكل ما يتبع ذلك من الآثار النفسية والاجتماعية التي استطاعت تحقيق الأمن الاجتماعي وتخفيض معدلات الجريمة واتفق علماء النفس والاجتماع أنها أيسر الطرق للعلاج الاقتصادي ومواجهة الكيانات الكبري في الهيمنة والسيطرة واشترط خبراء الأمن أن تكون الملكيات صغيرة لأن الملكيات الكبيرة لا يستفيد منها الشعب وأكد خبراء الاقتصاد أنها ضرورة لمواجهة الاحتكار والرأسمالية في السوق ومحاربة ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
ويشير دكتور جمال حسن الريدي أستاذ الاجتماع والتنمية الريفية بكلية الزراعة جامعة المنيا أن المجتمع المصري للأسف الشديد يعاني من كبوة اقتصادية ترجع إلي التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار حيث توجد فجوة كبيرة بين الأسعار والمرتبات واللجوء إلي التعاون هو أيسر الطرق للعلاج الاقتصادي ليحدث تكاتفاً ما بين المؤسسات الاقتصادية ورؤوس الأموال والأفراد للتغلب علي أزمات ارتفاع الأسعار من خلال استغلال رؤوس الأموال في شراء السلع والخدمات وتوفيرها للمواطن كل حسب حاجته وبيعها بأسعار تعاونية ويضيف الريدي أن المجتمع في حاجة كبيرة جدا إلي الجمعيات التنموية والخيرية والمنظمات الأهلية مع دعم بسيط من الدولة من خلال مؤسساتها الاقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية التي لو تحققت يحدث نوع من القناعة والرضا والتوازن النفسي والثبات الانفعالي وبالتالي تقليل معدلات الجريمة التي انتشرت بصورة كبيرة نتيجة الصراع بين الطبقات مضيفا ان الطبقة المتوسطة في أي مجتمع تنعشه اقتصاديا لأن الطبقة الغنية لا تنفق خوفا علي الأموال والطبقة الفقيرة لا تجد ما تنفقه وبالتالي فالطبقة المتوسطة من الموظفين والحرفيين وطائفة المعمار تجذب رؤوس الأموال إلي السوق وتآكلها يزيد الفروق بين طبقات المجتمع ويزيد من الأحقاد والخلل النفسي خاصة لدي المهمشين بالعشوائيات الذين يعيشون في مناطق ضحلة جدا ويخرجون لمجتمع يعيش في القصور والفيلات مما يجعله فريسة لارتكاب المزيد من الجرائم والتعاونيات.
هنا تلعب دوراً كبيراً في التوزيع العادل بين مستويات المجتمع وظهور الطبقة المتوسطة مرة أخري والتي تعتبر الدينامو الذي يحرك المجتمع كله ويضخ الثروة داخله فينتعش السوق.
وتوضح دكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسي بالمجلس القومي للبحوث الاجتماعية أن الملكيات الصغيرة تحدث نوعاً من التجمع للحصول علي مميزات معينة وهذا المفهوم ضد الفردية التي أصبحت أساساً لمفاهيم كثيرة منتشرة في العالم وأحدثت سلبيات كثيرة والتعاونيات هي نوع من التكامل والتكافل الاجتماعي والترابط المجتمعي تحدث نوعاً من القوة الوجدانية في المجتمع بحيث يكون له اتجاهات رأي علي المستوي السياسي مؤثرة في القرار وعلي المستوي الاجتماعي يكون هناك نوع من التكافل ونشاط اجتماعي علي مستوي المجتمع المدني ويقضي علي الشرذمة والتفكيك والتشتيت وتواجد الاتجاه العالمي لتقزيم الدول وتفكيك الكتل والكيانات الكبري التي تحمي نفسها بنفسها لتظل الدول التي تطلق علي نفسها الدول المتقدمة هي المسيطرة والمؤثرة في اتجاهات الرأي وتوجهات القرار السياسي والهيمنة والتعاونيات تقف ضد أجندة عالمية تخدم مصالح الدول المتقدمة وتضيف أنه يجب ان يكون هناك وعي مجتمعي بأهمية التكتلات والتعاونيات التي تحقق مصالحهم وتثبت كيانهم وتمنحهم القوة ويصبح لهم دور أساسي وايجابي في المجتمع حتي لا تكون السيطرة سهلة علي المنطقة لصالح اسرائيل لتكون الدولة الكبري وترعي مصالحهم علي مستوي العالم لذلك فالوعي هو الأساس لتحقيق كيانات زراعية وصناعية تحقق مصالح مشتركة وتقضي علي الكيانات الصغيرة المبعثرة علي كل المستويات مما يرفع مستوي الفرد ويحل مشكلات الفقر مما يحدث دعماً نفسياً ويمنح طاقة ايجابية وتجعل المناخ الاقتصادي آمناً ومهيأ للنجاح ومحققاً للأمن الاجتماعي.
يؤكد اللواء رضا يعقوب الخبير الأمني أن هناك علاقة وثيقة بين الوضع الاقتصادي ومعدلات الجريمة حيث انه كلما زاد الفقر زادت الجريمة لأنها لا تأتي من فراغ ولكن يحكمها ظواهر مثل العشوائيات والتطرف الفكري ويحكمها تهديدات حينما يتجمع بالعشوائيات والمناطق النائية الخارجون عن القانون وأصحاب التطرف الفكري وينشئون جمعيات تهدف إلي حشد الشعب ضد الدولة وهذه الظواهر والتهديدات تعالج اجتماعيا واقتصاديا والعلاج الأمني يتدخل فقط في حالة المخاطر حينما يقوم أصحاب الفكر المتطرف بتنفيذ عمليات اجرامية أو ارهابية.
يضيف يعقوب أن التعاونيات تحل المشاكل المجتمعية كالبطالة والفقر بشرط أن تكون ملكيات صغيرة فالملكيات الكبيرة لا يستفيد بها أفراد المجتمع ولكن الملكيات الصغيرة مثل تمليك كل أسرة 5 أو 10 أفدنة في الصحراء تستوعب العاطلين والجالسين علي المقاهي واستصلاح وزراعة الأرض وتقوم عدة أسر بشراء جرار وسماد وحفر بئر مياه بما يوفر لهم الكثير ويحقق الاكتفاء الذاتي ويشغل عمالاً ومهندسي الزراعة وهذا ما يسمي التنمية المستدامة التي تشمل 5 عناصر اجتماعيا باذابة الفروق بين الطبقات وإحداث مساواة ويقضي علي الحقد الاجتماعي وسياسيا من خلال الحوارات المجتمعية لخلق الانتماء الاجتماعي واقتصاديا من خلال تطوير الصناعة والزراعة والخدمات والعنصر الرابع هو الاصلاح المؤسسي وأخيراً البنية الأساسية والتي تشمل التطوير التكنولوجي والاتصالات ليس فقط البينة التحتية من مياه وصرف صحي وكهرباء وتليفونات مشيرا إلي اننا لا نحقق التنمية المستدامة حيث نسمح بالملكيات الكبيرة التي تقوم باستجلاب عاملين من دول أخري وتستورد المواد الخام وتصدر الانتاج ولا تعود بأي نفع علي الدولة.
في حين يري دكتور محمد النجار أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة بنها انه للسيطرة علي الأسعار وانضباط التجار يجب ان يكون ذلك قراراً للحكومة وأن تعرف كل الغرف التجارية واتحاد الصناعات أن النظام الاقتصادي والسياسي يغضب عندما ترفع الأسعار وذلك لأننا نعمل بدون تسعيرة جبرية وأصبحنا شعباً 40% منه تحت خط الفقر وتآكلت الطبقة المتوسطة ونزلت للطبقة الكادحة بسبب ارتفاع أ سعار السلع والخدمات في دولة تعاني من وجيعتين البطالة والتضخم حيث ان 40% من القوي العاملة من الشباب في حالة بطالة مما زاد الأعباء علي الآباء وانخفضت القوي الشرائية والمصيبة الكبري هنا أن الطبقة الكادحة تستطيع ان تتسول ولا تخشي علي وضعها الاجتماعي ولكن القاعدة العريضة من المجتمع لا تستطيع ذلك مما يلجأ بالبعض ممن يضيق بهم الحال أن يتحول إلي مجرم أو ينضم لتنظيم متطرف وكل ذلك من وسائل لتسريبات اجتماعية والوصول لناتج مأساوي مشيراً إلي أن التعاون في حد ذاته كفكرة هو عمل تطوعي يعني تضافر قوي المجتمع ويصبح وسيلة لتحسين أحوال المجتمع اذا أوكلنا الأمر لناس شرفاء ليصبح عملاً عظيماً وجزءاً من المشروع الخاص ولكننا حولنا الجمعيات التعاونية الزراعية والاستهلاكية والانتاجية لمراكز الفساد لأننا أوكلنا الأمر إلي غير الذين يعتقدون فيه حينما أوكلنا الاشتراكية للرأسماليين فأفسدوا علي الرغم من أن الذين ابتدعوا التعاون رأسماليون ولكنهم نوع راق من الرأسماليين الذين أدركوا أن الرأسمالية شرسة ولايوجد حل إلا باللجوء إلي التعاون ليستطيع الطبقات المنتجة والمستهلكة تتضافر لتصنع شيئاً أفضل مما لو ترك السوق للاحتكارات والرأسمالية بمفردها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.