قدم بوتشر، مدير عام النيل الجنوبي، في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، اقتراحًا لوزارة الأشغال العمومية بالقاهرة لإنشاء جسر في الجهة الغربية من بحر الجبل، وقال في رسالته إنه لا يمكنه الاستدلال على أصل التسمية، لذا وضعه بعنوان المشروع الفرعوني، مضيفًا أن المشروع محفوف أيضًا بمخاطر بسبب الطبيعة الجغرافية في منطقة بحر الجبل. وبحر الجبل جزء من نهر النيل في جنوب السودان بطول 1,280 كم، يبدأ النهر مسيره من بحيرة ألبرت على الحدود بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية حيث يكون اسمه نيل ألبرت. يدخل جنوب السودان في ولاية وسط الاستوائية ، وهو مستنقع متباعد الأطراف وتوجد في حوضه الأدنى السدود النباتية التي يلقيها النهر والرياح مشكلة سدودًا طبيعية حجزت المياه، ففاضت على الجانبين مكونة مستنقعات واسعة، وهذه السدود النباتية تهدر 15 مليار متر مكعب من إيراد بحر الجبل سنويًا، وينتهي النهر عند مدينة ملكال حيث يبدأ يتحد مع بحر الغزال مشكلين النيل الأبيض. وأضاف بوتشر، في مراسلاته لوزارة الري المصرية، التي تنشرها "بوابة الأهرام"، أن مشروع إقامة الجسور "يقتضي بحث الأحوال؛ ففي السنوات العادية يعطي خزان ألبرت تصرفًا في وقت الحاجة عند منجلا قدره 914 مترًا مكعبًا في الثانية، مع الزيادة والنقص المترتب على تغيرات تصرف السيل أثناء شهري مايو ويونيه"، مضيفًا أنه يمكن أن تتغير مقادير السيول من صفر مثلما حدث عام 1933 إلى حوالي 80 مليونًا من المياه في اليوم مثلما حدث في مايو 1938م، والجزء الأكبر من هذه الزيادة ينساب في نهر الياب ثم يعود إلى بحر الجبل عند بحيرة بابيو". وأضاف أنه "من الواضح أن مجري داخل الجسور مصمم أن يحمل 70 مليونًا، ويجري في منسوب أعلى بكثير من منسوب الأرض الطبيعي، لا يقدر أن يحمل زيادة 30 مليونًا في اليوم دون خطر عليه، ومن المحتمل أن تنهار الجسور لمسافات طويلة". إنشاء الجسور كان لا بد أن يتضمن إنشاء مصرف من نوع ما، لذا أكد بوتشر في خطابه أنه: "وقبل عمل مصرف لا بد من اعتبار فصل غير الحاجة، ففي السنين العادية باستثناء أعوام 1916م و1918م اقتصر متوسط الصرف عند منجلا على نحو 480 مترًا في الثانية، زائدًا كان أو ناقصًا، وفي السنين الأخيرة كان تقدير التصرف للسيول يبلغ نحو 710 أمتار مكعبة مضافة له 300 متر مكعب من تصرف بحيرة ألبرت، وهذا يتطلب عمل مصرف أصغر". كيف تكون طبيعة المصرف، وإلى أين تنصرف المياه؟ قا مدير النيل الجنوبي إن "تصرف المياه يكون خلف خط عرض جونجلي مباشرة حيث يوجد المستنقع الرئيسي من جهة الشرق، وهي الجهة الوحيدة التي يمكن فيها عمل المصرف ولوقاية المجري داخل الجسور يوجد حل واحد، وهو ضرورة إقامة جسر متقطع عند كنيسة ليصل الجسر الرئيس غرب بحر الجبل بالجسر الرئيس الثاني شرق نهر الآتم، وبناء قناطر موازية على بحر الجبل عند كنيسة وعلى نهر آتم في نقطة 12 كيلو متر تقريبًا خلف جونجلي". "من المحال التنبؤ بالمناسيب التي ستكون في المستنقع الشرقي". هكذا أجاب مدير النيل الجنوبي في بحثه، مضيفًا: ولكن إذا كان المجرى داخل الجسور ممتلئًا فبعيد عن الاحتمال أن تقطع الجسور بفعل ضغط خارجي"، لافتًا إلى أن "جميع مساحة المستنقع ستدخل في الجسور، ومن المستحيل تقدير مدى تأثير صرف كل تلك الكمية من المياه في المستنقع الشرقي وحده". عن صيانة المشروع قال مدير النيل الجنوبي إن "الصيانة هنا مسألة خطيرة؛ وذلك لتعرض الجسور لعوامل تلف عديدة، منها الضغط، وسرعة جري المياه في المتارب، والنحر المسبب عن الأمطار الغزيرة. كذلك لا بد أن يوضع في الحسبان إتلاف بواسطة الحيوانات والسكان المحليين"، لذا نصح بوتشر بأن تكون أعمال الترميم بالكراكات. وطالب بوتشر بأن يكون التفتيش على الجسر بأكمله باستمرار فصول السنة، "كما يجب معالجة المقطوع والانهيارات بطريقة أسرع. كما يجب تغطية الجسر بطبقات صماء تكون صالحة لسير السيارات. وهذا سيكلف مصاريف باهظة، والأهالي الذين يعتمدون على صيد الأسماك سيقيمون بلا شك على الجسور، وربما يتعمدون قطعها في أية نقطة، ولو في المراحل الأولى". "كما أن إقامة جسور على بحر الجبل تعني أن المستنقع الغربي سينفصل عن بحر الجبل وطبيعة الإقليم ستتغير، وفي بحر الجبل نفسه ستنعكس المواسم؛ فمناسيب عالية في الربيع ومناسيب منخفضة في الزمن المعتاد للفيضان، ولا بد أن يكون لهذا رد فعل على جميع المواقف للأهالي ونمو النباتات وأراضي المرعى، كما سيتم عمل قنطرة وهاويس عند مصب بحر الجبل وقنطرة، وهويس عند قطوع بحر الزراف، وهويس وقنطرة عند كنيسة – بحر الجبل وقنطرة وهويس بالقرب من جونجلي". "وعلى ذلك فإن تكاليف مشروع إنشاء الجسور تساوي فقط 75 % من تكاليف مشروع جونجلي في كل مليار من الزيادة المنتفع بها، وبالرغم من هذا الرخص في التكاليف فيإنني أوصي بعدم قبل مشروع الجسور لصعوبات كثيرة". ويضيف: "تكوين بحيرة واسعة عند مصب بحر الغزال من شأنه أن يخلق صعوبات، هذا فضلًا عن تأثير الرياح والأمواج على الجسور، وما ينتج عنه من صعوبات في الملاحة. كما أن تصريف كميات كبيرة من المياه حول منطقة الجسور يخلق ظروفًا لايمكن التنبوء بتأثيرها. كما أن الملاحة في بحر الجبل ستكون صعبة". وقال بوتشر في رسالته لوزير الأشغال العمومية المصرية حسين سري: "أتشرف بأن أتقدم لعزتكم بمشروع تحويل عمل جسور على جانبي بحر الجبل، كبديل عن مشروع تحويلة فيفينو وتحويلة جونجلي، وقد بينت في صلب المذكرة أني لا أستطيع أن أوصي بالأخذ بمشروع عمل جسور؛ نظرًا لما يكتنفه من أمور غير محقة، وبالأخص ما يلازمة من الصعوبة في الصيانة". وكيل وزارة الأشغال العمومية المصري كامل عثمان غالب أرسل رسالة قائلا بالإحالة إلي كتابي رقم 46-27-14 المؤرخ 1938م اقترح عضوان من أعضاء اللجنة التي كونتها مصر لمشروعات أعالي النيل إمكان تحسين مشروع عمل الجسور بأجراء تعديل للزراف بدلا من جسور لبحر الجبل في المسافة بين قطوع وبحيرة نوا بأجراء تحوير في نظام الجسور بعمل أحباس وأوضح غالب أن اللجنة المصرية قد أجمعت تقريبا علي تفضيل مشروع جونجلي علي عمل مشروع جسور لبحر الجبل ونظرا أن مدير النيل الجنوبي بوتشر لايستطيع أن يوصي باخنتيار مشروع عمل الجسور فأني اقترح عدم الاستمرار في بحث المسألة. قام حسين سري وزير الأشغال العمومية بالموافقة على رأي اللجنة المصرية واستبعاد مشروع بوتشر، وهي إنشاء الجسور على بحر الجبل، وإكساب أفضلية مشروع قناة جونجلي الأهمية القصوى لمصر".