تحدثت وثيقة رقم 12-6- 2569، في خطاب وجهه بوتشر، مدير عام النيل الجنوبي في بداية ثلاثينيات القرن الماضي لوكيل وزارة الأشغال العمومية في مصر، تحدثت عن أهمية مشروع قناة "جونجلي" وعن المجهودات المصرية في حفظ حقوقها المائية في السودان. وقال بوتشر إن موظفي مصلحة الري المصري في السودان درسوا هذا المشروع المعروف بمشروع قناة جونجلي خلال السنوات الأربع الماضية كبديل لمشروع بيبور- فيفينو الذي جرى بحثه في عام 1931م مرفقًا به كل تفاصيل المشروع الجديد. ومشروع فيفينو - بيبور الذي كانت مصر تسعى للعمل فيه من عام 1928م حتى عام 1930م للاستفادة من نحو ملياري متر مكعب من المياه بتكلفة كانت تقدر آنذاك بنحو 7 ملايين و500 ألف جنيه قد وجد في المشروع بعض عيوب مما أدى لإرجاء المشروع وبحث مشروعات بديلة تقوم بها مصر في منابع نهر النيل منها مشروع قناة جونجلي. ومشروع قناة جونجلي بدأت فيه مصر العمل فعليًا في سبعينيات القرن الماضي حيث تم حفر 260 كيلومترًا بواسطة الشركة الفرنسية التي فازت بعطاء تنفيذ الحفر، لكن توقف عند قرية الكونقر نتيجة نشوب الحرب الأهلية عام 1983 بين الحركة الشعبية بقيادة قرنق والحكومة المركزية في السودان آنذاك، ويؤكد خبراء آنذاك أن المتبقي من المشروع الذي سيخدم مصر وجنوب السودان من الحفر لا بد من إتمامه لأهمية القناة للبلدين مصر وجنوب السودان . وقال مدير عام النيل الجنوبي آنذاك إنه على الرغم من شدة التوصية في استعمال الكراكات الجرارة بدلًا من الكراكات العائمة لما قد يترتب على ذلك من الوفر في النفقات، فإنه لم ير مبررًا في حفر المجرى بهذه الطريقة؛ "إذ إنه لايمكن ضمان نجاحها في بلاد معرضة إلى طغيان المياه وسقوط الأمطار الشديدة سنويًا". بدء المسح الجوي لمنطقة السدود في عام 1930، وتم الحصول على أول نتيجة، حيث لوحظ أنه يوجد على بعد 80 كيلو مترًا شمالي بور مجرى كبير ينساب على الحافة الشرقية للمستنقع عند جونجلي، وهذا المجري كان يعرف منذ سنوات باسم نهر جروترود، وقد أيدت الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها من الطائرة ما لهذا المجري من أهمية كبرى وعلى أثر ذلك عرفت المباحث التفصيلية بالمشروع بعنوان مشروع قناة جونجلي وهو مايعرف به حتى وقتنا الحالي. مراحل مشروع جونجلي كما تقول الوثائق التي تنشرها "بوابة الأهرام" كانت عدة مراحل: المرحلة الأولى، واسمها القطع الأول، وهو عبارة عن ترعة بعرض 19 مترًا تحمل تصرفًا قدره 113 مترا مكعبًا في الثانية من جونجلي إلى نهر الزراف، وأبعاد الترعة وتصرف المياه فيها كافيان إلى درجة يمكن معها سير الكراكات المستعملة دون عائق. وأوضح بوتشر أنه سيؤدي مشروع جونجلي إلى زيادة إيرادات مصر من المياه تقدر ب2 مليار متر مكعب في مدة 11 سنة بتكلفة تقدر بنحو 4 ملايين من الجنيهات و1.6 مليار في 5 سنوات إضافية. وأضاف مدير النيل الجنوبي أن الإقليم موبوء بالملاريا ومغمور بالمياه لمدد طويلة وتهطل فيه كميات كبيرة من المياه، "لذا لا بد من اتخاذ إجراءات بشكل كافٍ لحفظ العمال والموظفين". والمرحلة الأولى من المشروع، حسب الوثائق، كانت تقتضي إنشاء تحويلة من جونجلي تخترق الأرض شرق المستنقع إلى مسافة تقرب من 200 كيلو متر حتى الزراف على بعد 175 كيلو مترًا من النهر حيث تستفيد مصر من فائدة إضافية تصل لنحو 2 مليار من المياه، وهي الفائدة التي كانت مصر ستحصل عليها لو تم تنفيذ مشروع فيفينو- بيبور. قالت الوثائق إنه بعد إنشاء مشروع قناة جونجلي بمكن إنشاء سد البرت في أوغندا بطريقة مفصلة، مؤكدة أن الكراكات ذات الرفاص وطول الذراع فيها نحو 18 مترًا وترمي لمسافة 19 مترًا على محور الكراكة هي المستخدمة في الإنشاءات، لافتًة إلى أن الكراكات ستقضي نحو 21 شهرًا في العمل المتواصل. وأوضحت وثائق المشروع أن الأضرار التي ستصيب السكان من المشروع قليلة جدًا إلا أنه تم وضع ميزانية لإدراج موارد الماشية والمعدات، لافتة إلى أن مكعبات الحفر في الكراكات لإتمام المشروع تقدر من 42 ل65 مليون متر مكعب. وقال الدكتور إبراهيم الدسوقي أستاذ الجغرافيا بجامعة جنوب الوادي بقنا ل"بوابة الأهرام" إن إحياء مشروع قناة جونجلي سيحد من تأثيرات سد النهضة، لافتًا إلى أن حقوق دول المصب تكفلها القوانين الدولية، وإن على مصر اللجوء للمحافل الدولية لو تزمت الطرف الإثيوبي ولم يقم بأي تعاون مع مصر وحقوقها المائية الأصيلة في نهر النيل". وأضاف الدسوقي أن "جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان والنائب الأول السابق لرئيس الجمهورية في السودان قبل الانفصال ورئيس حكومة جنوب السودان الأسبق حصل على درجة الدكتوراه من أمريكا في رسالة بعنوان "مشروع قناة جونجلي" التي تدل كل الوثائق القديمة على أنها لو أقيمت ستخدم البلدين معا مصر وجنوب السودان".