أما وقد أصبح انخفاض حصة مصر من مياه النيل الأزرق - بعد سد النهضة - هل يمكن أن نعوض ذلك من.. النيل الأبيض وروافده التي تنبع من المنطقة الاستوائية؟. بداية نقول إن 86٪ من حصة مصر تأتي من النيل الأزرق ومن نهر عطبرة، الذي يصب في النيل الموحد شمال الخرطوم.. وبالتالي فإن 14٪ من حصة مصر تحصل عليها من النيل الأبيض.. فهل يمكن أن نزيد حصتنا من هذا الأبيض وروافده.. هنا نقول: إذا كنا نعجز عن حل مشاكلنا مع دولة واحدة - علي النيل الأزرق - فهل يمكن أن نكون علي وفاق مع 8 دول تقع عند منابع الأبيض وروافده. هنا نقول إن مصر فكرت في ذلك.. ووجدنا أن كميات رهيبة من الأبيض وروافده - خصوصاً في منطقة بحر الغزال - تضيع من النهر في منطقة السدود الاستوائية - وهي سدود من النباتات والاحراش تسيح فيها المياه وتنتشر علي مساحة كبيرة فتتبخر النسبة الكبيرة منها إلي السماء.. وبعضها يذهب إلي باطن الأرض. هنا فكرت مصر في مشروع قناة جونجلي التي تصنع مجري للنهر وتستخدم ناتج الحفر في إنشاء طريق بري ورفع مستوي الطريق حول القناة. وللحقيقة فإن البخر والتسرب في منطقة المستنقعات هذه يفقد ما بين 25 و50 مليار متر مكعب سنوياً. ولذلك يقوم المشروع علي تقليل الفاقد لتستفيد منه مصر والسودان «قبل انفصال الجنوب» علي ان تقتسم الدولتان ناتج هذا المشروع.. وهو بالمليارات.. وفي عام 1936 - يعني منذ أكثر من 77 عاما - تم تقديم الاقتراح الرسمي بانشاء قناة جونجلي.. ولكنه توقف بسبب الحرب العالمية الثانية.. ولكنه عاد بعد الحرب وبدأت دراسات الجدوي بعد توقف هذه الحرب مباشرة.. ولعب البنك الدولي دوراً كبيراً فيها، وتعثرت الفكرة إلي أن جاء جعفر نميري إلي السلطة وبدأت الدراسة في سبتمبر 1969، وتم وضع الخطوط العريضة للمشروع بعد تعديله - بناء علي رغبة قبائل المنطقة التي كانت تري أن القناة سوف تفصل بين مساكنهم.. وبين مناطق الرعي.. وتم اعطاء المشروع موافقة رسمية من القاهرةوالخرطوم في إبريل 1974، وبدأ العمل في المشروع. ولكن في عام 1984 قرر جيش تحرير شعب السودان بقيادة جون قرنق وقف أعمال الحفر.. وهاجمت هذه القوات - في الحرب الأهلية - معسكر إنشاء المشروع في السوباط وخطفت بعض الخبراء العاملين قيد وهددت الشركة الفرنسية التي تنفذه.. وضاع مبلغ 400 مليون دولار الذي انفقته مصر والسودان علي التنفيذ رغم أن 80٪ من المشروع كان قد تم تنفيذه.. ثم استولت قوات قرنق علي معسكر المشروع وعلي معداته في فبراير 1984 وكان متوقعا إعلان تنفيذ المشروع كله في مارس 1985، وضاع حلم الاستفادة من جونجلي الذي كان سيصب في النيل الأبيض قرب ملكال «الآن في جنوب السودان» وكانت الدولتان سوف تستفيدان من مياه المشروع بمرحلتيه الأولي والثانية.. وضاع حلم.. جونجلي. وقالها لي صراحة جون قرنق ونحن نتناول الغداء علي مائدة السياسي الوفدي الراحل يس سراج الدين قالها لي قرنق وهو واقف من شرفة شقة يس بك يراقب نهر النيل.. قال لي: إن جنوب السودان لن يستفيد في هذا المشروع وعليكم أن تنسوه بالمرة!!. ولم يكن جونجلي هو المشروع الوحيد في هذه المنابع الاستوائية.. كانت هناك عدة مشروعات لزيادة تدفق النيل لمصلحة البلدين. كلها في مناطق أعالي النيل والبحيرات الاستوائية وكانت تضيف 14 مليار متر مكعب أخري سنويا من المياه خلف مدينة ملكال للسودان ومصر بل كان السودان سيحصل علي 30 مليار متر بعد تجفيف مستنقعات مشار في هذه المناطق. وهكذا لا أمل في البحث عن مصادر مائية - من النيل الأبيض - لتعويض خسائرنا من مياه النيل الأزرق.. ما هو الحل إذن.. هي الشدة المستنصرية الجديدة.. ولكن اسمها الآن «الشدة الاثيوبية» وهذا موضوعنا غدا.. إن شاء الله.