المشروعات المشتركة هي المدخل الطبيعي والسليم في علاقات جديدة بين مصر ودول حوض النيل.. وليس التهديد بالقوة، أو التلويح بها.. فقد انتهي عصر الحروب الي حد كبير. حقيقة يجب ان يعرف الاخرون قوتنا الحقيقية.. وقدرتنا وهذه وتلك تكون القوة العسكرية هي آخر ادواتها.. لتحل محلها القوة العلمية والاقتصادية والحضارية.. وهذه هي السويد والنرويج والدانمارك وهولندا وسويسرا، وغيرها لا تمتلك جيوشاً جرارة.. ولكن قوتها لا يستهين بها أي شعب آخر. وهذه القوة يجب ان تكون سندنا في اي صراع أو مشكلة مع أي دولة من حوض النيل، أو اي دولة متضررة منها. من هنا علينا ان نعظم دبلوماسية العقل والتعاون والعمل المشترك.. دون ان نتنازل عن باقي عناصر القوة الملموسة الاخري.. ولكن ما الطريق؟! ** علينا ان نعظم الاستفادة مما هو متاح من مياه النيل.. وعلينا ان نقلل الفاقد من هذه المياه الذي يسيح في مساحات شاسعة من الأرض فتغرق بالمياه.. بينما هناك من هو في شوق إليها.. مثلاً هل نعلم ان يسقط علي افريقيا أكثر من 7000 مليار متر مكعب من المياه سنويا وبالمناسبة هذا ليس كلامي.. بل كلام الدكتور محمود أبو زيد الذي ظل وزيراً لمياه مصر سنوات عديدة وهل نعلم ان اثيوبيا تمتلك مصادر للمياه الاخري خارج حوض النيل.. بل لديها أحواض اخري للمياه يمكنها ان تلجأ اليها.. وتعتمد عليها، دون ان يؤثر ذلك علي مياه حوض النيل.. بل نحن نطلق علي اثيوبيا هذه انها نافورة المياه في افريقيا.. وهي الاكثر حظاً من المياه من كل دول افريقيا.. وأيضاً ليس لاثيوبيا اي منافع مائية بين اثيوبيا وبين دول منابع النيل الاستوائية.. ولا نعرف سببا للتزمت الاثيوبي او التشدد أو حتي العداء الاثيوبي لمصر.. اللهم الا هذا العداء التاريخي لمصر منذ مئات بل آلاف السنين.. اللهم الا اذا كانت اثوبيا تريد مضايقة مصر بأي طريقة.. ** وإذا اعترفنا بأن هناك في اثيوبيا أقوي الذين يتصدون لمصر مائيا.. مناطق تحتاج للمياه.. وتحتاج للكهرباء.. فاننا يمكن ان نتفق معها علي الاستفادة من مصادر اخري للمياه غير النيل لاقامة مشروع فيها سواء لتخزين المياه.. أو لتوليد الكهرباء. وهي لا تحتاج الي مشروعات عملاقة.. بل الي عدة مشروعات معقولة سواء لتخزين المياه أو لتوليد الكهرباء أو لهما معاً.. وكان هذا هو اساس المشروعات الامريكية التي اعدها مكتب استصلاح الاراضي الامريكي فيما بين عامي 59 و1964 وتضم بالتحديد 33 مشروعاً علي النيل الازرق وغيره من روافد الانهار الاخري أو عند بحيرة تانا المنبع الرئيس للنيل الازرق وكان متصوراً انه حتي في حال تنفيذ كل هذه المشروعات فإنها سوف تقتطع حوالي 6 مليارات متر من مياه النيل الازرق ومليار ونصف المليار من نهر السوباط ونصف مليار من نهر العطبرة.. ولكننا نسمع الآن عن مشروعات تقتطع عشرات المليارات.. مما يهدد مستقبل حصة مصر من المياه. ** وإذا كان الصقر الافريقي أو الفهد الامريكي يصعب ترويضه الآن فإننا يمكن ان نتعامل بسهولة اكبر مع باقي دول الحوض، لنقيم مشروعات مشتركة تفيد كل الاطراف بالتعاون مع الدول المانحة.. وهي دول اوروبية في المقام الأول. وبالمناسبة اذا كانت الدول المانحة الاساسية وهي اوروبية في الأساس تشترط التوافق بين كل دول الحوض.. فإن الصين هذا المارد الذي وصل الي افريقيا.. هو الذي يمول الآن اكبر السدود في اثيوبيا.. وهو لا يراعي مصالح باقي دول الحوض ليأكل وحده وبعيداً عن الدول المانحة الأوروبية كل خيرات شرق افريقيا.. في اثيوبيا.. ** ولقد طرت بطائرة صغيرة فوق منطقة الحدود الاثيوبية السودانية في اقصي الجنوب والغرب وبالذات فوق منطقة جامبيلا حيث واحدة من اكبر المستنقعات والسدود والاحراش حول نهر البارو الذي ينبع في اثيوبيا وينطلق الي اراضي السودان »جنوب السودان الآن« بل ووصلت الي فوق نهر اكوبو.. وما بين هذين النهرين مناطق شاسعة تصلح للاستفادة من كميات هائلة من المياه تذهب الي هذه المستنقعات دون فائدة وهي نادراً ما تجف.. وبالمناسبة يعتبر نهر اكوبو هو خط الحدود بين الدولتين في هذه المناطق الاستوائية شديدة الامطار.. وجنوبها تقع شمال كينيا.. وهي منطقة تبعد الي حد ما عن منطقة جونجلي.. وكلتا المنطقتين تصلح لاقامة مشروعات مشتركة لتعظيم استغلال المياه ويمكن ان نمد ايدينا للدولتين: اثيوبيا في الشرق وجنوب السودان في الغرب من هذه الحدود لتقليل الفاقد من مياه المنطقتين وتوزيعها علي من يريد، ويا سلام لو نعرف حجم الفاقد في هذه المستنقعات في الشرق وفي الغرب وإحياء مشروع جونجلي فيه فائدة لدولتي السودان.. وأيضاً لمصر وهو مشروع فكرنا فيه منذ عشرات السنين.. لخدمة منطقة السودان الاوسط.. والباقي يصل الي مصر عبر النيل الأبيض.