الدولار يرتفع أمام العملات الرئيسية بعد الهجوم الإيراني الأخير    إعلام عبري: حادث خطير وقع داخل غرفة محصنة في منطقة بتاح تكفا وسط إسرائيل    تضرر شبكة الكهرباء فى وسط إسرائيل بسبب الضربات الإيرانية    بوتافوجو يحقق فوزا ثمينا على سياتل في كأس العالم للأندية    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    مواعيد مباريات اليوم الإثنين والقنوات الناقلة.. ظهور عربي في مونديال الأندية    الإسعاف الإسرائيلي: 3 قتلى جراء سقوط صواريخ إيرانية على وسط إسرائيل    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في أسيوط بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام بعد الاعتماد    تفاصيل مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    اليوم.. نظر محاكمة 11 متهما بخلية التهريب    ليس تريزيجيه.. ميدو يحمل هذا اللاعب مسؤولية إهدار ركلة جزاء الأهلي ضد إنتر ميامي    بعد عمله اليومى.. محافظ قنا يتجول بدراجة فى شوارع المحافظة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 16-6-2025.. هبوط كبير تجاوز 900 جنيه    رئيس جهاز حماية المستهلك يلتقي وزير الطيران المدني لبحث سُبل التعاون بين الجانبين    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 16 يونيو بسوق العبور للجملة    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «كارمن» بمسرح الطليعة ويشيد بصناعه | بالصور    "معتصم النهار يخوض أولى تجاربه السينمائية في مصر ب«حين يكتب الحب».. قصة رومانسية وإنتاج ضخم"    ميدو يتحدث عن أمنيته ل الأهلي في كأس العالم.. ويوجه رسالة بشأن زيزو (فيديو)    مدرب بالميراس: مباراة بورتو ستساعدنا على التحضير لمواجهة الأهلي    الضربة الاستباقية الإسرائيلية ضد إيران بين الفشل والنجاح    ترامب: بوتين مستعد للوساطة.. واتفقنا على إنهاء التصعيد في الشرق الأوسط    عادل عقل: تعادل بالميراس وبورتو يشعل مجموعة الأهلى.. وفوز كبير للبايرن بمونديال الأندية    أحمد السقا يرد على تهنئة نجله بعيد الأب.. ماذا قال؟    ارتفاع قتلى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى 16 قتيلا    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    فيديو.. الأمن الإيراني يطارد شاحنة تابعة للموساد    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    انكسار حدة الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن طقس الساعات المقبلة    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال نفذ عمليات نسف ضخمة ومتتالية لمنازل شرق جباليا شمالي غزة    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    مصرع طفلتين في حريق بمنزل أسرتهما بالزقازيق    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر فرغلي يكتب: سلام المياه
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 05 - 2010

أربع دول وقعت على اتفاقية إطارية بعد لقاء مبارك مع رئيس إريتريا.. ثم انضمت كينيا لها بعد زيارة الرئيس لإيطاليا
سد تكيزي في إثيوبيا وغيره من السدود خطر على حصة مصر من مياه النيل
في دراسة نشرتها هيئة اليونسكو، لم يعثر الباحثون في خمسة آلاف عام من تاريخ البشرية المعروف علي حرب نشبت بسبب المياه سوي مرة واحدة، وكانت بين مدينتين «إمارتين» في العراق القديم هما «أوما» و«لاقاش». في المقابل حصر الباحثون 3600 معاهدة واتفاقية خاصة بالمياه ومصادرها ومجاريها، أبرمت في القرون الاثني عشر الأخيرة. وعلي حواف 261 حوضاً من أحواض الأنهار في عالم اليوم، سنجد نماذج للتفاهم والتعاون تفوق بكثير نماذج الخلاف والصراع.
ولو كان لهذه الإحصاءات من دلالة فلابد أن تأتي في اتجاه أن المياه موضوع اتفاق وتعاهد وتعاون، وليست موضوع حرب وقتال؛ ذلك أن الشريان المائي هو شريان حقا، بمعني أنه يجري في جسد واحد، ولا ينفع فيه أسلوب عادل أدهم: «أنا لما صباعي يوجعني، ما أعالجوش، أقطعه!»، بل إن التلويح باستخدام هذا الأسلوب لا يجلب إلا مزيدا من العناد. وليس أبلغ علي هذا دليلا من أن توقيع دول المنبع الأربع علي اتفاقها الجديد جاء غداة استقبال الرئيس مبارك للرئيس الإريتري «أسياس أفورقي». وهو لقاء لم يكن له سوي معني واحد هو التهديد الصريح لأثيوبيا التي تمدنا منابعها بخمسة وثمانين في المائة من مياه النيل، فاللقاء المصري - الإريتري لم يكن مبرمجا، وجاء في أعقاب ظروف صحية تخطاها الرئيس مبارك بنجاح - ولله الحمد - لكنه بلا شك يمر بفترة نقاهة ويوفر جهده للضروري جدا من الأعباء، كما أن اللقاء جاء في خضم الخلاف المائي مما جعله لا يقرأ إلا في سياقه. وليس خافيا العداء المستحكم بين كلا النظامين الحاكمين في أثيوبيا وإريتريا، فالاستقلال الإريتري جاء بعد صراع طويل، وما كاد يتحقق حتي اندلعت سلسلة من الحروب والمواجهات العسكرية أودت بحياة ثمانين ألف جندي من الجانبين، وأذكر أثناء تغطيتي موجة جفاف ومجاعة في أثيوبيا في بداية الألفية زامنت حربا شعواء بين البلدين أن عشرين ألفا سقطوا في يوم واحد قتلي، وأن المراقبين اعتبروها أكثر حروب العالم دموية منذ الحرب العالمية الأولي!
والذين يذهبون إلي أن الحرب هي وسيلة مصر للرد علي دول المنبع والحفاظ علي حقوقنا في النهر الخالد لا يقرأون الموقف قراءة استراتيجية واعية، فالمنطقة التي نتحدث عنها لا تجمعنا معها حدود مشتركة مباشرة، بل تبعد آلاف الكيلومترات عن أقصي نقطة في جنوب مصر، ولابد إذن من إشراك السودان في أي حملة، والسودان متعب أصلا من حروبه الأهلية وظروفه الدولية، كما أنه ليس في درجة تضرر مصر من رغبة دول المنبع في اتفاق جديد، وهو مازال بعيدا عن الاستغلال الكامل لحصته من مياه النيل البالغة ثمانية عشر مليارا ونصف المليار متر مكعب. ثم إن الحرب في أفريقيا شيء، وخبرتنا في الحروب شيء آخر. وما زلنا نذكر اندحار القوات الأمريكية في الصومال، ونحن نري أن القوات الأمريكية بجلالة قدرها تشترك في حروب في قارات العالم كلها إلا أفريقيا، كما أن خوض حرب في أفريقيا يعني الاستعداد لخسائر بشرية فادحة تعود الأفارقة علي احتمالها ولم نعهد نحن أي شيء قريب منها. وقد يقول قائل نرسل طائراتنا باستخدام مطارات «صديقة» لضرب السدود والأهداف الاستراتيجية في الدول المعادية، فماذا لو ردوا بتلويث بيولوجي لمياه النيل عند خروجها من حدودها؟ إن هذا السيناريو هو أشبه بأسطورة هدم المعبد علي رءوسنا ورءوس الأعداء علي السواء، فهل نحن في هذا الموقف؟
وقد يقول قائل نتحرك لدي الدول المانحة لإفساد برامج تمويل المشروعات التي تعتزم دول المنبع إنشاءها. وهنا يظهر الرئيس مبارك مرة أخري، فقد بادر إلي السفر إلي إيطاليا وهي ممول رئيسي لعدد من مشروعات السدود الأثيوبية. وكما وقعت الدول الأربع علي اتفاقية «عنتيبي» غداة استقبال الرئيس لأفورقي، فقد أعلنت كينيا انضمامها للدول الأربع والتوقيع معها أثناء زيارة الرئيس لإيطاليا! وأخشي أن هذه الدول المانحة لن تسمع سوي نداء مصلحتها هي، وأتساءل: هل نحن في لحظة ثقل سياسي تؤهلنا للعب هذا الدور؟ هل نحن نرغب في صفر مونديالي جديد؟ وبفرض أننا استطعنا عرقلة برامج التمويل فهل يثني هذا دول المنبع عن البحث عن وسائل أخري للتمويل، أو اتخاذ إجراءات متطرفة كرد فعل علي تحركاتنا؟ ثم ألا نتعلم من التاريخ، بل من تاريخنا نحن بالذات؟ هل أثنانا التآمر الدولي وسحب عروض تمويل بناء السد عن بنائه؟ ألم نقل «حنبني وادي إحنا بنينا السد العالي»؟
لا أستطيع الابتعاد بأفكاري عن أوجه الشبه بين ما دفعتنا الدول الغربية له في 1956، وما نود نحن أن نفرضه علي دول المنبع الأفريقية في 2010، فقد ضربنا باتفاقية قناة السويس، وهي اتفاقية دولية أيضا، عرض الحائط ورفعنا شعار «المصلحة الوطنية»، وتحدينا ثلاث دول بينها دولتان عظميان وحاربتنا وحاربناها، وانتصرنا. لماذا ننكر علي دول المنبع بحثها عن مصالحها ورغبتها في التخلص من اتفاقية تراها تنتقص من سيادتها كما رأينا نحن في قناة السويس عام «56»؟
ربما أكون أسيرا لمفاهيمي السياسية التي تجعل من الأخلاقية عنصرا أساسيا في أي فكر سياسي، فالعدل الذي ننادي الدول الكبري بتطبيقه في قضايانا، أحري بنا أن نطبقه نحن في تعاملنا مع الدول الأصغر والأضعف. فالتعالي أو الاستعلاء الذي يحكم الشارع المصري، والبلطجة السياسية التي تسود جبهاتنا الداخلية، يجب أن نخلعها تماما عند الحدود، لأننا لن نجد من يقول لنا: أمرك يا باشا، وأحلامك أوامر، وماشي كلام أفندينا.
الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة هي اللغة التي يجب أن نتبناها.
والواقع يقول إن المصلحة المشتركة تتمثل في هجر اتفاقية 1929 لتوزيع حصص مياه النيل، واتفاقية 1959 التي وقعناها مع السودان منفردين، وليس في التمسك بهما، أي عكس ما تذهب إليه الحكومة المصرية في خطابها الداخلي والخارجي علي حد سواء. بل إنني أري أن هذا الخطاب غير أمين، وأشبه بمنطق «احييني النهارده وموتني بكره»، أو «إنشالله تخرب بس أكون أنا مشيت»!
فالأرقام تقول إن نصيب المواطن المصري من الماء سنويا هو 700 متر مكعب، مما يعني أنه فقير مائيا، وربما فقير جدا! إذن فتثبيت حصة مصر من مياه النيل معناه الموت عطشا حين يصل عدد سكان مصر إلي 200 مليون نسمة مثلا، وهو رقم لن نكون بعيدين عنه في منتصف القرن الحالي. هل قالت لنا الحكومة برنامجها للخروج بنا من هذا المأزق، أم أن المشكلة سيحملها آخرون في الحكم بعد عشرين أو ثلاثين عاماً؟! وماذا نفعل إذا وصلنا لنقطة العطش هذه وطالبنا بالعمل علي زيادة حصتنا فردت دول المنبع قائلة: SORRY! لا يمكن تغيير الاتفاقية؟!
والجغرافيا تقول إن مصدر مصر المائي الوحيد تقريبا هو نهر النيل، فلا بديل سوي تعظيم نصيبنا من مياهه، ولا سبيل لذلك سوي التفاهم والتعاون مع دول المنبع، لأن أي زيادة تتحقق لنا لا يمكن أن تبدأ إلا من هناك، وإذا كان شرط هذه الدول التخلص من الاتفاقية القديمة وتعظيم استفادتها هي الأخري من النيل في مجالات الزراعة والري وتوليد الطاقة، فليكن.
هناك فرق كبير بين أن نقول: عليكم الاستئذان قبل الشروع في أي مشروع له علاقة بالنيل، وإذا احتجتم ماء فلديكم المطر، وبين أن نقول: نعترف بأن الاتفاقية القديمة تجاوزتها التطورات ولدينا جميعا حاجة لتعظيم استفادتنا من ماء النيل، ويتعين علينا العمل معا لتحقيق هذا الهدف.
هذه هي الأرضية السياسية التي تسمح بإطلاق طاقات التعاون، وجهود حل مشاكل المياه في حوض النيل لزمن طويل قادم. ولكن تتبقي أرضيتان أخريان لا بد من الحديث عنهما. فالتوافق السياسي يمهد الأرض للحلول العلمية للمشكلة، كما يشجع علي بناء السند الاقتصادي الإقليمي والدولي.
بمجرد أن تنتهي مصر والسودان من استعادة الأرضية السياسية المشتركة مع دول المنبع، ينبغي عليهما أن يحولا طبيعة الملف برمته من الصفة السياسية إلي الصفة العلمية. فالقضية إذا تخلصت من النزعة الذاتية وأوهام القوة والسيطرة والاستعلاء، والاستسلام لنظريات المؤامرة - مع ضرورة الوعي بها- أصبح الحل بيد العلماء والخبراء لا الساسة.
والعلم مصحوبا بالإرادة لا يعرف المستحيل. ويكفي أن نتذكر أن العملاق الزراعي في عالم اليوم، أي الولايات المتحدة، لم تصل إلي مساحاتها المنزرعة سوي بمشاريع علي مدي عشرات السنين نجحت في ردم مناطق أهوار ومستنقعات، خصوصا في الولايات الجنوبية، في عمل كان يبدو حين بدأ في القرن قبل الماضي، شبه مستحيل.
إن محصول دول حوض النيل من مياه الأمطار المكونة للنهر يبلغ 1900 مليار متر مكعب، يصل منها إلي السودان ومصر 85 مليارا فقط، أي أقل من 5% من الكمية الكلية. وهذه نسبة ضئيلة جدا، وتتضح ضآلتها إذا قارنتها مثلا بنهر الراين الأوروبي وتصل نسبة عدم الهدر فيه إلي ما يقرب من 50%. ثم إن المياه التي تدخل فعلا في مجري النيل تفقد نحو 30% في مناطق المستنقعات، وهي أيضا نسبة كبيرة. ومادام هناك فاقد ضخم بهذا الحجم فإن آفاق تعظيم الجاري من ماء النيل لابد وأن تكون ضخمة أيضا. ولنأخذ فقط النموذج المصري السوداني:
علي مستوي الجغرافيا السودانية المصرية يجب البحث عن سبل لاستكمال العمل في قناة جونجلي المتوقف منذ عام 1983 ومن شأن هذه القناة أن توفر لمصر والسودان بضعة مليارات متر مكعب من المياه. وهنا تكمن صعوبة سياسية تتمثل في الاحتمال الوارد جدا، وهو أن يصوت الجنوبيون في يناير 2011 لصالح الاستقلال عن السودان مما يعني نشأة دولة جديدة شريكة في الحوض، ومعارضة أصلا لقناة جونجلي. ويكفي أن نذكر أن رسالة الدكتوراه التي نال بها جون جارانج الزعيم التاريخي لحركة الجنوب الدرجة من جامعات كندا، كانت عن الآثار السلبية للقناة علي البيئة والسكان المحليين.
ويمكن البحث عن مشروعات مماثلة لجونجلي في دول الحوض الأخري وخصوصا إثيوبيا، كما يمكن استيعاب مشروعات توليد الطاقة لأنه - حسب فهمي - يكون احتجاز المياه مؤقتا فقط لغرض التوليد، ثم يمكن للماء العودة إلي مجاريه ومصباته.
وأحد السيناريوهات المطروحة لزيادة حصة مصر من المياه، هو (المياه الافتراضية). فأنت حين تستورد محاصيل زراعية، فإنك في الواقع تستورد معها المياه التي أنتجتها. وليس استيراد الغذاء بجديد علي مصر، فنحن نستورد القمح والذرة والسكر والأرز بكميات كبيرة، بل إننا أصبحنا نستورد القطن! فلماذا لا نخطط لمشاريع مشتركة مع إثيوبيا علي الأرض الإثيوبية لزراعة هذه المحاصيل ومن ثم استيرادها بأسعار تفضيلية؟
ورغم الفارق الهائل بين المستغل فعلا من ماء النيل، وبين الكمية الكلية التي تتوفر في منطقة المنابع، مما يمكن أن يتيح المجال أمام أكثر من سيناريو علمي، فإن الطبيعة الجغرافية وظروف الطقس والمناخ قد توجد صعوبات من شأنها رفع الكلفة الاقتصادية لتطبيق الحلول. لكننا هنا نتحدث عن طاقات عشر دول كاملة، ثم نحن نتحدث عن منطقة من أفقر مناطق العالم بما يعني أولويتها في الدعم المالي الدولي. كذلك فإن الدول التي لديها استثمارات أو تطلعات استثمارية في هذه المنطقة كالصين والهند وإيطاليا والكويت والسعودية من المفترض أن تقوي رغبتها في ظل وجود مشروع تنموي إقليمي بهذا الحجم مما يحفزها علي المشاركة في الدعم والتمويل. ثم هناك عنصر يجب الحديث عنه في بعده الاقتصادي والسياسي بشيء من العقل المنفتح والبراجماتية السياسية.
إسرائيل. هي تريد المياه، وحاولت منذ زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلي القدس ومن ثم دخوله في مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» عام 1979، حاولت دائما أن تقدم لمصر مشاريع تحصل بموجبها علي قدر من المياه المصرية، وكان مشروع ترعة السلام هو الصيغة التي ارتضتها مصر في حينه، ولكنه لم ينته إلي ما يرضي إسرائيل لحسن الحظ. وقد استنفدت إسرائيل كل ما بوسعها تقريبا من السيطرة علي مصادر المياه المحدودة داخلها أو المحيطة بها، بل إنها شرعت في سرقة مياه جوفية مصرية حتي تنبهنا لهذا المخطط. وإذا كنا نحن نقدم الغاز المصري إلي إسرائيل دون أي مقابل سياسي أو استراتيجي، بل حتي دون مقابل اقتصادي، فأقل ما توصف به أسعار بيعنا الغاز إلي إسرائيل هو أنها أسعار «تفضيلية»، لكن المهم هو أننا قبلنا مبدأ مد إسرائيل بشيء من احتياجاتها الاستراتيجية. فلماذا لا نقدم لها الماء ولكن ضمن صفقة إقليمية تضمن لنا مكاسب حقيقية قد يكون أعظمها المقايضة بإقامة الدولة الفلسطينية علي حدود ما قبل 1967؟
تمكنت إسرائيل من تكوين تحالفات في القرن الأفريقي والشرق الأفريقي، وهي تملك التكنولوجيا والمال والحظوة الدولية لتأمين الدعم المالي الدولي لمشاريع الحل العلمي لقضية المياه في حوض النيل، ولكن، طبعا، بشرط الاستفادة منها. ما البأس إذن في إشراك إسرائيل علناً وبعلمنا وبشروطنا وفي إطار مسلماتنا القومية بحل قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة، بدلا من تركها تعبث في الخفاء في منطقة المنابع؟ يمكننا أن نوافق علي مشروع لمد إسرائيل بالمياه بالشروط التالية:
1) الانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 والتي لا تزال تحت الاحتلال.
2) إقامة الدولة الفلسطينية.
3) قبول التحكيم الدولي في مسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس.
4) التعهد بعدم مهاجمة أي دولة عربية واعتبار خطوط الحدود خطوطا حمراء.
5) اشتراط مرور الماء المصري المتجه لإسرائيل في قطاع غزة، وحصول أهل القطاع علي حصة منه توفي مختلف احتياجاتهم.
6) تحمل إسرائيل جميع تكاليف البنية التحتية اللازمة لنقل الماء من الأراضي المصرية إليها.
7) مشاركة إسرائيل بحصة معقولة في تكاليف إنشاء المشروعات المائية في منطقة المنابع والتي سيكون من شأنها زيادة حصص دول الحوض من المياه وبالتالي زيادة حصة مصر مما سيسمح ل للأخيرة بمد إسرائيل بجزء من هذه الزيادة.
8) موافقة إسرائيل علي بدء عملية تفاوضية إقليمية ودولية يكون من شأنها في نهاية المطاف الانضمام إلي جميع المعاهدات الدولية للحد من الانتشار النووي، والتخلص من ترسانتها من الأسلحة غير التقليدية كنتيجة لزوال سبب امتلاكها وانتهاء حالة العداء المتبادل بينها وبين شعوب المنطقة.
9) تسليم إسرائيل بأن إخلالها بأي من هذه الشروط والالتزامات سيعطي لمصر الحق في وقف تدفق مياهها إلي الأراضي الإسرائيلية دون أي تبعات أو جزاءات.
أليس هذا أفضل؟
ورحم الله أياما كانت فيها الست سنية سايبة الميه ترخ ترخ م الحنفية..
ليه يا ست سنية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.