العراق يشيد بقرار النرويج وإسبانيا وإيرلندا الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة    مواعيد مباريات اليوم الخميس 23- 5- 2024 في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي التونسي    إعلام فلسطيني: قوات الاحتلال تقتحم بلدات بالضفة الغربية وتستهدف الصحفيين    سر اللون البرتقالي "الخطير" لأنهار ألاسكا    محللة سياسية: نتنياهو يريد الوصول لنقطة تستلزم انخراط أمريكا وبريطانيا في الميدان    مفاجأة، نيكي هايلي تكشف عن المرشح الذي ستصوت له في انتخابات الرئاسة الأمريكية    قبل ساعات من اجتماع «المركزي».. سعر الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    بالأسم فقط.. نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2024 (الرابط والموعد والخطوات)    تريزيجيه يكشف حقيقة عودته للنادي الأهلي    "هذا اللاعب سيستمر".. حسين لبيب يُعلن خبرًا سارًا لجماهير الزمالك    ناقد رياضي: الأهلي قادر على حصد لقب دوري أبطال إفريقيا رغم صعوبة اللقاء    نتيجة الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2024 برقم الجلوس والاسم جميع المحافظات    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    رفض يغششه في الامتحان، قرار من النيابة ضد طالب شرع في قتل زميله بالقليوبية    والدة سائق سيارة حادث غرق معدية أبو غالب: ابني دافع عن شرف البنات    الكشف عن القصة الكاملة للمقبرة الفرعونية.. أحداث الحلقة 9 من «البيت بيتي 2»    المطرب اللبناني ريان يعلن إصابته بالسرطان (فيديو)    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    تشييع جثمان ضحية جديدة في حادث «معدية أبو غالب» وسط انهيار الأهالي    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    الداخلية السعودية تمنع دخول مكة المكرمة لمن يحمل تأشيرة زيارة بأنواعها    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    تأكيدًا لانفراد «المصري اليوم».. الزمالك يبلغ لاعبه بالرحيل    ميادة تبكي روان، قصة فتاة شاهدت شقيقتها يبتلعها النيل بحادث معدية أبو غالب (فيديو)    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    تفاصيل المجلس الوطنى لتطوير التعليم فى حلقة جديدة من "معلومة ع السريع".. فيديو    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    نجوى كرم تتحضر لوقوف تاريخي في رومانيا للمرة الأولى في مسيرتها الفنية    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    متحدث الحكومة: بيع أراضي بالدولار لشركات أجنبية هدفه تعظيم موارد الدولة من العملة    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    محمد الغباري: العقيدة الإسرائيلية مبنية على إقامة دولة من العريش إلى الفرات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    "وطنية للبيع".. خبير اقتصادي: الشركة تمتلك 275 محطة وقيمتها ضخمة    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    حظك اليوم| برج الجدي الخميس 23 مايو.. «تمر بتناقضات»    هل يجوز بيع جلد الأضحية؟.. الإفتاء توضح    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر فرغلي يكتب: سلام المياه
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 05 - 2010

أربع دول وقعت على اتفاقية إطارية بعد لقاء مبارك مع رئيس إريتريا.. ثم انضمت كينيا لها بعد زيارة الرئيس لإيطاليا
سد تكيزي في إثيوبيا وغيره من السدود خطر على حصة مصر من مياه النيل
في دراسة نشرتها هيئة اليونسكو، لم يعثر الباحثون في خمسة آلاف عام من تاريخ البشرية المعروف علي حرب نشبت بسبب المياه سوي مرة واحدة، وكانت بين مدينتين «إمارتين» في العراق القديم هما «أوما» و«لاقاش». في المقابل حصر الباحثون 3600 معاهدة واتفاقية خاصة بالمياه ومصادرها ومجاريها، أبرمت في القرون الاثني عشر الأخيرة. وعلي حواف 261 حوضاً من أحواض الأنهار في عالم اليوم، سنجد نماذج للتفاهم والتعاون تفوق بكثير نماذج الخلاف والصراع.
ولو كان لهذه الإحصاءات من دلالة فلابد أن تأتي في اتجاه أن المياه موضوع اتفاق وتعاهد وتعاون، وليست موضوع حرب وقتال؛ ذلك أن الشريان المائي هو شريان حقا، بمعني أنه يجري في جسد واحد، ولا ينفع فيه أسلوب عادل أدهم: «أنا لما صباعي يوجعني، ما أعالجوش، أقطعه!»، بل إن التلويح باستخدام هذا الأسلوب لا يجلب إلا مزيدا من العناد. وليس أبلغ علي هذا دليلا من أن توقيع دول المنبع الأربع علي اتفاقها الجديد جاء غداة استقبال الرئيس مبارك للرئيس الإريتري «أسياس أفورقي». وهو لقاء لم يكن له سوي معني واحد هو التهديد الصريح لأثيوبيا التي تمدنا منابعها بخمسة وثمانين في المائة من مياه النيل، فاللقاء المصري - الإريتري لم يكن مبرمجا، وجاء في أعقاب ظروف صحية تخطاها الرئيس مبارك بنجاح - ولله الحمد - لكنه بلا شك يمر بفترة نقاهة ويوفر جهده للضروري جدا من الأعباء، كما أن اللقاء جاء في خضم الخلاف المائي مما جعله لا يقرأ إلا في سياقه. وليس خافيا العداء المستحكم بين كلا النظامين الحاكمين في أثيوبيا وإريتريا، فالاستقلال الإريتري جاء بعد صراع طويل، وما كاد يتحقق حتي اندلعت سلسلة من الحروب والمواجهات العسكرية أودت بحياة ثمانين ألف جندي من الجانبين، وأذكر أثناء تغطيتي موجة جفاف ومجاعة في أثيوبيا في بداية الألفية زامنت حربا شعواء بين البلدين أن عشرين ألفا سقطوا في يوم واحد قتلي، وأن المراقبين اعتبروها أكثر حروب العالم دموية منذ الحرب العالمية الأولي!
والذين يذهبون إلي أن الحرب هي وسيلة مصر للرد علي دول المنبع والحفاظ علي حقوقنا في النهر الخالد لا يقرأون الموقف قراءة استراتيجية واعية، فالمنطقة التي نتحدث عنها لا تجمعنا معها حدود مشتركة مباشرة، بل تبعد آلاف الكيلومترات عن أقصي نقطة في جنوب مصر، ولابد إذن من إشراك السودان في أي حملة، والسودان متعب أصلا من حروبه الأهلية وظروفه الدولية، كما أنه ليس في درجة تضرر مصر من رغبة دول المنبع في اتفاق جديد، وهو مازال بعيدا عن الاستغلال الكامل لحصته من مياه النيل البالغة ثمانية عشر مليارا ونصف المليار متر مكعب. ثم إن الحرب في أفريقيا شيء، وخبرتنا في الحروب شيء آخر. وما زلنا نذكر اندحار القوات الأمريكية في الصومال، ونحن نري أن القوات الأمريكية بجلالة قدرها تشترك في حروب في قارات العالم كلها إلا أفريقيا، كما أن خوض حرب في أفريقيا يعني الاستعداد لخسائر بشرية فادحة تعود الأفارقة علي احتمالها ولم نعهد نحن أي شيء قريب منها. وقد يقول قائل نرسل طائراتنا باستخدام مطارات «صديقة» لضرب السدود والأهداف الاستراتيجية في الدول المعادية، فماذا لو ردوا بتلويث بيولوجي لمياه النيل عند خروجها من حدودها؟ إن هذا السيناريو هو أشبه بأسطورة هدم المعبد علي رءوسنا ورءوس الأعداء علي السواء، فهل نحن في هذا الموقف؟
وقد يقول قائل نتحرك لدي الدول المانحة لإفساد برامج تمويل المشروعات التي تعتزم دول المنبع إنشاءها. وهنا يظهر الرئيس مبارك مرة أخري، فقد بادر إلي السفر إلي إيطاليا وهي ممول رئيسي لعدد من مشروعات السدود الأثيوبية. وكما وقعت الدول الأربع علي اتفاقية «عنتيبي» غداة استقبال الرئيس لأفورقي، فقد أعلنت كينيا انضمامها للدول الأربع والتوقيع معها أثناء زيارة الرئيس لإيطاليا! وأخشي أن هذه الدول المانحة لن تسمع سوي نداء مصلحتها هي، وأتساءل: هل نحن في لحظة ثقل سياسي تؤهلنا للعب هذا الدور؟ هل نحن نرغب في صفر مونديالي جديد؟ وبفرض أننا استطعنا عرقلة برامج التمويل فهل يثني هذا دول المنبع عن البحث عن وسائل أخري للتمويل، أو اتخاذ إجراءات متطرفة كرد فعل علي تحركاتنا؟ ثم ألا نتعلم من التاريخ، بل من تاريخنا نحن بالذات؟ هل أثنانا التآمر الدولي وسحب عروض تمويل بناء السد عن بنائه؟ ألم نقل «حنبني وادي إحنا بنينا السد العالي»؟
لا أستطيع الابتعاد بأفكاري عن أوجه الشبه بين ما دفعتنا الدول الغربية له في 1956، وما نود نحن أن نفرضه علي دول المنبع الأفريقية في 2010، فقد ضربنا باتفاقية قناة السويس، وهي اتفاقية دولية أيضا، عرض الحائط ورفعنا شعار «المصلحة الوطنية»، وتحدينا ثلاث دول بينها دولتان عظميان وحاربتنا وحاربناها، وانتصرنا. لماذا ننكر علي دول المنبع بحثها عن مصالحها ورغبتها في التخلص من اتفاقية تراها تنتقص من سيادتها كما رأينا نحن في قناة السويس عام «56»؟
ربما أكون أسيرا لمفاهيمي السياسية التي تجعل من الأخلاقية عنصرا أساسيا في أي فكر سياسي، فالعدل الذي ننادي الدول الكبري بتطبيقه في قضايانا، أحري بنا أن نطبقه نحن في تعاملنا مع الدول الأصغر والأضعف. فالتعالي أو الاستعلاء الذي يحكم الشارع المصري، والبلطجة السياسية التي تسود جبهاتنا الداخلية، يجب أن نخلعها تماما عند الحدود، لأننا لن نجد من يقول لنا: أمرك يا باشا، وأحلامك أوامر، وماشي كلام أفندينا.
الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة هي اللغة التي يجب أن نتبناها.
والواقع يقول إن المصلحة المشتركة تتمثل في هجر اتفاقية 1929 لتوزيع حصص مياه النيل، واتفاقية 1959 التي وقعناها مع السودان منفردين، وليس في التمسك بهما، أي عكس ما تذهب إليه الحكومة المصرية في خطابها الداخلي والخارجي علي حد سواء. بل إنني أري أن هذا الخطاب غير أمين، وأشبه بمنطق «احييني النهارده وموتني بكره»، أو «إنشالله تخرب بس أكون أنا مشيت»!
فالأرقام تقول إن نصيب المواطن المصري من الماء سنويا هو 700 متر مكعب، مما يعني أنه فقير مائيا، وربما فقير جدا! إذن فتثبيت حصة مصر من مياه النيل معناه الموت عطشا حين يصل عدد سكان مصر إلي 200 مليون نسمة مثلا، وهو رقم لن نكون بعيدين عنه في منتصف القرن الحالي. هل قالت لنا الحكومة برنامجها للخروج بنا من هذا المأزق، أم أن المشكلة سيحملها آخرون في الحكم بعد عشرين أو ثلاثين عاماً؟! وماذا نفعل إذا وصلنا لنقطة العطش هذه وطالبنا بالعمل علي زيادة حصتنا فردت دول المنبع قائلة: SORRY! لا يمكن تغيير الاتفاقية؟!
والجغرافيا تقول إن مصدر مصر المائي الوحيد تقريبا هو نهر النيل، فلا بديل سوي تعظيم نصيبنا من مياهه، ولا سبيل لذلك سوي التفاهم والتعاون مع دول المنبع، لأن أي زيادة تتحقق لنا لا يمكن أن تبدأ إلا من هناك، وإذا كان شرط هذه الدول التخلص من الاتفاقية القديمة وتعظيم استفادتها هي الأخري من النيل في مجالات الزراعة والري وتوليد الطاقة، فليكن.
هناك فرق كبير بين أن نقول: عليكم الاستئذان قبل الشروع في أي مشروع له علاقة بالنيل، وإذا احتجتم ماء فلديكم المطر، وبين أن نقول: نعترف بأن الاتفاقية القديمة تجاوزتها التطورات ولدينا جميعا حاجة لتعظيم استفادتنا من ماء النيل، ويتعين علينا العمل معا لتحقيق هذا الهدف.
هذه هي الأرضية السياسية التي تسمح بإطلاق طاقات التعاون، وجهود حل مشاكل المياه في حوض النيل لزمن طويل قادم. ولكن تتبقي أرضيتان أخريان لا بد من الحديث عنهما. فالتوافق السياسي يمهد الأرض للحلول العلمية للمشكلة، كما يشجع علي بناء السند الاقتصادي الإقليمي والدولي.
بمجرد أن تنتهي مصر والسودان من استعادة الأرضية السياسية المشتركة مع دول المنبع، ينبغي عليهما أن يحولا طبيعة الملف برمته من الصفة السياسية إلي الصفة العلمية. فالقضية إذا تخلصت من النزعة الذاتية وأوهام القوة والسيطرة والاستعلاء، والاستسلام لنظريات المؤامرة - مع ضرورة الوعي بها- أصبح الحل بيد العلماء والخبراء لا الساسة.
والعلم مصحوبا بالإرادة لا يعرف المستحيل. ويكفي أن نتذكر أن العملاق الزراعي في عالم اليوم، أي الولايات المتحدة، لم تصل إلي مساحاتها المنزرعة سوي بمشاريع علي مدي عشرات السنين نجحت في ردم مناطق أهوار ومستنقعات، خصوصا في الولايات الجنوبية، في عمل كان يبدو حين بدأ في القرن قبل الماضي، شبه مستحيل.
إن محصول دول حوض النيل من مياه الأمطار المكونة للنهر يبلغ 1900 مليار متر مكعب، يصل منها إلي السودان ومصر 85 مليارا فقط، أي أقل من 5% من الكمية الكلية. وهذه نسبة ضئيلة جدا، وتتضح ضآلتها إذا قارنتها مثلا بنهر الراين الأوروبي وتصل نسبة عدم الهدر فيه إلي ما يقرب من 50%. ثم إن المياه التي تدخل فعلا في مجري النيل تفقد نحو 30% في مناطق المستنقعات، وهي أيضا نسبة كبيرة. ومادام هناك فاقد ضخم بهذا الحجم فإن آفاق تعظيم الجاري من ماء النيل لابد وأن تكون ضخمة أيضا. ولنأخذ فقط النموذج المصري السوداني:
علي مستوي الجغرافيا السودانية المصرية يجب البحث عن سبل لاستكمال العمل في قناة جونجلي المتوقف منذ عام 1983 ومن شأن هذه القناة أن توفر لمصر والسودان بضعة مليارات متر مكعب من المياه. وهنا تكمن صعوبة سياسية تتمثل في الاحتمال الوارد جدا، وهو أن يصوت الجنوبيون في يناير 2011 لصالح الاستقلال عن السودان مما يعني نشأة دولة جديدة شريكة في الحوض، ومعارضة أصلا لقناة جونجلي. ويكفي أن نذكر أن رسالة الدكتوراه التي نال بها جون جارانج الزعيم التاريخي لحركة الجنوب الدرجة من جامعات كندا، كانت عن الآثار السلبية للقناة علي البيئة والسكان المحليين.
ويمكن البحث عن مشروعات مماثلة لجونجلي في دول الحوض الأخري وخصوصا إثيوبيا، كما يمكن استيعاب مشروعات توليد الطاقة لأنه - حسب فهمي - يكون احتجاز المياه مؤقتا فقط لغرض التوليد، ثم يمكن للماء العودة إلي مجاريه ومصباته.
وأحد السيناريوهات المطروحة لزيادة حصة مصر من المياه، هو (المياه الافتراضية). فأنت حين تستورد محاصيل زراعية، فإنك في الواقع تستورد معها المياه التي أنتجتها. وليس استيراد الغذاء بجديد علي مصر، فنحن نستورد القمح والذرة والسكر والأرز بكميات كبيرة، بل إننا أصبحنا نستورد القطن! فلماذا لا نخطط لمشاريع مشتركة مع إثيوبيا علي الأرض الإثيوبية لزراعة هذه المحاصيل ومن ثم استيرادها بأسعار تفضيلية؟
ورغم الفارق الهائل بين المستغل فعلا من ماء النيل، وبين الكمية الكلية التي تتوفر في منطقة المنابع، مما يمكن أن يتيح المجال أمام أكثر من سيناريو علمي، فإن الطبيعة الجغرافية وظروف الطقس والمناخ قد توجد صعوبات من شأنها رفع الكلفة الاقتصادية لتطبيق الحلول. لكننا هنا نتحدث عن طاقات عشر دول كاملة، ثم نحن نتحدث عن منطقة من أفقر مناطق العالم بما يعني أولويتها في الدعم المالي الدولي. كذلك فإن الدول التي لديها استثمارات أو تطلعات استثمارية في هذه المنطقة كالصين والهند وإيطاليا والكويت والسعودية من المفترض أن تقوي رغبتها في ظل وجود مشروع تنموي إقليمي بهذا الحجم مما يحفزها علي المشاركة في الدعم والتمويل. ثم هناك عنصر يجب الحديث عنه في بعده الاقتصادي والسياسي بشيء من العقل المنفتح والبراجماتية السياسية.
إسرائيل. هي تريد المياه، وحاولت منذ زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلي القدس ومن ثم دخوله في مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» عام 1979، حاولت دائما أن تقدم لمصر مشاريع تحصل بموجبها علي قدر من المياه المصرية، وكان مشروع ترعة السلام هو الصيغة التي ارتضتها مصر في حينه، ولكنه لم ينته إلي ما يرضي إسرائيل لحسن الحظ. وقد استنفدت إسرائيل كل ما بوسعها تقريبا من السيطرة علي مصادر المياه المحدودة داخلها أو المحيطة بها، بل إنها شرعت في سرقة مياه جوفية مصرية حتي تنبهنا لهذا المخطط. وإذا كنا نحن نقدم الغاز المصري إلي إسرائيل دون أي مقابل سياسي أو استراتيجي، بل حتي دون مقابل اقتصادي، فأقل ما توصف به أسعار بيعنا الغاز إلي إسرائيل هو أنها أسعار «تفضيلية»، لكن المهم هو أننا قبلنا مبدأ مد إسرائيل بشيء من احتياجاتها الاستراتيجية. فلماذا لا نقدم لها الماء ولكن ضمن صفقة إقليمية تضمن لنا مكاسب حقيقية قد يكون أعظمها المقايضة بإقامة الدولة الفلسطينية علي حدود ما قبل 1967؟
تمكنت إسرائيل من تكوين تحالفات في القرن الأفريقي والشرق الأفريقي، وهي تملك التكنولوجيا والمال والحظوة الدولية لتأمين الدعم المالي الدولي لمشاريع الحل العلمي لقضية المياه في حوض النيل، ولكن، طبعا، بشرط الاستفادة منها. ما البأس إذن في إشراك إسرائيل علناً وبعلمنا وبشروطنا وفي إطار مسلماتنا القومية بحل قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة، بدلا من تركها تعبث في الخفاء في منطقة المنابع؟ يمكننا أن نوافق علي مشروع لمد إسرائيل بالمياه بالشروط التالية:
1) الانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 والتي لا تزال تحت الاحتلال.
2) إقامة الدولة الفلسطينية.
3) قبول التحكيم الدولي في مسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس.
4) التعهد بعدم مهاجمة أي دولة عربية واعتبار خطوط الحدود خطوطا حمراء.
5) اشتراط مرور الماء المصري المتجه لإسرائيل في قطاع غزة، وحصول أهل القطاع علي حصة منه توفي مختلف احتياجاتهم.
6) تحمل إسرائيل جميع تكاليف البنية التحتية اللازمة لنقل الماء من الأراضي المصرية إليها.
7) مشاركة إسرائيل بحصة معقولة في تكاليف إنشاء المشروعات المائية في منطقة المنابع والتي سيكون من شأنها زيادة حصص دول الحوض من المياه وبالتالي زيادة حصة مصر مما سيسمح ل للأخيرة بمد إسرائيل بجزء من هذه الزيادة.
8) موافقة إسرائيل علي بدء عملية تفاوضية إقليمية ودولية يكون من شأنها في نهاية المطاف الانضمام إلي جميع المعاهدات الدولية للحد من الانتشار النووي، والتخلص من ترسانتها من الأسلحة غير التقليدية كنتيجة لزوال سبب امتلاكها وانتهاء حالة العداء المتبادل بينها وبين شعوب المنطقة.
9) تسليم إسرائيل بأن إخلالها بأي من هذه الشروط والالتزامات سيعطي لمصر الحق في وقف تدفق مياهها إلي الأراضي الإسرائيلية دون أي تبعات أو جزاءات.
أليس هذا أفضل؟
ورحم الله أياما كانت فيها الست سنية سايبة الميه ترخ ترخ م الحنفية..
ليه يا ست سنية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.