حريق في خزانين نفطيين بميناء تيمريوك بجنوب روسيا إثر هجوم أوكراني بمسيرات    إخلاء العقارات المجاورة لعقار المنصورة المنهار | بالصور    بدون مفاجآت، ترتيب مجموعات كأس أمم إفريقيا 2025 بعد الجولة الأولى    الآن سنقاتل على الأرض، ترامب يقرر شن حرب برية على فنزويلا    كان على وشك الزواج.. حبس ربة منزل لقتلها طليقها بشبرا الخيمة    تطعيم الجديري المائي بمراكز «فاكسيرا» في القاهرة والمحافظات    الأمن العام السوري يلقي القبض على والي دمشق في تنظيم داعش    الكويت تدين الهجوم المسلح الذي استهدف أفراداً من الشرطة الباكستانية    الكرملين: المفاوضات حول أوكرانيا ينبغي أن تجري خلف أبواب مغلقة    إعلام فلسطيني: قوات الاحتلال تطلق النار على مناطق بخان يونس ومدينة غزة    بعد 159 عامًا في قصر العيني.. «البرلمان» ينقل جلساته للعاصمة الجديدة    مع اقتراب رأس السنة.. «الوكالة» تخطف الأضواء وركود بمحلات وسط البلد    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 25 ديسمبر 2025    وزير الثقافة يلتقي محافظ الأقصر لبحث تكثيف التعاون    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    سقوط نواب بارزين وصعود وجوه جديدة.. أطول ماراثون برلماني يقترب من خط النهاية    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارة ملاكي وربع نقل بقنا    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال عنصر من «حزب الله» في جنوب لبنان    عاجل- طقس الخميس، الهيئة العامة للأرصاد الجوية: ظاهرتان تؤثران على طقس الخميس في جميع أنحاء مصر    براءة المدعي عليه لانتفاء أركان الجريمة.. حيثيات رفض دعوى عفاف شعيب ضد محمد سامي    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجربة إطلاق صاروخ "سطح-جو" بعيد المدى    كارم محمود: لم أجد صحفيا مهنيا تورط يوما في انتهاكات أثناء تغطية العزاءات    بعد تصريح مدبولي: "لا أعباء جديدة حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي".. كيف طمأنت الحكومة المواطنين؟    اليوم، البنك المركزي يحدد أسعار الفائدة الجديدة    موعد مباريات اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025| إنفوجراف    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية السباح يوسف    قفزة تاريخية في أسعار الذهب بمصر اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    بالأسماء، أحكام الإدارية العليا في 49 طعنا على نتائج ال 30 دائرة الملغاة بانتخابات النواب    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: انتهاء برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بعد عام    التعليم وتغير قيم الإنجاب لدى المرأة.. رسالة دكتوراه بآداب السويس    مجلس الوزراء: برنامج مصر مع صندوق النقد ينتهي في ديسمبر 2026.. ولا أعباء إضافية    خبير مروري لتليفزيون اليوم السابع: تغليظ عقوبات المرور يعالج سلوكيات خطرة    محافظ الدقهلية يتفقد موقع انفجار أنبوبة بوتاجاز بعقار المنصورة    لم تحدث منذ 70 عاما، محمد علي خير يكشف "قنبلة مدبولي" للمصريين في 2026    ترتيب أمم إفريقيا - رباعي عربي في الصدارة عقب الجولة الأولى    الكاميرون تفتتح مشوارها الإفريقي بانتصار صعب على الجابون    دوري أبطال آسيا 2.. عماد النحاس يسقط بخماسية رفقه الزوراء أمام النصر بمشاركة رونالدو    صاحب فيديو صناديق الاقتراع المفتوحة بعد خسارته: لم أستغل التريند وسأكرر التجربة    العالمي فيديريكو مارتيلو: الموسيقى توحد الشعوب ومصر وطني الثاني    صفاء أبو السعود: 22 دولة شاركت في حملة مانحي الأمل ومصر تلعب دور عظيم    سكرتير بني سويف يتابع أعمال تطوير مسجد السيدة حورية للحفاظ على هويته التاريخية    تحت عنوان: ديسمبر الحزين 2025.. الوسط الفني يتشح بسواد الفقدان    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    كأس الأمم الأفريقية 2025.. الكاميرون تهزم الجابون بهدف "إيونج"    بطريرك الكاثوليك في عظة عيد الميلاد: العائلة مكان اللقاء بالله وبداية السلام الحقيقي    سلطة محكمة النقض في نقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم في رسالة دكتوراة    محافظ القليوبية: توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي تمهيدا للتشغيل التجريبى    محافظ الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يتفقدان أعمال التطوير بمكتبة مصر العامة    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة الكاميرون × الجابون Twitter بث مباشر دون "تشفير أو اشتراك" | كأس الأمم الإفريقية    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    بحضور مستشار رئيس الجمهورية للصحة، الاحتفال باليوم السنوي الأول قسم الباطنة العامة بكلية الطب    موعد الامتحان الإلكتروني للمتقدمين لشغل 964 وظيفة معلم مساعد حاسب آلي بالأزهر    صحة الفيوم تطلق مبادرة "صوت المريض" لدعم مرضى الكلى    محافظ البحيرة تتفقد القافلة الطبية المجانية بقرية الجنبيهي بحوش عيسى    حسام بدراوي يهاجم إماما في المسجد بسبب معلومات مغلوطة عن الحمل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد طه النقر يكتب: الأمن القومي المصري في خطر كبير.. فماذا نحن فاعلون؟!
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 08 - 2010

ماذا يعني الأمن القومي لمصر؟.. قبل الإجابة عن هذا السؤال الحيوي يجب تعريف الأمن بشكل عام أولا.. يقول هنري كيسنجر - مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق وأشهر مَن تولي هذا المنصب الاستراتيجي في البيت الأبيض - إن «الأمن القومي هو أي تصرفات يسعي المجتمع عن طريقها إلي حفظ حقه في البقاء».. ويري كثير من الخبراء أن فهم الأمن علي أنه موضوع الدفاع العسكري داخليا وخارجيا هو أمر سطحي وضيق، لأن الأمن العسكري مفهوم ضيق لمسألة الأمن الكبري، فهناك الكثير من الجوانب غير العسكرية المرتبطة ارتباطا وثيقا بمسألة الأمن القومي ومنها مسألة الأمن الغذائي والاقتصادي، ومسألة المياه علي رأس تلك الجوانب..
وهنا نأتي إلي لُب الموضوع أو مربط الفرس كما يقولون وهو أن الأمن القومي هو حفظ الحق في البقاء فضلا عن الارتباط الوثيق بين الأمن القومي والأمن المائي والغذائي.. وبما أنه لا بقاء ولا حياة لمصر والمصريين إلا بضمان التدفق الدائم وغير المنقوص لحصتنا التاريخية في مياه النهر، بل محاولة زيادتها بشتي السبل الممكنة نظرا لتزايد احتياجاتنا من المياه سواء لاستخدامها في الزراعة أو في الأغراض الحياتية والاقتصادية الأخري، تصبح مهمة حماية مياه النيل والدفاع عنها جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي، ومعركة حياة أو موت..
وقد أسهبتُ في مقال سابق بالعدد الأسبوعي بتاريخ 30 يونيو الماضي في شرح ضرورة حماية النهر ووقف العدوان عليه في الداخل قبل نقل جهودنا إلي خارج الحدود حتي نقنع الآخرين بجديتنا وإصرارنا علي الذهاب إلي أبعد مما يتصور الكثيرون دفاعا عن حقنا في الحياة والوجود.. والحديث عن النيل يبدأ بالحقائق الأساسية عن النهر (والتي يجهلها معظمنا إلي حد مخجل للأسف الشديد بسبب نظام التعليم المختل وإعلامنا الرسمي المتخلف!!) التي تقول إنه يقع في الشمال الشرقي من قارة أفريقيا ويقطع مجراه الرئيسي رحلة طويلة عبر أراضي السودان ومصر ليصب في البحر المتوسط.. ويبلغ طول النيل 6695 كيلومترا وهو أطول أنهار العالم.. ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كيلومتر مربع، ويمر بعشر دول أفريقية يطلق عليها دول حوض النيل وهي أوغندا، إثيوبيا، إريتريا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي ،تنزانيا، رواندا، كينيا، السودان ومصر.. وللنيل رافدان رئيسيان هما النيل الأبيض وينبع من بحيرة فكتوريا في قلب القارة السمراء، والنيل الأزرق وينبع من بحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية.. وينقل النيل الازرق 85% من مياه النيل، بينما تأتي بقية إيراد النهر عبر النيل الأبيض.. ومن هنا تتضح الأهمية البالغة لإثيوبيا والعلاقات معها لضمان تدفق حصة مصر من مياه النهر البالغة 5 و55 مليار متر مكعب سنويا وحصة السودان البالغة 5 و18 مليار متر مكعب سنويا.. وتجدر الإشارة إلي أن حصة مصر والسودان من إيراد النهر تم تحديدهما بناء علي اتفاقيتي 1929 و1959.. والاتفاقية الأخيرة تم توقيعها عندما كان عدد سكان مصر 20 مليون نسمهة.. وذلك يعني أننا نحتاج الآن إلي أربعة أمثال هذه الحصة لأن عدد سكان مصر صار 80 مليونا.. أي أربعة أمثال عددنا عام 1959!!.. ولابد أن الأشقاء في السودان يحتاجون بالمثل إلي مضاعفة نصيبهم من مياه النهر.. وتلك نقطة جوهرية في غاية الأهمية يجب أن تنطلق منها كل جهودنا ومقارباتنا المستقبلية لإدارة موارد النهر مع الأشقاء في دول حوض النيل في إطار استراتيجية شاملة متكاملة تُلقي بأخطاء ومرارات الماضي خلف ظهرها وتبدأ صفحة جديدة تقوم فيها العلاقات علي المصالح المشتركة دون أي محاولة للابتزاز أو لي الأذرع أو فرض شروط مسبقة..
ويتعين وضع الاستراتيجية الجديدة بالتنسيق التام بين مصر والسودان أولا ثم بالتفاهم مع دول الحوض الأخري.. وفيما يتعلق بالسودان علينا أن نضع في الاعتبار مسألتين حيويتين.. الأولي أن السودان هو بوابة مصر ومدخلها الطبيعي إلي أفريقيا بحكم الجغرافيا والتاريخ.. وهو امتداد مصر الطبيعي وجزء لا يتجزأ من أمنها القومي.. وعند التواصل مع الأشقاء في جنوب الوادي يجب الحرص علي أن تكون جميع مكونات المشهد السوداني وأطيافه السياسية في الصورة (حكومة الجنوب والمعارضة الشمالية بالذات).. والثانية أن السودان ليس دولة مصب فقط كما يحاول البعض تصويره، ولكنه دولة منبع أيضا لأن كميات كبيرة من إيراد النهر تأتي من الأمطار الغزيرة التي تهطل علي الأراضي السودانية الشاسعة.. وذلك يؤكد محورية ومركزية وصعوبة الرقم السوداني في معادلة إدارة موارد النهر.. وهنا يجب أن نتنبه إلي متغير جوهري سيطرأ علي خريطة حوض النيل إذا قامت دولة مستقلة جديدة في جنوب السودان، وهو احتمال وارد بقوة، بل شبه مؤكد لأن الولايات المتحدة لا تفوت أي فرصة لتأكيد تأييدها الصريح لقيام دولة مستقلة في جنوب السودان دون انتظار نتيجة استفتاء تقرير المصير المقرر إجراؤه في يناير المقبل بما يعنيه ذلك من مصادرة لإرادة الجنوبيين وعدم احترام قواعد الديمقراطية التي تصدع واشنطن رءوسنا بها ليل نهار!!.. وكانت الإدارة الأمريكية قد أصرت بوقاحة وفجاجة علي إبعاد مصر عن ملف المفاوضات السودانية بين الشمال والجنوب والتي انتهت باتفاقية نيفاشا في كينيا عام 2005، وللأسف الشديد رضخت حكومة الحزب الوطني لهذه الضغوط وانسحبت في خزي نزولا علي إرادة وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الحين مادلين أولبرايت!!.. يعني ذلك أن دولة جديدة ستولد في حوض النيل وستطالب قطعا بإعادة توزيع مياه النهر.. وهنا تأتي أهمية التنسيق والتعاون مع الأشقاء في جنوب السودان..
ولكن تبقي إثيوبيا هي الرقم الأصعب في هذا الملف.. وترجع أهمية الموقف الإثيوبي ليس فقط لأن 85 % من مياه النيل تأتي من الأراضي الإثيوبية، لكن أيضا لأن أديس أبابا تقود مع أوغندا المعسكر المتشدد المطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النيل بشكل عادل وإنهاء ما تسميه «احتكار المصريين» للنهر.. وهناك الكثير من التصريحات العصبية والمُستفزَة أحيانا التي تصدر عن كبار المسئولين في أديس أبابا.. لكنها لا تصل إلي حد القطيعة وإغلاق الباب أمام المفاوضات.. بل إن وزير الموارد المائية الإثيوبي أسفاو دينجامو كان يصر في آخر تصريحات صدرت عنه في الاسبوع قبل الماضي علي الإشارة إلي المصريين والسودانيين بوصف «الأشقاء في مصر والسودان».. وكان ذلك قبل إعلان إنسحاب الخرطوم من مبادرة حوض النيل وهو موقف لا أعرف مدي تأثيره علي المبادرة وما إذا كان هذا الانسحاب قد تم بالتنسيق مع الجانب المصري أو أننا فوجئنا به، كما هي العادة، أو هو، كما ذهب بعض المحللين، رد علي ما وصف بأنه تدخل مصري في شئون الجنوب السوداني!!.. المهم هو أن الموقف الإثيوبي الذي أبقي علي شعرة معاوية وترك الباب موارباً للمزيد من الحوار والأخذ والرد يمكن أن يكون نقطة انطلاق جديدة في هذا الملف الشائك.. وهنا ينبغي قراءة الخريطة الإثيوبية جيداً وإستخدام كل عناصر قوة مصر الناعمة بل والخشنة إذا تطلب الأمر.. ومن حسن الحظ أن لدينا الكثير من الأوراق التي يمكن اللجوء إليها في التعامل مع الجانب الإثيوبي.. فمن المعروف أن 40 % من الشعب الإثيوبي، الذي يبلغ تعداده أكثر من 70 مليون نسمة، مسيحيون تابعون للكنيسة الإرثوذكسية المرتبطة روحانيا بالكنيسة القبطية المصرية.. بل كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة المصرية حتي استقلت في منتصف السبعينيات.. ولكن لا يزال لكنيستنا نفوذ روحي علي كنيسة إثيوبيا حيث يتعين مباركة بابا الكنيسة القبطية لرأس الكنيسة الإثيوبية كما أن للكنائس والأديرة المصرية وخاصة الدير المحرق في جبل قسقام بالقوصية في أسيوط ،مكانة وقدسية عالية لدي شعب الكنيسة الإثيوبية.. فحتي إذا حج المسيحي الإثيوبي إلي القدس ،فإنه يؤمن بأنه لن يكون «مُقِدساً» كاملا إلا بالحج إلي دير المحرق!!.. ويمكن استثمار هذا الرصيد الديني والروحي في تعزيز العلاقة مع الشعب الأثيوبي لتكتسب أبعادا أخري تتجاوز روابط الجغرافيا وملف مياه النيل.. أيضا هناك 40 % من أبناء إثيوبيا مسلمون من عرقية الأورومو الذين يمكن للأزهر أن يلعب دورا مهما في التقريب بينهم وبين الشعب المصري عن طريق إرسال البعثات والوعاظ واستقبال أبنائهم للدراسة في المعاهد والكليات الأزهرية.. وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه الأزهر في بقية دول حوض النيل وخاصة مع مسلمي أوغندا وتنزانيا.. وهذا المدخل الثقافي الذي يعتمد علي قوة مصر الناعمة يجب أن يستفيد من جهود كل الخبراء بالشئون الأفريقية ونشطاء المجتمع المدني.. وتحضرني بعض الأسماء المعروفة مثل الأستاذ محمد فائق مسئول الشئون الأفريقية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي شهد عصره نفوذًا مصرياً واسعاً، ولن أقول هيمنة لا تنازع علي مصائر القارة الأفريقية.. والدكتور بطرس غإلي الأمين العام السابق للأمم المتحدة والدكتور إبراهيم نصر الدين والأستاذ حلمي شعراوي.. أيضا علينا الاستعانة بالأكاديميين المتخصصين في الثقافات واللغات الأفريقية، وخاصة اللغة الأمهرية التي تتحدث بها إثيوبيا، وقد أسعدني كثيرًا أن يفكر رجل الأعمال الدكتور أحمد بهجت صاحب قنوات دريم في إطلاق قناة باللغة الأمهرية.. فذلك قرار وطني صائب جاء في وقته تماماً وكان يتعين أن يفكر فيه القائمون علي التليفزيون المصري الذين أقاموا «دولة إعلامية» فاشلة لم تنجح حتي في تحسين صورة النظام وحكوماته في الداخل أو الخارج رغم المليارات التي تنفق بغير حساب علي أقمار صناعية ومدن إعلامية وقنوات أرضية وفضائية بلا حصر!!.. كذلك يتعين الاستعانة بالخبراء السودانيين في شئون القارة السمراء والتنسيق معهم علي أعلي المستويات..
وللدبلوماسية دور أساسي في نجاح أي استراتيجية لأي دولة.. ومن نافلة القول التأكيد علي ضرورة حسن اختيار موفدينا إلي الدول الأفريقية عموماً، ودول حوض النيل علي وجه الخصوص.. وأرجو أن نتوقف عن إرسال المغضوب عليهم وغير المؤهلين إلي سفاراتنا في العواصم الأفريقية، مع التركيز علي الملحقين الإعلاميين والثقافيين والشروع في افتتاح مراكز ثقافية مؤهلة جيدا في هذه الدول تتحرر من الروتين الحكومي حتي تنجح في إرساء علاقات عميقة ودائمة بيننا وبين شعوب القارة.. فضلا عن تقديم المساعدات في مجالات الزراعة والري والاقتصاد والتعليم والصحة والتدريب..
وأتصور أن من أهم النقاط التي ينبغي أن تركز عليها استراتيجيتنا الجديدة في العلاقات مع دول المنبع، التعاون المشترك في إدارة وتعظيم موارد النهر ووضع الخطط والمشروعات التي من شأنها تقليل الفاقد من إيراده علي أن تتحمل مصر والدول والهيئات المانحة معظم أو كل تكاليف هذه الخطط والمشروعات.. والمعروف أن إجمإلي إيراد حوض النيل يبلغ نحو 1660 مليار متر مكعب سنوياً ولا يستغل منه سوي ما يتراوح بين 3 و5 % فقط هي إجمإلي كمية المياه التي يحملها النهر.. وهذه الكمية الضئيلة تستخدم معظمها مصر والسودان، لأن مصر تعتمد اعتماداً كاملا ًعلي مياه النيل تقريبا، بينما يعتمد السودان عليها إلي حد كبير حيث لديه كميات كبيرة من الأمطار.. ويجمع كل خبراء المياه علي أنه لو تم إنقاذ ولو حتي نصف هذا الفاقد وتوزيعه علي الدول المتشاطئة فإن نصيب كل دولة سيكفي احتياجاتها الحاضرة والمستقبلية ويزيد.. ومن المشروعات التي يمكن أن نبدأ بها مرحلة جديدة من التعاون المشترك مع دول المنابع، تلك التي تتعلق بالزراعة والري ومشروعات توليد الكهرباء من الطاقة المائية.. وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن مناقشتها ومنها علي سبيل المثال توجيه رءوس الأموال المصرية والعربية للاستثمار في مشروعات الزراعة والإنتاج الحيواني وتوليد الكهرباء من خلال إقامة سدود لا تعوق تدفق مياه النهر إلي مصر والسودان، وهو ما سيؤمن حاجات دول حوض النيل جميعها من المواد الغذائية واللحوم والطاقة النظيفة والرخيصة.. ويمكن لمصر أن تبادر بإنشاء أكاديمية حوض النيل لتكنولوجيا الري والهيدروليكا ويكون مقرها في رشيد أو رأس البر عند نهاية رحلة النيل والتقائه بالبحر الأبيض.. وسيكون طلاب هذه الأكاديمية بطبيعة الحال من دول الحوض الذين يتلقون منحاً دراسية تقدمها مصر.. أيضا يمكننا التفكير في إقامة معسكر صيفي سنوي لشباب دول الحوض يتم تنظيمه في رشيد أو رأس البر أيضا.. فعندما يجيء الشباب الذين سيتولون المسئولية في بلادهم يوما ما إلي نقطة نهاية رحلة النهر ويختلطون ويتواصلون مع أقرانهم من المصريين، سيشعرون بأن نهرهم صنع حضارة عظيمة يجب أن يحافظوا عليها.. ولن يخرج علينا أحدهم فيما بعد ليكرر ما ردده رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي عندما قال: «إن المشكلة أن الاخوة المصريين يعتقدون أن نهر النيل ملكهم وحدهم، ولا حق لأحد غيرهم فيه».. والواقع المؤسف أنه محق فيما يقول إلي حد كبير لأننا لم نتعلم في المدارس والجامعات والحياة شيئا يُذكر عن دول حوض النيل وشعوبها أو حتي عن النهر نفسه!!.. وغني عن القول إنه مما يؤكد الحاجة المُلِحة إلي هذه الخطط والمشروعات والأفكار والمبادرات عنصر مهم آخر هو التغيرات المناخية التي تهدد بالجفاف والتصحر القارة الافريقية وعلي رأسها دول حوض النيل..
بقي أن نشير إلي القوي الأجنبية التي بدأت اللعب في المجال الحيوي للأمن القومي المصري والعربي بالعبث في منابع النيل ومحاولة تخريب علاقاتنا مع شعوب دول الحوض.. وبعيدا عن نظرية المؤامرة يجب الاعتراف بأن القوي المعادية لم تذهب إلي هناك إلا لملء فراغ تركناه طائعين وبالتحديد منذ أوائل الثمانينيات بعد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، وهي التحول الاستراتيجي الكبير الذي عرض أمن مصر القومي للخطر وأدي إلي تآكل دور مصر ونفوذها الإقليمي والدولي.. فقد أعلنا بسذاجة لا تخلو من العته والعبط أن أكتوبر هي آخر الحروب، وسلمنا بأيدينا كل أوراق صراع وجود لم ينته بعد اإي عدونا الرئيسي وحليفه الاستراتيجي.. وليتهما احترما قرارنا بإلقاء السلاح والانسحاب من التاريخ والجغرافيا، بل شرعا في شن حرب سرية للوقيعة بيننا وبين الاشقاء في حوض النيل بلغت أوجها بل وخرجت إلي العلن مع تولي حكومة يمينية متطرفة الحكم في إسرائيل برئاسة الإرهابي «نتنياهو» وعضوية البلطجي «ليبرمان» الذي كشف عن محورية نهر النيل ومشروعاته في المخططات الصهيونية للسيطرة علي المنطقة.. فقد هدد بوقاحة بقصف السد العإلي وزار أهم وأكبر دول حوض النيل مؤخرا ووقع اتفاقيات معها لمساعدتها في مجالات إدارة المياه» ؟!!.. وواقع الأمر أن إسرائيل تسعي منذ عهد بعيد للهيمنة علي القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات الكبري، ونجحت مع أمريكا في اختراق دوائر صنع القرار في إثيوبيا وأوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي.. .وفي ظل هذا الاختراق الأمريكي الإسرائيلي ظهرت العديد من المخططات المعادية لمصر ومنها مخطط قديم يقضي بالعمل علي تحويل مجري النيل داخل الأراضي الإثيوبية.. وأجري المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي بالفعل دراسات خاصة بهذا المشروع، ورغم أنه لم يُنفذ فإنه لا يزال فكرة قائمة.. وهناك كذلك عدد من الدراسات الجاهزة لإقامة سدود علي النيل بإثيوبيا بتمويل من البنك الدولي من شأنها أن تؤثر في حصة مصر من المياه بنسبة 20% سنويا، بل وصل الأمر إلي التفكير في خطة تقضي بتحويل كل مصادر المياه في تلك المنطقة لتصب في البحيرات العظمي وسط القارة كخزان عملاق للمياه، ثم بيع هذه المياه لمن يريد كالبترول تماما، ويمكن كذلك تعبئتها في براميل تحملها السفن أو عن طريق أنابيب لبيعها لدول خارج القارة!!.. ونجح اللاعبون الأجانب في إقناع الأشقاء في دول حوض النيل بأن المياه ثروة طبيعية كالبترول ويجب بيعها للعرب كما يبيعون لهم البترول بأسعار باهظة!!
وليس سرا أن المطامع الإسرائيلية في مياه النيل قديمة قدم المشروع الصهيوني نفسه.. فقد تقدم الصهاينة في بداية القرن الماضي بمشروع إلي اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر لنقل مياه النيل إلي إسرائيل إلا أن ذلك المشروع تم رفضه في حينه.. وفي عام 1974، وضع المهندس الإسرائيلي «إليشع كيلي» مشروعا لجلب المياه لإسرائيل من الدول المجاورة علي أساس أن إسرائيل ستعاني من مشكلة مياه في المستقبل..
ولكن يتعين التأكيد أن إسرائيل وغيرها لهم مصالح يحققونها بالطريقة التي تلائمهم، وعلينا أن نعرف مصالحنا ونسعي لتحقيقها بكل وسائل القوة الناعمة والخشنة.. وعلينا أيضا أن نعرف العدو من الصديق ونحذر جميع اللاعبين الأجانب في حوض النيل من أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من أمننا القومي بل هو جوهر هذا الأمن، وعليه فهو خط أحمر محظور الاقتراب منه.. هذه الرسالة التي يجب ألا تخلو من تهديد ووعيد يتعين أن تصل واضحة وقوية لكل من يحاول الإضرار بمصالحنا بحسن نية أو بسوء نية.. ونعني بهؤلاء إسرائيل وأمريكا والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي.. وبما أن الصين هي المستثمر الأول والأهم في إثيوبيا ودول المنابع حاليا ( وبالذات في مشروعات السدود التي رفضت الهيئات الدولية تمويلها إلا بموافقة جميع دول الحوض) فينبغي تحذيرها بقوة والتلويح بأن دفاعنا عن حقنا في البقاء يمكن أن يصل إلي حد إمكانية الاعتراف بتايوان (الصين الوطنية سابقا) ،بل ودفع الدول العربية والإسلامية إلي اتخاذ هذه الخطوة باعتبار أن أمن مصر والسودان المائي جزء من الأمن القومي العربي..
وإضافة إلي المبادرة لمد يد المساعدة والتعاون للأشقاء في حوض النهر، فإنه يجب التحرك علي المستوي الإقليمي والقاري والدولي في إطار حملة علاقات عامة تؤكد حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النهر بل وتطالب بزيادة حصتهما السنوية طالما أننا نتحدث عن القسمة العادلة لمياه النهر.. فالقسمة العادلة لا يمكن أن تعني أن يموت المصريون والسودانيون عطشا من أجل مشروعات تمنع المياه عنهم وتحتمل النجاح والفشل!!.. وهنا يجب رفع الأمر إلي المنظمات الإقليمية والدولية، إذا فشلت المحاولات الودية ومبادرات التقارب والتعاون ،وأصرت دول المنبع علي اتخاذ خطوات أحادية الجانب وعدائية يمكن أن تلحق الضرر بحصة مصر والسودان من مياه النيل.. فالجامعة العربية لها دور كبير وأصيل في هذا الملف الذي تتوقف عليه حياة مصر والسودان.. والاتحاد الأفريقي معنٍ بهذا الأمر لأن جميع أطراف القضية أعضاء فيه، وهناك اتفاقيات موقعة يعترف فيها الأعضاء بالحدود التي وضعها المستعمرون الأوروبيون وكذلك اتفاقيات المياه المرتبطة بهذه الحدود والتي يعني التنكر لها عدم الاعتراف بالحدود القائمة..
وفيما يتعلق بالاتحاد الافريقي يجب أن نعترف بأننا أهملنا حضور اجتماعات القمة الخاصة به منذ فترة طويلة وسمحنا للعلاقات بيننا وبين أعضاء بارزين فيه ( مثل الجزائر وجنوب أفريقيا) بأن تتدهور أو تفتر في أحسن الأحوال، لأسباب تافهة وغير مفهومة.. .. وهناك دور كذلك للأمم المتحدة لأن المسألة تتعلق بالقانون الدولي الذي يؤيد تماما حقوق مصر والسودان.. وهناك أيضا منظمة اليونسكو المعنية بالدفاع عن التراث الإنساني وبالتإلي عن حماية أعظم حضارة عرفتها الإنسانية والتي يرجع الفضل الأول فيها إلي مياه النيل إلي جانب إبداعات المصريين.. وعليه فإن أي عدوان علي حق مصر والسودان في مياه النهر يجب أن ينظر إليه علي أنه حرب إبادة وجريمة ضد الإنسانية جمعاء..
غير أن الأهم من كل ما سبق هو أن الحقوق الدولية، وحتي الراسخة منها والمعترف بشرعيتها، لا قيمة لها إذا لم تكن وراءها قوة تحميها ( ولنا في حقوق الفلسطينيين والعرب الضائعة مثل وعبرة).. وعليه فإنه ليس من المعقول أو المقبول أن تظل مصر غائبة أو غير فاعلة في محيطها.. بل يجب أن تستيقظ علي الفور وتنفض عن نفسها غبار نحو ثلاثة عقود من الضعف والهوان والاستسلام لأعداء الداخل والخارج.. وتستعيد نفوذها ودورها بقوة علي الصعيدين الإقليمي والدولي.. ففي الداخل، سكتنا طويلا عن زواج محرم بين السلطة والمال مما فتح الباب واسعا أمام نهب البلد وتبديد أصوله وثروته القومية من جانب عصبة من بارونات الفساد الجدد الذين لا يقيمون أي وزن لأرض أو عرض أو أمن قومي.. وأدي إلي ضعضعة الدولة وهو ما انعكس سلبا علي دور مصر وحجمها في الإقليم.. صارت مصر الحاضرة بحجمها الكبير غائبة أو مغيبة عن رسم سياسات المنطقة والتأثير فيها، بل إنها باتت رجل المنطقة المريض المتداعي في زمن نهوض وحضور قوي إقليمية أخري.. ومن الطبيعي، والحال كذلك، أن تتكأكأ علينا الأمم لأننا لم نحافظ علي مجد ومكانة كانت لنا في وقت ليس ببعيد.. وعندما تنهض مصر وتعود إلي حجمها الطبيعي ومكانتها المستحقة سيفكر الأخرون ألف مرة قبل أن يدوسوا لها علي طرف، فما بالك بتهديد أمنها القومي وحقها في البقاء؟!!.
صحيح أن السياسة الخارجية لأي بلد هي انعكاس لأوضاعه الداخلية مما يعني أن أمامنا طريقا طويلا للعودة إلي الساحة الإقليمية والدولية.. وصحيح أيضا أن ما أُطالب به يبدو ضربا من المستحيل في وجود قيادات سياسية في الحزب والحكومة تجاوزت السبعين والثمانين وفقدت القدرة علي الحكم الرشيد والتفكير السليم في المستقبل، ناهيك عن اتخاذ مبادرات جسورة بل ثورية مطلوبة بإلحاح في الداخل والخارج.. إنها «أزمة سلطة شاخت في مقاعدها» كما قال الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل عام 1993 وصحيح كذلك أن الكارثة الحقيقية هي أن من يحكمون مصر لا يعرفون قدرها، كما قال المفكر الراحل الدكتور سعيد النجار.. ولكن الأصح من كل ذلك أن مصر الوطن والدولة والأمة والأمن القومي والحاضر والمستقبل في خطر عظيم ،وأخشي أن أقول إنهم عرضة للفناء والزوال، ولن يغفر الله أو التاريخ لكل من يتقاعس بعد الآن ولا يبادر من فوره لإنقاذ وطنه أياً ومهما كان الثمن.. » قُم يامصري.. مصر دايما بتناديك.. قُم لنصري.. نصري دين واجب عليك»..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.