.. وهكذا يصل بنا الوزير أحمد أبوالغيط في هذا المقال الحادي عشر من سلسلة مقالاته عن حرب أكتوبر إلي المرة الأولي التي يصل فيها وزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كيسنجر إلي مصر. كان ذلك في6 نوفمبر37, وكان بداية لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الولاياتالمتحدة, التي تأكد الرئيس السادات, أنها وحدها في الشرق الأوسط, خاصة بعد أن ماطل السوفيت كثيرا مصر في منحها ماأرادته من أسلحة ومعدات لمواجهة إسرائيل.. وإلي المقال: كان الجميع ينتظر بترقب وباهتمام كبير وصول كيسنجر, وزير الخارجية الأمريكية لأول مرة إلي القاهرة... وهي زيارة افتتاحية تلتها زيارات عديدة أدت إلي وقوع تطورات رئيسية في منحي العلاقة الأمريكية المصرية... وأسلوب تناول مسألة التسوية... سواء علي المستوي المصري/ الإسرائيلي أو السوري الإسرائيلي... وأخيرا كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية التي كانت واستمرت ومازالت جوهر النزاع في الشرق الأوسط وذلك رغم كل الاتفاقات التي وقعت خلال هذه الفترة وما تلاها علي كل الجبهات العربية الإسرائيلية. وأقول إن الجميع كان يحمل الكثير من التوقعات... كما أن مجموعة عمل مكتب حافظ إسماعيل... وتحت الإشراف المباشر والحكيم للسفير الدكتور عبدالهادي مخلوف مدير مكتب مستشار الأمن القومي... سعت لترتيب الأوراق وعرض المذكرات والتقييمات والقراءات... وتم طرح أفكار كيسنجر التقليدية وأسلوبه في العمل من واقع تجربة مفاوضات فيتنام التي دارت علي مدي عدة سنوات سابقة ومنذ شغل كيسنجر منصب مستشار الأمن القومي في يناير96 بإدارة الرئيس نيكسون الأولي... وكذلك أثناء استحواذه علي منصبي مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية لفترة انتقالية خلال فترة رئاسة نيكسون الثانية والتي لم تستكمل نتيجة لأحداث وخفايا فضيحة ووترجيت الأمريكية. وكان المستشار حافظ إسماعيل يقرأ بنهم كل ما نكتبه حول أسلوب كيسنجر في التفاوض... ووصل الوزير الأمريكي مساء يوم6 نوفمبر القاهرة... والتقي بالرئيس السادات صباح الأربعاء7 نوفمبر... وكتبت في يوميات يوم الخميس8 نوفمبر سعت0421 أن الرئيس وكيسنجر توصلا وبسرعة إلي اتفاق يستهدف تحقيق الاستقرار بالجبهة وقد أرسلاه إلي إسرائيل عن طريق سيسكو مساعد كيسنجر بالخارجية الأمريكية وينص علي: { يتعين علي مصر وإسرائيل أن يلتزما بدقة بوقف إطلاق النار الذي دعا إليه مجلس الأمن في قراراته التي بدأت بالقرار.338 { تبدأ المحادثات فورا بين البلدين بهدف تسوية مسألة العودة إلي خطوط22 أكتوبر ضمن خطة لاتفاق لفك الاشتباك وفصل القوات تحت إشراف الأممالمتحدة. { يتعين أن تحصل مدينة السويس علي إمدادات يومية من الطعام والماء والأدوية ونقل الجرحي منها. { لا تفرض أي عوائق تمنع نقل إمدادات غير عسكرية إلي الضفة الشرقية للقناة. { تحل مراكز تفتيش تابعة للأمم المتحدة محل مراكز إسرائيل علي طريق القاهرة/ السويس. وفي نهاية الطريق من ناحية السويس... يمكن للضباط الإسرائيليين أن يشتركوا مع مسئولي الأممالمتحدة في التفتيش والتأكد من طبيعة الإمدادات غير العسكرية... { وفور إتمام إقامة نقاط التفتيش التابعة للأمم المتحدة علي طريق القاهرةالسويس يبدأ تبادل أسري الحرب بمن فيهم الجرحي... ثم عادت اليوميات لنفس اليوم لكي تذكر أن كيسنجر تحدث مع الرئيس السادات طارحا فكرة تحقيق انسحاب الجيش الثالث إلي الغرب من القناة... إلي مواقعه الأصلية قبل بدء العبور في مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من الجيب في الغرب والعودة إلي شرق القناة... في مواقع الجيش الثالث... وهو نفس الطرح الأرعن الذي كان كل من الجنرال ياريف الإسرائيلي قد قدمه إلي اللواء الجمسي في محادثات الكيلو101 علي طريق مصر/ السويس الصحراوي... وكذلك تطرق إليه كيسنجر مع الوزير إسماعيل فهمي في واشنطن... بل وأقول إنه نفس المطلب الذي طرحه كيسنجر علي حافظ إسماعيل في اليوم الثاني لانطلاق العملية المصرية العسكرية يوم7 أكتوبر... وقد رفض الرئيس السادات بحزم هذه الفكرة... مثلما رفضها كل المسئولين السابق الإشارة إليهم... ثم ذكر كيسنجر للرئيس فكرة ربط تسوية خطوط22 أكتوبر بموضوع التوصل إلي اتفاق لفك الاشتباك أو فصل القوات المصرية/ الإسرائيلية وبدء الانسحاب الإسرائيلي التدريجي إلي الشرق من القناة. واقترح كيسنجر أيضا أن تنظر الأطراف في عقد مؤتمر السلام المشار إليه في القرار338 في أوائل ديسمبر وحضور كل من أمريكا والسوفيت المؤتمر ومشاركتهما في كل اللجان وكذلك استجابته لطرح مصري بأهمية تنفيذ فض اشتباك مواز أيضا بين إسرائيل وسوريا وعلي نمط ما بدأنا بحثه مع الأمريكيين بالنسبة للجبهة المصرية... وعاد كيسنجر أخيرا لكي يطرح عدة نقاط كان يري أن لها أهميتها... في مقدمتها إنهاء حظر البترول المفروض علي الصادرات إلي أمريكا وكذلك عدم استمرار الدول البترولية في تخفيض إنتاجيتها حسب قراراتها منذ02 أكتوبر... وهو اليوم الذي اتجهت فيه هذه الدول إلي فرض هذه المواقف. ومازلت في هذا الصدد اعترف بأن هذه الخطوة العربية كانت ذات تأثير وأهمية... إلا أنني أيضا علي اقتناع بأنها جاءت متأخرة وكان ينبغي القيام بها والإعداد لها فور وضوح تبني الولاياتالمتحدة لمواقف مؤيدة وداعمة عسكريا لإسرائيل... أي علي الأقل أسبوع سابق لصدور القرار العربي فعلا... ولعل عدم جاهزية الأشقاء العرب لهذه الخطوة فور وقوع الحرب... وكذلك عدم إحاطتهم بشكل دقيق بموعد الضربة العربية العسكرية قد أبطأ من إيقاعهم في مواجهة الموقف. وعلي أي الأحوال فقد تمسك الرئيس السادات في مواجهة مطالب كيسنجر بأن العودة إلي مستوي الإنتاج السابق قبل الحظر والعودة إلي التصدير مرتبط في الحقيقة بانسحاب إسرائيل... ودون تحديد مفهوم دقيق لذلك الأمر. وتطرق كيسنجر أيضا في لقائه بالرئيس السادات إلي مسألة إغلاق مصر باب المندب أمام السفن والتجارة الإسرائيلية... قائلا إنه يأمل أن نغض الطرف بهدوء عن هذا الحصار. وهنا يجب أن أضيف أن مصر كانت قد تغافلت عمدا عن مرور سفينة ليبيرية ناقلة للبترول عبر باب المندب يوم أول نوفمبر في طريقها إلي ميناء إيلات كإشارة إلي مرونتها إذا ما كانت مواقف الولاياتالمتحدة إيجابية وكذلك إذا ما قامت إسرائيل بالاستجابة للمطالب المصرية... وأعلم أن نقاشا عميقا دار في هذا الشأن بين مستشار الأمن القومي المصري من جانب والقائد العام للقوات المسلحة المصرية أحمد إسماعيل علي من جانب آخر... وكان الأخير يرغب في التصدي لإغراقها خاصة وأنها كانت تحت رؤية ومراقبة ومدي إحدي غواصاتنا بالمنطقة... وقد فضل حافظ إسماعيل عدم التعرض لها وذلك حفاظا علي فاعلية مهمة الوزير إسماعيل فهمي في واشنطن... مع إبلاغ الأمريكيين باحتفاظنا بمواقفنا وحقوقنا في التعرض للسفن مستقبلا... وكتبت في يوم هذه الواقعة أن هذه الخطوة تعتبر بمثابة تنازل عن سيطرتنا علي البحر الأحمر... وهي لاشك تتم في مقابل فتح طرق الإمداد للسويس والجيش الثالث... وفي هذا السياق كله... أصدر الرئيس السادات... وفور عودته من زيارة سريعة لكل من الكويت/ والسعودية يوم2 نوفمبر تعليماته المشددة باعتراض جميع السفن المتجهة إلي إيلات مرة أخري... وأتفق أخيرا علي إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين مصر والولاياتالمتحدة منذ عام.76 وأجدني اليوم أعود لقراءة اليوميات المسجل بها كل هذه اللقاءات وبعد مرور73 عاما بالكثير من الاهتمام والتدقيق... إذ كنت لا استشعر الرضا لما كنت أرصد بعض عناصره وفي حدود رؤيتي وتجربتي وقتها والمتاح لي من معلومات وتقييمات أيضا... إذ كنت قد كتبت أن الجميع بهيئة مكتب حافظ إسماعيل يستشعرون القلق... بل ويمكن القول إنهم غير سعداء أو مستريحين لنتائج اللقاء... إذ فتح الأمريكيون لنا طريقا للجيش الثالث في مقابل تبادل الأسري والانزواء عن باب المندب ومع استمرار بقاء إسرائيل في مواقعها وعدم الانسحاب إلي خطوط22 أكتوبر. من هنا... يمكنني توقع استمرار حصار الجيش الثالث لفترة طويلة غير معروف مداها الزمني... إذ أنه تم الربط بين النقاط الست المتفق عليها والسعي إلي تحقيق فك الاشتباك أو فصل القوات... والمؤكد أن البحث فيها والتوصل إلي اتفاق حولها سيستغرق شهورا وسوف تسعي إسرائيل لتحقيق مطالب ومكاسب ونحن لا نستطيع الاستجابة لها... كما سوف تحاول إسرائيل ربط خطوة فض الاشتباك بالخطوات التالية... ومن ثم بالتسوية النهائية, وسيستغرق ذلك وقتا... ربما ستة أشهر... يكون الجيش الثالث خلالها قد ترهل وهو تحت الحصار... وعدت في اليوميات في مواجهة هذا الموقف مثلما قرأته... أطرح علي نفسي ذات السؤال المحوري... عما إذا كانت لدينا وقتها قدرة عسكرية علي فتح طريقنا إلي الجيش الثالث بالقوة أم أننا نحتاج للمزيد من الوقت... وهو سؤال لاشك لم تكن هناك إجابة عليه سوي لدي القليل من العسكريين المصريين العالمين بخلفيات الأوضاع وإمكانيات القوات المسلحة وشكل الإمداد السوفيتي... والقوات العربية ومعداتها التي بدأت تتقاطر علينا من كل حدب وصوب. وحول هذا الوضع... فإن من المهم أيضا تناول وعرض فحوي استقبال الرئيس السادات سعت0311 يوم6 نوفمبر اليوم السابق للقائه مع كيسنجر للجنرال لاشنكو كبير الخبراء السوفيت لدي الرئيس عبدالناصر وحيث طلب الرئيس وبالحاح ومرة أخري مقاتلات ميج12 وقد المح لاشنكو بشكل غير مباشر إلي عدم وجود كفاية لديهم من هذا الطراز!!!... كما طلب الرئيس صواريخ كوادرات سام6 معدل لمواجهة مقذوفات شرايك التي كانت المقاتلات القاذفة الإسرائيلية تستخدمها بكثافة ضد رادارات بطاريات الصواريخ المصرية ويجيب لاشنكو أن السوفيت ليس لديهم أي أنواع جديدة أو معدلة عما هو لدينا من بطاريات... وطلب الرئيس ثلاثين طائرة بشكل فوري من طراز005M( ميج52) وأجابه لاشنكو أن عدد03 طائرة لن يكون مؤثرا... أي بمنطق العكس... فلا داعي لها... وعقب الجنرال السوفيتي رغم كل هذه الإجابات بقوله إن خبراءه سيدرسون مطالب مصر واحتياجاتها وسيعملون جهدهم لمقابلتها والاستجابة لها. وأضاف السوفيتي أنه يري أن قوات إسرائيل في غرب القناة في وضع خطير للغاية ويمكن القضاء عليها بعملية عسكرية... وأنه لا يعرف أي لاشنكو من هو المحاصر ومن هو المحصور. وقد وافقه الرئيس علي تلك القراءة وهذا المفهوم مضيفا أن أحمد إسماعيل قد جهز لعملية كبيرة لتنفيذها إذا ما اقتضي الأمر... وتساءل لاشنكو بالتالي وردا علي رؤية الرئيس السادات, ولماذا لا تنفذوها بدعوي تنفيذ القرار242 وكذلك فرض العودة إلي خطوط22 أكتوبر. ولعل من الأهمية بمكان في هذا السياق أن نمضي في استعراض محاولات الرئيس السادات للحفاظ علي قدر من العلاقة الإيجابية مع السوفيت وحيث إن المؤكد أن الرئيس ورغم انفتاحه الكامل وتوجهه المطلق في التحرك علي المسار الأمريكي الواعد... إلا أنه كان أيضا يعي أن عناصر القوة المصرية المسلحة هي الأساس لتطويع الموقف الأمريكي والإسرائيلي وللوصول إلي الصيغة المرضية له... من هنا أستمر الرئيس يحاول مع السوفيت ويناور للحصول علي ما يمكن له الاستحواذ عليه منهم. من هنا استقبل مرة أخري السفير السوفيتي يوم الأحد11 نوفمبر وعاود المطالبة بالمقاتلات الميج12 م ف خاصة وأن تقديره أن حالة الطيران المصري بعد الخسائر والتضحيات أصبحت حساسة. وبهدف الدفاع عن مطالبه في المقاتلات, أوضح الرئيس السادات للسفير السوفيتي أن مصر لديها تفوق واضح في الدبابات في الغرب والعدو متوتر فعلا بسبب ذلك وقد يحاول العدو ضربنا بقواته الجوية... من هنا يجب أن نكون علي استعداد لملاقاته... وعاد الرئيس التأكيد علي قدرتنا علي تصفية الجيب بالغرب... واختتم الرئيس حديثه بالتعبير عن الضيق من الموقف والتصرفات السوفيتية معنا وطلب موافاته بتفسير للموقف والتصرفات السوفيتية مؤكدا أن امتناعهم عن إرسال المقاتلات يمثل رسالة واضحة لنا... ووعد السفير السوفيتي بإبلاغ برجنيف فورا بالموقف واستفسر عما إذا كنا نقبل بأنواع أخري من المقاتلات... وعقبت من جانبي في معرض التعليق عقب قراءتي لهذا المحضر... أخشي أن يرسل لنا السوفيت مقاتلات ميج...71 وقد ختم الرئيس المقابلة بقوله... إنه يرفض الشكوك السوفيتية في مصر وتصرفاتها. وأعود الآن إلي النقاط الست وقراءتي لها وزيارة كيسنجر للقاهرة وتأثيراتها... واستأذن القارئ الكريم في الاقتباس من كتاب حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي بقوله إن الرئيس لخص نتائج زيارة كيسنجر في اجتماعه بمعاونيه بقوله إنه أمضي أغلب وقت المحادثات مع كيسنجر من أجل فض الاشتباك مع الولاياتالمتحدة وليس إسرائيل كما كنا نظن. واعتبر الرئيس أنه بدأ بذلك صفحة جديدة مع الولاياتالمتحدة. وكان تقديره أنها وحدها القادرة علي تحريك الموقف بدون التعاون مع الاتحاد السوفيتي. ولقد كشفت هذه الكلمات بوضوح عن التوجه المصري القادم. كما لاشك أن ردود فعل السوفيت, مثلما أوضحت مواقف الجنرال لاشنكو, أظهرت عدم نية الاتحاد السوفيتي في المضي بعيدا في تقوية مصر أو بناء قدراتها... إلا بتأكيدات صارمة لم يكن الرئيس السادات علي استعداد لتقديمها أو حتي التفكير فيها في تلك الظروف... ومرة أخري حسم الأمر... واتجهت مصر إلي طريق الخطوة بخطوة والتدرج وبناء الثقة مع أمريكا. وقد مضي الرئيس وفور إقرار النقاط الست وتوقيعها يوم11 نوفمبر إلي إصدار تعليماته إلي اللواء الجمسي بالبدء في تناول موضوع فك الاشتباك مع الجنرال ياريف... وحيث عاودا اجتماعاتهما في اليوم التالي مباشرة. وقد يكون من المناسب في هذه المرحلة من مناقشة موضوع النقاط الست القول إن الجانب المصري لم يستسغ أحاديث الإسرائيليين وتسريباتهم حول تضمن هذه النقاط نصا خاصا برفع الحصار عن باب المندب وقد طلب وزير الخارجية المصرية وقف الإعلان عن الاتفاق لحين توضيح الأمر... كذلك لاحظ الجانب المصري بدء سلسلة من المضايقات الإسرائيلية في مسائل الإمداد للسويس والجيش الثالث... وهي مضايقات كانت قد دفعت بالعميد أحمد بدوي, قائد الفرقة السابعة مشاه وقائد قوات بدر في الشرق مع بدء الحصار إلي رفض مرور بعض التعيينات والمياه إليه... بل وأفرغ بعض الجراكن من المياه أمام الإسرائيليين وقوات الأممالمتحدة... لقد لقي هذا الموقف تقديرا كبيرا في مصر ولدي القيادة المصرية... وكشفت عن معدن مصري رائع... لقد توقع الكثيرون عندئذ أن هذا الرجل سوف يكون له شأنه في قيادة القوات المسلحة في مستقبل الأيام مثلما تحقق فعلا مع تعيينه وزيرا للدفاع... إنه شخصية أخري من شخصيات الجيش المصري الذين ظلموا في فترة سابقة وفي أعقاب هزيمة...76 مثله في ذلك مثل الفريق العرابي قائد الفرقة21 المدرعة ورئيس الأركان المقبل وكلاهما تعرض لوضع مسئ لكنه لم يفل عضدهما أو يضعف من معنوياتهما ووفائهما لبلدهما. ومع توقيع هذا الاتفاق مثلما قلت سعت0051 من الأحد11 نوفمبر وهو ذات اليوم من ذات الشهر لتوقيع اتفاق الهدنة في الحرب العالمية الأولي كتبت سعت0061 أقول إن الكثير من اللغط سيدور حول هذا الاتفاق كما ستكون هناك تفسيرات متضاربة... إلا أن المؤكد أننا نسير علي طريق التسوية ويجب أن نحشد أكبر ضغط سياسي وعسكري للإسراع من هذه التسوية التي يمكن أن تقوم كبداية علي انسحاب إسرائيل إلي شرق الممرات مع تخفيف الوجود المصري العسكري شرق القناة ووضع قوات حفظ سلام دولية... وعبرت عن أملي و/ أو توقعي أن يتم ذلك الموضوع في خلال شهرين أو ربما ستة أسابيع مع عقد مؤتمر السلام. وتابعت مصر في الأسبوع التالي لانتهاء زيارة كيسنجر للقاهرة... جهودها من أجل البدء في تنفيذ النقاط الست وتأمين إمداد مستقر ومستمر للجيش الثالث ولمدينة السويس... وكذلك الاستمرار في الإعداد لعقد مؤتمر جنيف للبحث في التسوية الشاملة للنزاع العربي/ الإسرائيلي ومع التحرك بالتوازي للعمل علي نسج علاقة مصرية/ أمريكية متطورة وبذل جهد نحو محاولة يائسة للحفاظ علي علاقات مصر بالاتحاد السوفيتي... وأيضا الاستمرار في تعظيم الأوراق المصرية عن طريق التعاون والتنسيق النشط مع الأطراف العربية وبالذات البترولية منها... مع الصبر والتعاون البناء مع سوريا, حفاظا علي وحدة شركاء القتال... خاصة وأن الأداء السوري من وجهة نظر الكثير من المسئولين المصريين كان يتسم إما بالتشدد أو برفض أي تحرك سياسي لمتابعة النجاح في المواجهة المسلحة بعمل سياسي واع. واعتقادي في الحقيقة, اليوم, أننا ربما كان يجب علينا أن نبذل المزيد من الجهد لإقناع سوريا بصواب التحرك النشط المصري ذي الإيقاع السريع لاستغلال الزخم الذي أوجده الصدام المسلح والضغوط العسكرية علي قوات إسرائيل علي جبهتي قتال تفرقهما مئات الأميال... كما كان يجب أيضا السعي للحفاظ علي ثقتها في التوجهات المصرية... وكان تقديري وقتها... مثلما هو الآن... أن الطرفين حاربا معركة رائعة وطبقا لإستراتيجية عامة واضحة لتوزيع القدرات الإسرائيلية علي جبهتين إلا أنهما لم ينجحا أن يعملا باتساق كامل أثناء إدارة العمليات... والحقيقة أن ذلك الأمر كان يتطلب الكثير من التحضير والإعداد والتنسيق والتشاور قبل بدء العمليات العسكرية وخلالها وما بعدها... وهو الوضع الذي كان يتصف في تقديري بعدم الكمال... ويبقي أن الجانبين لم يتفاهما علي الأهداف النهائية للصدام المسلح... كما أثق أنه لم تكن لديهما رؤية واضحة لما بعد توقف القتال... وما يتبع هذا دائما من دراسة مسبقة لأي سيناريوهات يجب توقعها ودراستها والعمل علي أساسها فور ظهور هذا الاحتمال أو ذاك ومواجهته بهذا الخيار أو غيره. لقد كانت هناك لحظات صعبة في تلك العلاقة وكتب الكثيرون... ومن بينهم السيد محمود رياض أمين عام الجامعة العربية وقتها... أن الشكوك كانت تنتاب القيادتين تجاه بعضهما البعض وكان هناك اقتناع لدي القيادة السورية أن مصر تحركت بسرعة وبمفردها... وعلي الجانب المصري... فكان الاقتناع أن سوريا لم تتفهم متطلبات العمل السياسي فور انتهاء الصدام المسلح كما أن سوريا تصورت أن مصر لم تكن مضطرة للقبول بوقف إطلاق النار. لقد مرت العلاقة بين الشريكين بفترات بالغة الصعوبة... وأتذكر أنه وفي إطار الإعداد لمؤتمر جنيف دارت خلافات مصرية/ سورية إلي الحد أنني أطلعت في وقتها علي بعض الاتصالات التليفونية المسجلة بين وزيري خارجية مصر وسوريا, فهمي وخدام, تضمنت الكثير من الحدة والمواجهة... الأمر الذي صدمني كثيرا, ومرة أخري أقدر أن غياب الفهم المشترك لأهداف العمل المسلح من ناحية وعدم الاتفاق بين الشريكين علي الإطار السياسي والتحرك في اتجاهه في الفترة التالية من ناحية أخري... أدي إلي هذا التعقيد... وأدي بالتالي إلي افتراق متدرج... ثم نهائي مع مبادرة الرئيس السادات في نوفمبر77 وذلك رغم محاولات حقيقية وجادة للرئيس السادات, علي مدي عدة سنوات تلت وقف القتال في أكتوبر...37 حاول خلالها تحقيق مصالح سوريا والدفاع عن مطالبها في مواجهة إسرائيل ومع الأمريكيين.