محافظ شمال سيناء يعلن عن طرح مدينة رفح الجديدة وقري الصيادين والتجمعات التنموية (صور)    فاتن عبد المعبود: سيناء أرض الفيروز وكنز لدينا في مصر    عزوف المواطنين عن شراء الأسماك يؤتي ثماره بالدقهلية.. انخفاض الأسعار للنصف    الصوامع والشون تواصل استقبال محصول القمح في المحافظات    بتوجيهات رئاسية.. سيناء تحظى بأولوية حكومية فى خطط التنمية الشاملة    رد عاجل من حركة حماس على طلب 17 دولة بالأفراج عن الرهائن    آلاف اليهود يؤدون الصلاة عند حائط البراق .. فيديو    "أون تايم سبورتس" تحصل على حقوق بث مباريات نصف نهائي الكؤوس الإفريقية لليد    بسبب إيقاف القيد.. أحمد حسن يفجر مفاجأة في أزمة بوطيب مع الزمالك    منافسة قوية لأبطال مصر في البطولة الأفريقية للجودو.. ورئيس الاتحاد: الدولة المصرية والشركة المتحدة لا يدخرون جهدا لدعم الرياضة    مصرع طفلين وإصابة بنت فى التجمع.. الأب: رجعت من شغلي وفوجئت بالحريق    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    غير مستقر.. سعر الدولار الآن بالبنوك بعد ارتفاعه المفاجئ    «الجيزة» تزيل تعديات وإشغالات الطريق العام بشوارع ربيع الجيزي والمحطة والميدان (صور)    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جدول مواعيد امتحانات الصفين الأول والثانى الثانوى أخر العام 2024 في القليوبية    نقابة الموسيقيين تنعي مسعد رضوان وتشييع جثمانه من بلبيس    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    آخرهم وائل فرج ومروة الأزلي.. نجوم انفصلوا قبل أيام من الزفاف    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي حسين من محبسه: عطش مصر أهم إنجازات مبارك!! وقد حذرناه منذ 15 عامًا
نشر في مصر الجديدة يوم 24 - 05 - 2010

في الرسالة الثانية التي بعث بها مجدي احمد حسين رئيس حزب العمل المجمد من محبسه تكلم عن كارثة مياه النيل وحصة مصر فيه التي اصبحت مهددة بنقصانها مما سينعكس على كل اشكال الحياة في مصر ووصف مجدي السبب في ذلك بانه سياسات الرئيس مبارك وان هذه الكارثة تعد واحدة من اكبر الكوارث في عصره وهذا هو نص الكلمة :
كتبنا وحذرنا فى جريدة الشعب منذ 15 عاما من كارثة مياه النيل، واقترحنا خطة للمواجهة يرددها الإعلام الرسمى بعد فوات الأوان, فهل سيترك الشعب نظام مبارك يحكمه حتى يدمر مصر تدميرا شاملا، وحتى تصبح شربة الماء مهددة، هل سنترك هذا النظام حتى يجف نهر النيل وتنتهى مصر، فمصر لم تقم إلا على النيل, وهو سبب وجودها, حتى قلنا أن مصر هبة النيل. كنا نشكو من تلوث المياه، والزراعة بمياه المجارى، وغدا لن نجد مياها نقية ولا ملوثة. فما الذى بقى من الإنجازات التى يمكن أن يحققها حكم السفهاء، نحن نشهد حالة الانتحار الجماعى للأمة كما تفعل بعض الكائنات البرية والبحرية. والانتحار حرام وكفر, فكيف إذا كان الانتحار جماعيا.رضينا بالفيروس الكبدى والسرطان والفشل الكلوى، والغلاء، والبطالة، والتخلف التعليمى والحضارى, وصمتنا، والآن جاء موعدنا مع العطش وهو الأمر الذى يعنى الفناء. وهذا لن يتم فى يوم وليلة, ولكن سيكون موتا زاحفا بصورة تدريجية، بل نحن من الآن نعانى من أزمة مياه للشرب والزراعة، وستتواصل هذه الأزمة تدريجيا. وأكثر من ثلاثين مليونا يشربون الآن مياها ملوثة، وهذه هى بداية الأزمة, ثم سنشرب جميعا مياها ملوثة، ثم يأتى يوم بلا مياه ملوثة أو نقية!!!
وقد أمرنا الله ألا نؤتى السفهاء أموالنا: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) ومع ذلك فقد سلمنا أموالنا ورقابنا لحكم السفهاء، وسنظل ندفع ثمن ذلك, وستدفع الأجيال القادمة ثمنا أكبر. فما الذى كتبته منذ 15 عاما؟ أعرضه مرة أخرى من الذاكرة مع بعض الإضافات التى أكدتها مرور الأيام.
أولا: البيئة المحيطة:
قبل الحديث عن روابط العروبة والإسلام، فإن هناك قاعدة أساسية تحكم المجتمعات بشكل عام, وهى ترتيب أوضاعها فى البيئة المحيطة بها (الجيران ودول الإقليم) بحيث تكون بيئة صديقة ومواتية، لا بيئة معادية. وأى حاكم لا ينظر إلى الخريطة كل يوم هو حاكم أحمق. فأى دولة صغيرة أو كبيرة يجب أن تضع فى رأس أولوياتها البيئة المحيطة بها، فإذا كانت دولة صغيرة تبحث عن الاستقواء بدولة كبيرة فى المنطقة، وإذا كانت كبيرة تسعى لتقوية روابطها ونفوذها فى الدول الصغيرة المحيطة بها, أو التحالف مع الدول المماثلة لها فى القوة. أما الاكتفاء بالانشغال بالأوضاع الداخلية فهو حماقة كبرى، لأن أى مجتمع لا يعيش فى جزيرة معزولة عن العالم المحيط، والبيئة المحيطة قد تؤدى إلى خنق المجتمع (إذا كانت معادية) أو تؤدى إلى ازدهاره (إذا كانت صديقة) والذى ينشغل بوضعه الداخلى عن وضعه الإقليمى أشبه بالمشغول بترتيب بيته من الداخل دون مراعاة أحوال حديقة بيته أو الشارع المقيم فيه أو الحى أو المدينة، فما فائدة الانشغال بترتيب البيت والأوضاع حوله غير آمنة, أو يتعرض لانقطاع شبه دائم للماء والكهرباء. فما بالكم وأن حكامنا حتى لم ينشغلوا بترتيب الأوضاع الداخلية إلا وفقا لمصالحهم وأرباحهم غير المشروعة, فأصبح البيت يُدمر من الداخل والخارج فى آن معا، حتى الدول الكبرى لا تستطيع أن تتعالى على إقليمها المحيط, ولا تستغنى عنه, بل أن ترتيب وضعها فى إقليمها شرط أولى لتتحول إلى دولة كبرى. حتى الصين العظيمة السكان والمساحة لا يمكن تفسير انطلاقتها بعيدا عن ترتيب أوضاعها فى إقليم جنوب شرق آسيا, وابتداء من دول متناهية الصغر كهونج كونج ومكاو ثم تايوان ثم مجموعة الآسيان. ومن المؤسف أننى مضطر للخوض فى البديهيات, فالدول المجاورة لك معبر للعبور للعالم سواء برا أو بحرا أو جوا, والدول المجاورة هى أقرب الأسواق للتصدير والاستيراد, وهذا يحقق مكسبا اقتصاديا، والدول المجاورة عمق استراتيجى فى الأزمات الإستراتيجية، والدول المجاورة مناسبة لتصدير العمالة أو استيرادها، الدول المجاورة يمكن أن تكون مصدر تهديد للأمن القومى (استضافة معارضين - تهريب سلاح ومخدرات.. الخ) لذلك لابد من تأمين الحدود بالصداقة وليس بالأسلاك الشائكة أو الجدار الفولاذى!
وفى عهد كامب ديفيد تم تدمير كل هذه البديهيات، فأصبحت الأولوية للعلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والشراكة مع أوروبا, بينما تراجعت علاقات مصر مع بيئتها العربية. صحيح أن إسرائيل دولة مجاورة, ولكنها دولة معادية ومصطنعة ومزروعة, بل ودولة احتلال استيطانى, وهى الخطر الأكبر على مصر, كما أن مصر هى الخطر الأكبر عليها. فى حين وصل الأمر إلى حد الدخول فى حرب مع ليبيا، وكنا على وشك الدخول فى حرب مع السودان، والآن نحن فى حالة حرب باردة مع غزة! وفى الدائرة الأوسع دخلنا فى حروب سياسية وإعلامية متواصلة مع أطراف عربية وإسلامية: العراق - سوريا - قطر - اليمن - إيران - أفغانستان طالبان, بالإضافة لكافة حركات المقاومة ضد الاحتلال: فى فلسطين ولبنان والعراق والصومال. والمثير للسخرية والألم أن حاكمنا رفض مشروع إقامة جسر برى بين مصر والسعودية وهو مشروع بالغ الأهمية، كان يمثل شريانا أساسيا للتفاعل بين البلدين الكبيرين, بل وبين المشرق العربى والمغرب العربى، والرفض كان بأوامر إسرائيلية صريحة وعلنية! وتم دفن المشروع فى غياهب النسيان. ويشهد التاريخ أن مصر لم تزدهر إلا فى الفترات التى كانت متواصلة مع محيطها العربى خاصة الشرقى والجنوبى. وهذا قانون بديهى ينطبق على مصر وغيرها, فالهرم لكى يرتفع لابد له من قاعدة عريضة, والمنطقة المحيطة بالدولة هى القاعدة, وحتى الدول الاستعمارية ذات القاعدة الضيقة فإنها لم تعمر طويلا: كهولندا والبرتغال وحتى إيطاليا.
فى الوقت الحاضر العلاقات معقولة مع ليبيا والسودان, بمعنى أنها توقفت عن الحالة العدائية, ولكنها بعيدة عن أن تكون علاقة إستراتيجية كما يتوجب فى علاقات الجوار, وقد دفع النظام المصرى ليبيا خلال فترة الحصار للتقارب مع أمريكا، واكتشفت ليبيا أن الارتماء فى أحضان أمريكا لا يحتاج لمرشد أو دليل، وفعلت ذلك وأصبحت صديقة لأمريكا والغرب كطريق لفك الحصار، وتدهورت العلاقات المصرية - الليبية ليس إلى مستوى العداء ولكن لتكون مجرد علاقة طبيعية فاترة، وأصبحت العمالة المصرية فى ليبيا تتعرض لسوء معاملة متزايدة، وتزايدت القيود على المصريين لدخول ليبيا، بل وأعادت ليبيا تأشيرة الدخول للمصريين بينما ألغتها مع تركيا البعيدة!!
أما العلاقات مع السودان فلا شك أنها أصبحت أفضل, وهذه من الحسنات النادرة فى سياستنا العربية, ولكنها أيضا لم ترتقى إلى مستوى استراتيجى، بينما هو أمر لا فكاك منه بالنسبة لمصر. فالسودان يمكن أن يعيش بدون مصر، ولكن مصر لا تستطيع العيش بدون السودان. وسنأتى لتفصيل ذلك.
ثانيا: الدولة المحورية:
التقسيم الشائع والبسيط للدول هو: دول عظمى - دول متوسطة - دول صغرى, ولا شك أن الدول العظمى دول أساسية ومحورية فى منطقتها أولا ثم فى العالم، أما الدول المتوسطة فى الوزن الحضارى والسكان والمساحة فليست متساوية، فبعضها يطلق عليه: الدول المحورية, أى أنها دولة قيادية ومؤثرة فى محيطها الإقليمى, وبعض هذه الدول إذا استطاع أن يقوم بدوره القيادى يتحول إلى دولة عظمى, وهذا ما حدث مع الصين والهند، ويحدث الآن مع البرازيل ثم جنوب أفريقيا بدرجة أقل. والدولة المحورية تكون عادة هى الأكبر مساحة وسكانا وحضارة فى محيطها الإقليمى وتحظى بقبول ثقافى ولها امتداداتها السكانية فى البلاد المجاورة شريطة أن تنجح فى عملية الإقلاع (التنمية) وهى تتحول بذلك إلى قطب مغناطيسى يجذب كل القطع (الدول) الصغيرة حولها وتتحول إلى قائد الجوقة فى الإقليم بالدور الفعال وليس بالاحتلال والنفوذ العسكرى وإن كانت لابد من أن تكون قوية عسكريا حتى تحمى مشروعها التنموى وأن يكون لها هيبة دولية ذات مصداقية. وقدر مصر أن تكون دولة محورية فى إقليمها وينافسها تاريخيا: العراق - إيران - تركيا, وقد خرج العراق فى الآونة الأخيرة, وسيظل دولة ضعيفة لفترة ما حتى بعد خروج الاحتلال الأمريكى. وإيران تقوم بدور غير مسبوق فى تاريخها القريب وتركيا قادمة بقوة، ومصر تواصل الانسحاب، ولكن الدولة المحورية عندما تفقد دورها الذاتى، ونظرا لأهميتها الأصلية فإن قوى أكبر منها تستحوذ عليها وتوظفها لمصالحها, وهذا ما حدث باستيلاء الولايات المتحدة على مقدرات مصر، وكما فعلت من قبل فرنسا وإنجلترا والإمبراطورية الرومانية، والدولة العثمانية وحتى الدولة الفارسية والهكسوس (فى العصر الفرعونى). ويعيش حكام مصر الآن على أمجاد الماضى ويتحدث إعلامها كثيرا عن وزن مصر وعظمة مصر، ولكنها أصبحت الآن مملكة أمريكية، وفى إطار الحلف الصهيونى - الأمريكى، فالمطلوب أن تظل مصر ضعيفة، مجرد قاعدة نفوذ أمريكى وأن تستثمر نقاط قوتها: الموقع - الموضع - الحضارة (وإن ذبلت الوردة فلا تزال لها رائحة!) فى إطار المشروع الأمريكى - الصهيونى فى المنطقة، لضمان المصالح الأمريكية والاحتفاظ بتفوق الكيان الصهيونى. وفى إطار انهيار الكيان المصرى، وسيطرة نخبة محدودة الأفق عليه، تعلن كل يوم أن عدد السكان كارثة، بل زيادة السكان هو الكارثة الأكبر. فى حين أن الدول العظمى والمحورية لابد من أن تكون كثيفة السكان، فهذه نعمة ونقطة قوة لا نقمة, ولكنهم كالسفيه الذى لا يدرك قيمة ما فى يديه من جواهر وثروات. والملفت للانتباه أن محورية مصر لها بعدان: بعد أفقى عربى - إسلامى، شرقا وغربا، ولها بُعد رأسى عربى - إسلامى - أفريقى شمالا وجنوبا, وهذا البعد الرأسى هو الذى يشغلنا الآن فى تناول قضية نهر النيل.
ثالثا: العروبة والإسلام:
بدأت الحديث عن الجيران ودول الجوار بالتسلسل المنطقى للأشياء، فحتى إذا كانت السودان بلد أفريقى وثنى على حدودنا، فمن واجبنا أن نقيم معه أفضل علاقات التعاون! أقول من واجبنا تجاه أنفسنا. والمفارقة أن محيطنا عربى - إسلامى, وبالتالى فإن أواصر الود طبيعية: لغة وعقيدة وتاريخ مشترك وتزاوج واختلاط دموى (على خلاف الشعوب الأوروبية حيث توجد عدة لغات وقوميات بين دول متجاورة, ولكنهم أدركوا أهمية الترابط والتآصر) بل وأكثر من ذلك فإن مصر لها قابلية ومحبة طبيعية فى قلوب العرب كمركز للحضارة والثقافة والفنون والآداب. وهذا أكبر رأس مال يهدره حكام مصر اليوم. مصر جزء لا يتجزأ من أمتها العربية - الإسلامية، ولا يمكن النظر فى حل مشكلاتها بعيدا عن أمتها، بل أن ابتعادها عن أمتها يزيد من مشكلاتها ويزيدها ضعفا فى كل المجالات.
رابعا: السودان دولة محورية بالنسبة لمصر:
فى إطار تركيزنا على مشكلة نهر النيل، نتحدث عن السودان، وقد رأينا دوما أن مصر والسودان بلد واحد (على الأقل شمال السودان) وهذا كلام تاريخى، لا مجرد رأى أو أمنية أو دعوة عاطفية. ويمكن مراجعة تفصيل ذلك فى كتابى (مصر والسودان).
منذ العهد الفرعونى حتى الاحتلال البريطانى كانت مصر والسودان دولة واحدة خاصة فى لحظات الازدهار الحضارى فى مصر.
ونحن ندعو لوحدة طوعية طبيعية يقبل عليها الطرفان بنفس الحماس، ولابد من توفير أسباب ذلك. والسودان عمق استراتيجى لمصر بعروبته وإسلامه وحبه لمصر والمصريين (ليس من قبيل الصدفة أن الكلية الحربية المصرية انتقلت للسودان بعد عام 1967 لتكون بعيدة عن القصف الإسرائيلى). والتكامل المصرى السودانى يحل مشكلات أساسية للبلدين، فمشكلة مصر الأساسية فى ندرة المياه والأرض الزراعية ونقص الثروة الحيوانية، والسودان يحتاج لإمكانيات مصر والعمالة المدربة والخبراء، والسودان به 200 مليون فدان صالحة للزراعة، ومراعى واسعة وتوفر مياه النيل الذى كان السودان لا يستخدم نصف حصته منها حتى وقت قريب، بالإضافة للأمطار الأكثر غزارة من مصر بكثير. والسودان يعانى من نقص السكان لأن مساحته أكبر من مصر بمرتين ونصف ومعظم أراضيه قابلة للسكنى، على خلاف مصر حيث أكثر من 95% من أراضيها صحراء جرداء، ويعانى شمال السودان خاصة من نقص فادح فى السكان. وطالما طلب نظام الإنقاذ الحالى من مصر ملايين العمالة الزراعية لتستوطن فى شمال السودان. وكان هناك مشروع ثلاثى (مصرى - سودانى- ليبى) لزراعة ملايين الأفدنة فى السودان بالقمح لسد حاجة البلدان الثلاثة ثم للتصدير.
والمؤكد أن الرفض جاء من مبارك وفقا لرواية القذافى ورواية المسئولين السودانيين حيث قال لهم مبارك إن أمريكا لا يمكن أن توافق على هذا المشروع!! وبالتوازى مع ذلك خضع مبارك لفيتو أمريكى آخر على تعمير سيناء بما يسمح بتوطين من 3-5 ملايين مصرى فيها!!
إن التكامل المصرى - السودانى خاصة مع دخول السودان عالم البترول والصناعة، يمكن أن يخلق دولة عظمى إقليمية، فماذا لو أضفنا ليبيا إليهما. وليس مشروع القمح المرفوض مصريا إلا أحد أبرز الأمثلة على ماذا يمكن أن يحدث لو تكاملت قوى هذه البلدان الثلاثة قبل أن تتوحد مع باقى العرب والمسلمين. ورغم رفض هذا المشروع المنطقى والذى يضمن الأمن الغذائى لمصر، سمعنا من أحد الوزراء مرة كلاما أقرب إلى كلام الحشاشين، حيث قال: هناك مشروع مصرى لزراعة القمح فى كندا (أى فى آخر الدنيا)، وطبعا تبين أن هذا المشروع نكتة سخيفة واختفت واختفى الوزير نفسه.
وأذكر أننى دخلت فى سجال مع المشير أبى غزالة وزير الدفاع الأسبق فى لجنة الأمن القومى بمجلس الشعب حول العلاقة مع السودان، وتطرقت لما نشر فى الصحف من تصريحات رسمية عن مشروع لزراعة القمح فى زائير. وقلت هذا مشروع خرافى آخر، وكأن المطلوب هو مكايدة السودان. ورد علىّ أبو غزالة مقاطعا حديثى: والله مصر تزرع وتتعاون مع أى بلد تريد! وقد مر أكثر من عشرين عاما على هذا الحوار، ونحن لم نزرع القمح فى زائير ولا السودان ولا كندا!! بل وتقلصت زراعة القمح فى مصر!
ورغم أن العلاقات مع السودان الآن طبيعية (غير عدائية) فإن مصر تعانى من أزمة لحوم حادة وارتفاع فلكى فى أسعارها، رغم امتلاك السودان لعشرات الملايين من الرؤوس الحيوانية ويصر حكامنا على عدم حل هذه المشكلة بسهولة ويسر من خلال السودان, يتركون المستوردين يذهبون إلى باراجوى والبرازيل والهند لاستيراد لحوم غير صحية، ولا تنطبق عليها الاشتراطات الإسلامية. وتستورد مصر لحوما ب 400 مليون دولار على الأقل سنويا، ولكنها تضن على السودان بهذا التدفق المالى، رغم أن مصر هى المستفيدة أكثر لأنها ستحصل على لحوم رخيصة ونظيفة وباشتراطات إسلامية.
فى إطار تحسين العلاقات مع السودان تم الاتفاق على إلغاء تأشيرة الدخول, ونفذ السودان الشق الخاص به، وأصبح بإمكان المصريين السفر للسودان، بينما السودانى لا يزال يحتاج لتأشيرة دخول لمصر! ومع هذا فقد أدى هذا التطور من جانب السودان إلى تزايد العمالة المصرية ونزوح أعداد متزايدة من الحرفيين المصريين للعمل فى السودان وبدأت بعض الاستثمارات الخاصة الخجولة المصرية تتزايد ببطء فى السودان.
وكما قلنا فإن الزيادة السكانية المصرية نعمة لا نقمة، ومن مصلحة مصر أن يتوطن ملايين المصريين فى السودان كما حدث من قبل فى العراق، وكما حدث فى العديد من الدول العربية بل وفى أوروبا والولايات المتحدة. وإذا كان لدينا سلطة وطنية حكيمة فإنها تستفيد من هذا النزوح المصرى ويمكن أن يتحول إلى عناصر قوة للدولة المصرية. كما تستفيد الصين من الجاليات الصينية المنتشرة فى دول جنوب شرق آسيا، فى تدعيم النفوذ الصينى ورعاية المصالح الصينية فى هذه البلدان. وأن تكون هذه الجاليات جسور للتعاون بين بلدهم الأم وبلدهم الجديدة (30% من سكان ماليزيا من أصل صينى) وأنا أعنى السفر للاستقرار والحصول على الجنسية وليس مجرد السفر المؤقت وإن كان النوعان من الهجرة مطلوبين. أما فى إطار الوضع الراهن فان ملايين المصريين فى الخارج والذين تتراوح تقديراتهم بين 5-8 ملايين هم مجرد شاردين عن الوطن وهاربين منه، لا يتم الانتفاع بهم ولا ربطهم بالوطن الأم ولا رعاية مصالحهم ولا الدفاع عنهم عندما يتعرضون للظلم أو الاضطهاد. ولو كانت لدينا دولة رشيدة لقامت برعاية عقود العمل بصورة جماعية كما تفعل الدول الآسيوية: الصين والهند والفلبين وغيرها مع عمالتها فى البلاد العربية وإفريقيا. ولكن حكامنا الذين يعتبرون المصريين عبئا على الوطن فى الداخل، فكيف سيفكرون فى قيمتهم بالخارج. ولو كانت لدينا دولة رشيدة لخططت لتهجير من ثلاثة إلى خمسة ملايين مصرى للسودان خاصة لشمال السودان فى إطار مشروعات زراعية مشتركة، ولم تترك ذلك لمجرد الصدف فما بالكم وأن حكومة السودان هى التى ألحت على ذلك مرارا دون استجابة وقد قال لى يوما أحد المسئولين السودانيين إن نزوح المصريين له أهمية إستراتيجية فى التوازن الديموغرافى (السكانى) نظرا لنزوح مئات الآلاف بل الملايين من بلاد أفريقية أخرى مجاورة إلى السودان من غير المسلمين والعرب، والسودان يحتاج لتوازن يحفظ الأغلبية العددية للعرب والمسلمين للحفاظ على الطابع الحالى للسودان. ستقولون ما علاقة هذا الحديث بمسألة نهر النيل؟
والإجابة: أننا سنأتى إلى مسألة نهر النيل بالتفصيل ولكن هذا متعلق أيضا بمسالة المياه. والمعروف أننا نستهلك معظم ما يصلنا من المياه فى الزراعة، فإذا زرعنا ملايين الأفدنة فى السودان بحصة السودان المائية، فكأننا نضيف إلى ثروتنا المائية وبالتالى نضيف إلى ثروتنا الزراعية ومن ثم الغذائية! مع ملاحظة أن الأرض فى السودان أصبحت أكثر خصوبة من الأراضى الزراعية المصرية التى حرمت من طمى النيل، وأصيبت بتراكم الكيماويات عبر عشرات السنين.
وهذا يرتبط بتفادى الوضع البائس الحالى للبلدين حيث لا يوجد ربط لخطوط السكك الحديدية ولا طرق برية حديثة، وهذه مشروعات مكملة للتوسع الزراعى فى السودان وحتى يمكن الاستفادة من ثماره. ولكن كل هذا الخيال غائب عن ذهن حكام مصر الذين يثرثرون عن الزراعة فى كندا وزائير!! ويدخل فى هذا الإطار مشروع توشكى الوهمى، فليس من المهم أن تزرع فى مكان ما ولكن يجب أن تحسب تكاليف النقل وأشياء أخرى عديدة، ولكننا نشير لتكاليف النقل، لأن الزراعة حتى فى السودان المجاورة، لا يمكن نقل منتجاتها بالطائرات!! وهذه أهمية الحديث عن السكك الحديدية والطرق البرية والبحرية. إننا فى احتياج للتعاون مع (المخ السودانى) فالمسألة ليست مياه وأراضى زراعية، وعلى حكامنا ونخبتنا أن يدركوا التطور السياسى والفكرى فى السودان، وان النخبة السودانية فى العقود الأخيرة من أزكى النخب العربية والإسلامية، والتعاون مع النظام السودانى مدخل رئيسى لدول حوض النيل بل ولكل أفريقيا. ويجب أن تتوقف النخبة المصرية فى الحكم والمعارضة عن مرض التعالى على السودان، وان تدرك أن لديها الكثير لتتعلمه من السودان ليس فى فهم السودان فحسب ولكن فى فهم ما يجرى فى حوض النيل والقرن الأفريقى وأفريقيا عموم. والسودان ممكن أن يكون مرشدا ودليلا لنا للغوص الحقيقى فى أعماق القارة السمراء، خاصة بعد أن ابتعدنا لعقود عن هذه القارة، مع استمرار قلة ضئيلة من المتخصصين فى متابعة ما يجرى فى أفريقيا من خلال العمل المكتبى داخل القاهرة وبدون أى زيارات ميدانية للبلاد الأفريقية.
وسأضرب مثلا واحدا على نضح الممارسة السودانية تجاه أفريقيا، فرغم ضعف إمكانيات السودان بالمقارنة بمصر، فمنذ سنوات بعيدة أسست جامعة أفريقية عالمية، وتستقبل الطلاب من مختلف البلاد الأفريقية، وكثيرا منهم عاد إلى بلاده وتولى مواقع ومناصب مهمة فى الإدارة العليا لدولهم، بل من هؤلاء الطلاب من كان من أبناء رؤساء الجمهوريات أو أبناء الوزراء. وهكذا ستجد للسودان علاقات حميمة مع دائرة واسعة من الشخصيات المهمة فى مختلف دول القارة.
وفى زيارة أخيرة للسودان، دعيت لإلقاء محاضرة فى مسجد هذه الجامعة الأفريقية، وقد كان لقاءا رائعا، أن تتحدث لمئات من الطلاب من كل الدول الأفريقية دفعة واحدة، وتتحدث باللغة العربية ويفهمونك ويتحاورون معك!!
أما على مستوى العمل فقد رأينا كيف حولت السودان علاقات العداء مع دول الجوار إلى علاقات صداقة (مصر - أثيوبيا - اريتريا - كينيا - أوغندا) ولم يتبق سوى تشاد التى تم تسوية الأمر معها مؤخرا.
ونحن فى حزب العمل لم نقصر تجاه الدولة المصرية فى شرح هذه الرؤية الإستراتيجية لعلاقة مصر بالسودان، وقد كنا نحسن الظن ببعض أطراف وأجهزة الدولة، وقد تحاور الأستاذ عادل حسين مرارا مع عمرو موسى عندما كان وزيرا لخارجية مصر حول هذا الموضوع وكذلك فعل كاتب هذه السطور مع د. أسامة الباز ومع المكتب المسئول عن السودان فى وزارة الخارجية المصرية، ومع المسئولين الدبلوماسيين المتعاقبين فى السفارة المصرية بالخرطوم, وقد لاحظت خلال هذه اللقاءات وغيرها مع أطراف أخرى بالدولة، أن مقالاتى حول هذا الموضوع كانت تُقرأ جيدا وتلقى استقبالا حسنا وموافقة عامة. ولكن رغم التقدم فى إنهاء حالة العداء مع السودان، إلا أن الأمر لم يتطور إلى علاقة إستراتيجية ولم تلق مصر بثقلها فى تطوير هذه العلاقات، ومصر هى الخاسر الأكبر وان كان الطرفان خاسرين بالتأكيد.
خامسا: السودان والنيل:
كل ما يحدث الآن توقعناه فى المقالات وفى الحوارات مع المسئولين، فقد ركزنا على أن سلطة الإنقاذ من وجهة نظر المصالح المصرية هى الأقرب لمصر، لا حزب الأمة أو الحركة الشعبية لتحرير السودان أو أى طرف معارض آخر نظرا لارتباطات دولية لهذه الأطراف. أما الحزب الاتحادى وإن كان يبدو أنه الأقرب لمصر إلا أنه حزب ضعيف وسيزداد ضعفه مستقبلا. كذلك قلنا أن السودان هو سند مصر الرئيسى لمعالجة مشكلات دول حوض النيل النابعة من التدخلات الأمريكية - الصهيونية.
وهذا ما يحدث الآن فإن مصر لا صاحب لها فى حوض النيل سوى السودان، أما دول المنبع كلها فلقد انقلبت على مصر! وأعلنت ذلك فى شرم الشيخ على بعد أمتار من مقر إقامة حاكم مصر.
ولكنكم ستسألون: ولكن السودان لم ينفع مصر؟! فقد أصبحت مصر والسودان فى جهة و8 دول أخرى فى جهة أخرى. لم أقل أن السودان سيحل مشكلات مصر ولكن هو الدليل والمرشد، والدليل يرشدك إلى الطريق ولكنه لا يقوم بالعمل نيابة عنك، ومصر لم تدر الأزمة المائية بشكل صحيح وفى هذه الحالة فإن صداقة السودان لا تكفى لحل المعضلة.
ولكن قبل أن ننتقل إلى دول الحوض، نتوقف عند دور السودان المباشر فى مشكلة مصر المائية، رغم أنها دولة مصب (مثل مصر) وليست دولة منبع، ولكنها الدولة التى يمر بها نهر النيل قبل أن يصل إلى مصر:
(1) ذكرنا مسألة الاستفادة بمياه السودان للزراعة فى السودان لصالح البلدين وهذا يضيف عمليا لحصة مصر المائية، وقدراتها الزراعية.
(2) حصة السودان من مياه النيل وفقا لاتفاقية عام 1959 هى 18.5 مليار متر مكعب مقابل 55.5 مليار متر مكعب لمصر. وكان السودان حتى الأمس القريب لا يستخدم نصف هذه الحصة لقلة السكان وقلة الزراعة، وهذا يعنى أن نصف هذه الحصة أى حوالى 9 مليارات متر مكعب كانت تتدفق إلى مصر للتخزين فى بحيرة ناصر، أو للاستفادة بها. وقد حذرت من ذلك أثناء الكتابة ضد مشروع توشكى، لأن هذا المشروع قائم على استخدام المياه من خزان بحيرة ناصر وقلت أن هذه الاحتياطيات ستهبط فى المستقبل القريب عندما يستوعب السودان استخدام حصته، وهذه حقه الذى لا يمارى فيه أحد. واعتقد أن السودان يتجه سريعا لهذا الوضع. وهذه مسألة غير خاضعة للنقاش، بل المشكلة أن حصتى مصر والسودان مهددتان بالتناقص. ولكن هذا جزء من مشكلة مصر المائية: أن خزان ناصر سيفقد 9 مليارات متر مكعب سنويا من الآن فصاعدا!
(3) أن منطقة جنوب السودان كان لا يزال فيها مشروع نظرى، لتوفير عدة مليارات من الأمتار المكعبة التى تضيع بالبخر فى مستنقعات جونجلى، وهذا المشروع المعروف باسم (قناة جونجلى) والذى توقف بصورة متعمدة من قبل حركة التمرد الجنوبية. وإذا انفصل جنوب السودان عام 2011 فإن هذا المشروع سيصبح فى مهب الريح، وكان سيوفر عددا من المليارات من الأمتار المكعبة من المياه تقسم مناصفة بين مصر والسودان.
وقد أدارت الدولة المصرية ملف التمرد الجنوبى على نحو بالغ السوء وتصورت أن الحل الأمثل هو فى إقامة علاقة موازية مع قيادات التمرد وتعميق علاقات الصداقة معه، ولسنا ضد إقامة علاقات طبيعية مع الجنوبيين، ولكن يظل الأساس هو دعم الشمال ونظام الإنقاذ. ولكن الدولة المصرية لم تقدم العون اللازم للخرطوم لحسم الصراع بشكل واضح. أى لم تلق يثقلها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا.. الخ فى دعم النظام السودانى، وأخذت تتفرج على مفاوضات نيفاشا التى ولدت منها اتفاقية بائسة، واكتفت بالإعلانات المتكررة عن وحدة السودان، وكأن إصدار التصريحات فى القاهرة هو الذى سيضمن ذلك. أما الشطارة مع حركة التمرد الجنوبى فهى شطارة بائسة لأن قرار هذه الحركة ليس فى أيديها ولكن فى يد الولايات المتحدة وإسرائيل!! وعندما ينفصل جنوب السودان وهو احتمال مرجح فستصبح لدينا دولة عصابات بالغة السوء وأسوأ من كل دول المنبع. وهذه القيادات غارقة فى الفساد إلى حد أن عشرات المليارات التى حصلت عليها من موارد البترول لم تنعكس فى أى عملية تنمية أو تطوير للجنوب فى السنوات الأخيرة.
وكان يمكن للحكومة المصرية التى تستضيف قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان (التمرد الجنوبى السابق) بشكل دائم فى القاهرة أن تطلب منهم - بعد توقيع اتفاقية نيفاشا - وبعد قيام حكومة جنوبية الشروع فى تنفيذ قناة جونجلى.
وبالتالى نحن أمام ضياع هذا المصدر الإضافى للمياه والذى كان سيزيد لأول مرة حصة مصر من 55.5 مليار متر مكعب إلى 60 مليار أو أكثر وقد صرح سيلفا كير الرئيس المرتقب لدولة جنوب السودان أنه أبلغ مصر رفض استئناف العمل فى مشروع قناة جونجلى!! وذلك فى حديث لصحيفة الدستور المصرية.
دول حوض النيل:
هى أثيوبيا - أوغندا - كينيا - تنزانيا - الكونغو - اريتريا -رواندا - بوروندى, هذه دول المنبع. وأثيوبيا هى الأساس لأن 85% من نهر النيل يأتى من عندها. مشكلة مصر أن حصتها ثابتة ولا تزيد (55.5 مليار متر مكعب) وكان هذا من أسباب الاهتمام بمشروع قناة جونجلى، وفى حين يتزايد السكان فحصة الماء ثابتة وهذا ما ادخل مصر بالفعل فى منطقة الفقر المائى منذ عدة سنوات. وهذه مشكلة كبرى فى حد ذاتها، ولكن الجديد أن هذه الحصة معرضة للتناقص التدريجى والمطرد فى السنوات المقبلة، لأن دول المنابع تريد استخدام مياه النيل بمعدلات أكبر. وتقول دول المنبع أن اتفاقيات المياه تم توقيعها فى عهد الاحتلال البريطانى وكانت بين الدول الاستعمارية بعضها البعض. أما اتفاقية 1959 فقد كانت بين مصر والسودان فحسب. وكثرة كلام مسئولينا عن القانون الدولى يبلوه ويشربون ماءه!، فالذين يتحدثون كثيرا عن القانون الدولى والاتفاقات الدولية هم الضعفاء، كما يحدث فى حديث حكامنا عن القضية الفلسطينية!! إن العلاقات الدولية - بما فى ذلك المياه والأنهار الدولية - تخضع أساسا لعلاقات القوى، والضعيف يُضرب على قفاه، والقوى يؤول القانون الدولى على هواه.
ودول المنبع كلها أو معظمها تقيم علاقات قوية مع إسرائيل والولايات المتحدة وهذه الأزمة خلقها بالأساس الحلف الصهيونى - الأمريكى.
ويقول المسئولون المصريون أنهم يتفهمون احتياجات دول المنبع ولكن أى مشروع مائى يجب أن يتم بالتنسيق مع مصر وبإشراف البنك الدولى، وكأن البنك الدولى جهة محايدة! وليس أداة للهيمنة الأمريكية وهذه مسألة أصبح يعرفها أى تلميذ فى سنة أولى اقتصاد! والبنك الدولى مع الصندوق هما اللذان خربا مصر من الداخل (بسياسة الخصخصة وغيرها) فلماذا سيحميان الأمن القومى المصرى من الخارج؟! كما أن دول المنبع بدأت إقامة مشروعات مائية بعيدا عن البنك الدولى.
هذا النظام المصرى يستخدمه الحلف الصهيونى - الأمريكى لخنق غزة، ولكن هذا الحلف الشرير يستهدف أساسا خنق مصر وإضعافها لحساب إسرائيل ولا يراعى صداقة مبارك وخدماته، فلديهم إستراتيجية وينفذونها بدم بارد. يريدون حصة مياه لإسرائيل التى تعانى من فقر مائى أكثر من مصر، ويريدون مصر ضعيفة بلا زراعة ولا رى لا لتستمر مصر متصدرة دول العالم فى استيراد القمح والذرة فحسب، ولكن أيضا لأن مصر الضعيفة هدف مطلوب فى حد ذاته.
ولو كان لدينا حكام "رجالة" - حتى بمعايير المصلحة المصرية الضيقة - لردوا على قرار وزراء دول المنبع فى شرم الشيخ بفتح الحدود مع غزة! وهذه أول مرة نسمع عن مؤتمر دولى يأخذ قرارا ضد الدولة المضيفة وفى موضوع مصيرى. قرار شرم الشيخ المائى كان صفعة لحاكم شرم الشيخ، ولكن النظام كان مشغولا بموضوع أهم، وهو البرهنة على تعافى الحاكم وحضوره احتفال عيد سيناء.
وهذه هى طبيعة الصراع العالمى والإقليمى، فإذا ضربت فى أقصى الجنوب على بعد آلاف الأميال، ترد فى الشمال.. فى غزة.
ولكن حكامنا لسان حالهم يقول: إحنا بتوع الأمريكان وإسرائيل وهم لن يخذلونا أبدا، ولن ينسوا ما قدمناه ونقدمه من خدمات لهم، حتى أن سفيرة أمريكا فى القاهرة قالت تصريحا عجيبا، قالت: إنه عندما تطلب واشنطن من القاهرة طلبا، فإن القاهرة تستجيب بأكثر من مما طلبته واشنطن!
وهذه هى سياسة نظام مبارك الإقليمية والدولية.
ونذكر من لم ينتبه إلى أن قرار شرم الشيخ كان إلغاء الاعتراف بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل وفقا لاتفاقية 1929، بما يعنى تناقص متوالى لحصة مصر المعتادة.
ولكن ما هو حجم الخطر المحدق بمصر؟ ومدى قربه من الناحية الزمنية؟
لا يمكن القطع بالزمن الذى سيمر حتى تشعر مصر بنقص حصتها ولكن يقدر الخبراء أن الأمر لن يستغرق أكثر من 6 سنوات وسيتحول الأمر إلى نوع من الموت الزاحف البطىء يزداد عاما بعد عام، أى إن هذا سيكون الانجاز الأكبر فى فترة الرئاسة السادسة لمبارك (2011-2017). وأشرنا من قبل أن مصر تشعر بنقص المياه من الآن بسبب الزيادة السكانية والثبات فى حصة المياه، ولذلك فكان هناك سعى لزيادة الحصة (عن طريق جونجلى)، ولذلك فإن بداية النقص فى حصة مصر سيقفز بنا فورا إلى مجاعة مائية خلال سنوات محددة. ولا أتصور أن يسعى الحلف الصهيونى - الأمريكى إلى تجفيف نهر النيل تماما لأن ذلك سيحول المصريين جميعا إلى كتلة من الثوار المجاهدين (يا روح ما بعدك روح) ولكنهم سيتعاملون معنا كما نتعامل نحن - بأوامرهم - مع غزة، وأيضا كما تفعل إسرائيل مع غزة. أى الحصار وإعطاء الحد الأدنى من الإمدادات المائية حتى نبقى بالكاد على قيد الحياة، ويفرضون علينا مزيدا من الشروط السياسية، (فهم لا يشبعون من تنازلات مصر) ويضمنون استمرار ضعفنا، واستمرار ضعفنا يعنى الحيلولة دون توحيد الأمة العربية.
فى حوارى مع أحد المسئولين بوزارة الخارجية المصرية (منذ 15 عاما) كان يركز على انتقادات شاملة لنظام الإنقاذ فى السودان، وكنت أرد عليه بما ذكرته فى هذا المقال، ولكن الجزء الأهم من الحوار كان حول منابع النيل ويكشف أحد أسباب اطمئنان أو غيبوبة السياسة المصرية فى هذا الملف. وقال لى المسئول: إننا مطمئنون ولا نخشى من حكاية بناء السدود فى أثيوبيا، لأن طبيعة الهضبة الأثيوبية لا تسمح بذلك لأن مياه الأمطار تنحدر عليها بسرعة فائقة بحيث تكتسح أمامها أى سد يمكن بناؤه. وقد نام المسئولون على أساس هذه الحقيقة، وتجاهلوا أن العلم يتقدم وأنه يمكن بناء مجموعة من السدود الصغيرة فى أماكن معينة (كان للبنك الدولى مشروع قديم لبناء 30 سدا صغيرا فى أثيوبيا)، والآن يوجد فى أثيوبيا 4 سدود!! كذلك فإن بناء السدود ليس هو الخطر الوحيد على حصة مصر فهناك التوسع الزراعى فى أثيوبيا وبلاد المنبع حيث يمكن استغلال المزيد من مياه النهر فيها. وهذا ما يحدث الآن حيث بلغت المشروعات الزراعية فى المنبع قرابة العشرين مليون فدان!! وهى ما تزال فى بدايتها لذلك لن نشعر بآثارها إلا بعد عدة سنوات. وبينما كان حكامنا نائمون فى العسل فإن دول العالم تسرح وتمرح فى بلدان المنبع خاصة فى أثيوبيا وهى أهم بلد لنا فى مصادر المياه (85 أو 86% من نهر النيل) وفى أثيوبيا وحدها نجد الشركات الهندية استأجرت 415 ألف هكتار (الهكتار أكبر من الفدان) للزراعة فى أثيوبيا، والاستئجار تصل مدته إلى 84 سنة.
- شركة ألمانية استأجرت 13 ألف هكتار للزراعة.- شركة باكستانية تزرع قصب السكر فى 700 ألف هكتار وبدأت بنحو 28 ألف هكتار كمرحلة أولى وبتمويل من بنك أثيوبى.- تستهدف شركات سعودية زراعة 5 ملايين هكتار. - شركة برازيلية زراعية تمتلك الآن 17 ألف هكتار.
- شركة كورية جنوبية تستأجر 690 ألف هكتار.- تستأجر الأردن 25 ألف هكتار.- تتفاوض الإمارات لاستئجار 378 ألف هكتار.
أما بالنسبة للسودان والذى لاشك سيظل ملتزما بحصته المائية مع مصر إلا أنه كما ذكرنا لن يعود يقدم لنا فائضا من المياه غير المستخدمة حيث تقام المشروعات الزراعية العملاقة التى تلكأت مصر فى الدخول فيها أو رفضتها كما أسلفنا فهناك مشروعات زراعية سعودية فى السودان ب 400 مليون دولار لشركة واحدة وشركة أخرى حصلت على 25 ألف هكتار، وشركة ثالثة على 10 آلاف هكتار، وشركة رابعة زرعت بالفعل 42 ألف هكتار، وأنتجت عام 2008 150 ألف طن قمح. وهناك مشروع أمريكى لزراعة 800 ألف هكتار ومشروع للإمارات على 28 ألف هكتار، ومشروع بريطانى على 18 ألف هكتار فى جنوب السودان ومشروع كويتى عملاق، ومشروع قطرى، ومشروع دنماركى فى جنوب السودان.
وهذا ملخص تقرير موثق نشرته صحيفة الفجر, وهو وحده كاف لإقالة النظام بأسره ولا نقول الحكومة. فالعلاقات الدولية والأمور العليا للأمن القومى مسئولية مؤسسة الرئاسة فى المحل الأول.
ما الحل إذن؟!
فى هذا الموضوع كما فى كل القضايا الكبرى فلا حل إلا بإقالة النظام، وهل يوجد أهم من الماء أساس الحياة؟! وقد طرحنا الحل منذ 15 عاما ونحن لا نخاطب هذا النظام الفاشل ولكننا نخاطب الأمة ونضع برنامجا لنظام وطنى قادم بإذن الله.
الحل هو ما قامت به كل بلدان الأرض (عدا مصر)، الحل قامت به الدول المشار إليها آنفا وكذلك الصين وإيران وتركيا الموجودة بقوة فى معظم دول القارة السمراء فى حوض النيل، رغم أن علاقة هذه الأطراف جميعا مع دول حوض النيل ليست مصيرية كعلاقة مصر، فالمسألة بالنسبة لمصر حياة أو موت ومع ذلك سبقتنا الأردن وباكستان وبلاد تركب الأفيال!!
المعالجة الصحيحة ولا نقول الحل لأنه لا توجد حلول سحرية شافية، فالمسألة مسألة نضال وكفاح وإصرار وجدية بعيدا عن الهزل والتهريج عن "عظمة مصر" و"أن مصر لا تسمح".. الخ المعالجة الصحيحة تبدأ باستعادة الرؤية الإستراتيجية لمصر تجاه أفريقيا، ودول حوض النيل تمثل 20% من القارة! ولابد أن تكون فى قلب هذه الإستراتيجية بحكم الجوار عموما، وبحكم نهر النيل خصوصا وأولا.
الاهتمام بالنيل فطرة: كان حكام مصر منذ فجر التاريخ مشغولين بنهر النيل الذى ارتبطت حياة مصر به حتى عبده المصريون القدماء ضمن ما عبدوا من دون الله، وأعنى بالذات الحكام الراشدين فقد كانوا يرسلون البعثات تلو البعثات لاستكشاف أعماق النهر ومحاولة الوصول إلى منابعه واصله وكذلك البعثات البحرية التى وصلت حتى بلاد بونت (الصومال)، ووصل محمد على إلى جنوب السودان وحاول أبناؤه الوصول للحبشة ووصل الجيش المصرى فى عهد الخديوى إسماعيل إلى أوغندا عند خط الاستواء فى فتح شبه سلمى، ولا تزال المدافع المصرية موجودة فى أوغندا كآثار تاريخية.
أما حكام اليوم فهم مشغولون بالسفر إلى أمريكا وفرنسا وألمانيا وتوطيد العلاقات مع الغرب وإسرائيل.
مصر أفريقية: لمصر هوية أفريقية، بمعنى أن الأفريقية أحد عناصر ومكونات الشخصية المصرية، بل أن فترات ازدهار الحضارة المصرية القديمة ارتبطت بعاصمتها طيبة فى أقصى الجنوب. وقد أوضحت دراسات علمية أن مينا موحد القطرين والذى نعتبره مؤسس أول دولة مصرية أفريقى زنجى سودانى الأصل وتماثيله تكشف هذه الملامح. وفى مراحل تالية حكم مصر حكام أفارقة من أصل سودانى (أو ما يسمى السودان الآن وكان يطلق عليها اسم بلاد النوبة) كذلك فإن علاقات مصر بأفريقيا تتجاوز محور نهر النيل وتصل إلى أقصى غرب القارة مما فصلته فى دراسات سابقة.
والعلاقات مع محور نهر النيل لم تكن سياسية واقتصادية وعسكرية فحسب بل كانت ذات طابع ثقافى ودينى، ولا شك أن دخول الإسلام إلى بلدان منابع النيل كان من أهم الروابط مع مصر، وهو أمر لا يخطر على بال حكامنا الآن فهم لا يحبون سيرة الإسلام من أصله. وقد لا يعرف كثيرون أن مسلمى أثيوبيا كان لهم رواق فى الجامع الأزهر استمر لمدة ثلاثة قرون باسم رواق الجبرتية نسبة إلى أحد جدود الجبرتى وهو أهم مؤرخ مصرى فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر والجبرتى نسبة إلى جبرت وهى احد بلاد الحبشة. والمعروف أن أفريقيا هى القارة الإسلامية الوحيدة فى العالم، لأنها القارة الوحيدة التى أغلبية سكانها من المسلمين (60%) وكل بلاد حوض النيل بها كم لا بأس به من المسلمين يتراوح بين 20-60% وعلى رأسهم أهل بلاد المنبع: أثيوبيا 60% أوغندا (تتراوح التقديرات بين 40-60%) وكذلك تنزانيا وكينيا.
والأمر لا يتوقف على الاسم، فشخصية الأفريقى بشكل عام أقرب إلى الفطرة وخصائصها أقرب إلى النموذج الشرقى منها إلى النموذج الغربى، وإقامة علاقات طيبة مع الشعوب الأفريقية أمر ميسور ومفتوح إذا قام على أساس الاحترام المتبادل والندية، مع أن نخبتهم أصابها التشوه التغريبى، ولكن هذا مرض عام عندنا أيضا!! وإذا درست الأديان المحلية الأفريقية فستكتشف فيها الأصل الصحيح الذى تم تحريفه إلى الوثنية (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ).
ونحن من كثرة تركيز الإعلام على أوروبا وأمريكا سادت فكرة الالتحاق بالغرب والتعالى على البيئة الأفريقية كالفقير المريض نفسيا الذى يريد أن يتبرأ من أصله وأهله وعشيرته، رغم أن الخير كله معهم.
التوجه نحو شعوب دول الحوض:
من الواجب أن تعطى سياسة الدولة المصرية أولوية قصوى للعلاقات الرسمية والشعبية مع بلدان دول الحوض: حكاما وشعوب. وقد تأخرت فى ذلك 40 عاما أى منذ 1970 على اعتبار أن نظام عبد الناصر قام بالحد الأدنى - ونقول الحد الأدنى فحسب - من هذه العلاقات.
والعلاقات الرسمية وحدها لا تكفى لأن تأخرنا طوال هذه العقود جعل معظم هذه الدول واقعة فى الشباك الإسرائيلية والأمريكية، وهذا ما يجعل تطوير العلاقات الرسمية ليس ممهدا ومفروشا بالورود، ولكنه ليس مستحيلا، فها هى إيران تنتشر فى العديد من الدول الأفريقية، بما فى ذلك دول حوض النيل رغم عدم احتياجها لنهر النيل!! وتقيم المراكز الثقافية والمصانع والمستشفيات ومعامل تكرير البترول (فى الأيام الأخيرة زار الرئيس الإيرانى زيمبابوى وأوغندا وبحث مع الأخيرة التعاون البترولى بمناسبة الاكتشافات البترولية فيها).
فالبلاد الإفريقية بأحوالها الراهنة عطشى لأى نوع من التعاون الدولى ولأى نوع من الاستثمار فهى المكان الأقل نموا حاليا فى العالم بأسره.
وقد فتحت معظم الدول الأفريقية أبوابها لليبيا حتى فى زمن عداء ليبيا لأمريكا والغرب، ومصر انسحبت وتركت الريادة لليبيا بغض النظر عن مدى جدية الدور الليبى، ولكنه على الأقل أنشط من الدور المصرى. وأصبح الاتحاد الأفريقى مرتبطا بليبيا أكثر من أى بلد آخر! وقد ساهمت ليبيا فى بناء العديد من المدارس والمساجد والمؤسسات الاجتماعية، ولديها معهد أفريقى أشبه بالجامعة الأفريقية فى الخرطوم.
وفى فترة سابقة قامت دول الخليج بنشاط مماثل للدور الليبى فى بناء المدارس والمساجد الإسلامية وغيرها من الهيئات الاجتماعية. (فى جامعة القاهرة معهد للدراسات الأفريقية ولكنه للمصريين) والعجيب أن معظم دول المنبع أعضاء فى تجمع الكوميسا الذى دخلته مصر، ولكن دخول مصر كان بلا عائد وظل الميزان التجارى لمصر مع هذه الدول بالعجز. والمفترض أن يكون التعاون مع دول الحوض فى كل شىء ول


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.