اتخذت الحكومة أخيرا قرارا شجاعا وحيويا بتخفيض الدعم علي الطاقة بنسبة الثلث من اجل الغائه كلية في مدة ثلاث سنوات وترتب علي ذلك ارتفاع سعر البنزين وغيره من مواد الوقود, فهل يؤدي ذلك بالضرورة الي زيادة معدل التضخم وارتفاع الأسعار؟ نعم زادت الاسعار في اعقاب هذا القرار, غير اني اقول ان كثيرا من هذه الزيادات غير مبررة, واذا كانت هناك نسبة ضرورية فإن حسنات هذا القرار تفوق كثيرا كلفة الزيادة وذلك للأسباب الرئيسية التالية: 1 اننا نقول منذ فترة ليست بالقصيرة ان غالبية الدعم تذهب الي غير مستحقيها, ومن ثم فإن خفض هذا الدعم يقلل ما يحصل عليه غير المستحقين من مبالغ طائلة. 2 اننا نستورد حاليا كميات هائلة من مواد الطاقة وذلك بسبب تزايد الاستهلاك وما من عامل اكثر فعالية في خفض هذا الاستهلاك وترشيده من التسعير الصحيح للطاقة بمختلف صورها. 3 اننا نعاني من هدر الطاقة وتهريبها الي الخارج ومن تربح فئات طفيلية من المتاجرة غير المشروعة فيها بسبب الدعم والاجراء الاخير يحد من كل هذا الفساد والانحرافات ويعلي مصلحة الاقتصاد الوطني. 4 ان الدافع المباشر لهذا الاجراء هو مواجهة تفاقم العجز المزمن في موازنة الدولة.. الذي قدر في مشروعها الاول بنحو260 مليار جنيه اي ما يزيد علي15% من الناتج المحلي الاجمالي, وفي حالة استمرار هذا الوضع يتدهور وضع المديونية العامة لمصر, ويسهم في عجز ميزان المدفوعات, ناهيك عن تهديد السلامة المالية للدولة مما قد يؤدي لاقدر الله الي عدم استطاعتها القيام بوظائفها الاساسية من خدمات صحية وتعليمية ورعاية اجتماعية وبنية اساسية عينية واجتماعية. ومن المقدر ان هذا الخفض في الدعم يحسن الاوضاع المالية للدولة خلال العام المالي2014/2015 بمقدار40 مليار جنيه تقريبا وهذا يعني طبعا نقل العبء من الموازنة علي جهة اخري قد تكون القطاعات الانتاجية او الافراد والقطاع العائلي, والسؤال الآن هل من سبيل الي جعل هذا الاجراء مكسبا للجميع, وان يكون كله منافع وليس تكاليف ؟ وابادر بالقول نعم هذا ممكن والسبيل الي ذلك هو مايلي: اولا: الاقتصاد القومي: ان احتياطيات مصر من الغاز والبترول ليست كبيرة فاذا اضفنا الي ذلك كبر حجم السكان يتبين قصر العمر المتوقع لهذه الاحتياطيات والعمر المقدر يقاس بحجم الاحتياطيات المؤكدة مقسوما علي متوسط الاستهلاك السنوي من البترول والغاز وقد قدر استشاري عالمي هذا العمر في عام2008 بنحو7.5 سنة للبترول ونحو16 عاما للغاز ويقتضي هذا الامر ضرورة حسن استهلاك الطاقة وعدم تصديرها الا اننا تصرفنا وكأن لدينا احتياطيات لا تنضب. والنتيجة هي ما نعانيه الآن واحد المباديء الواجب مراعاتها من اجل كفاءة استخدام الطاقة هو الا يزيد معدل نمو استهلاك الطاقة عن معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي ويحسن ان يكن اقل منه ومن اسف ان الذي حدث في الماضي هو العكس, اذ فاق معدل نمو استهلاك الطاقة ضعف معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي, ويجب ان يدفع الغاء ثلث دعم الطاقة الي تطبيق مباديء الكفاءة وان تتحقق الدولة من انخفاض معدل نمو الاستهلاك عن معدل نمو الدخل القومي ومن الجدير بالذكر ان الصين في نهاية القرن الماضي تحققت من ضرورة رفع كفاءة استخدام الطاقة بدرجة اكبر فقررت خفض استهلاكها بنسبة10% في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين بدون التأثير سلبيا علي معدل نمو الاقتصاد القومي وقد نجحت في تحقيق ذلك ومن الاولي بنا ان نفعل ذلك من ثم نطيل عمر احتياطيات البترول والغاز لاطول فترة ممكنة. ثانيا: القطاعات الانتاجية: يوجد هدر في استخدام الوقود في الزراعة والصناعة والخدمات فتري طلمبات الرفع في الري يتسرب منها الوقود نتيجة لتهالكها وكان هذا الامر مشاهدا في قطاع الكهرباء حيث تستهلك وحدة انتاج الكهرباء وقودا بمعدلات تفوق كثيرا المعدلات المعتادة في العالم ومثل هذا الشيء قائم في الشركات الصناعية ويرجع السبب الرئيسي في ذلك الي حصول هذه الوحدات الانتاجية علي الوقود بأسعار مخفضة جدا عن الاسعار العالمية بل والاسعار السائدة في كثير من الدول النامية في حين تقوم ببيع منتجاتها بالأسعار العالمية. وتعديل سعر الوقود ليقترب من الاسعار الحقيقية هو الدافع الرئيسي نحو ترشيد الاستهلاك ويكون للقرار الخير مكسب للجميع, اذ تعتاد الوحدات الانتاجية علي اتباع أسس الكفاءة, والاقتصاد في استخدام الطاقة وفي الوقت نفسه حسن استخدامها. ثالثا: القطاع العائلي: يشكو الافراد والعائلات من ارتفاع اسعار البنزين في الوقت الذي تتكدس فيه الطرق بالسيارات والازدحام المروري في جميع اوقات اليوم في حين ان اوقات الذروة في معظم مدن العالم لها ساعات محددة من الصباح وبعد الظهر, وتزيد نسبة السيارات التي بها راكب واحد علي50% من عدد السيارات التي تجري علي الطرقات. هذا فضلا عن تهالك نسبة كبيرة من المركبات مما يرفع من استهلاكها للبنزين والزيوت وتلوث الجو تلويثا خطيرا, والزيادة الاخيرة يمكن ان يغتنمها اصحاب السيارات كفرصة لتخفيض فاتورة البنزين التي يتحملونها ولنضرب مثلا علي ذلك بالبنزين92 الذي كان سعره قبل القرار185 قرشا للتر واصبح260 قرشا اي بزيادة نسبتها40% فاذا كانت احدي الاسر تستهلك في السابق200 لترا في الشهر فكان العبء علي موازنتها370 جنيها شهريا فاذا خفضت هذا الاستهلاك الي120 لترا تكون قيمة الفاتورة في ظل الاسعار الجديدة312 جنيها اي انها توفر شهريا58 جنيها وهل تستطيع الاسرة ان تفعل ذلك؟ نعم تستطيع عن طريق: ا عدم استخدام السيارات الا في الضروريات. ب استخدام المواصلات العامة التي تحسنت كثيرا سواء مترو الانفاق او الباصات. ج تنفيذ الدعوة التي نادي بها الرئيس السيسي وهي استخدام الدراجات. د السير علي الاقدام لقضاء مشاوير قصيرة بدلا من السيارة. ه الحرص علي تجميع ثلاثة ركاب او اكثر في المركبة بدلا من استخدام كل منه لمركبته ومجمع السيارة هذا مستخدم في الدول الغنية فما أحرانا كدولة نامية ان نفعل ذلك. رابعا: الحكومة والإنارة العامة: نتعجب كثيرا من صور عدة للاسراف والاهمال من ذلك انارة الشوارع في وضح النهار وتشغيل الانوار والمكيفات في المكاتب الحكومية بدون استخدام, ويجب تقييد اعتمادات استخدام الطاقة في هذه الجهات بما يعمل علي حسن استخدامها. والخلاصة هي ان تخفيض الدعم غير الضروري بالاتجاه نحو إلغائه ضرورة في ظل الاوضاع الاقتصادية لمصر كما انه حافز قوي نحو الالتزام بالكفاءة الاقتصادية وعدم تبذير الموارد وعلي القطاعات المختلفة اغتنام الفرصة بالسلوك القويم من اجل مصالحها الذاتية ومن اجل خروج الاقتصاد المصري من كبوته. ----------------- وزير الاقتصاد الأسبق