من الوظائف الجوهرية لوزراء التموين وصول دعم رغيف الخبز لمستحقيه الحقيقيين وهو أمر لا يتحقق إلا بمن استبانت بهم الخبرة واستقدام بهم العمر في القدرة علي التخطيط بالتوقعات المرئية وليس بردود الأفعال الوقتية باعتبار أن رغيف العيش هو أحد عوامل الأمن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد, والفرق بين نجاح وزير التموين وفشله هو في مدي إدارته لمنظومة الخبز الذي يعتبر أحد أسباب إهدار المال العام للدولة وضياع حقوق المستحقين في الحصول عليه, وتعاقبت الحكومات حاملة اتجاهات وسياسات حول هذه المنظومة التي يعود فشلها لسوء الإدارة وانعدام الدراية التي سوف تكشف عنها الحقائق التالية.. صرح وزير التموين لبعض وسائل الإعلام بأن ما تتكبده الدولة لدعم الدقيق المخصص لإنتاج رغيف العيش يبلغ30 مليار جنيه سنويا يذهب نصفه هباء منثورا, ذلك ما يدعو لعمل منظومة جديدة لهذا الخبز المدعم تتسم بالاتي: أولا: تحرير سعر الدقيق المنصرف للمخابز للقضاء علي تهريبه ووصول الخبز المدعم لمستحقيه ببطاقات التموين الذكية وبسعر الرغيف خمسة قروش بأوزانه ومواصفاته المقررة وعلي المخابز تحصيل الفارق بين سعر بيعه وتكلفته الفعلية عن طريق الحسابات البنكية, وفي ذلك يعقد المختصون والمتخصصون اجتماعات لتحديد تكلفة الرغيف الفعلية من خلال برمجة الاجهزة الالكترونية التي سوف تستخدمها المخابز لبيعه للجمهور. ثانيا: إطلاق حرية أصحاب المخابز في الحصول علي احتياجاتهم من الدقيق اللازم لإنتاج الخبز دون التقيد بحصص مقدرة أو مطاحن معينة ودون الالتزام بمواعيد إنتاج محددة. ثالثا: تحويل المخابز الصغيرة لمخابز مليونية كبيرة الانتاج مع تطوير25 ألف منفذ للقضاء عن طوابير العيش التي تبدو بصورة غير حضارية في الحصول علي الخبز, تلك هي أهم ملامح منظومة الخبز الجديدة علي النحو الذي صرح به وزير التموين بوسائل الإعلام المقروءة. وهنا تجدر الإشارة إلي أن جرائم التعدي علي دعم رغيف العيش فضلا عن كونها خطرا يهدد النظام العام للدولة فإنه ضرر بحقوق المواطن المستحق لدعم الخبز, لذا فقد حرص المشرع المصري علي مواجهة هذه الجريمة بنص المادة/116مكرر(أ) من قانون العقوبات التي تقضي بالحبس والغرامة علي كل موظف عام تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها لتلك الجهة نتيجة إهماله أو إخلاله بواجباته الوظيفية أو إساءة استعماله لسلطة موقعه الوظيفي, وإذا ترتب علي الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد علي6 سنوات, فهل لمنظومة الخبز التي ينادي بها وزير التموين أعراض جانبية تضع القائمين علي إدارتها موضع المساءلة الجنائية وفقا لاحكام تلك المادة ؟ خاصة وقد أخذت الدولة علي عاتقها منذ عشرات السنين دعم الخبز حيث تقوم بشراء القمح المحلي والمستورد لطحنه علي نفقتها وتسليم الدقيق للمخابز كحصص يومية محددة الكمية وبأسعار تقل عن تكلفته الفعلية لإنتاج الخبز المدعم وبيعه للمواطنين دون تمييز بأوزان ومواصفات محددة وبأسعار أقل بكثير عن تكلفة الفعلية لاعتبارات اجتماعية نتيجة لانخفاض مستوي دخل السواد الأعظم من طبقات هذا الشعب. وتقوم وزارة التموين من خلال أجهزة رقابية مدنية وشرطية بضبط جميع الجرائم المتعلقة بدعم الخبز إعمالا بالمرسوم بقانون95 لسنة1945 وتعديلاته التي أهمها: أولا: جرائم التصرف في حصص الدقيق المدعم المنصرف للمخابز علي غير الوجه المقرر من أجله الصرف. ثانيا: جرائم إنتاج الخبز المدعم دون الأوصاف والاوزان المحددة أو بيعه أزيد من الأسعار المقررة. ثالثا: جرائم حيازة الدقيق المدعم دون حق مقرر. رابعا: جرائم إنشاء أو ادارة مخبز دون ترخيص من وزير التموين بعد موافقة اللجنة العليا للتموين. خامسا: جرائم توقف المخابز عن العمل والإنتاج علي الوجه المعتاد دون ترخيص من وزير التموين. سادسا: جرائم خلط الدقيق المدعم بأي مواد تغير من مواصفاته الإنتاجية ونتيجة لأفعال من طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ضاع دعم الخبز وحيل دون وصوله لمستحقيه الحقيقين, ولسوء الادارة وانعدام الدراية تفتق ذهن بعض من وزراء التموين السابقين واللاحقين عن ما يسمي بمنظومة الخبز المدعم القائمة علي عقد ثلاثي الاطراف هم وزير التموين وشركات المطاحن وأصحاب المخابز, ولكن للأسف الشديد فقد جاء هذا العقد فارغا من محتواه القانوني لا تتحقق علي أثره أي حماية لدعم الخبز لعدة أسباب أهمها: أولا: تضمن العقد تراخيص تشغيل وإدارة المخابز البلدية تصدر لإنتاج الخبز البلدي فقط وهذا مفهوم خاطئ باعتبار ان تراخيص إنشاء المخابز بوجه عام خاضعة للقانون453 لسنة54 فلا دخل لوزير التموين في ذلك, أما تراخيص تشغيل المخابز فليس لوزير التموين حق إصدارها دون موافقة لجنة التموين العليا التي يستوجب إعاده تشكيلها بقرار جمهوري بمسمي وزير التموين وما صدر عن هذا الوزير دون تلك اللجنة في امر التراخيص بالتشغيل إجراء باطل. ثانيا: ورد بالعقد امتناع أصحاب المخابز عن استلام حصة الدقيق إذا ما تبين لديهم عدم مطابقتها للأوزان والمواصفات وعندئذ يحق لهم استبدالها بحصة أخري مطابقة للاوزان والمواصفات, وهنا تجدر الاشارة إلي ان تحرير سعر الدقيق للمخابز يرفع عن عاتقهم جميع القيود الا الالتزام بانتاج خبز بأوزان ومواصفات معينة وكميات محددة تكون هي محل العقد المبرم بين أصحاب المخابز واطراف العقد المنوط بهم استلام تلك الكميات وبغير ذلك لا يكون للعقد أي مفاهيم قانونية او مراكز صحيحة. ثالثا: إلزام العقد اصحاب المخابز بانتاج خبز بمعدلات معينة وامساك سجلات معتمدة لاثبات حركة الدقيق والخبز الناتج هي شروط فارغة من محتواها القانوني امام تحرير سعر الدقيق. رابعا: أنشأ العقد عدة جزاءات تمثلت في خصم نسب مختلفة من حصص الدقيق المنصرفة لانتاج الخبز تختلف مدة الخصم باختلاف الافعال المنصوص عليها وتكرارها وهذه جزاءات غير مدروسة خاصة مع تحرير سعر الدقيق فهي لم تقع علي أصحاب المخابز بقدر وقوعها علي احتياجات المستهلك وحجم الخبز الناتج لسد وإشباع احتياجات المواطنين وأخيرا تضمن العقد مدة سريانه بسنة قابلة للتحديد بموافقة طرفين دون الطرف الثالث وهم أصحاب المخابز وهذا إهدار بحقوق هؤلاء مخالف للقانون والدستور والرسالة لوزير التموين ان يعيد النظر في منظومة الخبز وفق أحكام القوانين. ---------------- رئيس مصلحة التسجيل التجاري وعضو مجلس إدارة جهاز المنافسة