حسناء الجريسى - من القاهرة إلى السعودية ثم الكويت حاليا، تمتد تجربة الناقد المصرى د . أيمن بكر، وهى تجربة تأسست على وعى معرفى بتراث الأدب العربى، تجلى فى اختياراته لموضوعى رسالته العلمية فى الماجستير والدكتوراه، ما أهله فيما بعد للاشتباك مع الواقع الثقافى بعدة الناقد الذى يراكم وراءه تراثا ثريا، وينظر إلى الأمام برؤية حداثية، على أساسها يتعامل مع الإبداع والأفكار. كيف ترى المشهد النقدى بعد ثورات الربيع العربى؟ هناك نوعان من النقد، النقد المتخصص فى مجال بعينه مثل الأدب، والنقد الثقافى الذى ينظر للصورة بشكل أوسع، وأظن أن النقد الثقافى الذى ينطلق من أرضية تخصصية كالأدب أو علمى الاجتماع والنفس، ثم ينفتح على الثقافة بكل مشكلاتها، هذا النوع هو الأكثر أهمية فى هذه الفترة، لذلك سنجد علماء الاقتصاد والاجتماع وأدباء يتحدثون فى السياسة وفى المشاكل الثقافية بصورة عامة، هناك انفجار لحالة نقدية فى الوعى المصرى بصورة عامة وليس فقط بالنسبة للمتخصص، لكن الأزمة الحقيقية هى ضعف مستوى المتخصص نتيجة التصنيف الطويل، فى عصر مبارك وما قبله، بعبارة أخرى على الناقد المتخصص أن يطور أدواته حتى يستطيع مواكبة التغيرات السريعة فى الواقع، وهو أمر أظن أن معظم النقاد لم يفعلوه بعد. يتهم النقد بأنه غير مواكب للحركة الإبداعية كيف ترى ذلك؟ النقد خطاب مستقل ينتج المعرفة من طرائق خاصة، فليس عليه ملاحقة الحركة الإبداعية، بقدر ما عليه أن يطور من ذاته فى استيعاب الواقع وفهم الإنسان والتاريخ والتفاعلات الاجتماعية ضمن هذا الحراك النقدى الكبير تأتى ملاحقة الإبداع كجزء من عمل الناقد، ولأن النقد بصورة عامة يعانى إشكاليات منهجية ومعرفية يبدو مقصراً فى التعرض للإنتاج الإبداعى، ولكن هذا التقصير جزء من تقصير عام فى أداء مهمته المعرفية. قدمت فى كتابك “الآخر فى الشعر العربى"دراسة لثلاثة شعراء فى مراحل تاريخية مختلفة وهم المتنبى وأحمد شوقى وإبراهيم العريض.. لماذا الاهتمام بهؤلاء؟ وكيف تناول كل منهما الآخر ؟ صورة الآخر مسألة تشغل الثقافة العربية بصورة عامة، لكن اختيار هؤلاء الشعراء جاء مصادفة، بحكم وجود مسابقة أدبية حددت أسماء الشعراء الثلاثة، وصحيح أننى تأخرت عن النقد لكن هذه الدراسة كانت محفزة لإنتاج الكتاب. ترى أن قصيدة النثر هى أحدى تنويعات القصيدة العربية القائمة على تراث الشعر العربى، فى الوقت الذى يراها البعض أحدثت قطيعة مع التراث، ما مبرراتك؟ ما أنتجته الثقافة العربية تحت مسمى قصيدة النثر لا يتناقض جذرياً مع تراث الشعر العربى، خاصة فكرة الإيمان بقدرة اللغة على استيعاب التجربة الإنسانية والتعبير عنها جمالياً، من هنا كان التجريب فى قصيدة النثر محدوداً، هم فقط يحاولون التحرر من موسيقى الخليل ويسعون لتأسيس موسيقى بديلة يسمونها الموسيقى الداخلية، ليس هناك إذن اختلاف جذرى بين قصيدة النثر وتراث الشعر العربى حتى الصورة الشعرية لا تختلف، خاصة عند جيل الرواد فى قصيدة النثر عن قصيدة التفعيلة فى تركيبها. فى رأيك هل قصيدة النثر العامية استطاعت أن تحفر لنفسها مكاناً بين الأجناس الأخرى؟ هى مشهورة حتى الآن فى مصر فقط، وفيها نماذج مبهرة لكنها تخوض نفس المعركة التى خاضتها قصيدة النثر الفصحى فى بدايتها وهى معركة المشروعية. لاحظنا الدور التحريضى الذى قام به شعر التفعيلة إبان ثورات الربيع العربى فأين قصيدة النثر من خريطة تلك الثورات؟ قصيدة النثر ليست فناً جماهيرياً وبالتالى لم تشارك فى تحريك الشارع والتعبير عن نبضه خلال الثورة، كما فعل شعر التفعيلة والعامية. ألم يضع ذلك قصيدة النثر فى مأزق أكبر مما هى فيه؟ المأزق هو مأزق ثقافى عام، لأن الثقافات المرتبكة التى تعانى مشكلات أساسية كالأمية والبطالة والفقر، لا تتعامل مع الفنون والآداب بوصفها أشياء.