ثار جدل واسع علي مدار الأسبوعين الماضيين حول قانون مجلس الشعب والنظام الانتخابي الجديد المزمع إعلانه من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وبدون الدخول في كثير من تفاصيل هذا الجدل, فقد اتفق الجميع علي أن نظام التمثيل النسبي هو الأفضل في جميع الأحوال, وأن زمن النظام الفردي قد ولي بلا رجعة لأنه ساعد علي نمو العنف والبلطجة والرشاوي الانتخابية والتزوير وجميع الظواهر السلبية المصاحبة للعملية الانتخابية, كما ساعد علي ضعف الحياة الحزبية والمشاركة, إذ لم تتعد نسبة المشاركة الحقيقية في أي انتخابات جرت بالنظام الفردي نسبة15% من بين من لهم حق التصويت. وتكتسب انتخابات مجلس الشعب القادم أهمية خاصة لأنها سوف تساعد علي اكتمال ثورة25 يناير, ذلك أن هذا المجلس هو الذي سيشكل لجنة إعداد الدستور, وسوف تتحكم القوي الفائزة بعضويته في اختيار أعضاء هذه اللجنة. والجدير بالقول أن أي نظام انتخابي هو عبارة عن مجموعة التشريعات والقوانين التي ينتج عنها انتخاب الجسم السياسي الممثل للشعب, مجلس الشعب أو مجلس الشوري, أو غيرهما من الأشكال التمثيلية المعمول بها في العالم. ويعمل أي نظام انتخابي علي ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلي عدد من المقاعد يفوز بها الأحزاب والمرشحين المشاركين فيها. واللافت, أنه ليس هناك نظام انتخابي معياري أو أمثل تعتمد عليه الأنظمة الانتخابية المعمول بها في العالم. ولكن يتوقف اختيار أو تفضيل نظام انتخابي ما, إلي حد كبير, علي الوضع الاجتماعي السياسي القائم حيث يطبق هذا النظام, إذ تدخل في الحسبان هنا عوامل عدة منها بنية المجتمع علي الأصعدة الأيديولوجية والدينية والإثنية والعرقية والإقليمية واللغوية أو الاجتماعية, ثم نمط الديمقراطية( راسخة, انتقالية أو جديدة), ووجود منظومة أحزاب في حالة تكوينية وقيد التكون, وعدد الأحزاب الجدية, والتركز الجغرافي لناخبي حزب معين أو تشتتهم, وطبيعة وتقسيم الدوائر الانتخابية, والجداول الانتخابية. ومن ثم فإن أهم ما يميز أي نظام انتخابي هو قدرته علي تمثيل الشرائح والطبقات والاتجاهات السياسية الموجودة والعاملة في المجتمع المعني, وكلما كان النظام الانتخابي قادرا علي تمثيل أكبر لهذه الفئات كان نظاما انتخابيا أكثر قوة وقدرة. وتعتبر مسألة انتقاء النظام الانتخابي من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام ديمقراطي. ففي غالبية الأحيان يترتب علي انتقاء نظام انتخابي معين تبعات هائلة علي مستقبل الحياة السياسية في البلد المعني, حيث أن النظم الانتخابية المنتقاة تميل إلي صفة الديمومة في التطبيق, في الوقت الذي تتمحور الاهتمامات السياسية المحيطة بها حول ما يمكنها من الاستفادة من المحفزات التي توفرها تلك الأنظمة. وبناء علي ما سبق, فإن التمثيل النسبي, هو النظام الوحيد القادر علي تحقيق رغبة المصريين في إقامة حياة ديمقراطية حزبية سليمة لأنه يعتمد بشكل أساسي علي التشكيلات الحزبية في الدولة ويمكنها من الحصول في الانتخابات علي ما يعادل قوتها أو وجودها في الساحة السياسية. وتقوم الفكرة الأساسية لنظم التمثيل النسبي علي تقليص الفارق النسبي بين حصة الحزب المشارك في الانتخابات من أصوات الناخبين علي المستوي الوطني وحصته من مقاعد الهيئة التشريعية( البرلمان) التي يتم انتخابها. فلو فاز حزب كبير بما نسبته40% من الأصوات, يجب أن يحصل علي ذات النسبة تقريبا من مقاعد البرلمان, وكذلك الحال بالنسبة للحزب الصغير الذي يفوز بنسبة10% من الأصوات يجب أن يحصل كذلك علي حوالي10% من تلك المقاعد. وكثيرا ما يعتقد بأن اللجوء إلي استخدام القوائم الحزبية يزيد من فرص تحقيق النسبية في التمثيل, حيث تقوم الأحزاب السياسية بتقديم قوائم من المرشحين سواء علي المستوي الوطني أو المحلي, إلا أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال نظم الانتخاب التفضيلية, فنظام الصوت الواحد المتحول, حيث يقوم الناخبون بترتيب المرشحين علي ورقة الاقتراع بالتسلسل حسب الأفضلية في الدوائر الانتخابية متعددة التمثيل, يعتبر نظاما نسبيا آخر أثبت فعاليته في هذا الاتجاه. وفي هذا السياق يمكن القول إن نظام القائمة المفتوحة, والتي تتيح للناخب أن يختار من داخل كل قائمة الأسماء التي يريدها فيختار الشخص( س) من قائمة حزب المصريين الأحرار, والشخص( ع) من قائمة حزب الحرية والعدالة, وهكذا, بما يحقق درجة أعلي من عدالة التمثيل, هو النظام الأنسب, ففيه لا يكون الناخب مضطرا لأن يختار كل القائمة التي حددها الحزب, وإنما يختار أسماء محددة داخلها( مثل النظام السويدي). وبذلك فلن يستطيع أحد الطعن بعدم دستورية الانتخابات, مثلما حدث في انتخابات1984 و.1987 ويعتمد نظام القائمة النسبية المفتوحة علي أن يقوم كل حزب بعمل قائمة تحتوي علي مرشحيه في الانتخابات. ثم يتم طرح هذه القائمة للناخبين للتصويت واختيار أحد المرشحين( أو عدد من المرشحين) من بين القائمة الحزبية. يتم تحديد نسب تمثيل الأحزاب في البرلمان بناء علي نسب الأصوات التي حصل عليها كل حزب من بين المجموع الكلي للأصوات. بينما يتم اختيار ممثلي الحزب بحسب ترتيب الأصوات التي حصلوا عليها. وبذلك فإن صوت الناخب يذهب في اتجاهين, أحدهما لصالح الحزب ككل والثاني لأحد الأسماء المطروحة في القائمة. يتميز هذا النظام بأنه يعطي فرصة أكبر للمرأة والأقليات وفئات المجتمع المختلفة في الوجود علي الساحة النيابية, حيث يحاول كل حزب أن يقدم قائمة تحتوي علي مجموعة متنوعة من المرشحين ليضمن أكبر تمثيل. كذلك فإن الناخب يبني تأييده لحزب معين ليس فقط بناء علي برنامج هذا الحزب, ولكن أيضا بناء علي اختيار الحزب لقائمة متوازنة تمثل جميع أطياف الشعب. أما بالنسبة للمستقلين, فيمكن استيعابهم في هذا النظام من خلال القائمة النسبية المفتوحة غير المشروطة, والتي تتيح حرية تكوين القوائم بين قوائم حزبية خالصة أو قوائم من مجموعة من المواطنين مستقلين أو منتمين لحزب أو أكثر أو قوائم مشتركة من أكثر من حزب أو من حزب ومجموعة من المواطنين, بما يضمن المساواة التامة بين المواطنين في ممارسة حق الترشيح والانتخاب لمجلس الشعب. وبذلك, فإن نظام القائمة المفتوحة سيتيح الفرصة لتمثيل شرائح وفئات وطبقات واتجاهات المجتمع المختلفة, هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية سيضمن عدم التلاعب في عملية التمثيل. ومن ناحية ثالثة, سيضمن سير العملية السياسية بشكل يتناسب مع الأنظمة والقوانين المعمول بها في مصر. وبالإضافة إلي أن نظام القائمة المفتوحة غير المشروطة سيضمن مجموعة من الأهداف الفاعلة علي صعيد العملية الانتخابية مثل مدي قبول المجتمع المحلي للنظام الانتخابي, ودقة النتائج, وفاعلية العملية الانتخابية ودوريتها ونزاهتها. كما ستضمن مفاضلة الناخب في هذا الأسلوب علي أساس المبادئ والبرامج السياسية والحزبية وليس علي أساس الاعتبارات الشخصية مما يؤدي إلي الارتفاع بالوعي السياسي للشعب واهتمامه بالقضايا القومية ومما يؤدي أيضا إلي تقوية الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة, وسيقوي الأخذ بنظام القائمة موقف النواب أمام الحكومة بما يمكنه من ممارسة دوره الرقابي كما سيضمن أكبر قدر من العدالة بعدم إهدار الأصوات حيث يتم توزيع المقاعد علي القوائم حسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها. أما القول بأن هناك خشية من عدم الاستقرار السياسي والبرلماني كنتيجة محتملة لعدم فوز حزب واحد بالأغلبية المطلوبة لتكليفه بتشكيل حكومة وما يترتب علي ذلك من الاضطرار لتشكيل حكومة ائتلاف وطني يصعب التفاهم عليها أحيانا فهو حق يراد به باطل لأن هذه مسألة يجب التعود عليها ومواجهتها, بل علي العكس تماما فهي ميزة تضمن عدم سيطرة حزب واحد, أو تيار سياسي له أيديولوجية معينة من فرض رأيه علي باقي القوي السياسية, كما أن في الائتلاف والتوافق داخل البرلمان يضمن أخذ رأي أكبر عدد من القوي السياسية, وبالتالي التعبير عن رأي أكبر عدد من المواطنين. وأخيرا, فإن القوانين هي من صنع البشر يمكن تعديلها, وإن إصلاح النظام الانتخابي وحده لن يكفي طالما لم يتحقق إصلاح النظام السياسي الذي يكفل حياة حرة كريمة وديمقراطية حقيقية كاملة غير منقوصة.