بينما يعكف دومينيك شتراوس كان المدير السابق لصندوق النقد الدولي علي تبرئة ساحته من تهم الاعتداء الجنسي المنسوبة إليه تبدو إدارة الصندوق حائرة في إرثه. فالرجل كانت له بصمته الواضحة علي توجهات الصندوق وهي بإيجابياتها وسلبياتها ستترك تأثيراتها علي مسار السياسات المستقبلية للقيادة الجديدة, وعلي عمليات الإنقاذ داخل منطقة اليورو, وعلي حالة التردد في الأسواق, وسلامة الاقتصاد العالمي. حين تولي شتراوس كان الإدارة في نوفمبر2007 كان الصندوق يواجه أزمة هوية ونفوذا متهاويا فيما اعتبر حينذاك أكبر عملية تحول للنظام المالي الدولي منذ انهيار قواعد التسعير الثابت للعملات في عام.1971 ففي عقد التسعينيات من القرن الماضي كان الصندوق في قمة قوته حين كان يتزعم احتكارا من الدول الدائنة, واستطاع أن يفرض سياسات الاصلاح علي الدول النامية من خلال سلاح المنع والمنح ليس فقط من أمواله ولكن أيضا من كبار المقرضين الآخرين مثل البنك الدولي أو المؤسسات المالية الاقليمية أو حتي أسواق المال. فقد كانت روشتة الصندوق بما تضمنته من توجهات لتحرير الأسواق هي بوابة الدخول أو الخروج من هذه المنافذ رغم ما سببته من تراجع معدلات النمو وهو ما دفع الكثير من الإقتصاديات الآسيوية إلي التخلي عن اللجوء إلي الصندوق بعد ما عانته في أزمة عام1997 وبحثت عن حلول بديلة خارجه وأدي نجاحها إلي تدهور سمعة الصندوق وتراجع نفوذه في العقد الأول من القرن الحالي. الدليل علي ذلك كما يقول مارك ويزبروت في صحيفة الجارديان أن قروض الصندوق في2007 كانت لا تتجاوز عشرة مليارات دولار مقارنة بنحو91 مليار دولار قبل ذلك بأربع سنوات. وحين غادرها شتراوس كان ارتفع هذا الرقم إلي84 مليار دولار مع اتفاقات لقروض أخري تصل إلي ثلاثة أمثال هذا الرقم. خلال هذه الفترة أيضا ارتفع حجم رأسمال الصندوق أربعة أمثال من250 مليار دولار إلي تريليون دولار. دور شتراوس كان محوريا في وضع الصندوق في قلب عمليات الإنقاذ بعد الانهيار المالي عامي2008 و2009 من خلال خطط التحفيز الاقتصادي, وإدارة دفة الإقتصاد العالمي إلي طريق السلامة بخبراته الفنية وحنكته السياسية في التفاوض وقدرته علي إقناع حكومات الدول المتقدمة بضرورة تغيير روشتات الصندوق, وتحمل المخاطرات لإنقاذ دول من حافة الإفلاس, والتحلي بالمرونة اللازمة حتي تعكس سياسات الصندوق مصالح الدول الصاعدة وتتعامل مع مخاوفهم وطموحاتهم. كما كانت له بصمته في الخروج علي قواعد الصندوق السابقة والسماح للدول الصاعدة بفرض قيود تحميها من تدفق رءوس الأموال الساخنة, وحماية الفقراء من تأثيرات سياسات التقشف الحاد وهو ما أعطي للصندوق ملمحا رحيما كان يفتقده كثيرا. وللمرة الأولي أتاح الصندوق نحو283 مليار دولار من الاحتياطيات لجميع الدول الأعضاء وعددها187 دولة بدون شروط لتمكينها من الخروج من حالة الركود الحاد عام2009 و فتح خطوطا للائتمان بدون شروط لعدد ضئيل من الدول. ولكن الأكثر أهمية من كل ذلك هو أنه حرر قسم الأبحاث من القيود التي كانت تعوق النقاش الحر والمتقبل لكل الآراء بشأن الأسباب الحقيقية للأزمة وبدائل الخروج منها, بل الذهاب إلي حد انتقاد سياسات أسعار الفائدة ومعدلات التضخم التي تنتهجها بعض البنوك المركزية ويعتبرها خبراء الصندوق معوقة للنمو إلي جانب انتقاد اختلال الموازنات في الدول المتقدمة. حقوق التصويت المعركة الدائرة الآن حول اختيار المدير الجديد للصندوق وهل يكون أوروبيا وفقا للعرف المتبع أم من مرشحي الدول الصاعدة وفقا لاعتبارات الكفاءة المهنية والشفافية والنزاهة والعلانية هي نتاج لتغير آخر طرأ خلال رئاسة شترواس, وإن لم يكن بفضله, وهو تغير أنصبة التصويت. فقد ارتفع نصيب الدول الصاعدة والنامية التي تمثل غالبية سكان العالم من4,39% إلي7,44% من حقوق التصويت مقارنة بنسبة2,41% لمجموعة السبع للدول المتقدمة.( نصيب الولاياتالمتحدة وحده5,16% مقارنة ب17% قبل الاصلاح). لكن هذا التغير في أنصبة التصويت لم ينعكس حتي الآن علي تغيير توجهات الصندوق بشكل جوهري, لأن الدول الصاعدة لم تشكل حتي الآن تكتلا ضاغطا لتغيير السياسات بل تواكب السياسات التي تقرها مجموعة السبع, علي عكس ما حدث في منظمة التجارة العالمية حيث استطاعت الدول الصاعدة أن تعوق تمرير قواعد تضر بمصالحها. السبب في ذلك قد يكون أن عودة نفوذ صندوق النقد الدولي إلي دائرة الضوء مرة أخري بسبب الانهيار المالي الأخير لم يصاحبه لجوء الاقتصاديات المتوسطة الدخل إلي حظيرتها. فمعظم هذه الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا هربت من مدار سياسات الصندوق وحرصت علي تجميع احتياطيات كافية لاستخدامها في فترات الأزمات دون اللجوء إلي الصندوق. والمستفيد الأكبر من موارد الصندوق حاليا هو الدول الأوروبية التي تستوعب حاليا نسبة57% من القروض. فقد حصلت أيرلندا واليونان علي قروض حجمها51 مليار يورو وهو ما يتجاوز إجمالي ما قدمه الصندوق من برامج الدعم لنحو20 دولة خارج منطقة اليورو. يضاف إلي ذلك, كما ورد في مجلة الايكونوميست أن الصندوق قد وافق مؤخرا علي تمويل ثلث برنامج الدعم المقدم للبرتغال والبالغ78 مليار يورو خلال السنوات الثلاث المقبلة. كما أنه لم يطرأ تغيير جذري علي سياسات الصندوق التي لاتزال تعكس إرادة صانعي السياسات في الدول الغنية, وتركيزهم علي سياسات التقشف المالي والنقدي حتي وإن تسبب ذلك في نزيف المريض وموته جوعا. وعلي سبيل المثال لم يتمكن شتراوس كان من تخفيف شروط الإقراض لليونان لأن ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي اتخذا مواقف متشددة خوفا من امتداد نيران الأزمة إلي الدول الأخري. وبالنظر إلي نحو41 اتفاقا أبرمها الصندوق خلال الأزمة المالية الأخيرة وما بعدها يتبين لنا أن31 منها تتضمن سياسات تعالج الدورات الإقتصادية من خلال سياسات نقدية ومالية تؤدي في نهاية الأمر إلي تباطؤ معدل النمو. الخطأ في التشخيص رغم خبرات شتراوس كان الواسعة فإن الكثيرين يرون أنه قد أخطأ في تشخيص المرض الذي أصاب الدول علي حافة منطقة اليورو. فقد اعتبرها مشكلة نقص في السيولة في حين أنها في حقيقتها حالة إفلاس وعدم القدرة علي السداد بسبب القيود التي تفرضها وجود هذه الدول داخل منطقة اليورو. هذا القصور في التشخيص الذي قد يكون سببه الضغوط التي تعرض لها من جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تسبب في روشتة علاج خاطئة كما تقول صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية. فقد كان المفترض أن يضغط شتراوس كان من أجل إعادة جدولة ديون اليونان, أو خروجها من منطقة اليورو مؤقتا حتي يمكنها علاج الاختلالات في الموازنة العامة وميزان المدفوعات. وتقول الصحيفة أنه كان ينبغي علي الصندوق أن يتعلم من التجارب السابقة مع الأرجنتين ولاتفيا وإدراك أن الاكتفاء بفرض سياسات تقشف مالية ونقدية دون السماح للدولة بتخفيض سعر عملتها علي نحو يمكنها من تعويض انكماش الطلب المحلي بزيادة الصادرات يؤدي في نهاية الأمر إلي تباطؤ حاد في النمو, وتقلص القاعدة الضرائبية وارتفاع معدلات البطالة والفقر والانزلاق إلي حلقة حلزونية تزيد الأزمة عمقا ولا تعيد ثقة الأسواق في الاقتصاد وتقوض الدعم الاجتماعي اللازم للاستمرار في تطبيق خطط الاصلاح الصعبة. كان المفترض أن يضع الصندوق برنامجا يعالج الاختلالات في ميزان المدفوعات اليوناني بأقل الأضرار الممكنة علي معدل النمو حتي تستعيد ثقة الأسواق ويترجم ذلك في خفض تكلفة الاقتراض. لكنه بعد مرور عام علي برنامج إقراض تكلف150 مليار يورو تعاني اليونان من تقلص النمو وبطالة نسبتها تتجاوز15% وإيرادات ضرائبية تقل بنحو10 مليارات دولار عما توقعه الصندوق, ولم تستعد اليونان ثقة الأسواق بل اصبح يتعين عليها أن تدفع فائدة نسبتها25% علي قروضها من الأسواق لمدة عامين. ويبدو ساسة منطقة اليورو في حالة تخبط واضح إزاء الأزمات المتلاحقة التي تصيب دول الحافة. وعلي الرغم من النتائج السلبية لخطة الإنقاذ اليونانية فإن الأمر لم يتم تفاديه سواء فيما يتعلق باليونان أو خطط الإنقاذ الأخري لأيرلندا أو البرتغال. هذا القصور في الأداء في التعامل مع أزمات منطقة اليورو سبب ضررا بالغا لسمعة صندوق النقد الدولي في أوروبا, وهو ما حدث من قبل في برامج الاصلاح في آسيا وأمريكا الجنوبية ونتج عنه حالة فقد الهوية والنفوذ التي نجح شتراوس في انتشال الصندوق منها قبل أن يضعه أمام مأزق آخر بتحميله بقروض لدول أوروبية تبدو امكانيات سدادها في ظل شروط خطط العلاج الحالية أمرا محاطا بشكوك قوية. لا شك أن خروج شتراوس كان يأتي في وقت حرج تواجه فيه عملية صناعة القرار الاقتصادي العالمي وتنسيق السياسات فراغا يصعب ترقيعه. هناك حالة قلق في الأسواق بشأن توجهات القيادة الجديدة, وطول الفترة التي ستستغرقها عملية اختياره, وهل سيبقي علي سياسات شتراوس أم يغيرها, وفي اتجاه اليمين أو اليسار. هناك أيضا حالة ترقب حول مصير برامج الإنقاذ لدول حافة منطقة اليورو وهل ستكون القيادة الجديدة جريئة في دفع الاصلاحات في طريقة عمل الصندوق لتدفع به إلي الأمام أم تعيده إلي أزمة البحث عن هوية من جديد؟ أخبار وأرقام كارثة المفاعلات النووية تكشف مثالب العلاقات الخطرة في اليابان كشفت التحقيقات في كارثة المفاعلات النووية في محطة فوكوشيما اليابانية أن الأسباب العميقة وراء حدوثها لا تختلف كثيرا عن مسببات الانهيار المالي العالمي. فالعلاقة الحميمة بين كيانات احتكارية ضخمة مثل شركة تيبكو للكهرباء وأجهزة الرقابة علي المفاعلات حالت دون التعرف مبكرا علي أوجه القصور ومعالجتها, وهو نفس ما حدث في الأزمة المالية من علاقات خطرة بين البنوك ومؤسسات تقييم الائتمان والأجهزة الرقابية. الكارثة سببت للشركة اليابانية خسائر تقدر بنحو15 مليار دولار دون الأخذ في الاعتبار ما ستتحمله الشركة من أعباء لتعويض المتضررين, وتعد هذه أضخم خسارة تتكبدها أي شركة تعمل في القطاع غير المالي في تاريخ اليابان. استقالة رئيس الشركة جزء فقط من عملية مراجعة شاملة لطريقة عملها ستتضمن أيضا اخضاع إدارتها لهيئة مستقلة خارجية, وإعادة النظر في الصبغة الاحتكارية للشركات التي تعمل في مجال الطاقة النووية, ومراجعة اجراءات الرقابة علي55 مفاعلا نوويا في البلاد, فضلا عن فتح باب النقاش حول كيفية تأمين امدادات الطاقة. مما يذكر أن اليابان كانت تتطلع إلي تغطية نصف احتباجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية مقارنة بنسبة الثلث حاليا, لكن هذه الخطط اصبحت معلقة بعد الكارثة. الشركة تعتزم بيع أصول قيمتها600 مليار ين لتغطية جانب من التعويضات التي ستدفعها للمتضررين, لكن الحكومة ستضطر إلي زيادة الضرائب لتحمل باقي التعويضات وتمويل خطة قيمتها10 تريليونات ين أي123 مليار دولار لإعادة إعمار المنطقة المحيطة بمحطة فوكوشيما التي تضرر سكانها من جراء الزلزال وموجات التسونامي وتسرب الإشعاعات الخطرة من المحطات النووية. خطة مكافحة الفقر تنجح في شمال شرق البرازيل في عام1983 زار مراسل صحيفة جورنال دو برازيل منطقة شمال شرق البلاد فوجد سكانها الجوعي يعانون الجفاف ويأكلون الحشرات. لكن هذه المنطقة تحولت إلي أكثر مناطق البرازيل نموا. وحققت معدلا بلغ2,4% سنويا مقابل6,3% في البلد كله. المنطقة لاتزال أكثر مناطق البرازيل فقرا, فسكانها يمثلون28% من سكان البلاد- وفقا لتقرير نشرته مجلة الايكونومست- لكنهم يستحوذون علي نسبة14% فقط من الناتج القومي الاجمالي. ولا يزال خمس سكانها البالغين يعانون من الأمية وهو ضعف المعدل علي المستوي القومي. وتضم المنطقة نحو نصف عدد البرازيليين الذين يقل دخلهم عن43 دولارا يوميا ويصلون إلي نحو16 مليون شخص. المهم أن المنطقة التي كانت طاردة لسكانها الذين كان يبحثون عن لقمة العيش خارجها اصبحت منطقة جاذبة للباحثين عن فرص العمل. هذا التطور لم يكن فقط بفضل خطة مكافحة الفقر التي استهدفت هذه المنطقة, ولكن أيضا برنامج القروض الصغيرة الذي نفذه بنك بانكو دو نوردست المملوك للدولة والذي أسهم في انتشال نحو مليون شخص من براثن الفقر. زيادة القوة الشرائية لسكانها جذب أيضا الشركات الأجنبية مثل كرافت لفتح مصنع لها في المنطقة. كما أن الحكومة تستثمر الكثير في تطوير البنية الأساسية من توسيع الطرق السريعة وبناء ميناء يستوعب السفن الكبيرة, ومجمعا صناعيا, ومصنعا للبتروكيماويات. وفي المقابل تحركت نحو مائة شركة لبدء نشاطها هناك مستغلة الحوافز الضرائبية وشبكة النقل الممتازة. المشكلة الحقيقية التي قد تعوق تطور المنطقة في المستقبل هي مستوي التعليم الذي لايزال دون الحد المطلوب. الصين تفرض قيودا جديدة علي صادراتها من المعادن النادرة قررت الصين الأسبوع الماضي توسيع نطاق القيود التي تفرضها علي صادراتها من المعادن النادرة لإحكام قبضتها علي تلك المعادن التي تعتمد عليها صناعات كثيرة في العالم علي رأسها الصناعات الالكترونية. المعروف أن المعادن النادرة هي مجموعة من17 عنصرا كيماويا مدرجة علي جدول العناصر, وتعتمد كبريات الشركات الصناعية في العالم علي الصين للحصول علي تلك العناصر النادرة التي تستأثر الصين بنسبة97% من إنتاج العالم منها. وتستخدم هذه المواد في إنتاج سلع ذات تكنولوجيا متقدمة مثل أجهزة الهاتف المحمول وبطاريات السيارات الكهربائية ومراوح التوربينات وأجهزة التوجيه اللاسلكي وفي صناعة الأسلحة. كانت الصين قد خفضت بالفعل صادراتها من تلك المواد بنسبة35% خلال النصف الأول من العام الحالي مما أدي إلي ارتفاع أسعارها إلي مستويات قياسية, وأثارت غضب اليابان التي تعتمد علي الصين بصورة شبه كاملة في الحصول علي ما تحتاجه منها. وقد أعلنت وزارة التجارة الصينية أنه اعتبارا من الجمعة قبل الماضي ستكون الصادرات الصينية من سبائك الحديد المحتوية علي نسبة تزيد علي10% من المعادن النادرة خاضعة لنظام حصص التصدير. الحكومة الصينية تقول إنها ترغب في الحد من الصادرات غير الشرعية من تلك المواد الثمينة والتي يقدر حجمها بنحو10 آلاف طن, أي نحو عشر صادرات الصين الاجمالية من تلك المواد في العام الحالي. وترغب في الحد من صادراتها للحفاظ علي البيئة, ولتوفير المعادن للصناعات الصينية التي تتجه إلي إنتاج السلع ذات التكونوجيا المتقدمة. وتعتزم الصين الوصول بإنتاجها من المعادن النادرة إلي93800 طن هذا العام بزيادة نسبتها5% عن إنتاجها خلال العام الماضي. وقد قررت الولاياتالمتحدة إعادة فتح ما لديها من مناجم المعادن النادرة لتعويض النقص المتوقع في الامدادات الصينية.