نؤكدها علي صدر الكلام بلا ملل ولا كلل.. ذلك ان القضية بالغة الدقة والحيوية والأهمية بحيث تحتمل التكرار لكنها لا تحتمل التأخير أو الرمزية في الكلام والاختفاء وراء المصطلحات والعبارات المطاطة, فإن هذا الوطن العريق مصر مرتبط عضويا ومبدئيا ومصيريا بالمنطقة المحيطة به عربيا وافريقيا.. وإذا كان قد دافع عنها عبر التاريخ وضحي من دمه وجهده وماله.. فإن هذه التضحيات لم ولن تضيع هباء.. وهذا محسوب بكل صنوف وجداول الحساب.. غير أنني أجد حرجا بل خجلا إذا حسبتها ماديا.. ذلك أن المبادئ لا تباع ولا تشتري.. وليست سلعة نقيسها بالمكسب والخسارة. ولقد قلنا هذا خلال السنوات الماضية رغم عدم احترام وجهة نظرنا وأكثر من ذلك تصادمها مع من هم في دائرة صنع القرار أو يتلمسون الطريق اليها.. وكتاباتنا شاهدة علي ذلك.. تنادي بالعمل العربي وبالعودة الي دور مصر الافريقي. وتطالب بالتحرك الي الدائرة الأوسع.. شرقا إلي آسيا.. وغربا الي أمريكا اللاتينية, وهذا بالطبع دون إغفال الغرب الأوروبي والأمريكي!. وإذ... أقول ذلك فإن هدفي هو أن ننشط في العمل العربي والافريقي علي محاور متعددة.. ويتحتم أن يحدث رغم أننا مشغولون بإعداد البيت من الداخل في هذه المرحلة التاريخية حتي يكتمل التحول الديمقراطي بسلام أقول انه رغم انشغالنا فإن الدور مطلوب ويحب تنشيطه ليكون مؤثرا وفاعلا.. وتلك ليست رؤية شخصية لي وإنما هي من دواعي الأمن القومي المصري العربي. ومن منظومة القيم التي يؤمن بها شعبنا.. وكمثال عاجل.. فإنه مع ظروفنا الاقتصادية خاصة خلال ثورة يناير ونتيجة تداعياتها وما تكبدناه من خسائر مالية ضخمة مباشرة وغير مباشرة.. فإن الشعب المصري حكوميا ومدنيا انتفض لما حدث في ليبيا ولم تقتصر جهوده فقط علي ترتيبات عودة المصريين من البلد الشقيق ولكن أيضا كل من يرغب في العودة من الاشقاء وزيادة علي ذلك فلقد قرر الشعب ونفذ إرسال قوافل من المساعدات بين الأغذية والأدوية وأرسلها عبر حدودنا الغربية الي داخل ليبيا هدية لشعبها الشقيق نظرا لظروفه. وتعطي هذه المساعدات لمحة لما يؤمن به المصريون.. لعلي أيضا أشير إلي السنوات الماضية في العقدين: الأخير من القرن العشرين والأول من القرن الحادي والعشرين. وإذا ما درسنا حوليات أحداثهما نجد أن المصريين قاموا بمظاهرات عديدة كانت تدافع عن الحقوق والشعوب العربية وبينها لمجرد التذكرة دعم النضال الفلسطيني والتنديد بالاحتلال الاسرائيلي ومجازره التنديد بالهجمات العسكرية والحرب علي العراق مساندة سوريا عند تعرضها للتهديدات الدفاع عن شعب لبنان خلال تعرضه للعدوان الاسرائيلي الوقوف بكل القوة مع أبناء غزة ضد العدوان الاسرائيلي الاجرامي وغير ذلك.. ومن هنا.. فإن التحول العظيم الذي يحدث في الوطن الآن, يجب ألا يلهينا عن العمل العربي ودورنا المقدر فيه.. وبالمناسبة فإن زيارة رئيس مجلس وزراء مصر الي السودان بدولتيه. وإن كانت لحضور اجتماع اللجنة العليا المشتركة الا انها بادرة طيبة خاصة الحرص علي زيارة دولة الجنوب. ونأمل اتصالا بهذه الزيارة الا نغيب عن السودان.. وألا نتركه للعمل الدبلوماسي التقليدي, فإنه مع كل التقدير له, إلا أن العلاقة تتطلب ما هو أكثر.. ومن ذلك تعيين مبعوث مصري يكون ممثلا للدولة يختص بالملف السوداني وينسق أكرر ينسق ولا يتصارع أكرر لا يتصارع مع الوزارات والمؤسسات الوطنية التي تختص بقسم من هذا الملف. ولابد ان يكون العمل مبادرا وخلاقا. بما يحقق المصالح السودانية الوطنية الوحدوية. ولابد أيضا.. أن يكون لنا دور فيما يجري في كل من اليمن وليبيا, تحسبا لما سوف يحدث خلال الأيام والاسابيع القادمة.. فإن لكل من البلدين وشعبيهما مكانته في قلب مصر وعقلها.. بكل المعاني والمقاييس. وبطبيعة الحال.. فإننا مثلا لا نطلب أن تشارك مصر في العمليات العسكرية الغربية بليبيا مثلما فعلت أقطار عربية, وهنا لا نذيع سرا اذا قلنا ان البعض قد طلب هذا من مصر الا انها بصرف النظر عن موقفها وهو معروف رفضت!. وبالنسبة لليمن تحديدا.. فإنني أعرف أنه يوجد مصريون مهتمون بها.. سواء في الحكومة أو من الخبراء والمثقفين.. ولعله يكون مناسبا إذا جري تشكيل مجموعة عمل من رسميين ومدنيين للمتابعة, ويمكن لها السفر الي اليمن للاستماع الي وجهتي نظر الطرفين, وأعتقد أنها يمكن ان تصل الي حل توفيقي يحفظ في الوجوه ماءها.. ويوقف نزيف الدم.. ولتتوحد القوي الوطنية اليمنية لبناء البلد العربي الشقيق.. وأكرر.. أن هذه التحركات وغيرها التي نطالب بها.. لن تعوق حركة البناء الديمقراطي في مصر.. لكنها ستضيف اليها ولا تخصم, وينبغي مجددا معرفة ان مصر مهما حاول البعض التعريض بها أو أداء دورها ستبقي هي محل ثقة كل الفرقاء.. وهي النموذج الذي يحاكيه الجميع.. وانظروا مثلا الي التظاهرات في البلدان العربية لتجدوا انها تحاكي ما جري في مصر. وهذا ليس عيبا إنما هو تعبير عن الوحدة القومية بمضامينها السياسية والثقافية والعقائدية وغيرها.. لذلك, والشيء بالشيء يذكر.. فإن مؤتمر الحوار الوطني الذي يترأس لجنته الدكتور يحيي الجمل, يتحتم ان يضع البعد الخارجي في اعماله, خاصة العربي والافريقي وما يتصل بالدول النامية/ العالم الثالث عموما.. فإن هذا شديد الصلة عضويا كما أسلفنا بالداخل,.. وقد أشرنا الي نفس المعني في مقالنا السابق نحو مشروع نهضوي لمصر علي هذه الصفحة13 مارس الماضي. ولذلك يجب ألا يغفل المؤتمر هذا البعد.. وأقول ذلك لأنني لا أعرف ما إذا كان له جدول أعمال أم لا؟. وما إذا كانت له لجنة تحضيرية قد وضعت ورقة عمل لمناقشاته.. أم.. أنه سيكون حوارا منطلقا؟ فإن معلومات المؤتمر لم تصلني.. عند كتابة هذا المقال ولا أعرف من سيشارك فيه؟! علي أي حال ما أود قوله انه يجب عدم اغفال الدور المصري وعدم اهمال علاقاتنا الحيوية ولا عذر لنا, حتي ولو كنا منشغلين بالداخل فان الاثنين الداخل والخارج وجهان لعملة واحدة! وحسب المعلومات التي توافرت فإن مؤتمر الحوار سيركز علي مناقشات عنوانها: نحو عقد اجتماعي جديد.. وهذا أمر جيد فإن العقد الاجتماعي كان دوما محل اهتمام مفكرين عرب وأجانب قديما وحديثا, وأذكر أننا عقدنا تحت هذا العنوان ندوة الأهرام خلال النصف الأول من الثمانينيات علي أساس أنه قد حدثت في ذلك الوقت وما قبله متغيرات تستدعي عقدا جديدا.. ثم عدنا إلي نفس القضية مرة أخر في التسعينيات.. ومرة ثالثة منذ شهور.. بل أشرنا إليها في ندوة مؤخرا لترسيخ وتوسيع مفاهيم العدالة الاجتماعية وكيف تتحقق.. وإذا كان المؤتمر سيناقش القضية نفسها.. فإنه يكون قد أصاب لحاجتنا إليها ضبطا لحالة السيولة البادية.. وهذا الضبط يستهدف مصلحة الوطن والمواطن.. وهو أيضا مرتبط بضبط الإيقاعات حولنا.. هكذا يقول لنا التاريخ.. وترشدنا الدروس المستفادة كما ان هذا يتحتم إتمامه في إطار مشروع نهضوي لمصر.. يتضمن العقد الاجتماعي, كما يتضمن المبادئ التي سيؤسس عليها الدستور المنشود. وإذا كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة يتحمل عبئا ضخما نعترف بهذا فان واجبنا المساهمةبالرأي يحدونا الأمل في أنه يتابع ويستوعب وينفذ انطلاقا من اخلاصه ووطنيته وادراكه ربما اكثر من غيره بالاستراتيجية ومتطلباتها. وإذ نقول كلمتنا فهذا واجب علينا وهو أضعف الإيمان. المزيد من مقالات محمود مراد