الثوار يثورون دائما من أجل الحياة, يثورون لكي يغيروا الحياة للأفضل للبناء والعمار والسعادة والأمن والأمان, يثورون لأنهم يحبون الحياة, ويحترمونها في صورة الطفلة والزهرة والقطة, الحياة جميلة بكل عناصرها وتستحق الحب والدفاع عنها ضد الظلم والفساد والمرض والجوع والقهر, والدفاع يتخذ شكل الثورة والثورة يجب أن تكون واعية ومتفقة مع طبيعة الإنسان كانسان راق صاحب عقل يغير العالم بالتفكير وليس بالسلاح والفوضي والهمجية, والثوار يحبون الحياة بل يعشقونها وبالتالي فهم لا يمكن أن يفكروا أو يحاولوا الانتحار لأن الذين ينتحرون لا يحبون الحياة بل هم يكرهونها لدرجة انهم يرفضونها ويتركونها.. إذن الانتحار ضد الثورة, وهو أيضا ضد الايمان بالله والقيم الاخلاقية والإنسانية, وبالتالي فالمنتحر خاسر لحياته وآخرته وكل شيء. ولم نجد الثوار في تاريخ الانسانية ينتحرون وأمامنا الثائر الافريقي الكبير نلسون مانديلا الذي استطاع ان يحقق في جنوب افريقيا العدالة ويلغي التفرقة العنصرية ويصل لمقعد الرئاسة ثم يتركها برغبته وهو الآن يقترب من المائة من عمره ومازال يعيش لرسالته التنويرية.. وجان دارك الفتاة الفرنسية الثائرة التي ساعدت بلدها فرنسا علي الاستقلال من بريطانيا لم تنتحر وانما احرقوها لتكون وقود الحرية, والثائر الهادئ القديس غاندي لم ينتحر وانما مات مقتولا أيضا, وفي مصر وجدنا ثوارا محبين للحياة لم يفكر أحدهم في الانتحار مثل مصطفي كامل, وجمال عبدالناصر ونبوية موسي وهدي شعراوي وغيرهم.. إنهم يثورون حبا في الحياة ولا يفكرون في ازهاق حياتهم بل هم يتمنون المزيد في مناخ إنساني مناسب, أما المنتحرون فأغلب نسبتهم مرضي غير أسوياء الشخصية, تقول الاحصاءات ان53% من المنتحرين مصابون بأمراض نفسية وجسمية ومنها علي سبيل المثال مرض الاكتئاب النفسي أو الجسدي, وهناك فرق بين المرض النفسي والجسدي, تقول الاحصاءات أيضا ان02% من مرضي الاكتئاب فقط ينتحرون ويموتون فعلا, أما نسبة ال56% الباقية فأسباب انتحارهم مختلفة, منها بسبب التربية الخاطئة أو الاحباط أو الامتهان أو عقدة النقص أو الشرف أو الادمان أو الشعور بعدم الاهمية أو الصدمات القاسية كفقد عزيز أو عزل مفاجئ من العمل, أو البطالة أو عدم التوفيق في الزواج وغير ذلك من أسباب. وينتحر في العالم سنويا نحو نصف مليون انسان, وأكثر الدول في الانتحار الآن: الصين والهند, وكانت السويد وأمريكا في السنوات الماضية لأن التقدم والرفاهية كانت تؤدي الي الضياع والملل ومن ثم الانتحار, لكن تراجعت الدولتان واحتلت المقدمة الصين والهند وروسيا وسويسرا وفرنسا والمجر, وهناك طرق كثيرة للانتحار منها حرق الانسان نفسه أو السقوط من أماكن مرتفعة أو الخنق وغير ذلك, غير ان أشهر طريقة عند اليابانيين للانتحار تسمي( هيراكري) يجلس المنتحر القرفصاء علي وجهه ويدخل سيف في جسده من أسفل ليشقه ويخرج أحشاءه ويفتتها.! من طرق الانتحار أيضا الانتحار الفردي والثنائي أو الجماعي. في مصر تحدث401 حوادث انتحار سنويا ويتم انقاذ نحو005 ألف عن طريق مركز السموم, والمشكلة أنه بعد انقاذ هذا العدد نتركهم لحياتهم الخاصة ويعودون الي بيوتهم في حين يجب الالتقاء بهم وعرضهم علي اساتذة في علم النفس لمعرفة أسباب محاولتهم الانتحار ومعالجتها اجتماعيا ونفسيا لأن الذي يقدم علي الانتحار مصاب بمرض نفسي ويجب أن يعالج. والمنتحر لا دين له لأن كل الأديان تحرم الانتحار حتي المفكرين يطالبون بذلك, وكان سقراط أبوالفلسفة يقول دائما:( لا يحق لأي إنسان أن ينتحر لأن الانسان ليس ملكا لنفسه بل هو ملك للآلهة). أما الفيلسوف الذي شجع علي الانتحار في فترة من حياته فهو:( شوبنهور)8871 0681 صاحب كتاب العالم إرادة وفكرة, كان هذا الفيلسوف الألماني متشائما وطالب الناس بالانتحار لأن الحياة فاسدة, والطريف أنه لم ينتحر!. لا شك في أن الانتحار جريمة يرتكبها المنتحر في حق نفسه, والانتحار ليس طريقا للثورة لأن الثائر محب للحياة ويثور من أجل التمتع بحياة خيرة كريمة سعيدة, والمنتحر كفر بالحياة وبالثورة وهو ذاهب لمستقبل مظلم لا يعرف نهايته. بقي أن نعرف أن أشهر منتحر في القرن العشرين الماضي كان القائد المجنون هتلر الذي انتحر بعد أن قتل نحو55 مليون نسمة في الحرب العالمية الثانية التي أشعلها(9391 5491) وانتحر خوفا من القبض عليه ومحاكمته. الثورة من أجل حياة أفضل والانتحار من أجل حياة مجهولة ومصير غير مضمون.