بعد أيام تعيش الثقافة المصرية عرسها السنوي المتمثل في معرض القاهرة الدولي للكتاب.. ولعل هذا الحدث الكبير يذكرنا في هذه الأيام التي يتغلب فيها الحزن علي الفرح بقيمة الكتاب وأهمية معرضه. فأما عن قيمة الكتاب, فقديما عبر عنها كاتب العربية الأول الجاحظ في رسالة بعث بها من وراء القرون, ليحملها لنا المجلد الأول من مجلدات كتابه الحيوان قائلا:,, والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك, والصديق الذي لا يغريك, والرفيق الذي لا يملك, والمستميج الذي لا يستزيدك, والجار الذي لا يستبطيك, والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق, ولا يعاملك بالمكر, ولا يخدعك بالنفاق, ولا يحتال عليك بالكذب, الي أن يقول: والكتاب هو الذي يمنحك تعظيم العوام, وصداقة الملوك, وتعرف منه في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر. وحديثا عبر عن هذه القيمة أمير الشعراء أحمد شوقي قائلا شعرا: أنا من بدل بالكتب الصحابا/ لم أجد وفيا إلا الكتابا. وفي الثقافات الغربية عبر عن قيمته مفكروها, فقال توماس كارليل: كل ما فعلته البشرية, أو فكرت فيه, أو ربحته, أو كانته يرقد بين صفحات الكتب.. وفرانسيس بيكون قال: هناك كتب تستحق أن يذوقها القارئ, وكتب يستحق أن يلتهمها, وكتب تستحق أن تمضغ وتهضم, وأناتولي فرانس قال: خير تعريف للكتاب هو أنه عمل من أعمال السحر تخرج منه أشباح وصور لتحرك كوامن النفوس, وتغير قلوب البشر, وهنري دافيدثور قال: الكتب هي ثروة الدنيا, وميراث الأجيال, وجون ميلتون قال: الكتاب الجيد مثل دم الحياة الثمين لأرواح علوية محفوظ ومخبوء.. الي آخر ما قيل عن هذه القيمة التي عبر عنها هؤلاء المفكرون شرقا وغربا, والتي لم تتناقص أو تقل حتي بعد اختراع وسائل الاتصال الحديثة من إذاعة وتليفزيون ونت وسرعتها المذهلة في نقل المعارف والمعلومات, لأن مادة هذه الوسائل تعتمد أساسا علي الكتاب, ولكن ربما تقل هذه القيمة أو تنعدم عندما لا يصل الكتاب الي مستحقيه في الريف, والتي أتصور أن هناك وسائل كثيرة يعرفها المسئولون عن توزيع الكتب, بواسطتها يمكن الاستعانة بها, واذا أعجزتنا جميعها فلا معدل ولا مفر من اللجوء الي الوسيلة التي أشار إليها الدكتور طه حسين في الأيام قائلا: بائع الكتب أو الكتبي كان يسعي الي الريف ممتطيا حماره, وحاملا كتبه في صندوق, حتي عرف هذا النوع من الدواب بحمير الكتب أو الثقافة, تمييزا لها عن غيرها من الحمير التي تستخدم لأغراض أخري, فهل يمكن استخدام هذه الوسيلة خاصة أن الحمير معفاة من ضرائب المالية؟ وأما عن أهمية معرض القاهرة الدولي للكتاب, فيكفي أن نقول عنه إنه مناسبة ثقافية جليلة لعرض قرائح العقول من أفكار ومعارف وثقافات وعلوم بشكل مكثف ومتنوع ييسر للذين يطلبون الكتب أن يطلعوا عليها في سهولة ويسر.. المعرض ببساطة هو سوق كبيرة للكتاب أرجو أن يتحول الي حدث ثقافي, وأول ما نرجوه هو أن ترق قلوب الناشرين في القطاعين العام والخاص, فيكونوا رحماء بطالبي الكتب, حتي يعود الكتاب الي سابق وظيفته وهي كونه رسالة ثقافية وليس سلعة تجارية, خاصة أن ارتفاع أسعار الكتب كانت مؤسفة بكل المقاييس في المعارض السابقة, الي درجة أن طالب الكتاب أصبح يبحث عن السعر قبل أن يعرف المحتوي حتي من الفهرس, فالمهم في نظره هو أن يعرف السعر الذي أصبح يرتفع الي عشرة أو عشرين ضعفا في جرأة عجيبة يحسد عليها أصحابها, حتي لو كان السعر القديم مطبوعا علي الغلاف! واذا سألت عن معني ذلك, كان الرد عليك بألسنة شداد: هذه أسعارنا الجديدة!! والمرء يتساءل ألا توجد ضوابط لأسعار الكتب.. مع الاعتراف مقدما بما يعانيه الناشر في القطاعين الخاص والعام من ارتفاع تكلفة الكتاب في الورق ومستلزمات الطباعة والضرائب... الأمل كبير والرجاء وطيد أن يكون هناك لهذه المشكلة حلا.