لم يعد يفصلنا سوي ساعات عن اختيار مجلس الشعب الجديد واخشي ما أخشاه أن يأتي مجلس جديد لا يشغله سوي سفاسف الأمور فقبل ما يربو علي المائة عام اصدر الدكتور طه حسين كتابه الشهير في الشعر الجاهلي واقام مجلس النواب في ذلك الوقت الدنيا ولم يقعدها كان ذلك في عام1926 عندما أثارت الأحزاب مسألة التأليف والابداع وحرية التعبير فعارضت بعض الصحف الكتاب وهاجمت المؤلف فصدرت صحيفة كوكب الشرق حينذاك بمقال في صدر صفحتها الأولي تتهم الدكتور طه حسين بالجنون, وكان سعد زغلول يرأس مجلس النواب. وكان معظم الأعضاء ضد طه حسين ما عدا قلة من بينهم عباس العقاد الذي انتصر لحرية الرأي, أما زعيم الأمة فقد وصف طه حسين بالأبقار التي لا تفهم. اننا إذ نجد انفسنا أمام برلمان يختاره الشعب بمحض ارادته نود أن يكون اعضاؤه ورئيسه علي قدر كبير من ثقافة مثل البرلمان المصري الذي كان في عشرينات القرن الماضي. فطه حسين كما هو معروف كان يقدم كتابه في الشعر الجاهلي كمحاضرات علي طلبته ولا يخفي انه حسبما ذكر في مقدمته كان متأثرا بمذهب الشك الديكارتي.. أنا افكر اذن انا موجود! لكن برلمان هذا الزمان لم يترك شاردة أو واردة ذكرها المؤلف في كتابه إلا وناقشها واتي عليها, واليوم ونحن نتنفس هواء القرن الحادي والعشرين حدثت متغيرات كثيرة وتطورت الأحزاب المصرية بينما تخلف كثير من النواب.. فالدولة المدنية هي اول انجاز لهؤلاء النواب الذين لم يعرفوا تفريقا بين الهلال والصليب لكن بعض النواب المحسوبين علي المحظورة يحاولون الدعوة المستمرة لقيام دولة دينية! وهذا كلام حق يراد به باطل.. منذ ابتلع بعض الناخبين هذا الطعم ونادوا مع من نادي بأن الدين دين ودولة وهذا إفك كبير وفي زمن البرلمان الذي كان.. بلغت نسبة التعليم نسب ضئيلة وكانت كل أسرة بها خريج واحد. ووحيد من الجامعة أما اليوم فبلغت نسبة التعليم درجة أصبحت كل أسرة بها شخصان أو ثلاثة قد أنهو تعليمهم الجامعي.. ورغم ذلك فان ما يخشي هو ان ينقلب الهرم فيصبح القاع الي اعلي وكانت الصفوة المتعلمة هي التي تقبع عند القمة. رحم الله زكي نجيب محمود الذي قال أن الصفوة المتعلمة كانت تقود حركة المجتمع.. الآن ما يؤسف له هو أن الصفوة تراجعت وتركت أمر القيادة الي المحظورة وأعوانها وما معظم الأعضاء الجدد الذين رفعوا شعارات دينية إلا جزء من هذا البلاء العظيم الذي نود صادقين أن يرفع عن الأمة, فلو قدرنا شخصا آخر يشبه طه حسين قد وضع كتابا مثل في الشعر الجاهلي فإن أخشي ما أخشاه هو ألا يبالي به أعضاء مجلس الشعب الجديد أنها كارثة أن يكون نواب الشعب في غفلة عن القضايا الثقافية والحضارية المثارة. أن مستوي النواب في الثقافة والحضارة أمر مؤسف والسبب هو تدني هذا المستوي داخل فئات الشعب.. فلا أحد يعرف طه حسين ولا أحد يعرف كتابه في الشعر الجاهلي فالمؤلف الذي شغل منصب عميد الأدب العربي زمن أن كان للأدب العربي عميدا!! لا يعرفه أحد إلا كمؤلف لفيلم دعاء الكروان حسبما قال ذلك أحد طلبة الليسانس في كلية أزهرية! أما عباس العقاد الذي نسي خلافاته المذهبية والحزبية ودافع عن طه حسين منتصرا لحرية الفكر ليس في شريعة هؤلاء سوي صاحب الشارع المشهور في مدينة نصر! إننا ونحن نستقبل مجلس شعب جديدا إنما نريد من إعضائه أن يكونوا علي قدر التحدي المفروض علي مصر في المرحلة المقبلة ولا نريد نوابا لا يقرأون, وبالتالي ينشغلون في الأمور التافهة مثل ايهما اسبق في الوجود: البيضة أم الدجاجة! أن مجلس الشعب الجديد عليه أن يدرك أن الجدران قد سار ماء كثير تحتها وأن الدنيا قد تغيرت وأن عمل الأحزاب السياسية قد تطور تطورا بعيدا! وأن النهضة التي بدأها طه حسين ورعيله ما تزال تراوح مكانها بحثا عن نواب يعرفون في الثقافة والحضارة والحياة المعاصرة.. لقد تدني النواب كما تدني الناخبون وأصبح كتاب في الشعر الجاهلي غريبا أمام جهل بعض النواب الذي تتحدد طموحاتهم, وتبدأ وتنتهي عند الدولة الدينية وكفي, وبالتالي لم يعد غريبا أمام جهل النائب أن يستوي العليم ببواطن الأمور مع أولئك الذين يبيعون المبيدات المسرطنة كما فقد الكثيرون حاسة التمييز بين حامل الإعدادية وحامل الشهادة الجامعية.. فالكل سواسية! استغفر الله فالأول هو الذي يمثل الثاني؟! إنها مأساة أن يفوز من يحتقر الناخبين و يرفع شعارات لا أساس لها من الصحة وحسبه أن يجعل اساسها دينيا لا دنيويا مثل نواب المحظورة الذين يريدون خطف مصر الي المجهول.. أننا نريد نوابا علي قدر المسئولية.. فليس مصادفة أن تجد بعض النواب خاليي الوفاض عقلا ودينا إلا أنه ببعض الشعارات يضحك علي ذقون الناخبين ويحصل علي أصواتهم وفق أجندة معدة سلفا مثل أولئك الذين ينفذون أجندة دولية ولا يهم مكتسبات المواطنين الذين دفعوا ارواحهم من أجلها. لا أريد أن أوجه اللوم الي النواب وإنما أيضا الناخبون الذين باعوا أصواتهم بأرخص الأسعار. أو سبب أنهم أدركوا أن النواب يهبطون عليهم ببراشوت قبل الانتخابات فأرادوا شيئا من الكعكة سلفا.. هذا ما حدث في بعض الأحيان! لكن ندعو النواب لصحوه وكذلك الناخبون فمجلس عام1962 لم يكن أكثر من مجلس صادق مع ناخبيه يتصور حياتهم وما يشغلهم حتي لو كان كتابا في الشعر الجاهلي هكذا نريد نواب مجلس الشعب الجديد. ولست أري ذلك عزيزا في بلد ينعم بالديموقراطية منذ مجلس شوري النواب عام.1866 المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي