«الأدب الحق لا يخلو من مضمون سياسي»، علي هذه الصورة اختار أحمد زكريا الشلق البحث في أرشيف عميد الأدب العربي لمدة عشرين عاما، خصوصا مقالاته السياسية في فترة الثلاثينيات وما بعدها والمنشور أغلبها في الصحف الحزبية، وضمها الشلق في كتاب صدر عن المجلس الأعلي للثقافة بعنوان «طه حسين.. جدل الفكر والسياسة». يكشف الدكتور الشلق عن استشراف طه حسين (1889 - 1973) للمستقبل بخصوص الهيمنة الأمريكية علي الشرق الأوسط، وكان ذلك في مقال كتبه العميد عام 1957 تحت عنوان «شراء الشعوب»، ذكر فيه أن الولاياتالمتحدة تريد أن تشتري شعوب الشرق الأوسط، ولكن البيع لن يكون حرا وإنما بالمساومة، سيكون محاطا بكثير من الترغيب والترهيب، علي أساس أنها أغني دول الغرب الديمقراطي وأقواها، أموالها لا تحصي وقوتها لا تطاق. تشير مقالة صاحب «الأيام» تلك إلي فن جديد من فنون الاستعمار اخترعته أمريكا، وهو أن تعمد دولة قوية إلي شعب فقير ضعيف، فلا تسحقه ولا تبيده وإنما تفرض عليه سلطانها، وتزعم له مع ذلك أنها لا تريد استذلاله ولا استغلاله وإنما تحريره، أليس ذلك ما حدث في العراق وغيرها، ويعلق الشلق: «هذا ما قاله العميد من نصف قرن ونبهنا إليه ولا يزال يمارس علينا حتي الآن». من ناحية أخري، لا يغفل المؤلف التطرق إلي قضية كتاب «في الشعر الجاهلي» الشهيرة، والذي نشر في عام 1926 وقامت علي أثره الدنيا ولم تقعد، لكن الشلق لا يركز هنا علي جوانب القضية الأدبية والفكرية أو حتي الدينية، إنما يعالجها في إطارها السياسي، فالقضية من وجهة نظر مؤلف الكتاب تتصل بالأساس بتحرر الفكر والتحرر السياسي الذي تبناه طه حسين، فقد كان معروفا عنه مواقفه وتوجهاته الفكرية المخالفة للأزهر الذي تعلم ونشأ عليه، وانقلب علي قطاعات المثقفين المحافظين والسلفيين، وبالتالي كان لزاما علي العميد دفع ثمن مواقفه السياسية السابقة علي نشر هذا الكتاب الجدلي الذي ناقش في الأساس قضية الانتحال في الشعر، بينما كانت أغلب ردود كاتبنا المرموق علي معارضيه من أمثال مصطفي صادق الرافعي ومحمد رشيد رضا، أنه يحارب جمود الشيوخ المتسلطين علي الحياة العقلية والعلمية والسياسية، وفي نهاية هذه النقطة يخبرنا المؤلف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر أن صاحب «مستقبل الثقافة في مصر« و«الفتنة الكبري» و«المعذبون في الأرض» كان ينوي بعد فراغه من كتابة «في الشعر الجاهلي» تأليف كتاب عن «الديمقراطية»، وقيل إنه كتب بالفعل مقدمة هذا الكتاب، إلا أن الظروف التي أحاطت بنشر كتاب «في الشعر الجاهلي» حالت دون إتمام الكتاب الجديد. عن مسألة التغريب أو الإعجاب بكل ما هو أوروبي، يدلل المؤلف علي المنهج الوسطي التوفيقي الذي سلكه طه حسين في هذا المجال، بعبارة كتبها في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»: «أريد لكل مصري مثقف محب لوطنه حريص علي كرامته، ألا نلقي الأوربي فنشعر أن بيننا وبينه من الفروق ما يبيح له الاستعلاء علينا والاستخفاف بنا وما يضطرنا إلي أن نزدري أنفسنا، ونعترف أنه لا يظلمنا».