كما تعودنا بعد وقوع المشكلة تقوم الحكومة بحلول مؤقتة بمداواة العرض وليس علاج المرض, وهذا ما قامت به في أزمة الأسعار الأخيرة للمنتجات الزراعية, ولو رجعنا إلي آراء العلماء لوجدناهم قد حذروا من هذه الأزمة وتوقعوا حدوثها ولم يكتفوا بذلك, بل وضعوا لها الحلول. فبعد خروج الفلاح من المنظومة الزراعية, وهو الذي ظلت الزراعة المصرية تعتمد عليه خلال العقود الماضية.. أقول: بعد الارتفاع الكبير في مدخلات الإنتاج من بذور وسماد وعمالة وغيرها, وعدم عدالة السعر الذي يبيع به, بعد ذلك توقع الكثيرون حدوث هذه الأزمة, وللعلم فإن مصر كانت من الدول المصدرة للحاصلات الزراعية عندما كانت تعتمد في التصدير علي فائض إنتاج بيوت الفلاحين, ويمكن الرجوع في ذلك إلي إحصائيات الأربعينيات والخمسينيات, كما أن عدم التوسع الزراعي بما يقابل الزيادة السكانية كان من المؤشرات المهمة لضرورة حدوث تلك الأزمة. ولقد طالبنا بإنشاء قري إنتاجية نموذجية للشباب بمعدل ألف فدان لكل قرية, تشتمل القرية علي003 وحدة إنتاج زراعة مكثفة متكاملة, كل وحدة3 أفدنة, ويتم تمليك كل شاب وحدة منها, وتشمل الوحدة منزلا بسيطا, وتنشأ القري بالجهود الذاتية للشباب, وبدعم من أجهزة الدولة, وتشمل الوحدة جميع الأنشطة الإنتاجية الزراعية من إنتاج حيواني ونباتي, مع إمكان إدخال أنشطة إنتاجية أخري لزيادة دخل الأسرة بحيث تحقق الوحدة الاكتفاء الذاتي, وتوفر بعض المحاصيل التي يمكن من بيعها الحصول علي عائد مالي يساعد في معيشة الأسرة. ويقوم علي هذه القري مجلس منتخب من أساتذة الجامعات والخبراء والشباب أنفسهم والجهات المانحة, ويقوم المجلس بتحديد النباتات التي تتم زراعتها والتي لها ميزة نسبية, ووضع تصميم للمنزل الذي يقام بالوحدات, وإدخال بعض التكنولوجيات البسيطة مثل الطاقة الشمسية, والبيوجاز, والمياه الرمادية, وإعادة تدوير مخلفات المزرعة, ويقوم جهاز تسويقي لجمع المنتجات وتسويقها لتشغيل عدد أكبر من الشباب, كما يجب أن تقوم الدولة بطرح قطع من الأرض للاستثمار العائلي لمن يريد أن يدخل في المنظومة الزراعية من العائلات القادرة بدلا من أن تخصصها للشركات التي تعيد بيعها. إن العودة إلي فلسفة الإنتاج والعودة إلي البيت المنتج هي المدخل للقضاء علي زيادة أسعار الحاصلات الزراعية, ومحاربة الغلاء. د. مصطفي سعيد