بعد أن فرغت من اعداد كعكة عيد الميلاد.. وأنهت حديثا مرحا عن أقارب وأصدقاء واراهم التراب.. التفتت إلي شقيقتها قائلة: لماذا لانكتب سيرتنا الذاتية؟.. وهكذا ظهر علي أرفف المكتبات في أمريكا كتاب يحمل عنوان المائة عام الأولي للشقيقتين بيس وسادي.. ولأنهما كانتا قد قررتا ألا يسمحان لأحد أن يفقدهما روح الدعابة حتي وهما بين فكي الموت, لذلك جاء كتابهما ممتعا ومشعا بالبهجة.. وفيه نصحتا القارئ المسن تجنب المستشفيات.. فالأطباء فيها سيرهقونك بشدة, وعندما يدركون أن عقلك مازال قويا سينظرون إليك علي انك تحفة.. وسينادون علي بعضهم البعض لرؤية الكهل الذي يبدو في حالة جيدة.. في الوقت الذي كانت فيه الشقيقتان تكتبان سيرتهما الذاتية.. أعلنت إيدا لوشان مستشارة شئون الأسرة في أمريكا أن هناك اتجاها يزداد حدة في كل مكان في العالم لعزل المسنين واشعارهم بأنهم غير مرغوب فيهم في زمن زادت فيه اعدادهم بعد أن أطال التقدم العلمي أعمارهم.. كما أشارت إلي أن ترك الناس في الخواء بعد سن الستين ليس بحل.. ونصحت بألا يعتزل المرء العمل الذي يحبه إلا عندما يستحيل عليه مواصلته. كلمات مستشارة الأسرة لم يفهمها إلا الذين استيقظوا فجأة ووجدوا أنفسهم مثلي أعضاء في نادي العجائز.. فأدهشتهم السرعة التي جرت بها السنوات.. والوقت الذي تسرب دون أن يفرغوا كل ما في جعبتهم.. وتذكروا كلمات كافافيس شاعر الاسكندرية الذي قال ان نفسه قد خدعته حين قالت له غدا لديك من الوقت متسع.. لكن كم كان الزمن قصيرا.. كم كان الزمن قصيرا.. وتعجبوا من حيوية المسنين في الدول المتقدمة ومن قدرتهم علي الابتهاج بالحياة حتي اللحظة الأخيرة.. وصفقوا لليابانية التي قررت وهي في سن الستين أن الرياضة المناسبة لها هي تسلق الجبال.. فقضت السنوات التالية من عمرها تصعد وتهبط عددا من أعلي القمم في العالم, بحيث أصبحت وهي في الخامسة والتسعين أكبر امرأة تتسلق قمة جبل فوجي باليابان.. وتحمسوا لرأي أحد علماء النفس بأن الشيخوخة هي الفرصة الأخيرة لعزف لحنك الخاص.. وتأملوا عبارة أن الحياة في أي سن مليئة بالوعود ومثيرة للدهشة للأديبة الانجليزية إيندا باجنولد التي كتبت أجمل مسرحياتها وهي في الخامسة والسبعين.. وتوقفوا أمام البيانات التي نشرها أخيرا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء والتي تشير إلي تزايد نسبة المسنين بمصر, حيث أصبح4% من سكانها فوق65 عاما.. وتوجسوا خيفة من تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن الدول النامية ستضم80% من المسنين في العالم بحلول عام2050.. وهؤلاء سيعانون معاناة شديدة ما لم يتم اعداد مشاريع وبرامج للاستفادة من خبرتهم وطاقتهم, وفي ذات الوقت توفر حياة كريمة لهم.. وتأكدوا من ان صراع الأجيال سيزداد ضراوة قبل أن تخمد حدته حين تتعود المجتمعات وتتكيف علي وجود المسنين بين سكانها. في العقود المقبلة لن تكون هناك مشكلة في تقدم العمر بالانسان.. فالعلم قادر علي حمايته من الأمراض.. وعلي انقاذه من الوهن والشيب والترهل والتجاعيد وقلة الحيلة وخيانة الذاكرة وضعف البصر وثقل السمع.. لكن المشكلة التي لن يجد لها العلم حلولا.. ستكون في القلوب التي تتبلد في الأربعين.. والأرواح التي تشيخ في الثلاثين.. والعقول التي تتحجر في العشرين!!