منذ أن جاء أوباما إلي الحكم ارتفعت معه الآمال في إحراز تقدم جوهري علي صعيد المسار الفلسطيني بعد السنوات العجاف التي شهدها نتيجة للتعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي والانقسام الفلسطيني والتراجع العربي. وكانت المحصلة النهائية أن هذا المسار شهد من المبادرات والتحركات والاتفاقيات ما لا تعد ولا تحصي تحطمت جميعها علي صخرة الواقع ليظل يدور في ذات الحلقة المفرغة ما بين خطاب سياسي نظري يدفع باتجاه الحل وباحتمالات إقامة دولة فلسطينية وما بين واقع مؤلم تجسده الإسرائيليون في إضاعة الوقت لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية عبر التهويد بحيث لم يتبق شئ يمكن التفاوض عليه. ولذلك فإن لقاء أوباما ونيتانياهو الأخير في البيت الأبيض وإعلانهما عزمهما علي الانتقال إلي مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وتأكيد أوباما للرئيس أبو مازن بإقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية حكمه ما هو إلا استنساخ لسيناريوهات قديمة متكررة يمكن التنبؤ بسهولة بمشاهدها الأخيرة, فمن ناحية نيتانياهو في طبعته الثانية, وإن بدا أكثر اعتدالا في لغته وليس أفعاله وتخليه عن لاءاته الشهيرة التي رفعها من قبل, يريد أن يحقق عددا من الأهداف المتزامنة, فهو حتي وإن رغب في سلام حقيقي مع الفلسطينيين فليس لديه القدرة في تحقيق ذلك بسبب التركيبة الفريدة لائتلافه الحاكم, والذي يمثل أكثر الحكومات اليمينية تشددا في تاريخ إسرائيل, ويتباري فيها الأحزاب الدينية مع الأحزاب اليمينية في عدم تقديم التنازلات, كما أن نيتانياهو يقدم تنازلات لفظية يدرك أنها لن تغير من الواقع شيئا لكنها تحقق أهدافه في استيعاب الضغط الأمريكي لوقف الاستيطان وحشد دعم واشنطن للخيار العسكري ضد طهران بسبب برنامجها النووي, كذلك ضمان الحماية الأمريكية لبرنامج بلاده النووي ضد الضغوط الدولية لضم إسرائيل إلي معاهدة منع الانتشار النووي, إضافة إلي أنه نجح في إذابة الجليد الذي غطي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بسبب قضية الاستيطان في القدس. ومن ناحية ثانية فإن أوباما عاد إلي تأكيد أن علاقات الدولتين مستحيلة الكسر ليغازل اللوبي اليهودي لحشد دعمه في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب في سبتمبر المقبل ويعطي رسالة واضحة بأن هناك حدودا للدور الأمريكي في عملية السلام وللضغوط التي تمارسها واشنطن تقف عند حدود ما تريده إسرائيل. ومن ناحية ثالثة فمنذ أن أطلق الرئيس الأمريكي السابق بوش مفهوم الدولة الفلسطينية التي تعيش إلي جوار إسرائيل في خطابه في يونيو2006 وضمنه في خريطة الطريق, فإن هذه الكلمة, وإن مثلت تطورا نوعيا في إعتراف القوة العظمي والمجتمع الدولي بحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم كبقية شعوب العالم, إلا أنها ظلت شعارا براقا لكنه حاجب عن ممارسات الواقع الذي ازداد سوءا مع التهام إسرائيل لمزيد من الأراضي, بحيث لم يعد ما يسيطر عليه الفلسطينيون لا يتجاوز11% من مساحة فلسطين التاريخية بما يدفع إلي التساؤل عما يمكن أن تحققه هذه المفاوضات المباشرة المرتقبة, حتي وإن جاءت برعاية أمريكية وفي سياق رغبة أوباما في حل هذا الصراع, وما هو المدي الذي يمكن أن تصل إليه الضغوط الأمريكية لإجبار إسرائيل علي تقديم تنازلات حقيقية تفضي إلي سلام عادل وشامل ودائم يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فالأمر المؤكد أن العقيدة الإسرائيلية التي تتفق عليها كافة الاتجاهات السياسية في إسرائيل تقوم علي رفض حق العودة لللاجئين الفلسيطنيين باعتبار أنه لا يوجد سوي شعب واحد في هذه الأرض هو شعب إسرائيل يجسده مفهوم يهودية الدولة, واعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية بما يعني عدم التخلي عن القدسالشرقية, والتي من المفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المأمولة, بل إن هذه الدولة ذاتها تظل مفهوما هلاميا خاصة حول حدودها ومقوماتها في ظل إصرار إسرائيلي علي أفضل ما يحصل عليه الفلسطينيون هو دولة منزوعة السلاح أشبه بحكم ذاتي يديرون فيها أمورهم الداخلية بأنفسهم, بينما تظل إسرائيل متحكمة في شئونها الخارجية, كما تظل الهلامية في ظل وجود سلطتين فلسطينيتين متعارضتين ومتصادمتين في الضفة وغزة. ورغم أن التحرك السياسي الأمريكي علي مسار القضية الفلسطينية يحمل في طياته أمرا إيجابيا هو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين, خاصة الدولة وضرورة حل هذا الصراع, بما يعني أن القضية لم تمت وأنها ما زالت في بؤرة الاهتمام, لكنه سيكون تحركا بلا مضمون إذا لم يصاحبه تغير جذري في منهج التعامل الأمريكي يتجاوز لغة الخطاب إلي لغة الفعل الحقيقي بوضع جدول زمني محدد لتلك المفاوضات لإنجاز تسوية تاريخية, ووضع ضمانات علي الطرف الإسرائيلي لتنفيذ التزاماته, وبدون ذلك ستكون المفاوضات حلقة جديدة لإضاعة مزيد من الوقت والرابح الوحيد فيها هو الجانب الإسرائيلي في تنفيذ مخططاته في ظل المشهد الفلسطيني الحالي المنقسم والذي تراجعت فيه الأولويات من تحرير الأرض ومقاومة المحتل إلي صراع علي السلطة والمناصب.