أوباما ونتنياهو وعباس والعودة لمائدة المفاوضات في نهاية الأسبوع الماضي وفي احتفالية بروتوكولية بدأ الرئيس الأمريكي أوباما مغامرته الأولي لإحداث اختراق في مسيرة السلام في الشرق الأوسط بإطلاق المفاوضات المباشرة بعد أكثر من 18 شهرا من توليه الحكم وبعد فشل لاحق الرؤساء السابقين وتوقف للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي دام عامين وبعد فشل متواصل لكل أشكال التفاوض منذ توقيع اتفاقية أوسلو الثانية عام 95 المغامرة الجديدة تفتقد لكافة عوامل النجاح عربيا وإسرائيليا فهي ستجري بلا مرجعية واستبق الطرفان المفاوضات بشروطهما كما ستتعرض لاختبارات قاسية في الشهور القادمة وصولا للعام الذي تحدد كنهاية للتفاوض لإصدار إعلان مباديء وتنفيذ علي مدي عشر سنوات والتشاؤم يسيطرعلي كافة الأجواء العربية والإسرائيلية والدولية نظرا لتعقد كافة الملفات التي سيناقشها الطرفان برعاية أمريكية استبعدت المجتمع الدولي منذ زمن بعيد لكنها رعاية مزدوجة تلعب خلالها دور الخصم والحكم علي حساب الطرف الأضعف في التفاوض (الفلسطيني) والطرف العربي المستسلم للضغوط الأمريكية رغم ماتمر به واشنطن من انتكاسات وانكسارات في حروبها وواقعها الراهن (العراق وأفغانستان والأزمة المالية العالمية) . وتأتي مغامرة أوباما الجديدة في توقيت حرج بالنسبة له ولحزبه مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونجرس وفرص فوزه في معركة التجديد لرئاسته الثانية عام 2012 وتربص الحزب الجمهوري الذي تحظي إسرائيل (تاريخيا) بدعمه، والتساؤلات المطروحة الآن هي .. هل بالنوايا الحسنة يمكن تحقيق السلام خاصة مع التعنت الإسرائيلي الذي طالما أفشل كل المفاوضات السابقة وهل تكون المرحلة القادمة بداية للوصول للحل النهائي العادل أم إنهاء للوجود الفلسطيني علي الأرض العربية وإغلاق الملف للأبد ؟ ترافق الإعلان عن إطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مع أجواء مشحونة ومحتقنة مع التهديدات الإسرائيلية لكل من لبنان وسوريا وإيران ومع تصاعد معدلات الخسائر الأمريكية في أفغانستان وتراجع شعبية الرئيس الامريكي أوباما في الداخل وقبل ساعات من مؤتمر البيت الأبيض جاءت عملية كتائب القسام التابعة لحماس بقتل أربعة مستوطنين في الخليل وتلتها عمليتان خلال فعاليات لقاء واشنطن كما ترافق ذلك مع إعلان عدد من المستوطنين البدء في إنشاء العديد من الوحدات في ثمانين مستوطنة والتهديد بإقالة نتنياهو في احتجاج علي بدء المفاوضات واستباقا لموعد مهلة الشهورالعشرة للتجميد الجزئي لوقف الاستيطان في 26 سبتمبر الحالي وتصريحات زعيم حركة شاس المتطرفة (عوفاديا يوسف) والدعاء بأن يبتلي الرب محمود عباس والفلسطينيين من الأشرار الكارهين لإسرائيل بوباء الطاعون ويأتي إطلاق المفاوضات المباشرة مع تزايد حدة الإنقسام الداخلي الفلسطيني بين غزة ورام الله ووسط تصاعد الرفض الشعبي الداخلي من العديد من الفصائل الفلسطينية للمشاركة في هذه المفاوضات لأنها سوف تمثل نهاية للقضية وبنفس الدرجة تزايد الانقسام بين أطراف النظام الرسمي العربي واستمرار حصار غزة دون بارقة أمل في نهايته وتشاؤم عربي واسع بإمكانية نجاح هذه المحاولة عبرت عنه أطراف عربية عدة . ماراثون المفاوضات منذ تسعينيات القرن الماضي انطلقت مسيرة المفاوضات من عربية في مدريد إلي مفاوضات المسارات الثنائية تحت مظلة أردنية في واشنطن ثم المفاوضات السرية في عدة عواصم أوروبية ثم مفاوضات مابعد أوسلو في القاهرة وشرم الشيخ برعاية عربية ثم مفاوضات واشنطن أو واي ريفر وكامب ديفيد برعاية أمريكية ثم عدة مرات في ضيافة إسرائيلية ومحاولة بوش عام 2007 من خلال عقد مؤتمر(أنابوليس) بحضور أطراف عربية وفشل المحاولة أي أن كل أشكال وألوان المفاوضات فشلت في حل عقدة ومعضلة هذه القضية طوال عقدين من الزمن لأسباب أهمها التعنت الإسرائيلي واستغلالها لعامل الوقت لصالحها للمضي في فرض وتكريس واقع جديد علي الأرض يصعب من عملية التفاوض (الاستيطان والتهويد) واستغلال تل أبيب للانقسام الفلسطيني والعمل علي تزايد حدته والانحياز الواضح وبلا مواربة للدولة العبرية من جانب واشنطن وعدم وجود مواقف عربية موحدة تجاه القضية تساند وتدعم الموقف الفلسطيني واحتكار واشنطن لملف التفاوض منذ أوسلو واستبعاد الأطراف الأخري (الاتحاد الأوروبي وروسيا) من هنا تحولت المفاوضات عبر مسيرتها إلي مجرد لقاءات علاقات عامة ودعاية تصب في مصلحة تل أبيب وواشنطن بينما يزداد الوضع سوءا بالنسبة للفلسطينيين حيث تتضاءل مساحة الأرض وتتلاشي أحلام الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ويفقد 5 ملايين منهم في الشتات الأمل في العودة لديارهم بعد مرور أكثر من ستين عاما علي تشريدهم ولم يعد منهم بعد اتفاقية أوسلو سوي 400 ألف مهجر وإلي الأراضي الفلسطينية بعد 67 . ألغام علي الطريق وخطورة طرح المفاوضات المباشرة هو في هدفها حيث إنها تتجه نحو إقرار الحل النهائي وهو ما تفادته المفاوضات السابقة من خلال جولات تفاوضية تعقد في عدة أماكن مرشحة منها القاهرة وشرم الشيخ والقدسوواشنطن وغيرها وعلي فترات متقاربة وتتناول قضايا التسوية النهائية وهي القضايا التي يخشي الطرفان الخوض فيها بدون غطاء كامل وضمانات دولية لاتتوفر سوي لدي الجانب الأمريكي ومن أهم تلك القضايا المستوطنات واللاجئين والحدود والمياه والقدس والأسري وهي قضايا ملغومة ومن الصعب علي أي جانب تقديم تنازلات فيها بسهولة لأنه سيجد معارضة شديدة قد تصل إلي حد استهداف أي طرف سياسيا وأمنيا فرغم أن نتنياهو يرأس ائتلافا يمينيا متشددا تمثل الأحزاب الموالية للمستوطنين غالبيته فإنه لايستطيع الإقدام علي تنازلات جوهرية فيما يتعلق بالاستيطان أو القدس أو اللاجئين لأنه يعلم جيدا أنه سيفقد وجوده في الحكم بانهيار ائتلافه، كما هو الحال بالنسبة لعباس الذي يدرك جيدا أنه لايملك تفويضا شعبيا كافيا للتنازل عن الثوابت الوطنية وخاصة مايتعلق بالأرض وحدودها والقبول بوجود المستوطنات علي الأراضي التي احتلت بعد حرب 67 وأقرت محكمة العدل الدولية بعدم مشروعيتها أوعدم الاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المزمع إقامتها كما تعتبره العديد من الفصائل الفلسطينية فاقدا للشرعية بعد انتهاء ولايته الرئاسية. من هنا يري الكثير من المراقبين أن محاولة أوباما الجديدة لن يكتب لها النجاح ومنهم (ستيفن والت) أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الذي يري أن المفاوضات المباشرة ليست سوي أكذوبة لتباعد مواقف الطرفين وعدم رغبة أوباما في فرض ضغوط فعلية علي إسرائيل لانتزاع تنازلات منها وهي ليس لديها استعداد للقبول سوي بدولة فلسطينية رمزية مكونة من عدة بانتوستونات (جيوب مقطعة الأوصال جغرافيا) علي غرار معازل السود السابقة في جنوب أفريقيا في فترة التمييز العنصري مع سيطرة إسرائيلية كاملة علي حدودها وأجوائها ومياهها ولكن المشكلة التي ستواجهها إسرائيل هي في كيفية تصرفها في النصف مليون مستوطن الذين يتواجدون خارج حدودها في الضفة الغربية والضغط غالبا ماسيكون علي عباس وليس نتنياهو وحول مسعي أوباما يقول والت إذا كنتم تظنون أنني كثير التشاؤم فقدموا خدمة وأثبتوا أنني مخطيء وإذا فعلتم ذلك فسأكون أول من يعترف لكم بالأمر . ومن الألغام التي ستكون علي طريق المفاوضات موعد نهاية التجميد الجزئي لبناء المستوطنات في 26 سبتمبر الحالي وماإذا كان سيمدد أو يعود الاستيطان لذروة نشاطه السابق وهو ماسيهدد استمرار المفاوضات كما أن تزايد وتيرة تهويد القدس ستعد لغما ثانيا علي الطريق والمعارضة التي تقف أمام محمود عباس من الفصائل الفلسطينية تعد عاملا هاما فهي ترفض بشدة مسار هذه المفاوضات وتري أنها ستقود إلي تصفية القضية وضياع حقوق الشعب الفلسطيني وقد أعلنت الأجنحة العسكرية في 13 فصيلا فلسطينيا تشكيل غرف مشتركة لتنيسق العمليات المسلحة في إعلان رفض صريح للمفاوضات وما ستقود إليه مما يهدد باشتعال الصراع المسلح وإمكانية قيام إسرائيل باجتياحات جديدة في الضفة وغزة , ويضاف لأسباب الفشل احتمال شن إسرائيل حربا ضد لبنان بعد تهديد نقلته واشنطنلبيروت عبر مبعوثيها بأنها تستطيع تدمير بيروت في أربع ساعات إن لم تتوقف تحرشات حزب الله بالحدود الشمالية . المفاوضات المباشرة التي دشنتها واشنطن تملك إذن الكثير من عوامل الفشل يأتي في مقدمتها يهودية الدولة العبرية والدولة الفلسطينية التي ستولد ميتة فلاسيادة علي الأرض أو الجو ولاحدود تملك القرارعليها ولاعودة للاجئين ولاوجود للقدس ولاتواصل جغرافي بين أجزائها فأين إذن الحل العادل والشامل الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة ؟!!..إنه حل علي الطريقة الأمريكية والإسرائيلية وبإذعان فلسطيني وعربي وإذا أراد أوباما تحقيق إنجاز فليس من البوابة العربية وليس بالانحياز المستمر لجانب علي حساب الآخر وطالما ظل الحال علي ماهو عليه فإن المنطقة علي أبواب اشتعال للصراعات من جديد فهذه القضية ليست بوابة وغطاء لحروب وسوابق التاريخ تتحدث عن نفسها.