صدرت في الاسبوع الماضي في العاصمة البريطانية ترجمة جديدة للقرآن الكريم من أهم ما يميزها أن كل صفحة من صفحاتها الانجليزية يقابلها النص العربي الموازي لها. والحقيقة أن ظهور الترجمة الجديدة التي قدمها د. محمد عبد الحليم أستاذ علوم القرآن بمركز الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن قد أعادت إلي ذاكرتنا رحلتنا مع المصحف التي قمنا بها خلال شهر رمضان الماضي عندما قدمت هذه الصفحة تحت عنوان المصحف النور المسطور ورحلة عبر العصور والتي تناولنا فيها عددا من القضايا التي ارتبطت بالقرآن الكريم وكان من بينها اشكالية ترجمته للغات الأخري من حيث مشكلة ترجمة اللفظ أم المعني واللوازم الجمالية والصور البلاغية في النص القرآني ومشكلة تفسير الاشارات القرآنية الخاصة بزمانها. وفي ذات السياق طرحت صفحة دنيا الثقافة اشكالية تعدد الترجمات واختلاف المفردات الأجنبية المستخدمة طبقا لتطور مفردات اللغة عبر العصور وطبقا لاختلاف المناخ السياسي والثقافي ومخاطر تعدد الترجمات المحرفة أو المشوهة وما يمكن أن تؤدي إليه من مباغتتنا بظهور أكثر من صورة للقرآن الكريم. وعبر الاستعراض التاريخي لترجمات معاني القرآن, منذ ظهور الترجمة الفارسية الأولي مرورا بالترجمة من العربية إلي اللاتينية في القرنين الحادي والثاني عشر, ثم مرحلة الترجمة للغات الأوروبية عن طريق المستشرقين وأخيرا مرحلة دخول المسلمين ميدان ترجمة القرآن الكريم في عام1905 بهدف تصحيح ما جاء علي لسان المستشرقين وبيان معاني القرآن لغير المتحدثين بالعربية, ومن خلال آراء علمائنا المتخصصين في مجال الترجمة ممن خاضوا غمار تجربة ترجمة القرآن الكريم, تكشف لنا عدد من المشاكل التي تواجه مترجم النص القرآني وكان من بينها وجود ترجمات جزئية للقرآن أو ظهور ترجمات أوروبية لا تراعي ترتيب سور المصحف حيث اعتمد أصحابها علي الترتيب الزمني للسور( مثل ترجمة الفرنسي بلاشير) وتعمد بعض المستشرقين في ترجمتهم للقرآن وضع مقدمات منهجية لترجماتهم وتفسير بعض الألفاظ القرآنية من خلال الإحالة لشخصية الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم) مثلما فعل اريري وبلاشير وكريموسكي, الأمر الذي أدي لظهور كلمات لا تخلو من شبهة عدم الدقة أو سوء الفهم أو التكريس لأفكار وصور نمطية. من هذا المنطلق طرحنا علي هذه الصفحة تساؤلنا علي المتخصصين عن الوسيلة التي يمكن بها تقديم ترجمة أمينة لمعاني القرآن الكريم ودرء خطر الترجمات غير الدقيقة أو المشبوهة المنتشرة علي شبكة الإنترنت والأسواق الأجنبية وفي ذات السياق دفعنا الطموح لأن نطلق من علي هذه الصفحة دعوة لأن يتبني المؤتمر الإسلامي العالمي والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية والكيانات المشابهة في الدول الإسلامية والمترجمون المتخصصون مبادرة لوضع معايير محددة لترجمة القرآن الكريم ونشر طبعة موحدة معتمدة يتم تداولها دوليا. وإذا كانت دعوتنا التي أطلقناها قبل ما يقرب من عام لاتزال مجرد حلم أو أمنية لأداء فرض واجب لدفع الشبهات والتبليغ بمعاني القرآن وكشف المحرفين والخروج من أطر الصور النمطية التي بات الاسلام والمسلمون سجناء فيها, فإننا اليوم نطرح علي هذه الصفحة تجربة د. محمد عبد الحليم من خلال هذا الحوار الذي اختص به صفحة دنيا الثقافة, ليس فقط من منطلق التعرف علي أبعادها تجربة ترجمته وتقييمها من قبل المتخصصين, ولكن أيضا بهدف تسليط الضوء مجددا علي قضية نظن أنها يجب أن تحظي باهتمام أكبر من المؤسسات الدينية والثقافية, بل والسياسية أيضا للتبليغ بمعاني القرآن واتاحتها للجميع ومخاطبة العالم والبشر أيا كانت أديانهم أو لغاتهم والتواصل معهم من خلال جوهر الإسلام الحقيقي وعلي لسان أبناء لغة الضاد.. [email protected]