إذا كانت مدينة دمياط تحتل المركز الأول في صناعة الأثاث بمصر, فإن قرية البجلات بمحافظة الدقهلية هي القلعة الثانية لهذه الصناعة. ومع ذلك فإن هذه القرية تستحق أن يطلق عليها لقب كنز الدقهلية المنسي فمشاكلها لا حصر لها ومعاناة أهلها مع الروتين والإهمال لا تنتهي رغم أن المدينة تسللت الي القرية بايجابياتها وسلبياتها.. البجلات قرية تتبع مركز منية النصر حيث تبعد عنه بنحو13 كيلو مترا.. وقد اشتهر هذا المركز قديما بأنه كان المعسكر الرئيسي لجيش الوالي محمد علي في الوجه البحري..ورش النجارة والموبيليات في كل مكان بالقرية ويعمل بها عدد كبير من الأهالي.. لكن حياتهم ليست مريحة كما يتخيل البعض, والسبب هو الكهرباء والتي قرر المسئولون بالمديرية ترشيدا للطاقة تخفيض نسبة استهلاكها بعد السادسة مساء علي مستوي القرية كلها وبالتالي ممنوع علي أي ورشة أن تعمل بعد هذه الساعة, ويشير صاحب إحدي الورش إلي أن هذا يعني ببساطة أنها تعمل نصف يوم تقريبا وبالتالي تستعين بعمالة أكثر لكي تلبي الطلبات, خاصة أن معظم إنتاجها يتم تصديره.. والطريف انه يلفت النظر لمشكلة أخري لها علاقة باتصالاته مع العملاء, وهي أن تليفونات المحمول منتشرة في أيدي كل الأهالي لكنها تقريبا لا تعمل لأن شبكات الشركات الثلاث لا تغطي كل مساحة القرية خاصة داخل البيوت!! وجولة بسيطة في شوارع القرية تكفي للتعرف علي طبيعة الحياة فيها وأبرز مشاكلها ومنها الصرف الصحي, صحيح أنه يوجد نظام للصرف الصحي ولكن كما يؤكد الشيخ حسين بدير وهو من رجال الدعوة بالقرية مشاكل هذا النظام لا تنتهي وكثيرا ما تغرق الشوارع في برك من مياه الصرف الصحي والتي تسبب أمراضا كثيرة للأهالي.. أيضا القرية خارج خريطة النظافة تماما, ومجرد القول إن مقالب الزبالة تنتشر في شوارع القرية الضيقة هو تجميل للواقع, فالحقيقة أنه تقريبا أمام معظم البيوت مقلب قمامة في انتظار عمال النظافة الذين يأتون بالصدفة لوجاءوا أصلا!! واللافت للنظر في قرية البجلات ان كثيرا من البنية التحتية موجودة بالفعل لكنها مهملة حسب وصف المهندس الزراعي محمد أنور عضو المجلس المحلي.. فمثلا مستشفي البجلات يقع في مبني فخم وبه تجهيزات طبية علي أعلي مستوي لكنه بلا أطباء ويعاني من نقص شديد في الكوادر الطبية.. أيضا نقطة الشرطة متميزة جدا وعلي أحدث طراز لكن الموجود بها دائما أمين شرطة.. أي أنها بلا ضباط أو عساكر دورية, ولحسن الحظ أن أهالي القرية مسالمون وإلا لحدث مالم يحمد عقباه.. وينوه الصيدلي الدسوقي بدير لمشكلة أخري متعلقة بالبنية الزراعية والتي لا تزال تمثل نشاطا رئيسيا للأهالي, فالمساحة الزراعية تتناقص باستمرار بسبب زحف المباني والتجريف.. وأيضا بعد أزمات السماد هجرها الكثير من الشباب والذين يفضلون السفر سواء للقاهرة أو للخارج مثل كثير من شباب قري الوجه البحري, وهذا انعكس حتي علي حياة الفلاحين هناك والتي لم تعد مثل زمان.. فهم يعتمدون علي خبز القمح من المخابز وقليل منهم مازال متمسكا بالخبز في البيوت.. كما أن معظم احتياجاتهم يشترونها من محال البقالة المنتشرة في كل مكان.. وتغيرت حياة الفلاح التي لم يعد لها وجود إلا في الأغاني والأفلام القديمة فقط! ومن شباب القرية يقول أنور محمد إنه أتم تعليمه لكنه كالعادة لم يجد وظيفة مناسبة لمؤهله, لكنه يشير إلي تفاصيل أخري عن حياة اهالي البجلات خاصة بالترفيه المسموح به هناك والذي يقتصر علي جانبين.. الأول هو التجمع إما في المقاهي أو في البيوت للتشاور في أحوال البلد والتسلية, والثاني خاص بمركز الشباب وهو فعلا نموذج لما يجب أن تكون عليه مراكز الشباب في القري من الظاهر.. لكن المضمون مختلف لأنه بلا انشطة تقريبا, وهنا لا نقصد تنظيم دورات كره القدم ولكن لا يوجد أي اهتمام بالألعاب الأخري أو تنظيم ندوات اجتماعية أو دينية أو فنية.. وكلها بالمناسبة من أهداف المركز كما تشير اللافتة المعلقة في مدخله! ويؤكد المحامي صبري المليجي رئيس المجلس المحلي أن كثيرا من العادات والتقاليد المميزة للقرية مازالت تفرض نفسها خاصة مع وجود العائلات الكبيرة مثل موسي والمليجي وسرايا والشرباص وشلبي وأبو النجا وخريبة وشطا وعبيد, ومازالت قيم الشهامة والعدل والإخلاص والصدق هي الدستور الذي يلتزم به الجميع, والمرأة هناك سند لزوجها وتحاول أن تساعده في كل شئون الحياة خاصة أن تربية الدواجن نشاط مازال موجودا في معظم البيوت. أما بالنسبة للتعليم ورغم كل المشاكل التي تعاني منها القرية فهو يتمتع بجودة عالية بسبب نظام تعليم زمان حسب وصفه.. ومعظم المدارس هناك قائمة بالجهود الذاتية, وبمساهمات من العائلات الكبيرة.. وتقريبا لا توجد دروس خصوصية بسبب الترابط الكبير بين الطلاب والمدرسين, فمعظمهم من أهالي القرية, وهناك مدارس تعتبر فعلا نموذجية في كل شيء مثل مدرسة الشهيد محمد حسن عبدالحميد موسي وغيرها والتي تتميز بتاريخ عريق في التعليم, وفي الوقت نفسه تواكب أحدث المناهج وطرق التدريس. إذا كان الحال هكذا.. فما الذي ينقص البجلات حتي تكتمل الصورة الايجابية, وتجد المشاكل التي يعاني منها الاهالي حلولا؟! يختصر حسين موسي رئيس المجلس المحلي السابق الموضوع كله في ضرورة اهتمام المسئولين, خاصة أن أهالي القرية أجمعوا علي تجاهل المحافظ والمسئولين لشكواهم.. بل إنهم يزورون القري المحيطة بالبجلات, بينما يمرون عليها وكأنها غير موجودة علي الخريطة وليست مسئولة منهم!!