كان عام1977 متصلا بعام1976 في إطار فطنتي إلي أن الشرق الأوسط في طريقه إلي مسار جديد إثر انتهاء حرب أكتوبر.1973 وقد أدي السيناتور الأمريكي وليم فولبرايت دورا مهما في تحديد هذا المسار. فقد قرأت له مقالا عنوانه نحو سلام في الشرق الأوسط في مجلة الشرق الأوسط الدولية, سبتمبر1975 جاء فيه أن ثمة سياسة أمريكية تقوم علي احتضان أمريكا لإسرائيل ودول البترول في آن واحد, وأن اسرائيل قد وافقت علي هذه الخطة بشرط أن يكون لها الدور القيادي في المنطقة. وإثر الانتهاء من قراءة المقال دار في ذهني السؤال الآتي: إذا كانت الخطة بحكم طبيعتها تستلزم تأسيس وضع قادم فمن مستلزمات هذا الوضع في اطار مقال فولبريت إثارة التساؤل عما هو ضمان اسرائيل لتحقيق دورها القيادي علي ضوء الصراع بين القوتين العظميين. جاء جوابي في بحث ألقيته في ندوة عقدتها جامعة عين شمس بحضور بعض من قيادات القوات المسلحة في أكتوبر1977 تحت عنوان ندوة أكتوبر, وكان عنوان بحثي رؤية إسرائيلية لمستقبل المنطقة بعد حرب أكتوبر, وأوجز هذه الرؤية علي النحو الآتي: أحدثت حرب أكتوبر نقلة كيفية, والنقلة الكيفية تعني مجاوزة وضع قائم نشأ عن حرب1967 يتصف بالترنح بين اللاسلم واللاحرب إلي وضع قادم إثر حرب أكتوبر يتميز بالترنح بين اللاانتصار واللاهزيمة. وقد نشأ عن هذه النقلة الكيفية تطور في مفهوم الحرب والسلام. فالحرب لم تعد بالضرورة ذات طابع عسكري, والسلام لم يعد بالضرورة افرازا لانتصار عسكري تام. ومعني ذلك في عبارة أخري أن الحل العسكري ليس هو الطريق الوحيد إلي السلام, وبذلك تسقط دعوي اسرائيل الخاصة بالأمن الجغرافي, أو ما يسمي بالحدود الآمنة, وتسقط دعواها الخاصة بالأمن العسكري أو ما يسمي بأسطورة الجندي الاسرائيلي الذي لا يقهر. وتأسيسا علي كل ذلك يبقي سؤال: ما هي عندئذ رؤية اسرائيل المستقبلية لأمنها؟ للجواب عن هذا السؤال ينبغي ممارسة التحليل النظري لمعطيات ما بعد حرب أكتوبر, وبالذات المعطيات السلبية لأنها ركيزة اسرائيل في التحديد المستقبلي لمعني الأمن. وهذه المعطيات السلبية تدور علي بزوغ ثلاثة تيارات: التيار الأول يمكن تسميته بالتيار التتاري, ينبذ الحضارة فيشكك في قدرة العقل, ويحقر من شأن العلم, ويعيد إلي الأذهان محاكم التفتيش. والتيار الثاني يمكن تسميته بالتيار اللاثوري, يحذف ثورة23 يوليو بدعوي تدميرها لنفسية الانسان العربي ويدعو إلي العودة إلي ما قبل ثورة23 يوليو. والتيار الثالث يمكن تسميته بالتيار اللاعلماني, أو بالأدق تسميته بالتيار الأصولي الذي يبطل إعمال العقل ويكتفي بالسمع والطاعة. والسؤال بعد ذلك: ما مغزي هذه التيارات الثلاثة؟ مغزي التيار التتاري تدعيم التخلف الحضاري للعالم العربي. ومغزي التيار اللاثوري عبثية أي محاولة لتغيير الوضع القائم. ومغزي التيار اللاعلماني إسقاط دعوي منظمة التحرير الفلسطينية الخاصة بإنشاء دولة علمانية في فلسطين تؤلف بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وفي هذا الاطار تتحدد الرؤية الاسرائيلية لمعني الأمن, إذ هو لن يكون إلا أمنا حضاريا, التقدم معها والتخلف مع دول الخليج. وفي2007/7/30 تمت صفقة أسلحة متطورة بين أمريكا ودول الخليج. وقال رئيس وزراء اسرائيل أولمرت: إن بلاده تتفهم دواعي الخطة الأمريكية لتزويد هذه الدول بأسلحة متطورة لمواجهة التهديد الايراني للمنطقة. وبالمقابل أكدت أمريكا أنها ستحافظ علي التفوق العسكري لاسرائيل علي باقي الدول في منطقة الشرق الأوسط. ومن يومها وأنا مهموم بتحليل معني التخلف من أجل الكشف عن الجرثومة الكامنة فيه, وعن المضاد الحيوي القادر علي القضاء علي هذه الجرثومة. وفي عام1998 أصدرت كتابا عنوانه جرثومة التخلف. المزيد من مقالات مراد وهبة